في قصة ربما يكون قد خالط صاحبها بعض الخيال الجامح أثناء سرد تفاصيلها، تُعد حياة الفرنسي هنري شاريير واحدة من الأكثر غرابة على الإطلاق.

فبعد أن حُكِم عليه في العاصمة الفرنسية باريس، بالسجن بتهمة القتل عام 1931، ملأ هنري "بابيون" تشارييه، الذي اعترف بأنه كان يسرق الخزائن، 13 كتابا بقصة 13 عاما من عمره سيطر عليها هدفان رئيسيان استحوذا على حياته، وهما: الهروب، والانتقام.

وبالفعل نجح بابيون، والذي يعني لقبه في الفرنسية "الفراشة" ويرجع لوشم كان يزين صدره، بالهرب من أسوأ سجون فرنسا سمعة 8 مرات.

فقد قطع الأنهار؛ وشق طريقه عبر الأدغال؛ وعَبَر برفقة اثنين من رفاقه أكثر من ألف و600 كيلومتر من البحر الكاريبي في قارب مفتوح؛ إلى أن نجح في الهروب أخيرا، عائما على كيس طفو مصنوع من ثمار جوز الهند.

الإدانة بالقتل.. فالحكم بالسجن المؤبد

بدأ شاريير مسيرته الإجرامية كرجل عصابات صغير في العاصمة الفرنسية، وكانت وظيفته تتمثل في سرقة الخزائن، وقيل أيضا إنه مارس نشاطات لا أخلاقية أخرى.

ورغم أنشطته الخارجة على القانون كرجل عصابات، لم يتم القبض على شاريير إلا بعد مقتل رجل العصابات رولان ليغراند عام 1931.

ورغم ادعاء براءته، حُكم عليه بالسجن مدى الحياة مع الأشغال الشاقة في سجن مستعمرة سجن سان لوران دو ماروني بغويانا الفرنسية عام 1933.

وكانت الظروف في سجن المستعمرة -التي اتخذها الفرنسيون كوجهة عقابية- وحشية، لكن علاقة صداقة وأخوّة وطيدة نشأت بين شاريير واثنين من زملائه السجناء، هما جوان كلوزيو وأندريه ماتوريت، فاتفق معهما مرارا على الهرب.

حققت رواية "بابيون" للفرنسي الفرنسي هنري شاريير مبيعات تجاوزت 5 ملايين نسخة في جميع أنحاء العالم (غيتي) الهرب مهما كلّف الأمر

في نوفمبر/تشرين الثاني 1933، هرب الرجال الثلاثة من سان لوران في قارب صغير مفتوح. وبعد الإبحار لمسافة تقرب من 3200 كيلومتر على مدى الأسابيع الخمسة التالية، تحطمت سفينتهم بالقرب من قرية كولومبية. وسرعان ما أُعيد القبض عليهم، لكن شاريير تمكن من الهرب مرة أخرى، واستغل عاصفة بحرية عاتية للهروب منهم.

ولاحقا، زعم شاريير أنه تمكن آنذاك من شق طريقه إلى شبه جزيرة غواخيرا في شمال كولومبيا، التي قال إنه قضى فيها عدة أشهر يعيش مع قبيلة محلية من السكان الأصليين في الغابة.

وفي نهاية المطاف، قرر شاريير أنه حان وقت المغادرة ومحاولة العودة لبلاده، لكن بمجرد خروجه من الغابة، أُعيد القبض عليه على الفور تقريبا، وحُكم عليه بالسجن الانفرادي لمدة عامين كعقاب على هروبه.

هرب 8 مرات.. وعوقب بـ"جزيرة الشيطان"

على مدار الأعوام الـ11 التالية التي سُجن فيها شاريير، حاول الفرار مرات عديدة؛ ويُعتقد أنه حاول الهروب من السجن 8 مرات.

وقد قال لاحقا في مذكراته إنه أُرسل نظير محاولاته المتكررة للهروب إلى "جزيرة الشيطان"، كعقاب له. وهو معسكر سجن ضمن مستعمرة غويانا العقابية، ويُعرف بأنه لا مفر منه مع معدل مرتفع لوفيات السجناء يصل إلى 25%.

ثم بحلول نهايات عام 1944، كانت المحاولة الثامنة والأخيرة سبيله للحرية؛ فبمجرد خروجه من المستعمرة، أبحر حسب وصفه في "مياه مليئة بأسماك القرش على طوف مصنوع من ثمار جوز الهند المربوطة ببعضها البعض".

وقد تمكن أخيرا عام 1945، من الرسو في فنزويلا؛ حيث استقر وتزوج هناك، بل وحصل على الجنسية الفنزويلية أيضا، وهذا سمح له ببدء الفصل الجديد من حياته التي عاشها بهدوء بعد أن افتتح مطعما هناك.

مذكرات شاريير تلهم هوليود

في سن الـ62، بدأ هنري شاريير في الكتابة. وبالفعل، ملأ الكثير من المجلدات بالنصوص، وأرسل مخطوطات سيرته الذاتية المكونة من 13 جزءا إلى ناشر فرنسي.

وقد بيع من كتاب "بابيون" -الذي قال شاريير إنه "حقيقي بنسبة 75%"- أكثر من 700 ألف نسخة في غضون الأسابيع العشرة الأولى فقط من نشره في باريس عام 1969.

ثم سرعان ما تحولت السيرة الأكثر مبيعا إلى فيلم سينمائي تصدّر شبابيك التذاكر عام 1973، وكان من بطولة ستيف ماكوين في دور شاريير، وداستن هوفمان في دور زميله في السجن وصديق رحلاته في الهروب.

عفت فرنسا عن هنري شاريير عام 1970 فعاد للعيش في باريس مرة أخرى بعد انتهاء محكوميته لهروبه من السجن بالتقادم (غيتي) الشهرة ترد حريّته المنشودة

بعد أن أصبح مشهورا، تمكن هنري شاريير أخيرا من أن يصبح حرا. فقد عفا عنه المسؤولون الفرنسيون عام 1970، وهذا سمح له بالعيش في فرنسا مرة أخرى بعد انتهاء محكوميته لهروبه من السجن بالتقادم.

ومع ذلك، لم يعش طويلا ليتمتع حقا بثروته وحريته وشهرته. إذ توفي في 29 يوليو/تموز عام 1973، عن عمر يناهز 66 عاما بعد عناء مع مرض السرطان.

وفي وقت وفاته، بيعت رواية "بابيون" (Papillon) أكثر من 5 ملايين نسخة في جميع أنحاء العالم.

وبعد رحيله بعقود، تم إعادة إحياء قصته في فيلم جديد حمل اسم الرواية عام 2017 من بطولة رامي مالك في دور الصديق الوفي ديغا، ومن بطولة تشارلي هونام الذي لعب دور شاريير.

ومع ذلك، تم اتهام هنري شاريير باختلاق العديد من المغامرات التي ذكرها في سيرته روايته، كما اتُهم بالاستيلاء على مغامرات الآخرين من زملائه في السجن، وقد صدرت كتب عن تلك الادعاءات مثل "الحقائق الأربع في بابيون" لجورج ميناجير.

وعلى سبيل المثال، ادعى شاريير في مذكراته أنه أنقذ ابنة أحد حراس السجن من هجوم سمكة قرش، لكن تبين أن سجينا آخر كان هو من أنقذ الطفلة، بل وفقد ساقيه وتوفي نتيجة الحادث.

كما ادعى شاريير أنه سُجن في "جزيرة الشيطان"، لكن سجلات المستعمرة الجزائية الفرنسية لا تشير إلى أنه أُرسل إلى ذلك السجن.

ومع ذلك، ورغم مكذّبيه، فإن جزءا كبيرا من المغامرات المثيرة الواردة في سيرة هنري شاريير الذاتية حقيقي على ما يبدو، فقد عاش حياة مليئة بالمغامرات وشارف على الموت مرات عدة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات

إقرأ أيضاً:

من هو محمد الضيف بعد إعلان اغتياله؟ لقبوه بـ«الرجل ذو الـ9 أرواح»

أعلنت حركة حماس رسميًا استشهاد محمد الضيف قائد الجناح العسكري لحركة حماس وذلك بعد شهور من إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي في أول أغسطس الماضي، مسؤوليته عن اغتياله، في هجوم المواصي الذي نفذه على خان يونس بغزة.

الضيف يبلغ من العمر 60 عام

الاسم الحقيقي لـ«الضيف» هو محمد دياب إبراهيم المصري، يبلغ من العمر 60 عام وولد في مخيم خان يونس للاجئين بقطاع غزة، وانضم إلى حركة حماس خلال الانتفاضة الأولى عام 1987، وألقي القبض عليه بعد عامين فقط من انضمامه إلى الحركة وأمضى 16 شهرًا في سجون إسرائيل، حسبما ذكرت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»

ولم تكن هذه المحاولة الأولى لاغتيال الضيف حيث سبق وحاولت قوات الاحتلال اغتياله 7 مرات، وخلال أحدها فقد إحدى عينيه وأصيب بجروح خطيرة في إحدى ساقية، وفقًا لمصادر من حماس، عقب نجاته من محاولات اغتيال عدة أطلق عليه أنصاره في غزة لقب «الرجل ذو التسع أرواح».

الضيف هو العقل المدبر لمعظم هجوم  7 أكتوبر

ويعتقد الاحتلال الإسرائيلي أن الضيف هو واحد من العقول المدبرة لهجوم حماس في 7 أكتوبر، وأنه من مطوري شبكة الأنفاق في قطاع غزة، كما كان له دور في صناعة القنابل.

وكان الدكتور هرئيل حوريف، المؤرخ والباحث كبير في الشؤون الفلسطينية، في مركز موشيه لصحيفة «معاريف»، قد قال في محاضرة سابقة إن الضيف، نجح في خداع إسرائيل عدة مرات.

وتابع: «المعلومات حول الرجل شحيحة، ولا أعتقد أن هناك أي رؤية موضوعية هنا، على سبيل المثال تحدثوا عن حقيقة أنه فقد البصر في عين واحدة، ولكن يبدو أنه يتصرف بشكل جيد، وهذا لا يعني أنه ليس معاقاً».

وأشار إلى أن «الضيف» درس في الجامعة الإسلامية في غزة، وينتمى لأسرة تهجرت من الأراضي المحتلة ويعتبر العقل المدبر لعمليات ضد إسرائيل منتصف تسعينات القرن الماضي.

وأوضح أن محمد الضيف نجا من عمليات اغتيالات عدة بكل برود، وهو شديد التركيز على الأهداف، وكتوم، وكانت اسرائيل تعتبره خطيرًا للغاية».

وحاولت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية قتل «الضيف» 7 مرات على الأقل سابقا أعوام 2001 و2002 و2003 و2006 و2014 وعام 2023 و2024 وتعرض لإصابات خطيرة، وفقد عينه وذراعه وساقيه وفقًا لتايمز أوف إسرائيل، وفي محاولة عام 2014 قتلت زوجته وابنه الرضيع وابنته ذات الـ3 سنوات

مقالات مشابهة

  • إعلام إسرائيلي: زيارة نتنياهو لواشنطن قد تحدد أسوأ نهاية لمسيرته
  • “قبور للأحياء”: الحالة الصحية التي يخرج بها المعتقلون الفلسطينيون من سجون إسرائيل تعكس تعذيبًا وتجويعًا ممنهجًا
  • من هو أدهم الجمال؟.. الموهبة التي ألهمت «محافظ المنيا»
  • حوحو: “كانت تنقصنا الإرادة والروح القتالية أمام شباب فسنطينة”
  • أذكار الصباح.. «حصن يحميك وبركة في بداية اليوم»
  • كرواتيا يهزم فرنسا ويتأهل لنهائي كأس العالم لكرة اليد
  • يد كرواتيا تضرب فرنسا
  • كرواتيا تطيح بفرنسا وتتأهل إلى نهائي كأس العالم لكرة اليد
  • من هو محمد الضيف بعد إعلان اغتياله؟ لقبوه بـ«الرجل ذو الـ9 أرواح»
  • غدًا بمعرض الكتاب.. محمد جلال يوقع روايته "أسوأ احتمال ممكن" لحسين الشوربجي