هل أميركا معنية فعلًا بإنهاء الحرب على غزة؟
تاريخ النشر: 5th, August 2024 GMT
لم تكن الولايات المتحدة الأميركية الحليف التاريخي الأبرز لإسرائيل عند نشأتها عام 1948، ولم تحظَ بالاهتمام الأميركي في ذلك الزمن – كما هي اليوم – بالرغم من أنها ثانية دولة تعترف بإسرائيل بعد قيامها، فأول من اعترف بإسرائيل كان الاتحاد السوفياتي، بينما تعتبر بريطانيا سبب نشأة الكيان ونكبة الفلسطينيين، ولا يمكن نسيان بصمات فرنسا في برنامج التسلح النووي الإسرائيلي الذي تهدد به اليوم دول المنطقة.
تنبهت الولايات المتحدة لأهمية إسرائيل الإستراتيجية بعد نكسة 1967، حين اكتسحت الأخيرة العرب في ستة أيام، عند ذلك شعرت الولايات المتحدة أنَ إسرائيل تصلح بجدارة لكي تكون اليد الضاربة التي تفرض الهيمنة الأميركية الاستعمارية على المنطقة.
يدور في أروقة المتابعين كثير من الجدل حول من يهيمن على قرار الآخر، إسرائيل أم الولايات المتحدة الأميركية. من المؤكد أن إسرائيل تتمتع بنفوذ قوي جدًا في الولايات المتحدة الأميركية، لخصه رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو حين سئل عن الرأي العام الأميركي بعد حراك الجامعات الأميركية في ذروة الحرب على غزة، فقال إن أميركا يوجد بها الكثيرون ضد إسرائيل، لكن إسرائيل لا يهمها ذلك " ما دام الكونغرس معنا، ولدينا لوبي قوي هناك"، أي أنه لم يعطِ وزنًا لـ 1600 مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في أميركا في الشهور الخمسة الأولى للحرب على غزة، مقابل 280 فقط مؤيدة لإسرائيل، إنها لعبة جماعات الضغط ولكنْ لكل شيء حدود.
لا يمكن التقليل من أثر ذلك على القرار الأميركي في دعمه الراسخ لإسرائيل، لكن العلاقة متشابكة أكثر من ذلك، إذ إنّ الفاصل في حدود المسموح والممنوع مرتبط بالدرجة الأولى بمصالح الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأميركية وليس بمصالح إسرائيل إذا تعارضتا.
يطرح ذلك سؤالًا فيما يتعلق بالحرب على غزة، هل الولايات المتحدة الأميركية معنية فعلًا بإنهاء الحرب على غزة؟ الجواب بكل تأكيد لا. إذ لو كانت الولايات المتحدة الأميركية معنية بإيقافها لأوقفتها بمكالمة هاتفية واحدة، هذا لا يعني أن الولايات المتحدة راضية عن أداء إسرائيل في الحرب، فمن الواضح أن هناك تباينات في طريقة إدارة الحرب، لكن الإدارة الأميركية لم تصل بعد لقرار حاسم بأنها تريد إنهاء هذه الحرب.
فالإدارة الأميركية ما زالت عالقة في بناء تصور اليوم التالي للحرب، ومادام لم ينضج هذا التصور بتوافق إسرائيلي إقليمي فلن تتخذ الولايات المتحدة الأميركية قرارًا بإنهاء الحرب. يلخص ذلك تقرير صادر عن معهد الأمن القومي الإسرائيلي حول العلاقة الأميركية- الإسرائيلية منذ بداية الحرب على غزة، جاء فيه أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل في حربها وتساعدها عسكريًا وإستراتيجيًا، لكنها تنتقد سلوكها وتحاول الحد من عنف الحرب.
وتشترك الإدارة الأميركية مع إسرائيل في هدف "القضاء على حماس" وخلق واقع أمني جديد في غزة، لكنها وضعت حدودًا لإسرائيل لكي لا تضر بتوجهات الإدارة الأميركية بتشكيل نظام إقليمي جديد، يتضمن التطبيع مع دول المنطقة.
يقال أنّ إسرائيل تعرف تمامًا متى تصل الولايات المتحدة الأميركية إلى الخط الأحمر (enough is enough)، وهي وإنْ تبين أحيانًا أنها تشاكس الولايات المتحدة الأميركية، فهي لا تتجاوز بتاتًا حدودها، يقودنا ذلك إلى حقيقة مطلقة وهي أن هذه الحرب تقودها الولايات المتحدة الأميركية، وإسرائيل ليست سوى أحد اللاعبين الرئيسيين فيها.
لنستذكر في حدود هذه العلاقة ما قالته رئيسة وزراء إسرائيل السابقة غولدا مائير حين فرضت الولايات المتحدة الأميركية عليها وقف إطلاق النار في حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 وما تلا ذلك، قالت: "ما أضعفنا أمام الأقوياء، وما أصغرنا أمام الكبار". مشيرة إلى محدودية القوة والاستقلالية في القرار التي تتمتع بها إسرائيل حين تقرّر القوى الكبرى شأنًا ما.
إذ إن إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون التي أنشأت جسرًا جويًا من العتاد العسكري لمساعدة إسرائيل بعد أنْ شنت مصر وسوريا، حربًا مفاجئة عام 1973، هي ذاتها التي هددت في عهد الرئيس جيرالد فورد بإعادة تقييم العلاقات الأميركية مع إسرائيل، ما لم توقع معاهدة "فكّ الاشتباك" مع مصر للانسحاب من شبه جزيرة سيناء التي احتلتها عام 1967 لترضخ إسرائيل فورًا.
توافق على الحسم التاريخي للصراعلا يختلف – وفق ما سبق – التصور الأميركي عن التصور الإسرائيلي في إدارة العلاقة مع الفلسطينيين، فكلا الطرفين متفقان على عدم واقعية قيام دولة فلسطينية، وكل ما تديره الولايات المتحدة الأميركية لصالح الفلسطينيين، هو تحسين ظروف حياتهم في سياق الحسم التاريخي للصراع الذي يتكوّن من طرفين: مهزوم ومنتصر، وعلى المهزوم – من وجهة نظرهم والتي يتشاركونها مع عدد من دول الإقليم – وهم الفلسطينيون أنْ يرضخوا لشروط المنتصر.
وهذه هي اللغة الدبلوماسية التي يتحدث بها ممثلو الإدارات الأميركية المتعاقبة مع الفلسطينيين ومع دول المنطقة، لولا أن عكّر صفو ذلك أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وما تلاها.
يتّفق الطرفان على الحسم التاريخي للصراع لصالح إسرائيل، لكنهما يختلفان في تفاصيل إدارة هذا الحسم، وهذا الخلاف هو خلاف متشابك بين أطراف في إسرائيل مع أطراف في الولايات المتحدة الأميركية ضد أطراف أخرى في إسرائيل مع أطراف أخرى في الولايات المتحدة الأميركية، بين من يريد أنْ يبقى رمزٌ سياسي هزيل للفلسطينيين معزول في جيوب مبعثرة في الضفة الغربية حتى لا تنزلق إسرائيل إلى الفصل العنصري عالميًا، وتتحول لدولة منبوذة، وبين من يطالب بالحسم المباشر من خلال التهجير.
فالإدارات الأميركية المتعاقبة تشرعن الاستيطان في الضفة الغربية دون اختلاف جوهري بين الإدارات الديمقراطية أو الجمهورية منذ عام 1977 في هذا الملفّ، فالإدارات الديمقراطية تعتبر الاستيطان "مجرد عقبة أمام السلام"، وهو تعبير سخيف، مقارنة بحالة فصل عنصري وتهجير سكاني فاضحة تنطبق عليها اتفاقية جنيف الرابعة، بينما تعتبر الإدارات الجمهورية أن الاستيطان مشروع، وأن الضفة الغربية بما فيها القدس، حيز متاح لكل الأطراف إلى حين الوصول إلى تسوية والتي لن تحدث أبدًا.
ليست مجرد حليفتتدخل الولايات المتحدة الأميركية في أدق تفاصيل الحياة في إسرائيل وليس العكس، ولا يحتاج ذلك إلى كثير استدلال، كانت صحيفة يديعوت أحرنوت أشارت في تقرير لها بداية الحرب على غزة إلى مستوى هيمنة الإدارة الأميركية على قرارات الجيش في إسرائيل، لدرجة أن نقاشًا إسرائيليًا جرى حول ما إذا كان الجنرالات في الجيش الإسرائيلي يتمتعون باستقلالية في اتخاذ القرارات فيما يتعلق بالحرب، حتى إن الصحيفة سرّبت أن الجيش الإسرائيلي يرسل قائمة الأهداف في غزة مسبقًا لقيادة الأسطول الخامس في الجيش الأميركي ليتلقى الموافقة عليها.
تدور أحيانًا نقاشات صبيانية داخل أروقة مجلس الوزراء الإسرائيلي حول اتهامات بالتبعية للولايات المتحدة الأميركية، ويتم الغمز مرارًا وتكرارًا بجنرالات وعسكريين ووزراء بأنهم ليسوا فقط متوافقين مع الإدارة الأميركية، بل هم عملاء ينقلون لها ما يدور داخل أروقة صنع القرار في إسرائيل.
وهي اتهامات وجهها بشكل واضح نتنياهو لبيني غانتس في أكثر من مرة قبل استقالته من مجلس الحرب، محاولًا الظهور أمام الجمهور الإسرائيلي كمن يتحدى الإدارة الأميركية، حين انتقد تباطؤ المساعدات العسكرية الأميركية وقبلها في مواقف عديدة، بينما لا تعدو تصرفاته أكثر من حركات بهلوانية مزيفة يقوم بها ويجاريه بمثلها بن غفير، وبعض أقطاب اليمين، لكنهم كما غيرهم من المسؤولين الإسرائيليين يعرفون حجمهم تمامًا أمام الإدارة الأميركية إذا وقعت الواقعة، ويهرولون لها، كما في زيارة نتنياهو الأخيرة لواشنطن.
وأكثر من ذلك، مثلًا يعرف المتبصرون بالشأن الإسرائيلي مستويات تغلغل أعمق بكثير، مثلًا يخضع قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال الإسرائيلي، أي قيادة الضفة الغربية للرقابة الأميركية المباشرة، وتتدخل الإدارة الأميركية بشكل واضح في عمله وتشعره برسائل مختلفة أنه تحت مراقبتها لئلا يتجاوز الخطوط الأميركية الحمراء في الضفة الغربية.
يثير ذلك جدلًا مستمرًا بين أقطاب اليمين وأقطاب الدولة العميقة في الجيش حول ماهية التبعية للإدارة الأميركية، في مرات عديدة تجاوز لواء "كفير" في الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية حدوده في المبالغة في التطرف، لا سيما مع تغلغل أعضاء الصهيونية الدينية في وحدات الجيش العاملة في الضفة الغربية، فكانت الرقابة الأميركية تشعره دائمًا أنك تحت المجهر.
لا يعني ذلك أنَّ الإدارة الأميركية تقوم بشيء ما لصالح الفلسطينيين، فجماعات الاستيطان في الضفة الغربية بمن فيها جماعات إقامة الهيكل في القدس تتلقى جلّ دعمها المالي من جماعات في الولايات المتحدة الأميركية.
يعني ذلك أن ما تقوم به إسرائيل من إجراءات ضم وتسارع في الاستيطان وقضم الأراضي في الضفة الغربية يتم بموافقة أميركية كاملة، بينما في المقابل تُظهر الإدارة الأميركية موقفًا أكثر تشددًا ضد إسرائيل في اعتداءاتها الخشنة المباشرة على الفلسطينيين في الضفة، أو ارتكاب مجازر بحقهم أو عمليات تهجير جماعي، أو ما يمكن تسميته رفض "التوحش" الذي تنتهجه الصهيونية الدينية في السنوات الأخيرة لحسم الصراع على الضفة الغربية.
تيارات متداخلةقدّمت الولايات المتحدة الأميركية لإسرائيل في الفترة من 1946-2023؛ أي ما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 260 مليار دولار مساعدات عسكرية واقتصادية رسمية وفق بيانات (Greenbook) للمساعدات الأميركية للدول بما في ذلك التعاون في مجال الصواريخ والأقمار الاصطناعية، بينما تلقت أضعاف ذلك من خلال الهبات وتبرعات رجال الأعمال ولوبيات الدعم في الولايات المتحدة الأميركية.
يتشكّل اللوبي الضاغط الداعم لإسرائيل في الولايات المتحدة الأميركية من الأيباك، ومعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، ورابطة "مكافحة التشهير"، و"مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل"، وهم أشد فتكًا من الأيباك.
تشكل الصهيونية الدينية التي تتغلغل في إسرائيل في مقابل الصهيونية العلمانية انعكاسًا للمسيحية الصهيونية المتطرفة في الولايات المتحدة الأميركية والتي تعتبر شريانًا أساسيًا لها.
فالإنجيليون في الولايات المتحدة الأميركية أكثر دعمًا لإسرائيل من الأيباك اليهودي، أي أن أوراق التطرف المتنامية في إسرائيل جذورها في الولايات المتحدة الأميركية، حتى إنه وفي السجالات الفكرية بين الجانبين فإن تطرف الإنجيليين في الولايات المتحدة الأميركية أعلى من تطرف بعض الإسرائيليين.
يكفي للاستدلال التاريخي على هذا البعد الديني المتطرف في العلاقة بين الطرفين أن الرئيس الأميركي الجمهوري السابق دونالد ريغان (1981-1989) قال حين تم تسليمه حقيبة الأزرار النووية عقب تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية: "أدعو الله أن أكون أنا الشخص الذي سيضغط على هذه الأزرار في معركة "هرمجدون"، وكان مؤمنًا بمعركة هرمجدون التي ستؤدي لنهاية الزمان.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی الولایات المتحدة الأمیرکیة الإدارة الأمیرکیة فی الضفة الغربیة الحرب على غزة الأمیرکیة مع الأمیرکیة ا إسرائیل فی فی إسرائیل فی الجیش أکثر من
إقرأ أيضاً:
كيف تمددت الصين وكسبت نفوذها في أميركا اللاتينية؟
بينما كان الرئيس الصيني شي جين بينغ يحضر افتتاح مشروع "تشانكاي" الضخم في بيرو يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني من الشهر الحالي، الذي حوَّلت فيه الصين بلدة صيد نائية هناك لا يتمتع ثلث سكانها بالمياه إلى ميناء كبير تكلف إنشاؤه 1.3 مليار دولار بحسب "أسوشيتد برس"، كان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يستعد لحضور حفل تمنح فيه شركة "كالترين" الأميركية قطارات ركاب تعمل بالديزل طويل الأمد للعاصمة البيروفية ليما.
ورغم الاحتفاء الكبير الذي أظهرته الخارجية الأميركية بهذا الحفل، والتأكيد أنه يدل على حجم العلاقات بين البلدين، فإن الفارق بدا واضحا بين الزيارة الصينية وبين نظيرتها الأميركية. فبينما تتوسع الصين بمشاريع عملاقة في أميركا اللاتينية، تظهر الولايات المتحدة بطيئة وغير قادرة على منافسة الصين في ضخامة المشاريع المطروحة وسرعة إنجازها.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2طبول الحرب حول تايوان فهل تستعد الصين فعلا للمواجهة الأخطر؟list 2 of 2حرب الأسماك تشعل صراع المياه الرمادية بين الصين وأميركاend of listفكيف تمددت الصين وكسبت نفوذها في منطقة أميركا اللاتينية، وما الوسائل التي استخدمتها، وكيف تنظر الولايات المتحدة الأميركية لهذا التمدد.
الرئيس الصيني شي جين بينغ ورئيسة بيرو دينا بولوارت خلال احتفالهما بافتتاح ميناء تشانكاي (الفرنسية) الصين وأميركا اللاتينيةكثيرة هي المناطق المشتعلة في العالم اليوم، وأكثر منها تلك المناطق المهددة بالاشتعال. وفق هذا الواقع المتغير، تجد الولايات المتحدة الأميركية نفسها في عالم جديد يتحول تدريجيا، بعد سنوات ظنَّت فيها أميركا ومن ورائها العالم الغربي أن البشرية وصلت إلى نهاية التاريخ كما وصفها فوكوياما، وأن العالم أصبح مستقرا على قُطب واحد تعلوه الديمقراطية الليبرالية الغربية.
بالنسبة للولايات المتحدة، بات المستقبل يُنذر بالكثير من المخاطر التي يقع بعضها على بُعد مسافة ضئيلة منها، فالصين تتحرك بحذر وبطء لتكسب نفوذا جديدا في مناطق مختلفة من العالم، وواحدة من تلك المناطق هي فِناء أميركا الخلفي.
ففي السنوات الأخيرة، أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لأميركا الجنوبية، وثاني أكبر شريك لأميركا اللاتينية كلها، التي تضم بحسب دائرة المعارف البريطانية قارة أميركا الجنوبية والمكسيك وجزر البحر الكاريبي وأميركا الوسطى، وهي الدول التي تسود فيها اللغات اللاتينية.
إعلانكما أصبحت الصين المصدّر الرئيسي للإقراض والاستثمار الأجنبي المباشر في أميركا الجنوبية في مجالات الطاقة والبنية الأساسية، بما يتضمنه ذلك من مبادرة الحزام والطريق، وذلك بحسب مؤسسة الأبحاث الأميركية "مجلس العلاقات الخارجية"، علما بأن القرن الحادي والعشرين شهد تجاوز حجم الدعم المقدم من مؤسسات التمويل التنموي الصينية لمشاريع البنية الأساسية في أميركا اللاتينية حجم نظيره المقدم من البنك الدولي والمؤسسات الممولة التقليدية.
منذ بداية القرن الحالي، بدا أن الصين مهتمة بشدة ببسط نفوذها الاقتصادي وما يتبعه من نفوذ سياسي في تلك المنطقة الخطيرة بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية. ففي عام 2000، كان حجم التجارة بين الصين وأميركا اللاتينية، بحسب منتدى الاقتصاد العالمي، هو 12 مليار دولار فقط، لكن بحلول عام 2010 ارتفعت قيمة التجارة بين المنطقتين إلى 180 مليار دولار، حتى وصل الرقم إلى 450 مليار دولار عام 2021، وسط توقعات بأن يصل بحلول عام 2035 إلى 700 مليار دولار.
وفيما يتعلق بالتبادلات التجارية، ركزت الصين إستراتيجيتها على تبادل مفيد للغاية لاقتصادها، وهو مشابه للتبادلات التي تُجريها عادة الدول الكبرى مع الدول الأصغر شأنا، فهي تستورد المواد الخام من فول الصويا والنحاس والبترول، وهي المواد التي تحتاج إليها لتعزيز مشروعها الصناعي، بينما تُصدِّر لدول أميركا اللاتينية فائضها الصناعي على شكل منتجات ذات قيمة مضافة أعلى. ولكي تدفع الصين تلك الإستراتيجية نحو الأمام، فقد أبرمت اتفاقات للتجارة الحرة مع تشيلي وكوستاريكا والإكوادور وبيرو، واستطاعت أن تضم 21 دولة من أميركا اللاتينية لمبادرة الحزام والطريق.
وفي الوقت نفسه تدفع الصين باستثماراتها وقروضها في القارة، إذ بلغت استثماراتها بأميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي 12 مليار دولار، أي 9% من إجمالي الاستثمار الأجنبي في تلك المناطق، وقد أقرض بنك التنمية الصيني وبنك التصدير والاستيراد الصيني حكومات دول أميركا اللاتينية عموما مبلغا ضخما وهو 137 مليار دولار، وتُعد فنزويلا أكبر المقترضين على الإطلاق، وتأتي بعدها مباشرة البرازيل.
إعلاناستطاعت الصين من خلال مشاريع اقتصادية متعددة أن تبسط قبضتها بشكل كبير على الاقتصاد الأميركي اللاتيني، وتجعل دول المنطقة معتمدة عليها اعتمادا كبيرا، دون أن تنقل إليها التكنولوجيا الفائقة التي تُمكِّنها من الاستقلال عنها مستقبلا.
وكان من بين المجالات التي اهتمت بكين بالتوسع فيها الاستثمار والتوسع في قطاع الطاقة المتجددة بالمنطقة، وصار ثمانية من أكبر عشرة موردين للألواح الشمسية في المنطقة شركات صينية، فضلا عن تمويل محطات الطاقة الشمسية في المنطقة، علما بأن شركة "باور تشاينا" وحدها لديها أكثر من 50 مشروعا جاريا متعلقا بالطاقة في 15 دولة بأميركا اللاتينية بحسب أرقام عام 2022.
استحوذت الصين كذلك على شركات ومناجم مهمة في البرازيل والأرجنتين وبوليفيا وتشيلي متعلقة بمعدن الليثيوم الذي أولته اهتماما كبيرا، وهو المعدن شديد الأهمية بالنسبة للدول الصناعية لدخوله في تصنيع بطاريات الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب وبطاريات السيارات الكهربائية، وتحتوي تلك الدول تقريبا على نصف احتياطات الليثيوم المعروفة في العالم. كما توسعت شركة "هواوي" الصينية في القارة، بالأخص في الأرجنتين والبرازيل وتشيلي وكولومبيا والمكسيك وبيرو، إذ دخلت بقوة في مجالات البيانات والحوسبة السحابية.
وبحسب مسح أجرته جامعة المكسيك الوطنية، فإن أولويات الاستثمارات الصينية عموما في المنطقة تركزت على المواد الخام والمعادن بنسبة 34% في العقد الأخير، وقد استثمرت الصين بين عامي 2000-2018 مبلغا قدره 73 مليار دولار في قطاع المواد الخام بأميركا اللاتينية، ويشمل ذلك بناء المصافي ومصانع المعالجة في البلدان الغنية بالفحم والنحاس والغاز الطبيعي والنفط واليورانيوم، وهي تتجه أيضا بشكل كبير في السنوات الأخيرة إلى قطاعات أخرى مثل الطاقة غير الأحفورية والسيارات. وبصورة أعم، باتت الصين مؤخرا تولي أهمية خاصة في أميركا اللاتينية إلى تطوير وبناء ما تسميه "البنية التحتية الحديثة"، وهو ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي والمدن الذكية وتكنولوجيا الجيل الخامس والحوسبة السحابية.
إعلانكل ما سبق، جعل الحضور الصيني في اقتصاد أميركا اللاتينية جاذبا بالنسبة للحكومات، فقد قدمت بكين نفسها باعتبارها بديلا أكثر نشاطا من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، وفي الوقت نفسه فهي لا تعوق التعاون بطلبات كثيرة خاصة بالقيود البيئية وما إلى ذلك. ركزت الصين أيضا على وضع شعار التعاون بين بلدان الجنوب العالمي من أجل تحقيق التنمية بوصفه العنوان العريض لهذا التعاون.
على أرض الواقع، لم تستفد الصين من تعاونها مع أميركا اللاتينية من ناحية النفوذ الاقتصادي فقط، وإنما انعكس النفوذ الاقتصادي إلى مكاسب سياسية مباشرة. فبحسب مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، استطاعت الصين بجانب تعظيم نفوذها ومكاسبها الاقتصادية في القارة أن تعزز أيضا العلاقات الثقافية والتعليمية، وقد استفادت كثيرا من جائحة "كوفيد-19" حين تعاونت مع تلك البلدان ووفرت لها مئات الملايين من جرعات اللقاح بالإضافة إلى المعدات الطبية، واستطاعت بذلك أن تُظهر لحكومات دول أميركا اللاتينية أنها شريك حقيقي داعم، وليست شريكا اقتصاديا ينتظر الربح.
ومنذ عام 2001 لا تكف القيادات السياسية الصينية رفيعة المستوى عن تبادل الزيارات مع قادة المنطقة، وهو ما جعلها في النهاية توقع شراكات إستراتيجية شاملة، وهي أعلى مرتبة يمكن أن تمنحها الصين لحلفائها السياسيين، وذلك مع الأرجنتين والبرازيل وفنزويلا وبيرو والمكسيك والإكوادور وتشيلي، وقد استطاعت الصين من خلال شراكاتها الإستراتيجية هذه أن تجعل دول المنطقة لا تعترف بسيادة تايوان، إذ بقيت 7 دول فقط في المنطقة تعترف بهذه السيادة.
ووفق مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، لم تكتفِ الصين بالجوانب "الناعمة"، بل عمدت إلى تعظيم نفوذها العسكري في أميركا اللاتينية، وهي المنطقة شديدة الخطورة بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، وقد جرى ذلك تنفيذا لخطة الصين الإستراتيجية للدفاع عام 2016. أَثَرُ ذلك يمكن ملاحظته في فنزويلا بشكل كبير، التي باتت تعتمد على المعدات العسكرية الصينية، بينما تشتري الأرجنتين وبوليفيا والإكوادور وبيرو من الصين الطائرات والمركبات الأرضية والرادارات والبنادق الهجومية، واستطاعت الصين أيضا أن تعزز تعاونها العسكري والاستخباراتي مع كوبا. وتوفر الصين تدريبات عسكرية وإمدادات شُرطية للعديد من البلدان في تلك المنطقة، ومن أهمها بوليفيا والإكوادور، فضلا عن تبرعاتها للشرطة في ترينداد وتوباغو.
إعلان الولايات المتحدة الأميركية.. خائفةكثيرا ما تتحدث الأوراق البحثية والمقالات الصحافية الأميركية والأوروبية عن أن الصين "تُغرق دول أميركا اللاتينية في القروض، وتُوقعها في فخ الاعتماد المفرط المستقبلي عليها، كما أنها تدمر بمشاريعها الحقوق العمالية الراسخة هناك، وأن مشاريعها في بعض مجالات الطاقة لها آثار بيئية مستقبلية خطيرة للغاية، فضلا عن أنها تدعم النظم الاستبدادية وانتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة"، وتذهب بعض الصحف الغربية إلى تغطيات كاملة عن أن المواطنين في أميركا اللاتينية غاضبون من آثار الحضور الصيني المدمر للبيئة.
ولكن بعيدا عن تلك العناوين الرنانة التي تُخفي وراءها الكثير، فإن ما يُقلق الولايات المتحدة حقا هو أن هذا الحضور الصيني المكثف في تلك المنطقة شديدة القرب منها يُعد اقترابا خطيرا قد يُستَخدم لتهديد أمنها القومي في المستقبل، تماما كما تفعل أميركا بحضورها في بحر جنوب الصين ومنطقة المحيطين الهندي والهادي.
وقد نصَّت إستراتيجية الأمن القومي الأميركي التي خرجت للنور عام 2022 على أنه لا توجد منطقة يمكن أن تؤثر على الولايات المتحدة الأميركية بقدر التأثير الذي يمكن أن يحدث من نصف الكرة الغربي، وتعترف تلك الإستراتيجية بأن شراكات الولايات المتحدة الأميركية مع دول أميركا اللاتينية قد أصابها الضمور على نحو واضح استغلته الصين لتحل محلها، مما خلق تهديدات أمنية واضحة للولايات المتحدة، إذ أصبحت الصين هي اللاعب الأقوى في أميركا الجنوبية تحديدا، واستطاعت تشكيل المنطقة لصالحها عبر وسائل السياسة والاقتصاد.
دفع الوجود الصيني القوي والسيطرة المتزايدة على البنية الأساسية والموانئ وشبكات الطاقة في تلك المنطقة العديد من السياسيين الأميركيين إلى إثارة المخاوف حول التمدد الصيني، في ظل غياب حل فعال لاحتوائه، بينما تركز الولايات المتحدة الأميركية على مناطق أخرى من العالم وتترك باحتها الخلفية عُرضة للتوسع الصيني على هذا النحو، ويُحمِّل بعض المحللين الرئيس السابق دونالد ترامب هذا التراجع بسبب إثارته انزعاج البلدان المجاورة وتراجعه عن العلاقات التجارية مع المنطقة، وهو ما استغلته بكين للتقرب من الحكومات اللاتينية.
إعلانوقد عبَّر الأدميرال كريج إس فالر، الرئيس السابق للقيادة الجنوبية الأميركية، عام 2021 عن هذا الانزعاج حين قال: "نحن نفقد ميزتنا التموضعية في هذا النصف من الكرة الأرضية، وهناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات فورية لعكس هذا الاتجاه".
ورغم أن الرئيس جو بايدن قد عبَّر عن احتياج بلاده إلى تولي زمام المبادرة دائما في أميركا اللاتينية منذ أن كان نائبا للرئيس أوباما، وتعهده خلال فترة رئاسته بتعزيز الشراكات الأميركية من جديد مع نصف الكرة الغربي في إطار منافسة الصين ومواجهة مبادرة الحزام والطريق، فإن العديد من الخبراء يرون أن بايدن لم يبذل الجهد الكافي للتركيز على أميركا اللاتينية الخطيرة بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، ولم يضخ القدر الكافي من المال اللازم لمواجهة المد الصيني في تلك المنطقة.
وبحسب مؤسسة "بروغل" الفكرية الأوروبية المخصصة للدراسات الاقتصادية ومقرها بروكسل، فإن الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي هما مَن تسببا في النفوذ الصيني المتصاعد في أميركا اللاتينية، ولا ينبغي للغرب أن يلوم أحدا على هذا النفوذ الصيني إلا نفسه، إذ لم تتخذ الولايات المتحدة ولا أوروبا مسألة التوصل إلى اتفاقات تجارية واستثمارية مع أميركا اللاتينية بجدية منذ سنوات، ومن ثم فقد الغرب نفوذه تدريجيا في تلك المنطقة، وفي الوقت نفسه كانت الصين تستغل الفرصة التي تخلى عنها الغرب ببساطة.
وباختصار شديد، ترى "بروغل" أنه بينما كان الغرب يُجري مفاوضات معقدة وطويلة ومليئة بالتفاصيل المنفرة مع حكومات أميركا اللاتينية، كانت الصين تأتي بنشاط وتتوسع وتنمو في المنطقة دون الكثير من المفاوضات المرهقة، إذ لم تعد دول أميركا اللاتينية مضطرة لقبول الشروط الغربية المرهقة في وقت تمد فيه الصين أيديها بالكثير من المبادرات سريعة الفاعلية.
جانب من تطوير الصين لميناء تشانكاي في البيرو (الفرنسية)وبحسب الصحيفة البريطانية "فايننشال تايمز"، فإن مسؤولي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قد حذَّروه مرارا وتكرارا من أن التوغل الصيني بهذا الشكل لن يؤدي فقط إلى الاعتماد المفرط لدول أميركا اللاتينية على الاستثمارات الصينية، وإنما قد يؤدي إلى مخاطر أمنية بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، إذ يمكن أن تستخدم الصين البنية التحتية اللاتينية في المستقبل لأغراض عسكرية.
إعلانفي حين أشار المراقبون الاقتصاديون إلى أن التركيز الصيني مؤخرا على الاستثمار في التكنولوجيا الفائقة في تلك المنطقة يُمثل تحديا مباشرا لأوروبا والولايات المتحدة في إستراتيجياتها الاستثمارية وفي ساحات التنافس الاقتصادي الحاسمة في القرن الحالي. وعلى سبيل المثال، تركزت استثمارات الصين في المكسيك مباشرة على التصنيع عالي القيمة، ونقلت الشركات الصينية الإنتاج إلى المكسيك بهدف الوصول المباشر إلى أسواق أميركا الشمالية.
وبحسب "فايننشال تايمز" أيضا فإن الولايات المتحدة الأميركية رغم ذلك لا تزال فاشلة في تقديم تمويلات لمشاريع البنية التحتية في تلك المنطقة، أو عقد صفقات تجارة حرة مع مسؤولي أميركا اللاتينية، أو تقديم منتجات بديلة للمنتجات الصينية في المنطقة بأسعار تنافسية.
في ورقة بحثية بعنوان "كيف ينبغي للولايات المتحدة أن تستجيب لنفوذ الصين في أميركا اللاتينية؟"، أصدرها معهد الولايات المتحدة للسلام الذي أسسه الكونغرس الأميركي عام 1984، يتحدث الباحث نيكولاس فالبوينا كثيرا عن كيف يؤدي النفوذ السياسي الصيني في أميركا اللاتينية إلى ترسيخ "الدكتاتورية السياسية والشمولية" بحسب وصفه، وكيف يضر بالبيئة ويُوقع تلك الدول في فخ الاستدانة، مع ذلك فحين بدأت الورقة تناولها بدأته بما يؤرق الولايات المتحدة بالفعل، وهو أن النفوذ الاقتصادي الصيني يؤدي إلى زيادة نفوذ الصين السياسي على المستوى الدولي.
تبدأ الورقة البحثية من حادثة جرت 21 أغسطس/آب 2023، حين صوَّت برلمان أميركا الوسطى الذي يُمثِّل غواتيمالا والسلفادور وهندوراس ونيكاراغوا وجمهورية الدومينيكان وبنما على طرد تايوان بوصفها مراقبا دائما واستبدال جمهورية الصين بها، وسط اتجاه متزايد يدفع الدول التي يدخلها النفوذ الاقتصادي الصيني لأن تقف مع الصين بدلا من تايوان، حيث استطاعت الصين أن تجتذب 5 دول من المنطقة من عام 2017 حتى 2021 إلى صفها في تلك المعركة الدبلوماسية، ومن ثم لم يبقَ إلا 13 دولة تعترف بتايوان، منها 7 دول فقط في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، ومن المتوقع أن تجتذب الصين المزيد من الدول مستقبلا، خاصة وقد أصبحت 21 دولة في المنطقة جزءا من مبادرة الحزام والطريق، حيث تتطور العلاقات التجارية بسرعة بين الصين ودول المنطقة إلى تحالف تنموي وثقافي.
إعلانوترى الورقة البحثية أن دول أميركا اللاتينية وحكوماتها، سواء اليسارية أو اليمينية، باتت ترى في الصين ذات النهضة الاقتصادية الجذابة فرصة حقيقية للنمو الاقتصادي، وزيادة التجارة والاستثمارات في قطاعات البنية التحتية والاتصالات والخدمات اللوجستية، فضلا عن تمويل الديون.
وتلفت الورقة الانتباه إلى أن مثل هذا النجاح الصيني يأتي في ضوء منافسة جيوسياسية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين تجعل مثل هذا التقدم الدبلوماسي والاقتصادي الصيني في أميركا اللاتينية يُمثل تهديدا مباشرا للمصالح الأميركية، كما تُنبِّه الورقة إلى أن العديد من صناع السياسة في الولايات المتحدة الأميركية يخشون بشكل مباشر من أن تكون القوات المسلحة الصينية تخفي بالفعل منشآت ذات استخدام عسكري داخل مشاريعها العملاقة في أميركا اللاتينية، مما يُشكِّل خطرا مستقبليا على الولايات المتحدة في حال ازداد التنافس والعداء بين البلدين.
في الواقع، تتفق جُلُّ التحليلات الغربية التي تتحدث عن النفوذ الصيني في أميركا الجنوبية واللاتينية عموما على أن هناك خطرا ينبغي الانتباه إليه بالنسبة للولايات المتحدة، وأن الصين قد تمددت على نحو قد يهدد مستقبلا الأمن القومي لها، لكنها مع ذلك لا تتمكن من تقديم حلول متماسكة للسير في اتجاه معاكس، فبينما تتحدث عن الآثار البيئية السلبية المحتملة للمشاريع والتمويلات الصينية، تبدو الحكومات اللاتينية متوافقة مع الحكومة الصينية وساعية لمد التعاون أكثر وأكثر، بينما تقف الولايات المتحدة ومعها الاتحاد الأوروبي في موقع يفتقد للفاعلية حتى الآن، ولا تُبدي التحركات النشطة اللازمة لمحاولة مقاومة المد الصيني في فنائها الخلفي.