مع العدد الكبير للقوى العاملة الوافدة في دول الخليج العربية، الذي بلغ أكثر من 21 مليون عامل أجنبي، طُرحت الكثير من النقاشات حول مستقبل هذه الدول ديموغرافيا وسياسيا واقتصاديا، وعبّر البعض عن قلقهم من أن يطالب هؤلاء العمال بما قد يعتبرونه حقوقًا سياسية مستقبلا، مثل التمثيل والمشاركة في المجالس النيابية والشعبية وغيرها، وحتى حقّ الترشح للمناصب العليا.

ورغم أنّ هذا الكلام كان ضربًا من الخيال قبل سنوات قليلة فقط، إلا أنّ المتغيرات في العالم، وازدياد عدد هذه القوى العاملة، جعل الأمر يُناقش عبر وسائل الإعلام علنًا، وفي الواقع هم مسيطرون على الشركات الكبرى كلها إداريا وماليا.

هناك بوادر لتصدير الأزمات إلى دول الخليج، التي كانت في العقود الماضية دولًا هادئة؛ ومن ذلك ما حدث في مدينتي أبوظبي ودبي، ومدن خليجية أخرى من مظاهرات لجالية آسيوية، تضامنًا مع المظاهرات العارمة التي انطلقت في بلدها.

أعادت تلك المظاهرات إلى السطح بقوة، قضية القوى العاملة الوافدة في دول الخليج العربية، بعد الحكم الذي أصدرته محكمة أبوظبي الاتحادية، بالسجن المؤبد على ثلاثة مقيمين، وعلى 53 آخرين بالسجن 10 سنوات، والسجن 11 سنة، بحقّ متهم واحد دخل إلى البلاد بصورة غير قانونية، بسبب التظاهر في أبوظبي ودبي، تضامنًا مع المظاهرات التي عمّت بلادهم.

هناك من رأى أنّ الأحكام كانت شديدة وعاجلة؛ وقد يكون ذلك صحيحًا، ولكن من أبسط البديهيات أنّ على المقيمين أن يلتزموا بقوانين الدولة المضيفة؛ فوفق القانون الإماراتي، تشكّل تلك الأعمال جرائم تمسُّ أمن الدولة وتخل بالنظام العام، هذا أولًا؛ وثانيًا فإنّ هناك أكثر من مائتي جنسية تعيش في دولة الإمارات، منهم أكثر من 600 ألف مقيم من بنجلاديش، وهي ثالث أكبر جالية فيها بعد الجالية الهندية ثم الباكستانية؛ فهل من المنطق أن تُحوّل كلُّ جنسية من تلك الجنسيات مشاكلها إلى الدولة المضيفة؟! فلو حصل مثل ذلك فيعني ذلك أنه يجب على الدولة أن تتفرغ فقط لمشاكل الوافدين، وهي مشاكل كثيرة ومتعددة، بدءًا من أسباب وجود هذا العدد الكبير من القوى العاملة في دول الخليج العربية، وليس انتهاء إلى ما يشكّله ذلك الوجود من خطر في الحاضر والمستقبل على التركيبة السكانية والهوية الوطنية للبلدان الخليجية.

حقيقة إنّ مشكلة القوى العاملة الآسيوية في دول الخليج عويصة؛ فعلى الرغم من أنّ كلَّ الحكومات الخليجية تعلم خطورة تلك القوى العاملة، إلا أنها تقف عاجزة عن إيجاد الحلول. وهناك دراسات أعدت من قبل المختصين، تناولت التحديات التي تواجه الدول الخليجية والحلول المقترحة لها، إلا أنّ الأمر يزداد سوءًا يومًا بعد يوم. وما يؤسف له أنّ هذه الحكومات تنتظر كارثة ما حتى تتخذ الإجراءات اللازمة، وقد يكون ذلك في الوقت بدل الضائع. وأذكر أنّ كثيرًا من الكتاب العمانيين كتبوا في الصحف المحلية حول هذه القضية على مدى سنوات، دون جدوى؛ وكنت قد كتبتُ مقالًا بعنوان «معظم النار من مستصغر الشرر»، نُشر في جريدة «الرؤية» العمانية يوم 24 يناير 2012، تعليقًا على تجمع مئات من العمال الوافدين العاملين في مشروع مطار مسقط الدولي، أمام مقر شركتهم في العذيبة، مرددين شعارات احتجاج على «خفض الرواتب»، قلت فيه: إنّ القصة ظاهريًّا يبدو أنها انتهت، لكنها من هنا بدأت وقد دقت ناقوس الخطر وأعادت إلى الأذهان مشكلة القوى العاملة الوافدة ومخاطرها على المجتمع، وأشرتُ إلى أنّ كثيرين تناولوا الموضوع دون فائدة، «وكأنّ هناك جهات ما أو أشخاصًا لا يريدون لهذه المسألة أن تنتهي...» وتساءلتُ هل نستطيع أن نعيش في أمان وأمن وسلام، والدولةُ لا تحرِّك ساكنًا في مشكلة أصبحت تؤرق الجميع؟ وكان السؤال التالي هو: كيف إذا تعرضنا لشيء كبير- لا قدر الله- إذا كانت مشكلة كهذه لا تجد حلا؟!

في اعتقادي أنّه إذا لم تكن هناك سياسات حازمة ومستشرفة للمستقبل في التعاطي مع قضية القوى العاملة الأجنبية في الخليج، فإنّ الأمر قد يفلت، وعندما يفلت فإنّ شظاياه ستصيب الجميع. ونحن في عُمان بحاجة إلى سن قوانين تراعي المجتمع العماني وأخلاقياته وبيئته، وأن تكون نابعة من الداخل ولا تفرضها علينا المنظمات ولا الحكومات الخارجية، التي يأتي منها هؤلاء العمال، وقد نكون الآن أحوج ما نكون إلى إعادة صياغة كلِّ القوانين المتعلقة بالقوى العاملة الوافدة، يشارك في ذلك أعضاء مجلس الشورى، والمكرمون أعضاء مجلس الدولة، وممثلون عن الجهات المختصة، ومنها الأمنية، حماية للبلد وحماية لحقوق المواطنين، وأن تشمل هذه القوانين عقوبات رادعة للقوى العاملة الهاربة، وتُخطر السفارات الأجنبية بها.

إنّ الأمر الذي يثير التساؤلات إلى حدِّ الغرابة، أنّ المواطنين العُمانيين عانوا كثيرًا من مشكلة القوى العاملة الوافدة، وصرخوا وبأعلى الأصوات، وامتلأت منتديات الحوار وصفحات الجرائد بشكاوى المواطنين، فهل لم يصل كلُّ ذلك إلى آذان جهات الاختصاص؟! وهل علينا أن نسكت دائمًا ونتجاهل معاناة المواطنين حتى ينفجر الموقف؟

من المفارقات العجيبة أنّ دول الخليج هي أكثر دول العالم استقطابًا للقوى العاملة الوافدة، على حساب الشباب الذين يبحثون عن العمل. وأعتقدُ أنّ الصورة في عُمان أكثر وضوحًا من غيرها؛ فيما نرى أنّ ملايين الوافدين يشتغلون ويمتهنون كلَّ شيء، وتذهب خيرات هذه البلدان إلى الخارج؛ فحسب تقرير للبنك الدولي، فإنّ هؤلاء العمال يحوّلون أكثر من 113 مليار دولار سنويًّا إلى بلدانهم. وهناك مفارقة أخرى هي أنّ من يتابع وسائل الإعلام، كثيرًا ما يقرأ أنّ دول الخليج تعلن بين فترة وأخرى عن سلسلة من المشروعات الضخمة، ويُردّد أنّ هذه المشروعات، ستعمل على إيجاد فرص عمل للشباب، وأصبحت تلك العبارة، لازمة ثابتة مع كلّ خبر يذاع وينشر عن أيِّ مشروع، ولكن السنين تمر دون أن يتحقق شيء، والذي يحدث أنّ هذه المشروعات تستقطب القوى العاملة الأجنبية أكثر.

قضيةُ القوى العاملة الوافدة- بتشعباتها- تفتح بابًا يحتاج إلى الإغلاق، بوضع الحلول المناسبة، قبل أن يستفحل أمرها؛ اليوم مظاهرات وغدًا ما هو أكبر، وهذا مؤشرٌ خطيرٌ لما هو قادم؛ فمعظمُ النار دائمًا من مستصغر الشرر، والشررُ قد تطاير في أكثر من مكان.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القوى العاملة الوافدة فی دول الخلیج أکثر من

إقرأ أيضاً:

«الزراعة»: الدولة تقدم الكثير من الخدمات للمزارعين وتحميهم من الأزمات

قال الدكتور محمد القرش، المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة ومعاون وزير وزارة الزراعة، إنّ الفلاح المصري يتمتع بحقوق غير مسبوقة منذ 72 عاما منذ ثورة 23 يوليو، التي أعطته الكثير من المكتسبات من خلال قانون الإصلاح الزراعي، وهيئة الإصلاح الزراعي وجمعياته المنتشرة في مختلف الجمهورية، موضحا أنّ هناك الكثير من المبادرات لخدمة الفلاح مثل مبادرة «حياة كريمة» و«بداية» التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح الرئيس السيسي؛ لإحداث تنمية شاملة في قطاع الزراعة، وخدمة ودعم الفلاح المصري وسكان مناطق الريف.

الزراعة تنمية مستدامة

وأضاف «القرش»، خلال لقائه عبر  قناة «DMC»، أنّ المساهمة في تحسين دخل الفلاح المصري يعد من أفضل الجهود المساعدة له، مشيرا إلى أنّ الزراعة أصبحت نشاط تنمية مستدامة لكل مجالات التنمية داخل الدولة المصرية، بالتالي لجأت الدولة إلى استنباط أكثر من 60 صنفا وهجنا، خلال الفترة الأخيرة منذ 2014 وحتى الآن، مما ساهم في تحسين وزيادة الإنتاج وتحقيق الاكتفاء، ما يؤدي إلى تحسين دخل الفلاح وتقليل التكاليف التي يستخدمها من أجل  مواجهة الآفات.

خدمات مقدمة للفلاح المصري

وتابع: «الدولة دعمت الفلاح المصري بمختلف الخدمات مثل توفير الأسمدة ومستلزمات الإنتاج ومساعدته في تحسين إنتاجيته»، لافتا إلى أنّ جهود الدولة تسعى أيضا إلى تجنب تعرض الفلاح للمخاطر والأزمات الناتجة عن المتغيرات الدولية، من خلال إعطائه سعر ضمان يضمن له حق أدنى من الربح.

مقالات مشابهة

  • «الزراعة»: الدولة تقدم الكثير من الخدمات للمزارعين وتحميهم من الأزمات
  • إطلاق أول صندوق تمويلي متوافق مع الشريعة الإسلامية للشركات ‏الصغيرة العاملة بالصناعة
  • بنغازي.. ضبط 4 سودانيين وليبي بتهمة تزوير إقامات للعمالة الوافدة
  • ضبط عصابة لتزوير الإقامات للعمالة الوافدة 
  • وزير قطاع الأعمال يستعرض معدلات إنتاج وتصدير شركات «القابضة الكيماوية»
  • 90.8 في المئة من القوى العاملة بـ«النفط»… كويتيون
  • ترامب يسعى لتعزيز قاعدة ناخبيه من أبناء الطبقة العاملة
  • تعديل ضوابط التأسيس للشركات العاملة فى الخدمات المالية غير المصرفية
  • الرقابة المالية تصدر ضوابط منح ترخيص الشركات العاملة في الأنشطة المالية غير المصرفية
  • تقرير أممي يحذر من تفاقم أزمة الجوع العالمية: غزة في مقدمة الأزمات الغذائية