عربي21:
2024-09-09@15:43:15 GMT

الأزمات السياسية لا تُحسم بالاغتيال

تاريخ النشر: 5th, August 2024 GMT

في المنظور القانوني يعتبر الاغتيال «قتلا خارج إطار القانون» وبالتالي فهو جريمة غير مبرّرة، أيا كان فاعلها. لذلك اعتُبر القضاء العادل من أهم مميزات الدول المتحضّرة لأنها لا تمارس الانتقام خارج إطار القانون. كما يمثل الاغتيال تجاوز سلطة القانون والانطلاق بدوافع الانتقام والرغبة بتحقيق الغلبة على الطرف الآخر.

كما أنه لا يحسم المعركة السياسية في أي بلد، ونادرا ما يُحدث خللا في التوازن السياسي. ولكنه أحيانا يُدخل الخوف في نفوس المعارضين خصوصا إذا كان نظام الحكم في بلدهم دمويا وشرسا. وكثيرا ما يتلازم مع الاغتيال قتل نفوس بريئة كالنساء والأطفال.

ويمكن القول كذلك إن اللجوء للقتل خارج القانون يمثل ضعفا وليس قوة.

وبشكل عام ليس هناك عمليات اغتيال «نظيفة» بمعنى عدم سقوط ضحايا أبرياء خلال عملية القتل الانتقامي. فما مدى ما يسمح به القانون من قتل غير المذنبين خلال تلك العمليات؟
وتمارس القوات الأمريكية عمليات الاغتيال على نطاق واسع، ويندر أن تراعي الضحايا المدنيين المتوقع قتلهم أو إصابتهم عند إطلاق صاروخ او قصف بالطائرات.

العالم العربي، شهد موجة من الاغتيالات السياسية بعد إجهاض ثورات الربيع العربي، وهذا يمثل تحديا للوضع الأمني في منطقة تشهد احتقانا سياسيا وتوترا مجتمعيا في ضوء ذلك. ونجم عن ذلك دورة من العنف والعنف المضاد، اتسع نطاقها لتشمل عددًا من الفئات، مثل السياسيين والعسكريين ورجال القضاء والشرطة والفنانين والنشطاء السياسيين. حدث ذلك في تونس وليبيا واليمن وبلدان أخرى. ومع إطلاق الزمام لأجهزة الأمن غير المنضبطة، انتشر الخوف بين المواطنين على نطاق واسع في السنوات العشر التي أعقبت استهداف الثورات والتنكيل بالمشاركين فيها.

وتتواصل عمليات الاغتيال في بلدان العالم كذك. ففي يناير 1948 اغتيل المهاتما غاندي بثلاث رصاصات من بندقية هندوسي متطرف، واغتيل الرئيس الامريكي جون كنيدي في نوفمبر 1963، كما قتل رئيس الوزراء الياباني السابق، شينزو أبي في يوليو 2022. واغتيل الرئيس محمد أنور السادات في ما سمي «حادث المنصة» خلال عرض عسكري أقيم بمدينة نصر بالقاهرة في 6 أكتوبر 1981 احتفالاً بذكرى حرب أكتوبر مع «إسرائيل» في 1973. وفي سبتمبر 2001 اغتال تنظيم «القاعدة» أحمد شاه مسعود في داره. وكان مسعود آخر قائد بارز مقاوم لحركة طالبان حليفة التنظيم الجهادي في شمال أفغانستان. وفي عام 2004 لقي الرئيس الشيشاني احمد قديروف مصرعه إثر انفجار عبوة ناسفة في ملعب لكرة القدم في العاصمة الشيشانية غروزني، وذلك خلال الاحتفال بعيد النصر على ألمانيا الفاشية. وفي سبتمبر 2011 اغتيل برهان الدين ربّاني الرئيس الأفغاني الأسبق الذي كان يقود جهود السلام في أفغانستان في هجوم انتحاري استهدف منزلهِ في كابول. وفي يوليو 2021 اغتيل رئيس هايتى «جوفينيل مويس» على أيدي مجموعة مسلحة تتألف من 26 كولومبيا واثنين من هايتي، وسط حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي. واغتيل محمود المبحوح في يناير 2010 فى دبي وناجي العلي في أغسطس 1987 في لندن.

هذه الأمثلة تكشف طبيعة الاغتيال وفضاءاتها ودوافعها ذات الطابع السياسي في الأغلب، كما تكشف إصرار الأطراف على التخلص من مناوئيهم بالعنف إذا اقتضى الأمر. ولإظهار قدرتها على استهداف أي شخص في أي مكان، نفذت «إسرائيل» اغتيالات ومحاولات اغتيال استهدفت قادة وعناصر بارزة من معارضيها. فمنذ العام 1972 تبنّت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية سياسة اغتيال المناضلين الفلسطينيين. فاغتيل في يوليو من ذلك العام غسان كنفاني، المناضل والأديب، بتفجير سيارته في بيروت، ثم وائل عادل زعيتر (ممثل منظمة التحرير) ومحمود الهمشري (ممثل المنظمة في فرنسا). وشهد العام التالي (1973) اغتيالات إسرائيلية متواصلة أدت لاستشهاد عدد كبير من المناضلين منهم: حسين أبو الخير وباسل الكبيسي ومحمد يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر وزيد مقصي ومحمد بودية وأحمد بوشيقي. وفي العام 1979 اغتال الإسرائيليون كلا من علي حسن سلامة (قيادي بمنظمة أيلول الأسود) وزهير محسن (زعيم منظمة الصاعقة). أما في الثمانينات فطالت الاغتيالات كلا من فضل الضاني ومحمد حسن بحيص وباسم سلطان (حمدي) ومروان كيالي ماجد أبو شرار وخليل الوزير.

وفي التسعينيات طالت الاغتيالات عددا من القياديين الفلسطينيين من بينهم: صلاح خلف وهايل عبد الحميد وأبومحمد العمري والسيد عباس الموسوي (أمين عام حزب الله) وعاطف بسيسو وعماد عقل (كتائب القسّام)، وسعيد السبع، وفتحي الشقاقي ويحيي عياش.

وشهدت السنوات العشر الأولى من الألفية الجديدة اغتيالات بالجملة من بينهم جمال عبد الرزاق وثابت ثابت (حركة فتح) ومسعود عياد (منظمة التحرير)، جمال منصور (حماس)، جمال سليم (حماس)، عماد ابوسنينة (فتح)، أبوعلي مصطفى (الجبهة الشعبية )، محمد أبو هنود (كتائب القسّام)، راشد الكرمي (كتائب شهداء الأقصى)، محمود الطيطي (شهداء الأقصى)، حكم أبو عيشة (شهداء الأقصى)، رياض بدير (قائد معركة مخيم جنين)، ياسر سعيد رزق (القسّام)، مهد الطاهر (القسّام)، صلاح شحادة (القسّام)، إبراهيم المقادمة، إسماعيل أبوشنب (حماس)، الشيخ أحمد ياسين (مؤسس حماس)، عبد العزيز الرنتيسي (أحد مؤسسي حماس)، عز الدين خليل، عدنان الغول (حماس)، إحسان شواهنة (حماس) ومبارك الحسنات.

عندما استهدفت القوات الإسرائيلية الأسبوع الماضي محل إقامة إسماعيل هنيّة في طهران وقتل معه حارسه الذي كان معه في المنزل، لم يكن الاغتيال مفاجئا لأحد. ففي ظل مسلسل الاغتيالات أصبح واضحا أن القيادات الفلسطينية تتصدر قائمة الاستهداف. وهي تعلم ذلك، ولذلك تتخذ إجراءات أمنية احترازية دائما. فقد كان هنيّة مدعوّا لحضور حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، الذي انتخب حديثا. المشكلة تكمن في حجم هذه الإجراءات. فالزعيم القائد يرفض التوقف عن العمل لتحرير أرضه، ويسعى لإحداث توازن بين أمنه الشخصي وما يعتبره «واجبا» وطنيا أو شرعيا. وتؤكد قوائم الاغتيال عمق إصرار القيادات الفلسطينية، على تعدد خلفياتها الأيديولوجية والتنظيمية على تصدر المشهد وعدم الانكفاء أمام احتمالات الاستهداف من قبل العدو، لأن ذلك يمنح المحتلين هيبة لا يستحقونها. ويعتمد الإسرائيليون بشكل كبير على الدعم الأمريكي المتواصل الذي لم يتوقف يوما، حتى عندما تستخدم قوات الاحتلال ذلك الدعم لقتل الفلسطينيين وارتكاب جرائم ضد الإنسانية لا يمكن حصرها.

هذا يعني أن قضية فلسطين وصلت مرحلة «كسر العظم» بين أصحاب الأرض ومحتليها. وهذا أمر مقلق للطرفين. فالإسرائيليون لم يحقّقوا ما يحلمون به من أمن في ما يسمونه «أرض الميعاد» بعد مرور أكثر من ثلاثة أرباع القرن من الاحتلال. ولم تصل أمريكا مرحلة الرشد المطلوب من قوة عالمية كبرى مطالبة بقيادة تحقق أمن العالم واستقراره. كما أن الفلسطينيين لم يتزعزعوا تحت وطأة الضغوط الإسرائيلية وسياسات القتل والتدمير التي يمكن وصف بعضها بالإبادة. ومن هذا يتضح أن القضية الفلسطينية لا يمكن حسمها بالضربة القاضية، كما يعتقد بعض زعماء «إسرائيل». أما الفلسطينيون فهم أمام خيارين: الرضوخ للاحتلال بالاعتراف بالهزيمة والتخلي عن الأرض أو الاستمرار في مشروع النضال بانتظار تطورات قد تزلزل التوازن القلق الذي تعيشه المنطقة. أما الاغتيالات فلن ترجّح الكفة الإسرائيلية كثيرا، بل ستكرّس شعور الفلسطينيين بضرورة التصدّي للاحتلال مهما كان الثمن. فبرغم المجازر التي تعرّضوا لها في العقود الأخيرة (ابتداء من دير ياسين مرورا بصبرا وشاتيلا وصولا إلى مجزرة غزة التي راح ضحيتها قرابة الأربعين ألفا) ما زالت قضية فلسطين تنجب أبطالا يحملون الراية ويتحدّون الاحتلال ويحلمون بتحرير أرضهم. إنهم يعرفون بوضوح ما ينتظرهم من مصير من قبل المحتلّين القساة، ولكنهم راضون بذلك القدر. لذلك عجز المحتلون وداعموهم الغربيون عن حسم الأزمة برغم تفوقهم العسكري الهائل، والسبب أن التمسك بالحق يضاعف قوّة الإنسان وإرادته فتصغر التضحيات في عينيه، ويتمرد على شبح الموت والاغتيال. أليس صمود أهل فلسطين مصداقا عمليا لذلك؟ وعندما يلجأ المحتل للاغتيال والقتل الجماعي وانتهاك القوانين الدولية فإنما يؤكد خسارته، ليس الأخلاقية فحسب، بل الميدانية كذلك. لطالما حلم الفلسطيني المشرّد بالعودة إلى وطنه، فاستبسل في الثبات والصمود، حتى حملته الملائكة إلى عالم الخلود، أليس هذا ما حدث لإسماعيل هنيّة؟
(القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينيين غزة فلسطين غزة هنية مقالات مقالات مقالات صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

أستاذ بجامعة السوروبون: نتنياهو تسبب بنفور قادة الغرب من إسرائيل

قال دكتور خلدون النبواني، الأستاذ في جامعة السوربون، إن الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو تسبب حالة من النفور لدى القادة الأوروبين، مشدداً على أن ليس كل أوروبا لديها نفس الموقف.

وأضاف «النبواني» خلال مداخلة مع قناة «القاهرة الإخبارية» أن هناك بلدان أوروبية تختلف مواقفها قرباً أو بعداً من إسرائيل والقضية الفلسطينية، حيث أن كثير من الدول الأوروبية اعترفت بفلسطين كدولة مستقلة، وهناك ضغوطات في دول أخرى للاعتراف.

وأوضح الأستاذ في جامعة السوربون، أن إسرائيل وليدة أوروبا تراجع الاهتمام الأوروبي بها لصالح الاهتمام الأمريكي، لتصبح ابنة أمريكا وولاية أمريكية خارج حدودها.

وأكد «النبواني» أنه في ضوء الواقع الحالي الأن ومع كل تصرفات نتنياهو، أصبح الكذب أقل مساوئه، وهناك مشاكل كبرى ومنها التطرف التي تبعد أوروبا الأن ويجعلها متبعدة عن نتنياهو، مؤكداً أن أوروبا التي حققت السلام بعد حربيين عالميتين راح ضحيتها الكثير من الأوروبين، صدرت الحروب إلى الخارج، وأن الحرب على غزة تدار بأموال وأسلحة أوروبية متابعا: « هناك نوعاً من النفاق والتصريحات خجولة والأفعال لاتوزاي مثل تلك التصريحات».

وذكرت القناة 12 الإسرائيلية، اليوم ، أن مسؤولين قد أعربوا عن تشاؤمهم بعد انتهاء الجلسة الأمنية الأخيرة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، وأوضحت التقارير أن الجلسة انتهت إلى أن احتمال إبرام صفقة في الوقت الراهن يبدو ضئيلاً.

وأفادت المصادر أن المسؤولين المعنيين ناقشوا خلال الجلسة القضايا الأمنية الحساسة واستراتيجيات التعامل مع الأزمات الحالية، لكن لم يتم التوصل إلى توافق واضح بشأن صفقة محتملة. وأشارت إلى أن الخلافات السياسية والتعقيدات الأمنية قد أسهمت في تقليص فرص التوصل إلى اتفاق في المستقبل القريب.

وأضافت القناة أن هذا الوضع يبرز التحديات الكبيرة التي تواجه الحكومة الإسرائيلية في تحقيق تقدم ملموس في ملفات سياسية وأمنية معقدة، مما يزيد من حالة عدم اليقين حول كيفية معالجة الأزمات المتعددة التي تواجهها البلاد.

مقالات مشابهة

  • «الزراعة»: الدولة تقدم الكثير من الخدمات للمزارعين وتحميهم من الأزمات
  • المفتي قبلان: المسؤولية الوطنية تفترض ملاقاة مبادرة بري سريعاً
  • شرطة أبوظبي تُطلع “هيئة أبوظبي للزراعة” على أفضل ممارساتها التطويرية
  • النقد الدولي: ندعم الإصلاحات العراقية التي تبعد سوق النفط عن الأزمات
  • وزير الخارجية: نبحث مع الإمارات الأزمات في اليمن ومنطقة القرن الأفريقي
  • مساهمة بايدن غير المقصودة في الرعب الذي يتكشف في غزة
  • تقرير أممي يحذر من تفاقم أزمة الجوع العالمية: غزة في مقدمة الأزمات الغذائية
  • مجموعة الأزمات تحذر من تنامي عنف المستوطنين بالضفة وتدعو لعقوبات دولية
  • الرشق: المتضامنة الأميركية قُتلت بذات الرصاص الذي يقتل به شعبنا
  • أستاذ بجامعة السوروبون: نتنياهو تسبب بنفور قادة الغرب من إسرائيل