لجريدة عمان:
2025-03-11@10:55:57 GMT

الحل في الخطاب الديني الصحيح والنصوص الفلسفية

تاريخ النشر: 5th, August 2024 GMT

الحل في الخطاب الديني الصحيح والنصوص الفلسفية

تقف المجتمعات في العالم الإسلامي عند مفترق طرق، تنشط فيه عمليات الاستقطاب ونشر الكراهية، وأسوأ مراحل التاريخ من حيث تآكل القيم الإنسانية وضياع المبادئ التي راكمتها البشرية طوال قرونها الماضية.. فينتشر الانحلال الأخلاقي وتنشط الصراعات الأيديولوجية. وفي هذا المشهد المضطرب تبدو الحاجة ملحة جدا إلى الاعتدال والبحث عن المشتركات الإنسانية التي يمكن أن تجتمع حولها البشرية بحثا عن الخلاص من كل العبث والضياع الذي يعيشه العالم.

كانت هذه الأفكار حاضرة بقوة، وتشغل جميع من حضر المؤتمر التاسع لوزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية الذي تستضيفه المملكة العربية السعودية.

وطرحت سلطنة عمان في كلمتها أمام المؤتمر الكثير من القضايا الملحة في المشهد الإسلامي والعالمي وبشكل خاص تلك المتعلقة بالقيم الإنسانية المشتركة، والتي يدور حولها مشروع سلطنة عمان الذي أطلقته في عام 2019 وهو مشروع «المؤتلف الإنساني»، حاملًا شعار «نحو قيم إنسانية مشتركة»، ويقوم على ثلاثة مرتكزات: هي العقل والعدل والأخلاق، ويقترح من خلاله منهج عمل يُقدَّم للعالم ليعينه على النهوض من جديد واستشراف حياة متوازنة، يعيش فيها الناس على أساس من الكرامة والحقوق الأساسية والأمان النفسي. كما طرحت سلطنة عُمان تجربتها في مشروع «رسالة الإسلام» والذي يهدف إلى نشر مبادئ التسامح والتعايش والتفاهم، ومجابهة الصور النمطية عن الإسلام والمسلمين، والمساهمة في الحد من خطابات الكراهية ورهاب الإسلام.

وهي مشروعات جديرة بالقراءة الدقيقة في ضوء ما يشهده العالم من استقطابات وخلافات وتآكل للقيم والمبادئ، وإن لم تكن تلك القراءة من أجل تبني هذه المشروعات على مستوى العالم الإسلامي فليس أقل من العمل الجاد بمضامينها ولو في مشروعات وطنية مشابهة في دول العالم الإسلامي.

إن العالم الإسلامي في أمس الحاجة اليوم إلى تعزيز قيم التماسك الاجتماعي والتربية على القيم المشتركة، وهي أفكار ليست ابنة اللحظة التي نعيشها ولكنها أطروحات للفلاسفة العرب منذ قرون طويلة مضت.. وابن خلدون في مقدمته كان كثير التأكيد على دور التماسك الاجتماعي في ازدهار الحضارات، معتبرا أن قوة المجتمعات تكمن في وحدتها وفي البحث عن القيم المشتركة التي تجمع الناس.

ولا جدال في أن التحديات التي تواجهها البشرية اليوم تتطلب فهما متجددا للمبادئ الدينية والأخلاقية بما يتناسب مع العصر الذي نعيشه ومع معطياته الجديدة. ولا شك أن الفهم الحقيقي للمبادئ الدينية وكذلك الأخلاقية من شأنه أن يوصل الإنسان إلى حقيقة أن العنف والتطرف ما هما إلا انحراف واضح عن الجوهر الحقيقي للدين، الدين الذي يقدر الكرامة الإنسانية، وهذه مسؤولية جماعية لا يمكن أن تحصر فقط لعلماء الدين، فخطر التطرف من شأنه أن يطال الجميع في لحظة من اللحظات.

وكما أكدت كلمة سلطنة عمان أمام المؤتمر، فإنه من المهم أن نعيد التأكيد على أهمية دور الأسرة في التربية والتنشئة المعتدلة. على أن دور الأسرة الأساسي يتمثل في البناء الأخلاقي، وهذا البناء متى ما كان صلبا سيقف حائطا ضد التطرف وضد تشظي المبادئ وتبعثرها في عالم اليوم.

لا يمكن أن نتحدث عن خطابات الكراهية والعداء التي تغزو العالم وعن التفكك الإنساني دون أن نعي أهمية بناء القيم الأخلاقية وتعزيز المشتركات بين البشر واحترام إنسانية الإنسان. وكل هذا يمكن أن نستلهمه بسهولة من فهمنا الصحيح للدين الإسلامي وفهم نصوصه وقيمه ومبادئه، كما يمكن أن نستخلصها من التراث الفلسفي الإسلامي الغني بالدعوة إلى الوحدة والرحمة والعقلانية. وفي كل هذا يكمن الخلاص الحقيقي من هذا المشهد العالمي المضطرب والمليء بالضياع والكراهية والحقد.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العالم الإسلامی یمکن أن

إقرأ أيضاً:

سوريا في الطريق الصحيح

قبل أن نصل إلى ما جرى في الساحل السوري، يجب أن نعود بالأحداث السورية إلى بدايتها كي تتضح الصورة كاملة.

ربما يعد إسقاط الشرع ورفاقه لنظام الأسد أهم حدث في هذا العقد، وربما عقود أخرى لسوريا ولمنطقة الشرق الأوسط. أُسقط نظام الأسد الذي جمع أسوأ ما في الأنظمة. قتل وهجّر ملايين من أبناء الشعب السوري. انزوى الأسد في قصره، وأخذ يجمع في سنواته الأخيرة الأموال التي هرب بها إلى موسكو في ليلة مظلمة. لم تعد هناك دولة بالمعنى الحقيقي، وتحولت إلى أداة بوليسية وظيفتها القمع، واقتصادها قائم على تجارة المخدرات التي أغرقت بها الدول العربية، وخصوصاً الخليجية. النسيج الاجتماعي تفكك والخريطة الجغرافية تقسمت. استراتيجياً، وقع النظام تحت نفوذ إيران بشكل كامل وميليشياتها، وأصبح ممراً ومخزناً لنقل الأسلحة إلى «حزب الله». كانت سوريا الأسد هي الجزء الأهم والحيوي في الهلال الإيراني الممتد من طهران وحتى بيروت. كان محور «المقاومة» منتصراً وهو يضع سوريا في جيبه، وقواته تستعرض في ساحات دمشق. هذا كان المشهد قبل بضعة أشهر. بلد فاشل، وشعب فقير ومقسم بالداخل وهارب إلى الخارج، ورئيس معزول وضعيف. بدأ المجتمع الدولي يتقبل نظام الأسد وكأنه يغمس يديه مجبراً في الدم.
أتى أحمد الشرع ورفاقه وقاموا بشيء أشبه بالمستحيل. فرّ الأسد، وانسحب الإيرانيون، وغادرت الميليشيات الطائفية. للمرة الأولى يشعر السوريون منذ عقود أن لهم دولة تحتضنهم بلا تمييز. لا تبتزّهم، ولا تلقي بهم في السجون، ولا تطلب منهم الرشى. وللمرة الأولى يشعر العرب (أو الدول المعتدلة) أن سوريا لم تعد مصدر تهديد لهم وإثارة مشاكل. تحولت من عدوة إلى حليفة. كان هناك تخوف مشروع من خلفيات الحكومة الجديدة الفكرية، ولكنها استطاعت أن تبددها. قدمت خطاباً معتدلاً متسامحاً واقعياً. لم تقم بعمليات انتقام، ولكنها تبنت نهجاً وطنياً. وفي خطابات الشرع وحواراته تحدث بلغة رجل الدولة وليس زعيم الميليشيات. استطاع أن يقدم نفسه فوق الطوائف والانقسامات، وتحدث بلغة حكيمة تجمع السوريين ولا تفرقهم. حققت دمشق الجديدة نجاحاً لافتاً دبلوماسياً واقتصادياً. كان عنوانها الصحيح التنمية أولاً وأخيراً.
كل المخاوف تلاشت، وظهر فعلاً أن سوريا تستعيد مكانتها، ولكنها بحاجة إلى الوقت. ما عدا أصحاب المواقف المسبقة، كان الشرع يظهر بصورة تكنوقراطية واقعية أكثر أحياناً من المتوقع. ووقعت قبل أيام أحداث الساحل، ولكن العملية الهدف منها تخريب كل هذه المجهودات الكبيرة، وتعطيل هذا المسار؛ لأهداف متعددة. فلول الأسد يريدون أن يستعيدوا نفوذهم وسطوتهم، والقوى الإيرانية والتابعة لها تريد خلق فوضى لتحقيق أهدافها، وتلطيخ صورة حكومة الشرع، وجرها لحرب أهلية، وتصويرها بأنها غير قادرة على بسط هيمنتها وفرض سيادتها.
التجاوزات وعمليات القتل والعنف مروعة وأحداث مؤسفة، ولكنها خارج كل السياق الذي ذكرناه سابقاً. ولا تعبر عن حكومة الشرع وخطابها وسياستها على أرض الواقع. أعمال مارقة خارجة، والتصرف الصحيح، كما أعلنت الحكومة، محاسبة المتورطين في دماء الشعب السوري، ومنع تكرارها. سوريا ليست سويسرا. لقد ورثوا بلداً مدمراً ومفككاً ومشحوناً بالجروح العميقة. وأدير بطريقة حكيمة، وبحاجة لمزيد من الوقت والصبر. ومن المتوقع أن تواجه سوريا تحديات، ولكنها تسير في الطريق الصحيح لتتحول إلى دولة ناجحة رغم محاولات التخريب والتشغيب. ولكن قادة الدول، خصوصاً في الظروف الصعبة، يعملون على قوة الدولة وبسط نفوذها بالحكمة والواقعية والقوة وبالقانون، وإلا فستكون عرضة للتفكك والانهيار. نجاح سوريا الجديدة سياسياً واقتصادياً هو نجاح ليس فقط للسوريين، ولكنه نجاح لمنطق الاعتدال والعقلانية في المنطقة التي نكبها ودمّرها لفترات طويلة أصحاب الرايات الصفر والسود.

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة: الإمارات حليف نشط وفعال في الاستجابة الإنسانية العالمية
  • رابطة العالم الإسلامي تدين قطع حكومة الاحتلال الإسرائيلي الكهرباء عن قطاع غزة
  • سوريا في الطريق الصحيح
  • رابطة العالم الإسلامي تُدين قرارَ حكومة الاحتلال الإسرائيلي قطع الكهرباء عن قطاع غزة
  • إليك أغرب أشكال الاحتجاج التي شهدها العالم على مر التاريخ (صور)
  • رسالة شكر من سماحة المفتي إلى اليمن.. ومناشدة لذوي الضمائر الإنسانية حول العالم
  • رسالة شكر من سماحة المفتي إلى اليمن.. ويناشد ذوي الضمائر الإنسانية حول العالم
  • مخاوف حول تنظيم كأس العالم 2026.. ما الصعوبات التي ستواجهها أمريكا؟
  • وول ستريت جورنال: ترامب يقلب النظام العالمي الذي بنته أميركا رأسا على عقب
  • وزير الخارجية الإيراني: انعدام الأمن في سوريا يصب في مصلحة إسرائيل وعلى العالم الإسلامي التحرك لمنع تدمير فلسطين