لورانس بون

ترجمة ـ قاسم مكي

في الانتخابات البرلمانية الأوروبية عام 2014 تعرضت أحزاب فرنسا الاشتراكية والمحافظة الى خسائر وحققت قوى أقصى اليمين بقيادة مارين لوبان مكاسب ليست هيِّنة. وقتها، دعت لوبان إلى إجراء انتخابات برلمانية وطنية على الفور لكنها لم تحصل عليها. بعد عشر سنوات لاحقا كانت الحكاية مختلفة مع عواقب غير معلومة لاستقرار فرنسا السياسي واقتصادها.

ففي أوائل يوليو ترتب عن نتائج انتخابات الجمعية الوطنية التي دعا اليها الرئيس ايمانويل ماكرون انقسامُ الجهاز التشريعي (الجمعية الوطنية) إلى ثلاث كتل تمثلت في ائتلاف يساري عريض ومنقسم داخليا ووَسَطيِّين بقيادة ماكرون وأقصى اليمين. منذ ذلك الوقت تم توزيع أقوى المناصب الحكومية بطريقة أقل من أن تكون متسقة تماما مع نتائج الانتخابات. فأقصى اليمين ليس له ممثلون في هذه المناصب. ولدى أقصى اليسار بعض الممثلين بفضل أصوات أقصى اليمين. أما معسكر الوسط فعلى الرغم من كونه أكبر الخاسرين في الانتخابات إلا أنه حصل على التمثيل الأكبر.

لأسباب مختلفة هذه لعبة خطرة. فهي من الناحية السياسية تعطي الانطباع بأن الملايين العشرة من الناس الذين صوتوا لأقصى اليمين مواطنون من درجة أدنى. إنها تغذي الاستياء من النظام الديمقراطي لفرنسا الذي لا يعمل لمصلحة الجميع.

في الأجل القصير يمكن للوسطيين والاشتراكيين ومحافظي التيار السائد العمل معا. لكن يجب أن يكون هذا ترتيبا مؤقتا. بخلاف ذلك، سيكون البديل الوحيد لمثل هذه الجماعات المعتدلة في الانتخابات الفرنسية التي ستجرى في المستقبل إما أقصى اليمين أو أقصى اليسار.

يقينا، في حال تولَّى أي منهما السلطة سيعامل خصومه السياسيين بالطريقة نفسها التي عاملوه بها الآن. أي حرمانهم من تولي مناصب مؤثرة في الهيئة التشريعية.

اقتصاديا، هذه الألعاب السياسية يمكن أن تعرِّض للخطر التقدمَ الذي حققته فرنسا مؤخرا. كما أنها في الوقت ذاته تخفق في مواجهة الحاجة لزيادة الإنتاجية وضبط الإنفاق العام.

خلال الأعوام العشرة الماضية أنعشت روحٌ جديدة في قطاع الأعمال فرنسا. فالاستثمار الأجنبي المباشر شهد ازدهارا. وجاءت الشركات بأعداد كبيرة إلى الحدث الاقتصادي السنوي «اختر فرنسا» الذي يشابه منبر دافوس لكي تروّج لاستثماراتها في فرنسا. وهبط معدل البطالة وحظيت القوة الشرائية بالحماية. وعلى خلاف البلدان الأخرى الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لم تتفاقم التفاوتات في الدخول في فرنسا. كما تحسنت معظم المؤشرات الاقتصادية باستثناء الإنتاجية والمالية العامة (إدارة الأموال والموارد المالية للدولة- المترجم).

تجاهلت الحملة الانتخابية هذه القضايا. بل نادت الأحزاب خصوصا المتطرفة منها برفع الضرائب لتمويل المزيد من الإنفاق واتخاذ إجراءات من شأنها تعقيد ممارسة الأعمال في فرنسا. وللقضاء على أوضاع اللامساواة في الدخل جاءت «الوصفة» نفسها من أقصى اليسار وأقصى اليمين وهي رفع الحد الأدنى للأجور (في حين لدى فرنسا سلفا أحد أعلى الأجور الدنيا مقارنة بالأجر الوَسَطِي.) كما تتضمن هذه الوصفة زيادة الضرائب المفروضة على الأثرياء (وهذه فكرة مبهمة) وخفض سن التقاعد.

ستغير مثل هذه الإجراءات في حال تطبيقها سياساتِ عشرة أعوامٍ جعلت ممارسة الأعمال في فرنسا أكثر جاذبية وعززت التوظيف.

تتمَوْضَع القضايا الحقيقية لفرنسا في مكان آخر. فهي تشمل إلى جانب الضرائب المرتفعة صعوبة الحصول على الخدمات العامة أو محدودية توافرها خارج المدن الكبيرة.

في الواقع، فرنسا من بين الدول التي بها أحد أعلى مستويات إعادة توزيع الدخل التي تضع حدا أعلى للامساواة في الدخل. لكن ذلك يخفي تفاوتات إقليمية عميقة. فحسب يان ألقان، الأستاذ بكلية باريس للدراسات التجارية العليا، حوالي 60% من «الفرنسيين الغاضبين» ينتقدون المستوى المرتفع للضرائب فيما يشكو عديدون من عدم توافر الخدمات العامة. وهذا أمرٌ مفهوم.

فعلى الرغم من أن فرنسا توجد بها بعض أعلى معدلات الضرائب قياسا إلى الناتج المحلي الإجمالي والإنفاق إلى الناتج المحلي الإجمالي إلا أن العديدين خارج المدن الكبيرة يصارعون للحصول على الخدمات الصحية ويعانون من ضعف وسائل النقل وتدهور النظام التعليمي.

هذه الاختلالات الإقليمية تغذي غضب الناس. واللامساواة التعليمية المتصاعدة بين أولئك الذين يعرفون كيف يحصلون على التعليم الجيد وأولئك الذين لا يعرفون أو لا يستطيعون ذلك، تثير مخاوف الآباء بشأن مستقبل أطفالهم.

ويشعر معظم أفراد الطبقة الوسطى بالعبء الثقيل للضرائب ويجتاحهم القلق من الانزلاق إلى أدنى السلم الاجتماعي. فهنالك هامش ضيق بين «الطبقة الوسطى العليا» التي تكسب أكثر من 4000 يورو في الشهر وبين المستوى الأدنى منها.

لا يمكن حل مشكلة تدني الإنتاجية في فرنسا والضغوط التي تواجه ماليتها العامة بالنكوص عن سياسات العقد الماضي المناصرة لقطاع الأعمال. ولا يمكن حل الاستقطاب السياسي بإيجاد قطبية أو تعارض بين المتطرفين «في أقصى اليمين وأقصى اليسار» وبين من يتموضعون في «الوسط الجمهوري».

تتطلب قضية الإنتاجية تعليما أفضل وحرية ريادة الأعمال لتمكين الرشاقة في فضاء العمل (إيجاد المرونة في قوة العمل). وتتطلب مشكلة المالية العامة فرض قيود على الإنفاق بداية بالإنفاق الاجتماعي والذي يصل إلى حوالي 32% من الناتج المحلي الإجمالي. ويتطلب الانسداد السياسي التخلي عن حزب وَسَطَي وحيد بمجرد إجازة موازنة 2025.

فرنسا بحاجة إلى إحياء يسار الوسط ويمين الوسط إذا لزمها إيجاد بدائل للمتطرفين.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أقصى الیمین أقصى الیسار فی فرنسا

إقرأ أيضاً:

«التعليم العالي» يكلف علي جعفر بإدارة الاتصال السياسي بالوزارة

أصدر الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، قرارًا بتكليف علي جعفر علي محمود، أخصائي أول شئون قانونية، لتسيير أعمال مدير عام الإدارة العامة للاتصال السياسي بوزارة التعليم العالي.

يأتي هذا القرار في إطار حرص الوزارة على تعزيز الأداء المؤسسي وتطوير آليات الاتصال السياسي بما يخدم رؤية الوزارة ويحقق أهدافها في تحسين التواصل بين الوزارة ومختلف الجهات ذات الصلة.

من جانبه، أعرب علي جعفر عن تقديره للثقة التي منحها له وزير التعليم العالي، مؤكدًا عزمه على بذل قصارى جهده لتطوير العمل داخل الإدارة العامة للاتصال السياسي بما يتماشى مع خطط التنمية المستدامة التي تتبناها الدولة.

اقرأ أيضاًوزير التعليم العالي يشهد إعلان نتائج الإصدار الثالث من تصنيف سيماجو الإسباني

شراكات دولية ودعم الطلاب ذوي الهمم.. حصاد وزارة التعليم العالي خلال أسبوع

مقالات مشابهة

  • تقرير: عدم الثقة في رجال الأعمال ومحاربتهم يهدد التنمية و يضعف الإقتصاد
  • قنا.. تسليم اتفاقيات مشروع ريادة الأعمال للتمكين الاقتصادي بصعيد مصر
  • حزب ناكر: سنحيي ذكرى الاستقلال وندعو القوى الوطنية إلى حل الانسداد السياسي
  • شرطة الكهرباء تضبط 3447 مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة
  • خطوة أخرى نحو اليمين المتطرف في فرنسا
  • كاتب صحفي: مصر تركز على تطوير برامج الإصلاح الاقتصادي لجذب الاستثمار
  • تكليف علي جعفر مديرًا عامًا للإدارة العامة للاتصال السياسي بوزارة التعليم العالي
  • «التعليم العالي» يكلف علي جعفر بإدارة الاتصال السياسي بالوزارة
  • تعزيز التعاون مع «منظمة خبراء فرنسا»
  • التقدم والاشتراكية يحذر من المخاطر  التي تهدد المرفق العمومي في عهد حكومة أخنوش