الجزيرة:
2024-11-23@09:40:41 GMT

التبعات القانونية لاغتيال هنية

تاريخ النشر: 4th, August 2024 GMT

التبعات القانونية لاغتيال هنية

تعرّض رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية ومرافقه لعملية اغتيال في العاصمة الإيرانية طهران فجر الحادي والثلاثين من شهر يوليو/ تموز. وقد اتهمت حماس والحكومة الإيرانية إسرائيل بتنفيذ عملية الاغتيال. ورغم أن هذه العملية ليست الأولى، فإنها عُدت من أخطر عمليات الاغتيال وأكثرها جرأة، حيث استهدفت زعيم أكبر حركة فلسطينية تحظى بشعبية كبيرة في الأوساط الفلسطينية.

كما تجرأت إسرائيل على انتهاك سيادة إيران واغتالت ضيفًا رسميًا مشارِكًا في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، في ظل وضع سياسي وأمني حسّاس تشهده المنطقة.

تعتبر جريمة الاغتيال السياسي من أخطر الجرائم التي تهدد السلم والأمن الدوليين، كما أنّها تتعارض مع قواعد القانون الدولي.

في هذا المقال، نناقش الأبعاد القانونية لعملية الاغتيال والآثار القانونية المترتبة عليها.

أولًا: البعد القانوني الدولي

يحرم القانون الدولي الاغتيال السياسي ويعتبره استخفافًا بحقوق الإنسان وجريمة حرب. حيث تجرّم القوانين الدولية القتل خارج نطاق القانون. تنصّ المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 على أن لكل فرد حقًا في الحياة والحرية والأمان.

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي:

المادة 6: الحق في الحياة

تؤكد المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 (وهي اتفاقية ذات قواعد عرفية وتعاقدية) أن لكل إنسان حقًا أصيلًا في الحياة، وأن القانون يحمي هذا الحق ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفًا.

المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف

تحظر هذه المادة الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية بما في ذلك القتل والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب. كما تحظر إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون محاكمة قانونية تكفل الضمانات القضائية الضرورية. تُعَد هذه المادة إحدى الركائز الأساسية للقانون الدولي الإنساني، حيث توفر حماية إنسانية أساسية للأشخاص غير المشاركين في النزاعات، وتلزم جميع الأطراف بالحد الأدنى من المعاملة الإنسانية.

المادة 7 من نظام روما الأساسي

تشمل الجرائم ضد الإنسانية أفعالًا ترتكب كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجّه ضد مجموعة من السكان المدنيين. يتضمن ذلك القتل كجزء من سياسة عامة أو خطة منهجية. ويعتبر الاغتيال السياسي جريمة ضد الإنسانية إذا كان جزءًا من هجوم واسع النطاق أو منهجي يستهدف المدنيين أو القادة السياسيين أو النشطاء بشكل منهجي.

اتفاقيات جنيف ومعاهدات أخرى

تشمل اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 واتفاقية لاهاي الرابعة قوانين تحظر الاغتيالات، معتبرةً إياها جرائم تهدد السلم والأمن الوطنيين والدوليين. القانون الدولي يحرم أي شكل من أشكال القتل خارج نطاق القانون، ويشمل ذلك الأشخاص الخاضعين لحكومات وطنية أو احتلال. ويجيز القانون الدولي اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية لمعاقبة الانتهاكات الجسيمة.

إن اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، يعد في هذا الإطار انتهاكًا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وهو جريمة ضد الإنسانية وفق نظام روما الأساسي لعام 2002. وتوجد إمكانية اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية للرد على هذا الاغتيال، إما ضمن ملف خاص ترفعه دولة فلسطين، أو ضمن الملفات المرفوعة أصلًا.

إن القانون الدولي يحظر الاغتيالات السياسية لقادة حركات التحرر التي تكافح ضد الاحتلال، وتدافع عن حق تقرير المصير، وهو من الأحكام الآمرة في القانون الدولي. ويعتبر إسماعيل هنية قائدًا سياسيًا معروفًا جدًا، وبالتالي فإن اغتياله يتعارض مع القوانين الدولية.

ثانيًا: انتهاك مبدأ السيادة الوطنية في إطار ميثاق الأمم المتحدة

في الماضي، لم تكن دول العالم تلجأ إلى مهاجمة أهداف خارج حدودها، إلا إذا كانت مستعدة للدخول في حروب قد تكون طويلة ومكلفة، وأن القضية تستحق مثل هذه التضحية. لكن هذا الأمر صار مألوفًا في هذه الأيام.

في السابق، عندما كانت تضطر أي دولة إلى مثل هذا العمل العدائي، الذي ينطوي على استهانة بالدولة الأخرى، وانتهاك صارخ لسيادتها، واستفزاز لمشاعر شعبها الوطنية، فإنها كانت تسبقه بإرسال تحذيرات رسمية للدولة المعنية، ثم تقدم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي، تبين فيها التهديد الذي تتعرض له من تلك الدولة، قبل الإقدام على شنّ هجوم عسكري؛ لأن هناك تبعات خطيرة لأي هجوم عسكري خارجي.

يعاني النظام الدولي الحالي من أزمات عميقة، والقوة العظمى التي تقوده عاجزة عن حل هذه الأزمات المتراكمة. إن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى اندلاع حرب عالمية جديدة، وذلك بسبب عدم وجود حلول فعالة للأزمات المتفاقمة.

إن فكرة أن الدول الكبرى لن ترغب في حرب عالمية جديدة أمر غير مقبول. الحروب لا تندلع بالضرورة بسبب الرغبة فيها، بل بسبب فشل القادة في إدارة الأزمات وحلها سلميًا، والحرب على غزة تعتبر نموذجًا صارخًا.

استمد مفهوم السيادة الدولية من معاهدة وستفاليا عام 1648، التي أسست كيانات مستقلة ذات سيادة على شؤونها الداخلية والخارجية. ميثاق الأمم المتحدة الذي أنشئ عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية نص في مادته 2/1 على مبدأ السيادة، مؤكدًا عدم تدخل المنظمة في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء. رغم ذلك، شهدت العلاقات الدولية تأثيرات كبيرة من منظمة الأمم المتحدة، خاصة بعد الحرب الباردة، وسقوط المعسكر الشرقي، حيث أصبحت بعض القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تفرض سيطرتها بشكل شبه مطلق.

إن ميثاق الأمم المتحدة لم يكتفِ بتأكيد مبدأ المساواة في السيادة بين الدول الأعضاء، بل سعى أيضًا إلى تعزيز هذا المبدأ عبر تحريم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، بما في ذلك من قبل الأمم المتحدة نفسها. كما نصت المادة 2/7 من الميثاق على أنه لا يجوز للأمم المتحدة التدخل في الأمور التي تعد من صميم السلطان الداخلي لأي دولة عضو.

ثالثًا: الأسس القانونية الإسرائيلية لتبرير سياسة الاغتيال

تتبنّى إسرائيل سياسة رسمية ومتصاعدة لتنفيذ عمليات الاغتيال بحق نشطاء وقادة فلسطينيين، مدفوعة بتبريرات "الحق في الدفاع عن النفس" وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. في حقيقة الأمر، فإن هذه السياسة هي جزء من إستراتيجية أمنية قديمة تهدف إلى مواجهة التهديدات المتوقعة، حيث تعتبرها وسائل مشروعة لتحقيق الأمن، وتقليل المخاطر بحق مواطنيها وجنودها في إطار الأمن الوقائي. ومع ذلك، لاقت مثل هذه التبريرات انتقادات واسعة لتعارضها مع روح القانون الدولي وأحكامه.

أصدرت محكمة العدل العليا في إسرائيل عام 2006 قرارًا يسمح للجيش بتنفيذ عمليات اغتيال النشطاء الفلسطينيين بدعوى الدفاع عن أمن الإسرائيليين. وقد ارتفعت معدلات الاغتيال بشكل ملحوظ خلال العقدين الماضيين، وأصبحت سياسة واضحة جدًا خلال الحرب الحالية على غزة. ليس من الغريب أن يكون اسم جيشها: "جيش الدفاع الإسرائيلي"، مع أن كل حروبه كانت هجومية. وتبرر إسرائيل هذه العمليات ضمن إطار أخلاقي وقانوني مزعوم.

عمليات الاغتيال تتم بطرق تفتقر إلى الحد الأدنى من الشفافية القانونية، والحق في المحاكمة العادلة، وغالبًا ما تؤدي إلى مقتل عشرات المدنيين عند استهداف شخصية سياسية أو عسكرية. بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أقرّ جيش الاحتلال الإسرائيلي بإمكانية قتل ناشط صغير في حماس حتى لو أدى ذلك لمقتل 20 مدنيًا، والسماح بقتل أكثر من 100 مدني مقابل اغتيال قائد كبير في حماس.

تعتمد سياسة الاغتيالات على مفهوم "المقاتل غير الشرعي"، الذي يعني أن أي شخص ينشط في منظمة "إرهابية" يمكن اعتباره هدفًا حتى لو كان نشاطه هامشيًا. ويُعتقد أن "المقاتل غير الشرعي" لا يتمتع بأي حق من حقوق المقاتلين أو أفراد حركات التحرر الوطني أو الجيش النظامي، وأنه لا يتمتع بالحصانة الجنائية.

رابعًا: التوترات الإقليمية في المنطقة وسياسة الإفلات من العقاب

إن سياسة القتل المنهجي التي ترتكبها إسرائيل بحق سكان قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان، والتعامل الوحشي مع الأسرى الفلسطينيين، وتجاهلها قواعدَ القانون الدولي وقرارات مؤسساته ومحاكمه، ثم ممارسة سياسة الاغتيال بحقّ قادة حركات التحرر الوطني والاعتداء على سيادة الدول، ورغم ذلك كله تفلت من العقاب، يعزز ذلك شريعة الغاب ويؤدي إلى مزيد من إضعاف الأمم المتحدة، كما يؤسس لمزيد من الحروب.

إن الآثار المتوقعة لهذه الجريمة وتغاضي المجتمع الدولي عنها تشمل زعزعة الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة والعالم، وزيادة حدة الصراعات وتعميقها. كما أن هذه العمليات ستشجع على مزيد من عمليات الاغتيال، وستعزز شعور إسرائيل بأنها بمنأى عن أية مساءلة قانونية. خرق مبدأ سيادة الدول سيقوض الأسس القانونية التي استقر عليها العالم بعد الحرب العالمية الثانية.

على المجتمع الدولي التدخل لوقف حفلة الجنون الإسرائيلية، وضرورة التحرك لكبح جماح نتنياهو وحكومته المتطرفة قبل فوات الأوان.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات میثاق الأمم المتحدة عملیات الاغتیال القانون الدولی

إقرأ أيضاً:

دولة فلسطين.. أوامر اعتقال نتنياهو تعيد الأمل والثقة في القانون الدولي

رحبت دولة فلسطين بإصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الحرب السابق يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وأكدت دولة فلسطين أن قرار المحكمة الجنائية الدولية، يعيد الأمل والثقة في القانون الدولي ومؤسساته، وفي أهمية العدالة والمساءلة وملاحقة مجرمي الحرب، خاصة في وقت يتعرض فيه الشعب الفلسطيني إلى إبادة جماعية وجرائم حرب متمثلة في التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد والتهجير وغير ذلك من الأفعال غير الإنسانية.
أخبار متعلقة رئيس البرلمان العربي يبحث تعزيز التعاون مع رئيس مجلس النواب المصريمقتل 38 شخصًا في إطلاق نار على حافلات ركاب شمال باكستانوطالبت جميع الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، وفي الأمم المتحدة، بتنفيذ قرار المحكمة، وتسليم المجرمين إلى القضاء الدولي.ملاحقة رئيس الوزراء الإسرائيليوأصدرت الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، بتهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.

حث وزراء الخارجية العرب محكمة العدل الدولية على الإسراع في الفصل في موضوع الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد #إسرائيل #اليوم https://t.co/Mvggd1vxLC— صحيفة اليوم (@alyaum) September 11, 2024
وأوضحت في بيان لها أن مذكرات الاعتقال مصنفة على أنها سرية لحماية الشهود وضمان سير التحقيقات.
ومع ذلك، قررت نشر تفاصيل معينة لتوعية الضحايا وأسرهم بالمستجدات، ولأن السلوك المماثل ما زال مستمرًا.المسؤولية الجنائيةوفقًا للمحكمة، يتحمل نتنياهو وغالانت المسؤولية الجنائية عن: "جرائم الحرب" باستخدام التجويع كأسلوب حرب، وتوجيه هجمات متعمدة ضد المدنيين، "الجرائم ضد الإنسانية" شاملًا: القتل، الاضطهاد، والأعمال غير الإنسانية. فيما رفضت المحكمة الجنائية الدولية طلبين قدمها الاحتلال الإسرائيلي للطعن في اختصاص المحكمة بشأن الجرائم المرتكبة في فلسطين المحتلة وعلى مواطنيها. وكانت المحكمة الجنائية الدولية تأسست لمعاقبة جرائم الحرب، الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية. كما تعمل المحكمة بناءً على نظامها الأساسي (نظام روما الأساسي) الذي يحدد اختصاصها وصلاحياتها. //انتهى//20:20 ت م NNNN

مقالات مشابهة

  • بعد إقرار القانون.. الحبس وغرامة 2000 جنيه عقوبة صرف مساعدات «دعم نقدي» بالمخالفة
  • قبل 7 أشهر من تنفيذ حكم الدستورية.. علاقة المالك والمستأجر بقانون الإيجار القديم
  • بريطانيا ستفي بالتزاماتها القانونية حيال المحكمة الجنائية الدولية
  • تصل للسجن 5 سنوات.. احذر من الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة
  • تعرف على عقوبة اصطناع المواقع والحسابات الخاصة وفقا للقانون
  • منها «عدم التمييز وتوفير بيئة آمنة».. تعرف على حقوق المُسنين القانونية
  • الحبس والغرامة.. ما عقوبة قيام اللاجئ بنشاط يمس الأمن القومي؟
  • "المنظمات الأهلية": إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت خطوة صحيحة لتطبيق القانون الدولي
  • دولة فلسطين.. أوامر اعتقال نتنياهو تعيد الأمل والثقة في القانون الدولي
  • الرئاسة الفلسطينية: قرار الجنائية الدولية يعيد الأمل والثقة في القانون الدولي ومؤسساته