لماذا أُغلقت؟ .. المدارس المجتمعية السودانية في مصر ما قصتها
تاريخ النشر: 5th, August 2024 GMT
أكثر من 150 مدرسة ومركز تعليمي سوداني بالقاهرة وعدد من المدن المصرية، لا يزال مصيرها غامضا، بعدما قررت السلطات المصرية إغلاقها، مما وضع أكثر من 10 آلاف طالب أمام مصير مجهول، وفق لجنة المعلمين السودانيين.
التغيير ــ و كالات
وأغلقت السلطات المصرية في 29 يونيو الماضي، عددا من المدارس السودانية في القاهرة، “بينها 3 مدارس بمنطقة أكتوبر واثنتين آخريين بمنطقة فيصل (محافظة الجيزة)، لإدارتها من دون ترخيص”، وفق ما أوردت صحف مصرية، بينها صحيفة الجمهورية التابعة للحكومة.
ووفق الصحيفة الحكومية، فقد جرى التحقيق مع مديري المدارس من قبل الجهات الأمنية بعدد من الاتهامات، شملت تحويل الوحدات السكنية لأنشطة تعليمية يتردد عليها يوميًا أعداد كبيرة، دون مراعاة لشروط السلامة العامة وإحداث إزعاج للمواطنين.
وتنقسم المدارس التي طالها القرار بين مدارس خاصة، أسسها سودانيون كأفرع لمدارس قائمة في السودان، ومدارس أخرى جديدة كليا، ومدارس مجتمعية مدعومة جزئيا أو كليا من قبل منظمات أممية أو دولية، لتعليم اللاجئين.
وأكدت مديرة مؤسسة الفنار التعليمية السودانية بالقاهرة، هياتم زكي، أن المدارس السودانية الحاصلة على تراخيص العمل في القاهرة لا تتجاوز 21 مدرسة، قبل الحرب.
وقالت زكي لموقع الحرة، إن “أعداد المدارس بعد الحرب تجاوزت مئة مدرسة في في القاهرة، وخاصة منطقة فيصل والهرم”، مؤكدة أن “معظم تلك المدارس تعمل دون تراخيص رسمية، لا من السلطات السودانية ولا من السلطات المصرية”.
وأشارت إلى أن “السلطات المصرية أغلقت كل المدارس بما في ذلك مدرسة الصداقة التابعة للسفارة السودانية في القاهرة، وكذلك المدارس الحاصلة على التراخيص الرسمية”.
ونوهت مديرة مؤسسة الفنار التعليمية إلى أن “القرار لا يتعلق بشأن أكاديمي أو تربوي، وإنما يتعلق بتقديرات أمنية مصرية، وفق ما ذكره مسؤولون سودانيون لبعض مديري المدارس”.
وكانت السفارة السودانية في القاهرة، أشارت في بيان في يونيو الماضي، إلى أنها على “تواصل دائم مع السلطات المصرية لإيجاد حلول لأزمة إغلاق المدارس، وتقنين أوضاعها”.
وأهابت السفارة بضرورة الالتزام بالشروط والموافقات المعتمدة لدى السلطات المصرية المختصة، للحصول على التصديق اللازم لتقديم الخدمة التعليمية للمدارس السودانية في مصر.
وتتمثل الشروط المصرية في الحصول على موافقة كل من وزارة التربية والتعليم السودانية، ووزارة الخارجية السودانية، والخارجية المصرية.
كما تشترط الحكومة المصرية توفير مقر للمدرسة يفي بجميع الجوانب التعليمية والعلمية والتربوية، وإرفاق البيانات الخاصة والسيرة الذاتية لمالك المدرسة ومدير المدرسة، وكذلك صورة من طلب مالك المدرسة لسفارة السودان بالقاهرة.
بدوره، يرى الخبير التربوي السوداني، إبراهيم الطاهر، أن “قرار السلطات المصرية لم يكن موفقا ولم يراع الظروف التي يعيشها السودانيون الذين أجبرتهم الحرب على اللجوء إلى مصر”.
وقال الطاهر لموقع الحرة، إن “القرار أضرّ بأصحاب المدرس، كونه عرّضهم للخسائر بسبب الإغلاق، كما أضرّ بالطلاب وأسرهم، الذين يطمحون لإلحاقهم بالمدارس لتجنيبهم خطر الإنحراف”.
وأشار إلى أن المدارس السودانية في القاهرة لا تهدف فقط لتعليم الطلاب أكاديميا، وإنما ترمي “لتأهيلهم نفسيا من خلال جرعات مخصصة لإنتشالهم من الحالة النفسية التي دخل فيها كثيرون منهم فيها بسبب مشاهد القتال والدمار”.
وأضاف “ليس من مصلحة الدولة المصرية نفسها أن يظل الطلاب السودانيون بلا برنامج، إذ أن الفراغ يمكن أن يساهم في تحويل بعضهم إلى الإنحراف ومسار الجريمة، مما يضر بالأمن المجتمعي المصري”.
وكانت الأمم المتحدة ذكرت، على موقعها الرسمي، في أبريل الماضي، أنه “منذ أبريل 2023، تضاعف عدد اللاجئين السودانيين المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر 5 أضعاف، ليصل إلى 300 ألف شخص”.
من جانبها، أشارت الصحفية المصرية المتخصصة في الشأن السوداني، صباح موسى، إلى أن “إغلاق المدارس لم يأت فجأة، وإنما كان نتاج خطوات متدرجة”.
وقالت موسى لموقع الحرة إن “السلطات المصرية أمهلت المدارس السودانية فترة عام للعمل دون استيفاء الشروط الصارمة للعمل التعليمي، على أن تقوم بتوفيق أوضاعها بعد انتهاء العام”.
وأضاف “للأسف لم تلتزم معظم المدارس السودانية بالشروط والضوابط التي تضعها السلطات المصرية، لممارسة العمل التعليمي والأكاديمي، خاصة مسالة البيئة التعليمية والمقر المدرسي”.
وأشارت الصحفية المصرية إلى أن “كثيرا من المدارس السودانية تستأجر شقق داخل بناية سكنية، مما يترتب عليه إزعاج السكان الذين يسارعون لتقديم الشكاوى للسلطات ضد تلك المدارس”.
وتابعت “ما يؤسف له أن معظم المدارس السودانية تحصل رسوما كبيرة من الطلاب، دون أن توفر لهم بيئة تعليمية تلائم تلك الرسوم، بما في ذلك مقر المدرسة نفسها”.
ويُشكل السودانيون نحو 4 ملايين، من “المقيمين واللاجئين” في مصر البالغ عددهم 9 ملايين، يليهم السوريون بحوالي 1.5 مليون، واليمنيون بنحو مليون، والليبيون مليون نسمة، وفق تقديرات “المنظمة الدولية للهجرة”.
وبدورها، تشير مديرة مؤسسة الفنار إلى أن السلطات المصرية تطالب المدارس السودانية بمقر على ذات النسق الذي تُشيّد عليه المدارس المصرية.
وأضافت أن “السلطات المصرية اقترحت على السلطات السودانية قبل الحرب، أن تستضيف مدارس مصرية المدراس السودانية بعد نهاية اليوم الدارسي، أي في فترة ما بعد الظهيرة، وهو ما رفضته السلطات السودانية، بحجة أن ذلك التوقيت ليس مناسبا للدراسة والتعلّم”.
وتابعت “الآن اتجهت بعض المدارس إلى خيار الاستضافة، واستأجرت جزءًا من مقار مدارس مصرية، لضمان استمراريتها”.
وأضافت “نأمل من السلطات السودانية والمصرية الإسراع بإكمال إجراءت المدارس التي كانت تعمل قبل الحرب، بتراخيص رسمية من السلطات السودانية والمصرية والسماح لها بالعمل، وعدم معاملتها بالمدارس غير المرخص لها”.
ويعود الطاهر مشيرا إلى أن “إغلاق المدارس السودانية بالمدن المصرية، لا يتعلق فقط بمسألة الإجراءات وتوفيق الأوضاع”، لافتا إلى أن “القرار تزامن مع حملة مصرية في منصات التواصل الاجتماعي على السودانين”.
وقال إن “القرار جاء عقب حملة شنها مصريون على صاحب صالون حلاقة سوداني، ضمّن منطقة حلايب وشلاتين في حدود السودان بخريطة وضعها على صالون الحلاقة بصورة عفوية”.
وتابع “لا استعبد أن يكون القرار المصري بسبب تحريض على مدارس سودانية تُدرّس المنهج السوداني، خاصة مادة الجغرافية التي تؤكد على أن حلايب منطقة سودانية”.
من جابنها، نفت الصحفية المصرية المختصة في الشأن السوداني أي علاقة لأزمة حلايب بقرار إغلاق المدارس السودانية في القاهرة، مؤكدة أن “القرار إداري يهدف إلى تقنين أوضاع تلك المدارس”.
وأضافت “صحيح أن هناك بعض الأصوات بمنصات التواصل الاجتماعي تنتقد وجود السودانيين في مصر، وتتناول قضية حلايب كمشكلة خلافية، لكن لا علاقة لتلك القضية بالقرار، وهو مؤقت ورهين بتوفيق الأوضاع”.
وأشارت إلى أن “إغلاق مدرسة الصداقة التابعة للسفارة السودانية، وبعض المدارس الحاصلة على التراخيص، نتج عن خطأ من المكلفين بتنفيذ القرار، وليس من صلب وصميم القرار نفسه”.
وأدت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، إلى مقتل أكثر من 14 ألف شخص وإصابة آلاف آخرين، بينما تقول الأمم المتحدة إن نحو 25 مليون شخص، أي نحو نصف سكان السودان، بحاجة إلى مساعدات، وإن المجاعة تلوح في الأفق.
وقالت المنظمة الدولية للهجرة، التابعة للأمم المتحدة، في يونيو الماضي، إن عدد النازحين داخليا في السودان وصل إلى أكثر من 10 ملايين شخص.
وأوضحت المنظمة أن العدد يشمل 2.83 مليون شخص نزحوا من منازلهم قبل بدء الحرب الحالية، بسبب الصراعات المحلية المتعددة التي حدثت في السنوات الأخيرة.
وأشارت المنظمة الأممية إلى أن أكثر من مليوني شخص آخرين لجأوا إلى الخارج، معظمهم إلى تشاد وجنوب السودان ومصر.
ويعني عدد اللاجئين خارجيا، والنازحين داخليا، أن أكثر من ربع سكان السودان البالغ عددهم 47 مليون نسمة نزحوا من ديارهم.
الحرة ــ واشنطن
الوسومإغلاق الجيزة السودانية المدراس مصرالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: إغلاق الجيزة السودانية المدراس مصر
إقرأ أيضاً:
لا تخضعوا لجيش أعاد الدواعش إلى المشهد
إن الحديث عن "الانتصارات العسكرية" في الخرطوم وما جاورها لا يمكن أن يُقرأ بمعزل عن السياق العام للحرب التي تمزق السودان. إنها حرب عبثية، لم تنطلق بدوافع وطنية أو سياسية رشيدة، بل جاءت لتدشين صراع دموي على السلطة بين طرفين عسكريين لا يعيران أدنى اهتمام بحياة السودانيين أو آمالهم في الحرية والسلام.
إن دخول الجيش إلى مناطق كان يسيطر عليها الدعم السريع ليس نصراً وطنياً بأي معيار منطقي. هو مجرد تبديل بين قوى استبدادية، تُحمّل الشعب أعباء الخراب والدمار الذي خلفته هذه الحرب. المليشيات التي كانت أداة النظام الإسلاموي في فرض سطوته خلال السنوات الماضية، تحولت إلى عدو داخلي بسبب طموحها السياسي، والآن، بعودة الجيش إلى الواجهة، نرى نفس القوى الإسلاموية تظهر مجددًا وكأنها "منقذ" الشعب، بينما هي السبب الأول في هذه الكارثة الوطنية.
رمزية "النصر الإعلامي"
النصر الذي يروج له الجيش الآن لا يتجاوز كونه انتصارًا رمزيًا وإعلاميًا. الترويج للسيطرة على حي أو مدينة وسط مشاهد الخراب والدمار لا يمكن أن يكتسب أي معنى إيجابي. فالشعب الذي يهرب من تحت الأنقاض، أو يعود إلى منازل مدمرة، أو يعاني انقطاع الخدمات الأساسية، لا يرى أي فرق بين انسحاب الدعم السريع أو تقدم الجيش.
إن إدخال "الدواعش" والمليشيات الإسلامية إلى قلب المشهد العسكري يعد إهانة للثورة والثوار، الذين ناضلوا من أجل دولة مدنية تحترم حقوق الإنسان وتقوم على أسس المواطنة المتساوية. كيف يمكن أن يقبل الثائرون بدخول عناصر متطرفة إلى مناطقهم تحت راية الجيش؟ هؤلاء الذين جزوا الرؤوس وبقروا البطون في دارفور واحتفلوا بتدمير قرى بأكملها، يعودون الآن بصفتهم "محررين"!
تساؤلات المواطن المنكوب
من حق المواطن السوداني أن يسأل , لماذا تحول جيشنا إلى طرف في معادلة الصراع بدلاً من أن يكون حامياً للوطن؟
لماذا استخدم سلاح الدولة، الذي تم تمويله من قوت الشعب، في تدمير المدن وقتل الأبرياء؟
لماذا يصر الجيش على استخدام المليشيات الإسلامية التي كانت شريكاً مباشراً في جرائم الحرب؟
إن هذه التساؤلات تكشف الحقيقة المرة: الحرب الحالية ليست إلا نتيجة للفساد العميق والخلل البنيوي في المنظومة العسكرية، التي تأسست لخدمة أجندة الإسلاميين على حساب الدولة والمواطن.
مستقبل محفوف بالمخاطر
حتى إذا توقفت هذه الحرب، فإن أسبابها ستظل قائمة إذا لم تتم معالجة جذورها. من فساد المؤسسة العسكرية، إلى تعدد الجيوش والمليشيات، إلى غياب الرؤية السياسية لبناء دولة المواطنة، فإن السودان يظل معرضاً لحروب جديدة.
لن يوقف هذا العبث إلا وعي شعبي جامع يرفض الاصطفاف خلف أي طرف عسكري، ويرفض استغلال الدواعش والإسلامويين كأدوات للهيمنة. الشعب الذي صنع ثورة ديسمبر بصدور عارية لن يخضع لمن يريد إعادة عجلة الزمن إلى الوراء.
لن يأتي النصر الحقيقي إلا عندما تصبح الحرية والسلام والعدالة هي القيم الحاكمة، وعندما يعود الجيش ليكون مؤسسة مهنية خالصة تخدم الوطن بدلاً من أن تكون أداة للقمع والاستبداد.
لا تخضعوا للدعاية الزائفة، فالشعب هو القائد والمعلم والذي يملك السلطة ولن تنالوا منا غير االقصاص منكم والانصراف لبناء دولة المواطنة والقانون .
zuhair.osman@aol.com