الخلافات الأمريكية الإسرائيلية

إن الانكشاف الاستراتيجي للمنطقة والعالَم لم يحدث من قبل كما حدث في الحرب القائمة اليوم على قطاع غزة. هذا الانكشاف يُدلل على حالة الضرورة التي حاولت الدبلوماسية الأمريكية تجنب حدوثها، ليس بسبب طهرها السياسي؛ إذ لا طهر في سياستها، ولكنها أرادت اجتثاث القضية الفلسطينية بالقوة الناعمة لا بالقوة الخشنة، ولعل السياسي المقاوم في داخل غزة وخارجها أدرك هذا البُعد الاجتثاثي الخطير الذي أُريد له ولقضيته، فما كان منه إلا ذلك الإقدام الشجاع في السابع من أكتوبر، ليفضح المخطط كما نراه اليوم وكما لم نره من قبل، ويعيد قضيته إلى الواجهة، ويحطم قوة الردع الإسرائيلي، ويُناجز عدوه ويُسالبه حقه المغتَصَب بالحديد والنار،  وذلك خيارٌ ناجعٌ من الاستسلام التام وانتظار الوهم الدعائي الغربي والعربي المطبع في آن، والمتمثل في حل الدولتين؛ في الوقت الذي يعملون على ذبح الدولة الفلسطينية لصالح الدولة الصهيونية.

هنا نُدرك أن السبب الرئيس في عدم تحرير فلسطين ليست إسرائيل فحسب، بل الأنظمة العربية في مقامٍ واحدٍ مع الكيان الإسرائيلي. ليس في مقدور العقلية الإسرائيلية الاستعلائية تقبُّل تلك الصفعة التي تلقتها في السابع من أكتوبر، وهي القدوة في القدرة والقائدة التي يُعتد بها في منطقة الشرق الأوسط، والمتفق معها على حماية حكام الليكود العربي من شعوبهم، كما ليس في مقدور أميركا وهي الدولة العظمى تقبُّل هذا الخرق الأمني الكبير، وهي التي تُعِدُّ إسرائيل أمنها القومي، ما يترتب على ذلك التوافق على اجتثاث هذه الشوكة الوحيدة المتبقية في أعينهم-المقاومة- الخارجة عن الإطار الدولي الحاكم، الرافضة لأوامره ونواهيه، في استغلالٍ مطلق لهجوم السابع من أكتوبر لتحقيق هذا الاجتثاث للقضية وللإنسان المقاوم. هكذا علَت الأصوات وبدأت الأفعال في استئصال غزة، بيد أن صمود المقاومة ومطاولتها، مع الإبادة الكبيرة المتجاوزة لكل الأعراف والقوانين، خفَّض من اللهجة الأمريكية، وأظهرها بمظهر الراغب في إيقاف الحرب، ولِعب دور الوسيط، بينما تقوم بدعم الكيان الإسرائيلي بشتى أنواع الأسلحة، وتُعلن باستمرار تعصُّبها ووقوفها إلى جانبه، ولكنها انتقلت من خانة التعصب الظاهري إلى خانة التعصب الباطني المُصِر على هزيمة المقاومة، راغبةً في الحفاظ على صورتها أمام العالَم كلما عبرت عن إيقاف الحرب والدعوة إلى المفاوضات، والاتفاق مع إسرائيل في مماطلتها، والتحجج-عبر الأبواق الإعلامية- بقرب الانتخابات الأمريكية وعدم قدرتها لضغط على إسرائيل.

هذه المماطلة وتلك الحجج الواهنة، تُحدثنا عن فرصة سانحة للاستمرار في ارتكاب الجريمة، مع الأخذ بعين الاعتبار عدد المرات التي قامت فيه أميركا باستخدام حق النقض الفيتو في مجلس الأمن رفضًا لإيقاف الحرب، وكذلك ترهيب محكمة الجنايات الدولية وتقديم اعتراضاتٍ على إصدار مذكرات اعتقال في حق نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت. لعل اغتيال الشهيد الكبير إسماعيل هنية، أوضح مزيد توضيح ذلك التوافق المُطلق، والتخطيط المتفق عليه، والقيام  بلعب الأدوار، أما الجوهر فهو الاستمرار في الحرب وتصفية قادة المقاومة فوق أي أرضٍ وتحت أي سماء. ومن باب الاستطراد يجب الإشارة على أمرين :

الأول: المنطق السياسي يقول إن ليس من مصلحة المقاومة تنصيب خالد مشعل لقيادة الحركة، خاصة في هذا الوقت الحرج والحرج جدًا، بل يجب أن لا يتم تنصيب أيًا من كبار المقاومة في منصب القائد للحركة، لسببٍ موضوعيٍ في غاية الأهمية؛ وبكلمةٍ مكثفةٍ: حتى لا يتم كسر المقاومة للمرة الثانية!

لأن في كسرها عواقب خطرة على المجموع المقاوم، نظرًا لحساسية اللحظة الراهنة. هذا لا يعني أن كبار المقاومة في منأىً عن الاغتيالات، ولكنها وإن حدثت ستكون أخف وطأة على المقاومة، وأقل انتصارًا لإسرائيل.

لعل سامي أبو زهري جديرٌ بذلك لسببين:

الأول: يتمتع بشخصية قيادية وحضور كبير.

الثاني: يعتبر من الدرجة الثانية في سلم القيادات بالمقارنة إلى مشعل وأبو مرزوق والحيّة، وهذا يخدم الهدف المنشود من توليه القيادة.

صحيح أن الحكم شورى في المقاومة وممأسس، ولكن اللحظة الراهنة تتوجب اسثناء الأطر التقليدية لمواكبة المتحصل السياسي الراهن.

الثاني: رغم أهمية الدور الذي تقوم به قناة الجزيرة، إلا أنها في أحايينٍ كثيرةٍ تعمل كقوةٍ ناعمةٍ لأميركا، ولا أدلَّ على ذلك من تكرارها في نشراتها الاخبارية عن مكالمة جرت بين نتيناهو وبايدن وقد رفع الأخير صوته داعيًا إياه إلى عقد صفقة (الرهائن) وإيقاف الحرب.!

الخلافات الإسرائيلية الإسرائيلية.

ليس من المنطق السياسي في شيء ظهور إسرائيل بمظهرٍ واحدٍ إزاء ما يحدث في غزة، لأن في ذلك إشكالٌ على تماس واستمرار الحرب، وذلك لسببين:

الأول: هناك إبادةٌ قل نظيرها في العصر الحديث، ولا ينبغي سياسيًا الدعوة لاستمرارها، لأن استمرار الحرب هو استمرارٌ للإبادة بالضرورة، ومن المهم أن يظهروا بمظهر المختلف مع رئيس الوزارء نتنياهو، وأن يصوروا المشهد كل المشهد في عجرفة ورفض رئيس وزراءهم.

وقد رأينا كيف استقال بيني غانتس وغادي أيزنكوت من حكومة الطوارئ، ليس لأنهما يُريدان إيقاف الحرب، ولكنهما يحاولان الحفاظ على صورة إسرائيل حتى لا تهتز مزيد اهتزاز عند شعوب العالَم، في الوقت الذي يريدان فيه الاستمرار في الحرب لتحقيق طموح إسرائيل في استعادة قوة الردع وتصفية القضية الفلسطينية والمقاومة في داخل قطاع غزة وخارجها.

الثاني: هناك قرابة ١٢٠ إسرائيلي محتجز في قطاع غزة، وليس من السياسة توافق جميع ساسة إسرائيل ودوائرها السيادية مع نتنياهو، بل لا بد أن يظهروا لشعبهم اهتماهم بمواطنيهم وسعيهم في استنقاذهم، كما يظهروا للعالَم الرغبة ذاتها، إذ لا يُعقل ولا يُقبل أن يرفضوا جميعهم (علانية) هذا المطلب الهام، لأجل مصلحة إسرائيل في بعدها الاستراتيجي، مع أنهم مُجمِعون على المصلحة الاستراتيجية الإسرائيلية أكثر من إجماعهم على إستعادة( الرهائن).

التوتر في المنطقة وأهميته لإسرائيل.

الاستقرار في المنطقة العربية مهمٌ لأميركا وإسرائيل، وعدم الاستقرار في المنطقة العربية مهمٌ أيضًا لأميركا وإسرائيل.

* استقرار دول الخليج والدول المطبعة بشكلٍ عام مهمٌ لهما في هذه الفترة على الأقل، وذلك لسببين:

الأول: يقوم على قيادة إسرائيل  للمنطقة، ومن واجب القائد حماية ومساندة الدويلات التي يقودها، ويحفظ الأمن فيها وفي المنطقة عمومًا.

الثاني: أهمية الطاقة  في دول الخليج، والحفاظ عليها، كثروة أميركية أكثر منها ثروة عربية.

*أما عدم الاستقرار  في المنطقة، فلأسبابٍ ثلاثة:

الأول:  إخضاع من لم يخضعوا بعد للإرادة الإسرائيلية الأمريكية-غزة نموذجًا.

الثاني: خلق جماعات متطرفة تشتبك مع مجتمعها العربي، فتفتَّ في عضده وتشوه صورته.

الثالث: إبقاء حالة التوتر في المنطقة لكونه العامل الأهم  وتوسعات إسرائيل، فهي كيانٌ صغير، ودون التوتر في المنطقة لن تُمنح فرصة إتساعها ومد رواقها الجغرافي.

في المحصلة يقودنا ذلك إلى نتيجة مفادها؛ إن الحرب على غزة لن تتوقف حتى تجد إسرائيل من يقفها عن غيها وإبادتها، وإن التعاون الأميركي الإسرائيلي على ذات الغاية هو الصورة الأكثر وضوحا، فالكلمات والتصريحات لا قيمة لها، طالما المواقف تُكذِّب تلكما التصريحات والكلمات المبتذلة التي يتم تكرارها بين فينة وأخرى، وإن الخلافات الإسرائيلية الإسرائيلية نوع خداعٍ مدروس، لإلهاء الإعلام بخلافاتهم (الديمقراطية) عن أهدافهم الأساسية. هذا يدعونا للتفكر فيما لو كان بعض الساسة الإسرائيليون ومن ورائهم أميركا متفقون مع نتيناهو كما كانوا في بداية الحرب، هل يعد ذلك ذكاءً سياسيًا، أم غباءً وبلاهة!

مهيب نصر5 أغسطس، 2024 شاركها فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام قائد حوثي قُتل في العراق خلال اختبار جيل جديد من الطائرات المسيّرة مقالات ذات صلة قائد حوثي قُتل في العراق خلال اختبار جيل جديد من الطائرات المسيّرة 4 أغسطس، 2024 الأميركية ليديكي تدخل التاريخ بميدالية ذهبية تاسعة 4 أغسطس، 2024 لاعبة الجمباز الجزائرية كيليا نمور “فخورة” ومتألقة في مشاركتها الأولمبية الأولى 4 أغسطس، 2024 الجهود السعودية للخروج من اليمن قد تاتي بنتائج عكسية 4 أغسطس، 2024 اترك تعليقاً إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التعليق *

الاسم *

البريد الإلكتروني *

الموقع الإلكتروني

احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.

Δ

شاهد أيضاً إغلاق أخبار محلية مقتل قيادي حوثي بارز في غارة جوية بالعراق 4 أغسطس، 2024 الأخبار الرئيسية الخلافات الأمريكية الإسرائيلية، والخلافات الإسرائيلية الإسرائيلية، وحالة التوتر 5 أغسطس، 2024 قائد حوثي قُتل في العراق خلال اختبار جيل جديد من الطائرات المسيّرة 4 أغسطس، 2024 الأميركية ليديكي تدخل التاريخ بميدالية ذهبية تاسعة 4 أغسطس، 2024 لاعبة الجمباز الجزائرية كيليا نمور “فخورة” ومتألقة في مشاركتها الأولمبية الأولى 4 أغسطس، 2024 الجهود السعودية للخروج من اليمن قد تاتي بنتائج عكسية 4 أغسطس، 2024 الأكثر مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 اخترنا لك قائد حوثي قُتل في العراق خلال اختبار جيل جديد من الطائرات المسيّرة 4 أغسطس، 2024 مقتل قيادي حوثي بارز في غارة جوية بالعراق 4 أغسطس، 2024 بعد تضرر أكثر من 3500 أسرة نازحة.. الحكومة اليمنية تعلن مديريات حجة المحررة مناطق “منكوبة” 4 أغسطس، 2024 ما أثار مبادرة الحزام والطريق الصينية على السياسات اليمنية المصرية؟.. دراسة بحثية تجيب 4 أغسطس، 2024 “الحوثي” تزعم إسقاط طائرة أمريكية واستهداف سفينة في خليج عدن 4 أغسطس، 2024 الطقس صنعاء أمطار خفيفة 20 ℃ 24º - 19º 53% 2.19 كيلومتر/ساعة 24℃ الأثنين 21℃ الثلاثاء 22℃ الأربعاء 25℃ الخميس 25℃ الجمعة تصفح إيضاً الخلافات الأمريكية الإسرائيلية، والخلافات الإسرائيلية الإسرائيلية، وحالة التوتر 5 أغسطس، 2024 قائد حوثي قُتل في العراق خلال اختبار جيل جديد من الطائرات المسيّرة 4 أغسطس، 2024 الأقسام أخبار محلية 27٬369 غير مصنف 24٬170 الأخبار الرئيسية 14٬115 اخترنا لكم 6٬877 عربي ودولي 6٬689 غزة 1 رياضة 2٬263 كأس العالم 2022 72 اقتصاد 2٬200 كتابات خاصة 2٬046 منوعات 1٬957 مجتمع 1٬812 تراجم وتحليلات 1٬693 تحليل 1 تقارير 1٬569 آراء ومواقف 1٬478 صحافة 1٬471 ميديا 1٬361 حقوق وحريات 1٬286 فكر وثقافة 873 تفاعل 800 فنون 470 الأرصاد 271 بورتريه 63 كاريكاتير 32 صورة وخبر 29 حصري 17 الرئيسية أخبار تقارير تراجم وتحليلات حقوق وحريات آراء ومواقف مجتمع صحافة كتابات خاصة وسائط من نحن تواصل معنا فن منوعات تفاعل English © حقوق النشر 2024، جميع الحقوق محفوظة   |   يمن مونيتورفيسبوكتويترملخص الموقع RSS فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق فيسبوكتويترملخص الموقع RSS البحث عن: أكثر المقالات مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 أكثر المقالات تعليقاً 30 ديسمبر، 2023 انفراد- مدمرة صواريخ هندية تظهر قبالة مناطق الحوثيين 21 فبراير، 2024 صور الأقمار الصناعية تكشف بقعة كبيرة من الزيت من سفينة استهدفها الحوثيون 4 سبتمبر، 2022 مؤسسة قطرية تطلق مشروعاً في اليمن لدعم أكثر من 41 ألف شاب وفتاه اقتصاديا 4 يوليو، 2024 دراسة حديثة تحلل خمس وثائق أصدرها الحوثيون تعيد إحياء الإمامة وتغيّر الهوية اليمنية 26 فبراير، 2024 معهد أمريكي يقدم “حلا مناسباً” لإنهاء هجمات البحر الأحمر مع فشل الولايات المتحدة في وقف الحوثيين 11 يونيو، 2024 اعترافات واتهامات شبكة التجسس الأمريكية التي أعلنها الحوثيون.. ما لم يتمكن المتهمون من قوله؟ أخر التعليقات صالح البيضاني

سلام الله على حكم الامام رحم الله الامام يحيى ابن حميد الدين...

صالح البيضاني

سلام الله على حكم الامامه سلام الله على الامام يا حميد الدين...

SG

المذكورون تم اعتقالهم قبل أكثر من عامين دون أن يتم معرفة أسب...

سامي علي

ليست هجمات الحوثي وانماالشعب اليمني والقوات المسلحة الوطنية...

سامي علي

الشعب اليمني يعي ويدرك تماماانكم في صف العدوان ورهنتم انفسكم...

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: الخلافات الإسرائیلیة الإسرائیلیة فی المنطقة أکثر من

إقرأ أيضاً:

زفير الأنفاس الأخيرة للانتخابات الأمريكية يشعل المنطقة

شدد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، في كلمة مصورة الأولى من نوعها بعد توليه منصب الأمين العام للحزب، الأربعاء، على أن "مساندة غزة كانت واجبة لمواجهة خطر الاحتلال على المنطقة بأسرها، وحق أهل غزة على الجميع أن ينصرونهم"، معتبرا أن "السؤال لا يجب أن يوجه إلى الحزب عن أسباب مساندته غزة، بل إلى الآخرين عن أسباب عدم مساندتهم لأهل غزة".

في الآن ذاته، أكد قاسم أن الاحتلال والولايات المتحدة لم يقدما مبادرات لوقف الحرب بعد، وأن حزب الله سيتعامل مع المبادرات وفقا لشروطه. وبذلك أزال اللغط الذي أثاره الأمريكان وشركاؤهم حول فصل مسار غزة عن بيروت، وتحقيق ما عجزت عنه إسرائيل وأمريكا بالحرب عبر السياسة والمناورات الدبلوماسية التي عكستها زيارات المبعوث الأمريكي الخاص آموس هوكشتاين إلى لبنان والمنطقة؛ كان آخرها يوم الخميس، وهي زيارة ترافقت مع تسريبات قدمتها هيئة البث الإسرائيلي لاتفاق مقترح يسمح للكيان العمل داخل الأراضي اللبنانية، وينقل مسؤولية الرقابة والإشراف على القوة الدولية لحليف وشريك الكيان المحتل في الحرب القيادة المركزية الأمريكية (سينتكوم) التي يقودها الجنرال مايكل كوريلا (جزار النصيرات- Nusayrat Butcher) الذي تورط في قتل 300 فلسطيني وبتر أعضاء أكثر من 700 آخرين خلال مشاركة قواته من الكوماندوز الأمريكيين؛ في عملية عسكرية مع قوات الاحتلال لإطلاق أسرى لدى المقاومة الفلسطينية في مخيم النصيرات عبر الميناء العائم المؤقت في شهر حزيران/ يونيو 2024، وهو الجنرال الأمريكي ذاته الذي يزور الكيان الإسرائيلي بالتزامن مع زيارة المبعوث الأمريكي هوكشتاين للكيان، للتنسيق في ملف لبنان ومواجهة الرد الإيراني.

محاولة اكتساب بعض الأصوات في الانتخابات الأمريكية مع احتدام المنافسة الانتخابية وابتعادها عن الحسم، ما يُتوقع أن يقود الولايات المتحدة إلى أزمة سياسية عميقة
حراك أمريكا الذي قاده المبعوث الأمريكي الخاص هوكشتاين والجنرال كوريلا جاء معززا بتسريب الوثائق المزعومة على أمل الإبقاء على الجدل العقيم حول المبادرات الأمريكية، التي تسير بالتوازي مع رغبة أمريكية بإشاعة أجواء كاذبة من الانفراج السياسي والدبلوماسي الذي يستبق الانتخابات الأمريكية بأيام، مدعوما بحراك مواز تجاه قطاع غزة لمدير وكالة المخابرات الأمريكية (CIA) وليام بيرنز الذي زار الدوحة والقاهرة والتقى بشكل عبثي واستعراضي؛ مدير الموساد الإسرائيلي ديفيد برنياع ومدير الشاباك رونين بار، وإلى جانبهم الجنرال الإسرائيلي مسؤول ملف الأسرى ألون نيتسان؛ الذي استقال نائبه احتجاجا على عبثية اللقاءات وانعدام الصلاحيات للوفد الإسرائيلي.

المناورة الأمريكية الإسرائيلية مزدوجة الأهداف؛ أحدهما محاولة اكتساب بعض الأصوات في الانتخابات الأمريكية مع احتدام المنافسة الانتخابية وابتعادها عن الحسم، ما يُتوقع أن يقود الولايات المتحدة إلى أزمة سياسية عميقة؛ عمد جو بايدن الى استباقها والتخفف من أحمالها بالحديث عن نيته حضور حفل تنصيب الرئيس الأمريكي المقبل بغض النظر عن الفائز، وهي لغة لن تعالج الجروح الغائرة في الساحة الأمريكية وحالة الاستقطاب التي لن تحسم انتخابيا إلا ببضع مئات أو آلاف الأصوات.

السبب الآخر الذي يقف خلف الحراك الأمريكي، فضلا عن التخفف من الضغوط لوقف جرائم الاحتلال في شمال قطاع غزة والتغطية على الفشل العسكري جنوب لبنان، يتمثل في محاصرة إيران وإعاقة ردها العسكري إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية، بإشاعة أجواء من التفاؤل بقرب التوصل الى حل ووقف لإطلاق النار، وإضعاف تأثيرها بمسار التفاوض بقول المبعوث الأمريكي إلى لبنان هوكشتاين لشبكة فوكس نيوز إن "إيران عارية تماما" بعد الضربة التي وجهتها لها إسرائيل ودمرت بها قدرتها الصاروخية الدفاعية.

السبيل الوحيد المتبقي لأمريكا وإسرائيل لفرض شروطهما على طاولة المفاوضات استند إلى ضغوط إعلامية فارغة وحراك داخلي وعربي ودولي مشبوه ومفتعل؛ يعوض عن الفشل في الضغط على المقاومة عبر القوة المسلحة وجرائم الحرب التي طالت المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين
الحراك الأمريكي في المنطقة سوّقه الإعلام الأمريكي والإسرائيلي وبمساندة من بعض وسائل الإعلام العربية التي تعمل وكيلا إعلاميا للاحتلال وأمريكا في المنطقة، على أمل الضغط على المقاومة اللبنانية ومحاصرتها سياسيا، وذلك بعد الفشل في محاصرتها عسكريا. فالسبيل الوحيد المتبقي لأمريكا وإسرائيل لفرض شروطهما على طاولة المفاوضات استند إلى ضغوط إعلامية فارغة وحراك داخلي وعربي ودولي مشبوه ومفتعل؛ يعوض عن الفشل في الضغط على المقاومة عبر القوة المسلحة وجرائم الحرب التي طالت المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين.

ختاما.. نقل الكرة إلى الساحة اللبنانية المثقلة بالنزوح والتنافس والصراعات الداخلية هروبا من مأزق الانتخابات الأمريكية والفشل الإسرائيلي العسكري والأخلاقي؛ بات محور نشاط هوكشتاين وكوريلا وبيرنز، الأمر الذي بدده خطاب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم الذي أعاد التوازن للمشهد بالتأكيد على أن إسناد غزة لا زال قائما، وأن شروط المقاومة في أي عملية تفاوض لا يمكن تجاوزها، معززة بقدرة الحزب على الصمود والمواجهة العسكرية، وهو ذات الأمر الذي أكدت عليه حركة المقاومة الفلسطينية حماس قبل ذلك على لسان عضو مكتبها السياسي سامي أبو زهري، في بيان رسمي للحركة يوم الثلاثاء الفائت. وهي مواقف ضيّقت هامش المناورة الأمريكية الإسرائيلية، وفوتت عليها الاستفادة من زفير الأنفاس النتنة والأخيرة للانتخابات الأمريكية وإدارتها شبه الميتة.

x.com/hma36

مقالات مشابهة

  • فصائل عراقية تعلن مهاجمة أهداف حيوية في إسرائيل
  • 43314 قتيلاً.. ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة
  • العربي للدراسات: إسرائيل تشترط إخلاء قطاع غزة من المقاومة لإنهاء الحرب
  • الحرب الإسرائيلية على لبنان
  • زفير الأنفاس الأخيرة للانتخابات الأمريكية يشعل المنطقة
  • كيف ستحدد الانتخابات الأمريكية مستقبل حروب إسرائيل؟
  • عسكرة الدبلوماسية الإسرائيلية
  • ذخائر بقرابة ملياري دولار أطلقتها البحرية الأمريكية لقتال الحوثيين
  • جدول الإجازات المطولة 1446 بالسعودية.. اعرف أهميتها للطلاب
  • 2822 شهيدا حصيلة الهجمات الإسرائيلية على لبنان منذ بدء الحرب