تميزت فترة التنوير((The Age of Enlightenment، التى امتدت من أواخر القرن السابع عشر إلى القرن الثامن عشر فى أوروبا، بارتفاع فى منسوب التفكير العقلانى والبحث العلمي، ورفض الطائفية الدينية. واجهت الشخصيات البارزة مثل رينيه ديكارت، جون لوك، وفولتير السلطة التقليدية ودعموا الحرية الفردية والاستكشاف العلمى والحكم الدستورى.
العوامل المساهمة فى تنوير أوروبا كان أولها ثورة العلوم فى القرون السادس عشر والسابع عشر، بقيادة شخصيات مثل كوبرنيكوس، جاليليو، ونيوتن، والتى حثّت على روح الاستفسار والملاحظة التجريبية. هذه الثورة وضعت أسس الطرق التجريبية فى البحث العلمي، والتفكير النقدي، واستجواب المعتقدات المتحجرة.
أما بالنسبة للفكر الفلسفي، فقد قدم الفلاسفة مثل ديكارت، ولوك، ومونتسكيو أفكارًا جديدة حول طبيعة المعرفة والحكم وحقوق الفرد. ركز ديكارت على الشك كأساس للعقلانية، بينما أثّرت نظريات لوك حول الحقوق الطبيعية والعقد الاجتماعى على المبادئ الديمقراطية وسيادة القانون.
أتاح اختراع آلة الطباعة فى وقت سابق تداول الكتب والنشرات والأوراق العلمية على نطاق واسع. هذا التمكين من المعرفة سهّل التبادل الفكرى وانتشار أفكار التنوير فى أوروبا.
ونشأت المؤسسات العلمانية مثل الجامعات والأكاديميات كأماكن للحوار الفكرى بعيدًا عن الرقابة الدينية. بالإضافة إلى ذلك، فإن التسامح تجاه وجهات النظر المتنوعة وفصل الكنيسة عن الدولة خلق بيئة ملائمة للفكر الحر والابتكار.
فما الخطوات التى يجب علينا نحن المصريين أن نتخذها لتحقيق تنوير مشابه؟
أعتقد جازما أنّ اولاها التركيز على إصلاح التعليم لتعزيز التفكير النقدى والاستفسار العلمى والتعليم المدنى civics)) الذى يركز على قيّم المواطنة من سن مبكرة. تعزيز الدراسات متعددة التخصصات التى تجمع بين العلوم التطبيقية والدراسات الإنسانية والاجتماعية لبناء شخصيات متكاملة قادرة على المساهمة فى التقدم المجتمعى.
تعزيز بيئة تقّدر التنوّع الفكرى وتشجّع على الحوار المفتوح وتحمى حرية التعبير. إنشاء مؤسسات أكاديمية مستقلة ومراكز بحثية محايدة (think tanks) تكون بعيدة عن التدخلات السياسية والالتزام بمعايير أكاديمية صارمة.
زيادة التمويل والدعم للبحث العلمى والابتكار. تشجيع التعاون بين الجامعات والمؤسسات البحثية وشركات القطاع الخاص لتعزيز التقدم الاكاديمى والتكنولوجي - فلماذا لا ننشئ مثلا كرسيا للدراسات المستقبلية والذكاء الاصطناعى يدعمه كبار أصحاب الاعمال فى مجتمعنا؟
تنفيذ الإصلاحات الدستورية التى تحفظ سيادة القانون وتحمى حقوق الفرد وتضمن الشفافية فى الحكم.
تشجيع المبادرات الثقافية التى تحتفل بالتنوع وتحافظ على التراث وتعزز ثقافة التسامح واحترام التعددية والتقدير للفنون والآداب والإنجازات العلمية.
لكن السير نحو التنوير يتطلب التزامًا جادا بالمعرفة والتفكير النقدى ومبادئ الحرية والعدالة. من خلال اعتماد هذه المبادئ وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، يمكن لمصرنا أن تحقّق التقدم والازدهار الذى شهدته أوروبا خلال فترة التنوير.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حقوق الإنسان
إقرأ أيضاً:
الصعيد.. و"ناسه"
لست ممن يتابعون الأعمال الدرامية سواء فى رمضان، أو غير رمضان، بل إنني توقفت تمامًا خلال السنوات الماضية عن معظم ما يعرض على الشاشات، باستثناء بعض ما يتعلق بالأخبار أثناء الأحداث الهامة، غير أن مقاطع من مسلسل يتناول الحياة فى الصعيد يمر أمامي بين الحين والآخر أثناء تصفح الفيس بوك، الفنان مصطفى شعبان يتألق فى أداء دور كبير العائلة والذى يستمد سطوته من الثروات الضخمة التى حصل عليها من تجارة الآثار، وبالتالي كلمته نافذة على الكبير قبل الصغير، المسلسل الذى يحمل اسم "حكيم باشا" يتبارى فيه كبار النجوم فى أداء أدوارهم، وكذلك النجوم من شباب الفنانات، غير أن هذا العمل كما سابق كثيرًا من الأعمال لا تعبر عن واقع الحال فى الصعيد.
أول ما لفت نظري هو أن "حريم القصر" كما يسمونهم فى المسلسل خلعن غطاء الرأس فى وجود ابن العم، وعم الزوج، وأبناء عم الزوج، وهكذا، وكلهن صففن الشعر، وتركهن مسدلاً على الاكتاف، وهذا ما لا يحدث على الإطلاق مهما بلغت درجة الثراء فى العائلات، بل إن السيدة أو البنت بمجرد نزولها من شقتها الموجودة فى بيت العائلة لا تستطيع أن تتخفف من ملابسها، أو غطاء الرأس، فهي دائمًا مستعدة لدخول ضيف، أو أحد الأقارب، ناهيك بالطبع عن طريقة اللبس التى تميل إلى الفلكلور، وكمية الذهب المبالغ فيها التى ترتديها كل نساء العمل، صحيح هم يحبون الألوان الزاهية ويلبسونها فى المناسبات والأثرياء منهم يملكون من الحلى الذهبية الكثير ولكنهم أيضًا لا يلبسونه إلا فى المناسبات.
منذ سنوات لبيتُ دعوةً لحضور حفل عرس أحد الأبناء فى محافظة سوهاج، بادرتني إحداهن "إيه رأيك فى عيشتنا.. يا تري زي المسلسلات؟" قلت لها: بالطبع لا، فقالت: "إحنا نفسنا بنضحك على اللى بنشوفه عن ستات الصعيد ونتمنى يكتبوا حاجه حقيقية عنا"، لم أجد هناك كلمة "الحرمة" التى نسمع عنها فى المسلسلات والأفلام، ولكنني وجدت سيدات تذهبن إلى وظائفهن دون أية قيود، وفتيات تعلمن فى الجامعات، ونبغن فى كليات القمة، بالإضافة إلى شابات، وفتيات صغار تجدن كل حنو ومحبة من الكبار.
على مدى سنوات عمري المهني والشخصي، كانت الصورة الذهنية للجزء الجنوبي من الوطن هى صورة نمطية تعكس موروثات من السلوكيات والعادات وربما الصفات التى تدور جميعها حول الثأر، وقهر وتهميش المرأة، وخشونة التصرفات، وقسوة المشاعر، وفوق ذلك معدلات فقر تؤكدها إحصاءات رسمية، ومصادر بحثية، ولكنني مع أول زيارة اكتشفت عوالم أخرى لا تعكسها الصورة المصدرة لنا دومًا عن تلك البقعة من أرض الوطن.
تجارة السلاح والآثار والتهريب تلك هى صورة الصعيد فى المسلسلات مع تزيد وتصنع فى اللهجة، مع أنه هناك لكنة مختلفة لكل محافظة، ولكنها عامة ليست بتلك الخشونة التى تصدرها المسلسلات، فمع زيادة نسب التعليم والتأثر بما يقدم فى وسائل الإعلام اقتربت اللهجة من طريقة "القاهريين" فى الكلام، أضف إلى ذلك بالطبع أن هناك قامات سياسية، وثقافية، وإعلامية أثروا بعلمهم، وموهبتهم، وثرائهم الثقافي المجتمع المصري ككل على مر التاريخ.
نتمنى على كتّاب الدراما، وخاصة ما يتعلق منها بالصعيد، زيارة هذا الجزء الجنوبي من أرض الوطن، ومعايشة قضاياهم، ومشكلاتهم، وواقعهم بالفعل، حتى تكون الأعمال مرآة للواقع ورسالة تخدم، وتفيد.