دمشق-سانا

حالة ترقب وقلق يعيشها كيان الاحتلال الإسرائيلي بانتظار رد المقاومة على الاعتداءات وجرائم الاغتيال الأخيرة التي نفذها في لبنان وإيران منتهكاً القوانين الدولية في محاولة لإدخال المنطقة في دوامة حرب واسعة مدعوماً كما جرت العادة من الولايات المتحدة الأمريكية التي استنفرت قواتها لحمايته.

من تشييع شهداء المجزرة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق أبناء مجدل شمس في الجولان السوري المحتل

تصعيد الأوضاع هدف يسعى الاحتلال لتحقيقه منذ بداية عدوانه على غزة قبل 10 أشهر وخاصة بعد المجزرة التي ارتكبها في الـ 27 من الشهر الماضي في بلدة مجدل شمس بالجولان السوري المحتل وراح ضحيتها 12 طفلاً شهيداً وعشرات الجرحى، حيث ساق أكاذيب لتحميل المقاومة اللبنانية مسؤوليتها لاستثمارها كذريعة لتوسيع عدوانه على لبنان، لكن أهلنا في الجولان أفشلوا مخططاته وصرخوا بوجه مسؤوليه أنهم هم الإرهابيون ومجرمو الحرب، وأنهم لن يسمحوا له باستغلال دماء الشهداء لتنفيذ أجنداته، ولم يكتفوا بذلك بل طردوا رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وعدداً من وزرائه من مجدل شمس، مطالبين بوقف اعتداءات الاحتلال على الجولان ووقف الحرب على غزة.

أمام ذلك لجأ الاحتلال إلى عمليات الاغتيال، ففي الـ 30 من تموز شن عدواناً على الضاحية الجنوبية لبيروت ارتقى خلاله 7  شهداء بينهم القيادي في المقاومة اللبنانية فؤاد شكر، وأصيب 80 شخصاً، وبعدها بساعات وتحديداً فجر الـ 31 من تموز نفذ عملاً إرهابياً في طهران أدى إلى استشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الفلسطينية “حماس” إسماعيل هنية.

من العدوان الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت

ورغم محاولة الاحتلال الهروب إلى الأمام عبر التصعيد لإعادة وهم التفوق والقوة الذي كسرته المقاومة الفلسطينية في معركة طوفان الأقصى، إلا أنه أساء التقدير في جر المقاومة إلى حرب شاملة، في الوقت الذي يريده، فالرد على تجاوزه الخطوط الحمراء، وخرقه قواعد الاشتباك قادم دون شك، إلا أنه مدروس بدقة وفي الزمان والمكان الذي تحدده المقاومة لا الاحتلال.

حرب نفسية شلت كيان الاحتلال، أوقفت حركة مطاراته وعمل مصانعه، وبثت الرعب في نفوس جنوده ومستوطنيه، بعد كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خلال مراسم تشييع القيادي شكر حيث أكد أن على العدو الإسرائيلي و من يقف خلفه أن ينتظر الرد الآتي حتماً، وبعد وعيد إيران بدورها  بجعله يندم على جريمة اغتيال هنية.

وتحسباً للرد الذي يتوقع الاحتلال أن يطول قواعد عسكرية وأهدافاً استراتيجية، استنفر كل وحداته العسكرية، واتخذ إجراءات طارئة شملت تقليص عمل المصانع، وتزويد المشافي بالوقود وأجهزة توليد الكهرباء وبهواتف تعمل بالأقمار الصناعية، وإخلاء مرائب السيارات لاستخدامها كمشاف تخوفاً من رد متعدد الجبهات.

شبكة “سي إن إن” الأمريكية قالت إنه في الوقت الذي يحتفل فيه نتنياهو بما يراه “انتصارات كبيرة” ، فإن المزاج في “تل أبيب” بعيد كل البعد عن الاحتفال، حيث تسود المخاوف من الرد، والحركة شبه معدومة، والمستوطنون خائفون، ويلجؤون لتخزين السلع الأساسية.

أما واشنطن فقد جددت التأكيد على التزامها بالدفاع عن “إسرائيل”، دافعة بمدمرتين من البحر الأحمر إلى المتوسط، ومعلنة أنها سترسل سرباً من الطائرات المقاتلة وطرادات ومدمرات وأسلحة إضافية إلى المنطقة، وستعزز وجود قواتها فيها، كما بدأت تحركاً لحشد تحالف دولي لحماية الاحتلال، كالذي حشدته في نيسان الماضي، حين ضربت إيران مواقع عسكرية له رداً على قصفه مقر قنصليتها في دمشق.

سيناريوهات واحتمالات كثيرة تتداولها وسائل الإعلام حول ما تحمله الساعات أو الأيام القادمة، لكن الحقيقة واحدة لا تتبدل أنه مهما بلغ حجم وحشية الاحتلال وجنونه بشن حرب مدمرة، فإن شعوب المنطقة لن تخضع، ولن يثنيها شيء عن التمسك بحقوقها الوطنية ومواصلة معركة التحرير، فهي صاحبة الأرض، والاحتلال كيان طارئ على المنطقة وسيكون مصيره الزوال.

المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء

إقرأ أيضاً:

المأزق الأيديولوجي والسياسي لاستراتيجية “محور المقاومة”

آخر تحديث: 15 يناير 2025 - 9:45 صبقلم: سمير عادل يُعد المأزق الأيديولوجي والسياسي الذي يعيشه النظام السياسي في إيران في هذه المرحلة من أكثر التحديات خطورة على وجود الجمهورية الإسلامية، ويأتي في ظل التحولات الجارية في منطقة الشرق الأوسط، حيث تسعى إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، إلى إعادة تشكيل المنطقة بما يتماشى مع رؤيتها الاستراتيجية. وتمثل هذه المرحلة أكثر الفترات التاريخية حرجًا التي تمر بها إيران منذ اختطاف التيار الإسلامي الثورة الإيرانية عام 1979 بدعم الثلاثي الغربي فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الامريكية، وإقصاء القوى اليسارية التي شاركت في الثورة في خضم الحرب الباردة. التهديدات المتكررة لعلي خامنئي، مرشد الجمهورية الإسلامية، بإشعال الفوضى وحرب أهلية في سوريا خلال أسبوعين، تزامنت مع تصريحات من محسن رضائي، عضو مجلس تشخيص النظام والقائد السابق للحرس الثوري، بالإضافة إلى المواقف المتناقضة لعباس عراقجي، وزير الخارجية، التي تراوحت تصريحاته بين التهديدات والدبلوماسية، مما يعكس تخبطًا واضحًا في المواقف الرسمية للحكومة الإيرانية، وفضلا على ذلك وفي سياق المواقف انفا، أعلن أحمد بخشايش أردسباني، عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، بوجود 130 ألف مقاتل في سوريا، دربهم قاسم سليماني، القائد الذي اغتالته الإدارة الأمريكية قرب مطار بغداد في بداية عام 2020، وهم بانتظار الأوامر للتحرك. أي يدل كل ذلك الوعيد والتهديد بالتجانس في التصريحات النارية للطبقة الحاكمة في ايران، بدءا من مرشد الثورة الإسلامية ومرورا بمجلس تشخيص النظام والحكومة الإيرانية وانتهاء بالبرلمان. هذه التصريحات لا تعكس فقدان التوازن في العقل الاستراتيجي الإيراني بسبب الضربة الموجعة التي تلقاها بسقوط نظام بشار الأسد، ولا يمكن تفسيرها بمجرد التعبير عن الامتعاض أو التكابر أو عدم الاعتراف بحقيقة ما حدث في سوريا، كما يذهب بعض المحللين، بل تكشف هذه التهديدات عن مكانة النظام السياسي-الاقتصادي الإيراني، باعتباره جزءًا من منظومة النظام الرأسمالي العالمي، على الصمود واستمرارية دوره في ظل الصراع المحتدم بين الأقطاب الإقليمية والدولية. مشروعا نظام الشاه والجمهورية الإسلامية ذو ماهية واحدة: محتوى او ماهية المشروعان لنظام الشاه الذي أسقطته ثورة ١٩٧٩، والنظام الذي مثله الجمهورية الاسلامية هما واحد، و يعبران عن تطلعات البرجوازية القومية في ايران ومشروعها التنافسي في المنطقة، إلا أن الاختلاف الأساسي بينهما يكمن في أن الأول نجح بالحصول على “رخصة عمل” من الولايات المتحدة للعب دور الشرطي في المنطقة، وكان راضيا بما اقتسمت له أمريكا، بينما سعى النظام الإسلامي للعمل بشكل مستقل ولحسابه الخاص وأكثر طموحا وطمعا. كان نظام الشاه معروفًا بعدائه للتيار القومي العربي، الذي صُنّف آنذاك ضمن خانة اليسار والحركات التي تطمح لبناء مشروع اقتصادي وسياسي مستقل عن الهيمنة الإمبريالية الغربية. واستطاع الشاه، في مرحلة معينة، فرض شروطه على نظام البعث الحاكم في العراق – صاحب شعارات تحرير الامة العربية وتحرير فلسطين و “مرحبا بمعارك المصير” ليصبح احد ابطال حرب أكتوبر ١٩٧٣ ضد إسرائيل، وبعد ذلك تحول الى حارس البوابة الشرقية- من خلال “اتفاقية الجزائر” عام 1975، التي نصّت على وقف دعم إيران للقوميين الكرد في العراق وحركتهم المسلحة مقابل تنازلات كبيرة من الجانب العراقي في (شط العرب) والكف بالتحريض على المطالبة بالجزر طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى التابعة للإمارات العربية المتحدة اذ احتلها نظام شاه عام ١٩٧١ وما زالت تحتلها إيران . فضلا إلى ذلك، كان لنظام الشاه علاقات قوية مع إسرائيل، التي كان الموقف منها بمثابة بوصلة لتصنيف التيارات السياسية آنذاك على جهة اليسار او جهة اليمين، حيث تنافست جميع التيارات القومية العربية، سواء في السلطة أو المعارضة، على رفع شعارات تحرير فلسطين مثل: من البحر إلى النهر، أو تحرير فلسطين هو الطريق لتحرير الأمة العربية او تحرير الامة العربية طريقا لتحرير فلسطين وبالمقابل، اعتُبر نظام الشاه أحد الأنظمة الرجعية المدعومة من الولايات المتحدة، وشكّل جدارًا في وجه النفوذ السوفيتي في المنطقة. بين محور “المقاومة” ومحور الطائفية: الأقطاب الإقليمية والدولية في النظام الرأسمالي الذي نعيشه تحتاج دائمًا إلى رفع شعارات فكرية وسياسية لتبرير توسعها وهيمنتها السياسية والاقتصادية، سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي، بغض النظر عن مدى الزيف والخداع والتضليل الذي يحملها تلك الشعارات. القطب الغربي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، تبنى شعارات مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأحيانًا زينها بشعار “الحرب على الإرهاب”، خاصة في المواقف التي يصعب فيها تبرير سحب الشرعية من أنظمة سياسية معترف بها دوليًا لإسقاطها، أو حيث تتعقد إمكانية التعبئة السياسية لشن حملات ضدها. هذا ما رأيناه في غزو أفغانستان والعراق، وما نشهده اليوم من حرب إبادة جماعية في غزة. أما القطب المنافس، بقيادة روسيا والصين، فقد رفع في مرحلة ما شعار “احترام القانون الدولي” وروّج له بقوة. لكن عندما شنت روسيا حربها على أوكرانيا، تغاضت عن هذا الشعار واستبدلته بشعار جديد: عالم متعدد الأقطاب أكثر عدالة. في منطقتنا، تداخلت رايتان فكريتان وسياسيتان شكلتا محوراً للجدل والاصطفافات، ونُظمت حولهما أكبر حملات التضليل الإعلامي والدعائي: الحرب على الإرهاب والصراع الطائفي او الدفاع عن الطائفة. شهدنا فصول هذه الصراعات في المنطقة، سواء خلال الحرب الأهلية التي اندلعت في ظل احتلال العراق عام 2006، أو مع إعلان ما يُعرف بدولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام عام 2014، او كما تجلت هذه الصراعات في الحرب الأهلية السورية، التي بدأت عام 2011 وتحولت إلى ساحة لحرب الوكالة الإقليمية والدولية. وسط هذه الحروب، لمع بريق شعار “المقاومة والممانعة”، ساهم في صياغته، النظام القومي في سوريا، بزعامة بشار الأسد للوهلة الأولى بعد غزو واحتلال العراق، وتعزز بزعامة الجمهورية الإسلامية في إيران التي تبنته كجزء من مشروع إقليمي وهو توسيع مساحة النفوذ القومي البرجوازي الذي مثله النظام السياسي الجديد في طهران بعد ثورة ١٩٧٩، وحيث تبنى شعار “تصدير الثورة”. إن شعار “تصدير الثورة” الذي تبنته الجمهورية الإسلامية هو في جوهره شعار قومي برجوازي مغلف بإيديولوجية إسلامية، بهدف توسيع النفوذ وتأمين موطئ قدم لها في المنطقة. وقد مثّلت الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988) احدى المحطات الدموية لشعار المذكور، اذ شهدت صراعًا شرسًا بين رؤيتين متناقضتين على المستويات الأيديولوجية والسياسية والعسكرية: الأولى تتمثل في التيار القومي العروبي بقيادة نظام البعث، والثانية في التيار الإسلامي الذي مثّله النظام السياسي للملالي في إيران. بعبارة أخرى، كانت هذه الحرب صراعًا على الهيمنة في المنطقة، بين البرجوازية القومية الإيرانية والبرجوازية القومية العربية بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ. لم يكن للمشروع القومي البرجوازي الإيراني، بالقيادة الجديدة لنظام الملالي، إمكانية التغلغل في المنطقة تحت راية قومية، كما هو الحال مع المشروع القومي البرجوازي التركي الذي يقوده حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان. ويظهر أن كلا المشروعين يتنافسان في نفس المسار، عبر التزاحم على “القضية الفلسطينية”. مع الأخذ بعين الاعتبار أنه في مراحل معينة من اشتداد التنافس، وحسب مقتضيات المرحلة، يعمد الطرفان إلى تسخين المستنقعات الطائفية، لتبرز منها جماعات ومليشيات سنية وشيعية تعمل كمطية لها، كما شهدنا في ظهور تنظيم داعش. وعلى سبيل المثال لا الحصر، رد أحمد داود أوغلو على أسئلة الصحفيين، الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية لتركيا آنذاك، على سؤال حول سيطرة داعش على ثلث مساحة العراق بعد 30 حزيران 2014 بقوله إن هناك ظلمًا طائفيًا في العراق. وكذلك شهدنا الحرب بالوكالة التي دارت في سوريا، حيث رفع محور “المقاومة” شعار الدفاع عن المقدسات، مثل شعار “لن تُسبى زينب مرتين”. وقد أُطلقت أسماء لرموز شيعية على معظم المليشيات التي جُلِبت من العراق وباكستان وأفغانستان، مثل “الفاطميون”، و “الزينبيون”، و”أبو الفضل العباس”، وغيرها. وفي المقابل، واخيرا وصلت الجماعات المنشقة عن تنظيم القاعدة وهي “هيئة تحرير الشام” -وهي مليشيا سنية وتنحدر من منابع الإخوان المسلمين- إلى دمشق في اليوم الثامن من كانون الأول ٢٠٢٤ بدعم من الدبابات التركية لتتحول سوريا الى قلب الشرق الأوسط الجديد. ويكشف ما حدث، النقاب عن أن الصراع الدائر في المنطقة هو صراع بين المشاريع القومية التي تهدف إلى الهيمنة على المنطقة. أي بشكل اخر نوضحه، يتمثل المشروع الأول في المحور القومي التركي بصياغة أردوغانية، وبنقشتين: تارة فلسطينية وأخرى حرب على الإرهاب، حسب الظروف السياسية. أما المشروع الثاني، فهو المحور القومي الإيراني بلباس “محور المقاومة”، الذي يتخذ من معاداة إسرائيل وأمريكا عنوانًا تارة، ونصرة الشعب الفلسطيني عنوانًا آخر. وفي وتتنافس هذه المشاريع، في خضم صراع المشاريع الإمبريالية العالمية في المنطقة تحت عناوين محاربة داعش والإرهاب. ان معضلة النظام السياسي-الاقتصادي في إيران تكمن في أنه غير قادر على الاندماج في علاقات رأسمالية طبيعية أو الانضمام إلى المنظومة الرأسمالية العالمية. فمن جهة، لا يقبل النظام بالقسمة، أو بالأحرى، لا يرضى بالفتات الذي ترميه الإمبريالية العالمية التي تهيمن على تقسيم العمل في الإنتاج الرأسمالي العالمي. ومن جهة أخرى، هو غير قادر على المنافسة الاقتصادية في السوق الرأسمالية؛ إذ لا يملك رأس المال ولا يمتلك التكنولوجيا الصناعية المتطورة التي تمكنه من دخول سوق المنافسة الرأسمالية. لذلك، لا أمامه سوى اللجوء التدخل العسكري من خلال تشكيلات موالية له، تعتمد على العقائد والأيديولوجيا التي ينشرها. إذا نظرنا، على سبيل المثال، إلى السوق العراقية، نجد أن السلع الإيرانية تغرق الأسواق في مناطق الوسط والجنوب، ليس بسبب جودتها النوعية، بل بسبب وجود المليشيات الموالية لإيران وسيطرتها على الأسواق العراقية. فهي غير قادرة على المنافسة الحرة مع السلع التركية والصينية وغيرها. أما الهزيمة التي تعرضت لها إيران في سوريا، فقد كبدتها خسائر اقتصادية كبيرة تقدر، وفقًا للتوقعات الأولية، بحوالي 60 مليار دولار. فقد استثمرت أموالًا طيلة هذه السنوات في صناعات النفط والغاز والفوسفات والسيارات والأدوية، كما استثمرت مبالغ ضخمة في البنية التحتية مثل الطرق والجسور والموانئ. تلك الاستثمارات لم تكن لتتحقق لولا هيمنتها العسكرية في سوريا. ورغم أن السلطة السياسية الحاكمة في العراق هي من صنعها وموالية لها، إلا أنها لم تتمكن من استثمار نفس القدر من الأموال في العراق كما فعلت في سوريا. والسبب بسيط؛ إذ توجد منافسة رأسمالية شديدة في السوق العراقية، مثل الاستثمارات التركية بشكل رئيسي، بالإضافة إلى الشركات الأمريكية في مجال الطاقة، إلى جانب الشركات الروسية والصينية والفرنسية والبريطانية.ما نريد قوله في هذا السياق هو أن فائض القوة العسكرية للنظام السياسي في إيران غير قادر على الانكفاء إلى الداخل لأنه يعبر عن الضرورة الملحة للحاجات البرجوازية القومية، ولن يبتلع النظام بسهولة الهزائم العسكرية التي لحقت به في غزة ولبنان وسوريا. في النهاية، ان الانكفاء إلى الداخل، يؤدي إلى تفكك الجمهورية الإسلامية من الداخل، وبالتالي انهيارها. إن الخصيصة التي تميز البرجوازية القومية الإيرانية التي يقودها نظام الملالي تكمن في توسيع نفوذها الاقليمي عبر الهيمنة العسكرية، وهذه الهيمنة بحاجة إلى أيديولوجية سياسية تدعمها. استجابة لذلك، نشأ غطاء أيديولوجي إسلامي للنزعة القومية التوسعية الإيرانية. إلا أن هذه النزعة تصطدم بالهيمنة الإمبريالية في المنطقة، ويجب أن يكون هناك مخرج قادر على تعبئة التيارات السياسية الأخرى في المنطقة، لتشاركها رؤيتها السياسية وتوحيد صفوفها وزجها جميعا في صراعها على النفوذ مع الإمبريالية وحلفائها. من هنا، جاء مفهوم “محور المقاومة والممانعة” بنكهة إيرانية جديدة، يهدف إلى إخفاء حقيقة المشروع القومي الذي يقوده النظام الإسلامي في إيران. وفي المحصلة النهائية، فإن النظام الإسلامي في إيران يقف أمام خيارين، كلاهما صعب. الأول هو إعادة تموضعه وهيكلة أذرعه الميليشياوية في المنطقة للتوسع مجددًا، ويصطدم هذا الخيار بجدار التغول الإسرائيلي وانتصاراته العسكرية في المنطقة، ويُحتمل أن يلجأ إلى إشعال الفوضى في سوريا والعراق بهدف انتزاع امتيازات سياسية واقتصادية من دول المنطقة.أما الخيار الآخر فهو الإذعان أمام إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والقبول بصفقة تنازلات كبيرة، مما سيؤدي إلى انكفائه نحو الداخل، ويُعدّ ذلك بمثابة نهاية لمشروعه.بعبارة أخرى، لقد حانت لحظة أفول شعار “محور المقاومة والممانعة”، وستواجه القيادة الإيرانية صعوبة في حشد التعبئة الجماهيرية والسياسية، مما سيؤثر في قدرتها على إيقاف تدحرج كرة فشل المشروع القومي البرجوازي الإيراني في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • السيد خامنئي: المقاومة الفلسطينية أجبرت كيان العدو الإسرائيلي على التراجع
  • العربية لحقوق الإنسان: إنهاء الاحتلال الإسرائيلي هو الاستحقاق الذي يفرضه القانون
  • مع اقتراب صفقة التبادل.. ما هي الوحدة التي احتفظت بأسرى الاحتلال 15 شهراً؟
  • احتفالات في غزة على أصداء “القصف الإسرائيلي” الذي لم يتوقف بعد 
  • ندوب الحرب التي لن تبرأ بصمت المدافع
  • اجواء باردة وماطرة بانتظار بلاد الشام في هذا الموعد
  • المأزق الأيديولوجي والسياسي لاستراتيجية “محور المقاومة”
  • رسالة دعاة الحرب البلابسة والإسلاميين خاصة … هذه هي الحرب التي تدعون اليها
  • محللون: مشروع اليمين الإسرائيلي انهار ونتنياهو خسر رهانه على ترامب
  • قبائل المرانة في المراشي تستنفر لمواجهة العدو ونصرة فلسطين