جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-08@12:40:53 GMT

اغتيال هنية.. الدوافع والأسباب

تاريخ النشر: 4th, August 2024 GMT

اغتيال هنية.. الدوافع والأسباب

 

 

د. عبدالله آلبوغبيش **

 

بعد مُضي يومين من اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، وخفوت نار التغريد والتحليل، يُمكن التطرق إلى بعض النقاط في هذا السياق:

في أي قراءة للأحداث والتطورات لابُد من وضع الأحداث ضمن إطارها المحلي والإقليمي والدولي، فغياب مثل هذه النظرة يؤدي إلى فهم خاطئ للأحداث، وبالتالي يقودنا نحو متاهات في المواقف والقرارات.

ومن هذا المنطلق، فإنَّ دوافع اغتيال إسماعيل هنية تأتي في سياق التطورات التالية:

1- إيرانيًا: شهدت إيران خلال الشهر الماضي انتخابات رئاسية مبكرة على ضوء تحطم طائرة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي؛ حيث فاز فيها مسعود بزشكيان الذي حظي بتأييد على مستوى القيادات والشعب وقد رفع شعار الدعوة إلى حل القضايا العالقة مع الغرب عبر المفاوضات، ولا شك أنَّ مثل هذا الموقف يؤدي إلى إحراج كيان الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي يجعل عملية تأليب المجتمع الدولي ضد إيران مهمة صعبة للاحتلال. إذن كان لا بُد من القيام بعملية استباقية تستفز طهران وتمنع تحقيق أي إنجاز إقليمي أو دولي لها منذ اللحظات الأولى لبدء مهام الرئيس الجديد.

2- عربيًا: عملية اغتيال إسماعيل هنية باعتباره شخصية تحظى بشعبية كبيرة لدى الرأي العام العربي والإسلامي لا سيما بعد عملية "طوفان الأقصى"، وذلك في قلب العاصمة الإيرانية طهران المعروفة بدعمها للمقاومة الفلسطينية، تساهم في إيجاد شرخ عميق بين إيران وحماس من جهة، وبين إيران والشارع العربي والمسلم من جهة أخرى؛ حيث تؤدي إلى توجيه الانتقادات لإيران، وربما توجيه أصابع الاتهام نحوها، بعد أن نالت شعبية كبيرة لدى الرأي العام العربي عبر دعمها للقضية الفلسطينية والتصالح مع السعودية في عهد الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي؛ ما ساهم بوقف عملية التطبيع التي يعمل الصهاينة على تحقيقها في الشرق الأوسط.

3- إقليميًا: لا شك أن أسطورة الجيش الذي لا يُقهر قد انهارت منذ السابع من أكتوبر 2023، وإن ما يسمى بالردع الإسرائيلي قد تزعزع إلى حد بعيد، بحيث إن الاحتلال بات مكشوفًا من جميع الجهات، وإن أصغر الحركات المناهضة للاحتلال باتت تستهدفه من كل حدب وصوب. إذن كان لا بُد للاحتلال من استعادة ذلك الردع وترميم تلك الأسطورة المنهارة عبر اغتيالات يصعب الرد عليها بالنظر الى ظروف الدولة أو الحركة المستهدفة.

4- دوليًا: بعد انتخاب الرئيس الجديد في إيران، تزايد الحديث عن تقارب بين طهران والعواصم الأوروبية وواشنطن، وهذا ما لا يروق لإسرائيل التي تتغذى من دعاية التهديدات الإيرانية ضدها، وتعمل على تشويه صورة إيران لدى الغرب وتخويف المجتمعات والحكومات الغربية من أي دور لإيران على المستويين الإقليمي والدولي، لذلك لا بُد من تفادي أي تقارب ومنع أي صفقة إيرانية غربية محتملة تساهم في تعافي الاقتصاد الإيراني؛ ما ينعكس إيجابيًا على تحسين صورتها دوليًا، بعد أن تمكّنت من تحقيق شعبية كبيرة لدى أوساط الرأي العام العربي من خلال التصالح مع المملكة العربية السعودية ودعم القضية الفلسطينية بكل ما أوتيت من قوة، وذلك في ظل غياب أي دعم عربي حقيقي للفلسطينيين في قطاع غزة.

5- إسرائيليًا: القضاء على قيادي كبير في حماس يساعد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو على تعزيز مكانته السياسية التي باتت تتآكل بعد أن طال أمد الحرب دون تحقيق إنجاز حقيقي. اليوم، يمكن الحديث عن أن نتنياهو لا يستطيع البقاء في منصبه السياسي إلا عبر الاغتيالات والاستمرار في الحرب التي تبين أنها لا تؤدي إلى نتائج ملموسة حتى الآن.

إذن.. من السذاجة الحديث عن أنَّ كيان الاحتلال الإسرائيلي لم يستطع اغتيال هنية في عواصم أخرى سوى طهران؛ فأي عملية اغتيال لا بُد من أن تحقق إنجازًا ملموسًا على عدة مستويات، وإلّا فإن التصفية الجسدية للشخصيات المستهدَفة خارج الظرف المناسب لا تخدم مصالح الجهة المستهدِفة لتلك الشخصيات. فكما نعلم أن زيارة الشهيد إسماعيل هنية إلى طهران لم تكن الأولى من نوعها، وعلينا أن نتساءل لماذا لم يتم اغتياله في المرات السابقة؟ لا سيما وأنها ليست المرة الأولى التي نرى كيان الاحتلال يغتال قادة المقاومة الفلسطينية في الدول المستضيفة لهم؛ فالاحتلال اغتال في السنوات الماضية فتحي الشقاقي في مالطا، وغسان كنفاني في بيروت، وفادي البطش في ماليزيا، ومحمود المبحوح في إمارة دبي، وغيرهم كثيرين.

إذن.. بعيدًا عن كل المشاعر والأحاسيس لا بُد من النظر إلى الأحداث والمجريات من منظور منطقي، ولا بُد من وضع الأمور في سياقها المحلي والإقليمي والدولي لاستخلاص الدروس والعبر، واتخاذ القرارات السليمة على ضوء ذلك.

** أكاديمي إيراني

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

إيران بين طبول الحرب ولغة الحوار

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في زحمة التحولات الإقليمية ووهج التصعيد الأمريكي، تبدو إيران اليوم في وضع لا تحسد عليه. فالدولة التي بنت مشروعها الإقليمي على حلفاء عابرين للحدود، وأدوات تتراوح بين السلاح والأيديولوجيا، تجد نفسها محاصرة بين شبح الحرب التي قد تندلع في أي لحظة، وبين حوار تفرضه واشنطن بشروط أقرب للإملاءات منها إلى التفاوض المتكافئ، أمام هذا الواقع تُطرح أسئلة جوهرية هل انتهى زمن النفوذ الإيراني المتغلغل؟ وما انعكاسات تقهقر طهران على الخريطة العربية؟ وهل يملك العرب فرصة لإعادة التوازن في حال طُويت صفحة المشروع الإيراني؟

إيران تتحدث عن الحوار بلغة المرتاب

رغم التصريحات التي تصدر من طهران بين الحين والآخر حول الاستعداد للحوار بشأن برنامجها النووي، إلا أن تلك التصريحات تأتي محمّلة بكثير من التحفظ، وأحيانًا الغموض. ففي تصريح له نُشر عبر وكالة "إرنا" الإيرانية في فبراير الماضي، قال علي باقري كني، وزير الخارجية بالإنابة "إيران لا تمانع الحوار، شرط أن يتم على قاعدة الاحترام المتبادل ورفع العقوبات الجائرة". لكن هذه اللغة الدبلوماسية لم تقنع واشنطن، التي ترفض أي شروط مسبقة من طهران.

بالمقابل، جاء رد واشنطن أكثر صرامة ووضوحًا، وهو رد متكرر من زمن باراك أوباما وهو أن "الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي وإذا فشل الحوار، فكل الخيارات ستبقى مطروحة". هذا التباين في الخطاب يكشف عمق الفجوة، ويضع احتمالات التفاهم على المحك.

ومع تفكك الحلفاء نشهد الآن بوضوح الصمت من طهران، ومما يعزز فرضية التراجع الإيراني هو الانكماش التدريجي لأذرعها الإقليمية، وصمتها المريب أمام الهزائم المتلاحقة لحلفائها في اليمن، وقد تواردت أنباء عن انسحاب ملحوظ للمستشارين العسكريين الإيرانيين، وهو ما أكدته صحيفة وول ستريت جورنال، التي نقلت عن مصادر استخباراتية غربية أن "إيران بدأت بتقليص وجودها المباشر عقب ضربات أمريكية مكثفة استهدفت مواقع الحوثيين".

وفي لبنان، تتلقى ميليشيا حزب الله ضربات إسرائيلية مركزة، فيما يلوذ المسؤولون في طهران بالصمت. أما غزة، حيث كانت طهران تتباهى دومًا بدعمها لحماس، فقد باتت ساحة مفتوحة للخسائر، من دون غطاء سياسي أو إعلامي من الجمهورية الإسلامية.

هذا التراجع لا يبدو وليد اللحظة، بل جزءًا من مراجعة اضطرارية لمشروع إقليمي بات أكثر كلفة وأقل فعالية. لم تعد طهران قادرة على تمويل، أو حتى تغطية، جبهاتها المتعددة كما في السابق مما يوحي بنهاية مشروعها وبداية الانعزال، رغم أن بعض المحللين يعتبرون الحديث عن نهاية المشروع الإيراني سابقًا لأوانه، إلا أن المؤشرات على الأرض توحي بانكماش نفوذها السياسي والعسكري. ففي مقابلة له مع قناة DW، أكد الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، علي صدرزاده، أن "إيران تواجه أزمة استراتيجية مزدوجة، خارجية تتمثل في الضغط الأمريكي المتصاعد، وداخلية في شكل أزمات اقتصادية وغضب شعبي مكبوت".

إذًا، نحن أمام تحول في الدور الإيراني، لا بالضرورة انسحابًا كاملًا، بل ربما إعادة تموضع تبحث فيه طهران عن نموذج أقل تكلفة وأكثر تكيّفًا مع المتغيرات.

أما الاحتمال الكارثي وهو الحرب، سيظل معلقا لنرى بوادره في حال فشلت مساعي الحوار، لذلك فإن التصعيد العسكري سيبقى خيارًا مطروحًا، وإن كان مستبعدًا في المدى القريب. فالحرب ضد إيران لن تكون خاطفة أو محدودة، بل قد تتسبب في زعزعة استقرار الإقليم بأكمله. الجنرال فرانك ماكنزي، القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية، حذر في مقابلة صحفية من أن "مواجهة شاملة مع إيران ستفتح جبهات لا يمكن السيطرة عليها، وقد تطال مصالح حيوية في الخليج والبحر الأحمر وشرق المتوسط".

إيران من جهتها تراهن على أن كلفة الحرب ستكون باهظة للجميع، لذا فإنها تميل إلى خيار "الصمود الاستراتيجي" مع محاولة كسب الوقت، ومن هنا تأتي فضيلة الحوار الذي من الممكن اعتباره محتملًا، فإن نجاح حوار مشروط قد ينعكس إيجابيًا على الواقع العربي، إذا أجبرت إيران على خفض التصعيد وسُمح لها بالعودة إلى الاقتصاد العالمي مقابل كبح مشروعها النووي وتفكيك ميليشياتها، فقد يكون ذلك بداية لهدوء نسبي في أكثر من ساحة.

سوريا، اليمن، العراق، ولبنان كلها ساحات مرهقة بفعل تدخلات طهران، وقد يكون ضبط إيقاعها بداية استعادة تدريجية للدولة الوطنية، كما أن انخفاض مستوى التوتر قد يعزز فرص التسويات السياسية ويعيد التوازن إلى العلاقات العربية الإيرانية على أسس أكثر عقلانية،

لكن هذه النتيجة تبقى مرهونة بضمانات دولية حازمة، وآليات مراقبة تمنع طهران من استغلال الاتفاق كغطاء مؤقت قبل استئناف نفوذها.

وفي الميزان العربي نجد أنها فرصة تاريخية.. حيث التراجع الإيراني - إن اكتمل - قد يكون لحظة نادرة للعرب لإعادة ترتيب أوراقهم وبناء تحالفاتهم على أسس صلبة،  فللمرة الأولى منذ سنوات، يبدو أن نفوذ طهران يتراجع دون حرب، وهو ما يمنح الدول العربية فسحة للمبادرة بدلا عن ردّ الفعل.

لكن في حال غياب مشروع عربي جامع، فإن الفراغ الذي قد تتركه إيران، لن يبقى فارغًا طويلًا، فالتاريخ لا يعترف بالفراغ، بل بمن يملأه.

وعلى ذلك نجد ان إيران تقف اليوم عند مفترق طريق حرج فإما أن تنكفئ وتعيد تعريف دورها الإقليمي بمرونة، أو تمضي في تحدٍ قد يكلّفها الكثير، أما العرب فإنهم أمام فرصة لإعادة صياغة المعادلة برمتها... فهل يمكن ذلك؟

مقالات مشابهة

  • صفقة ترامب – إيران: فرصة أم فخ؟
  • شائعة.. إيران تنفي تعرض قائد القوة الجوية في الحرس الثوري لمحاولة اغتيال
  • ترامب يعلن عن محادثات مباشرة مع إيران وخيبة أمل في إسرائيل
  • "مباشرة أم غير مباشرة؟".. أول رد من إيران على تصريحات ترامب
  • ترامب: نجري مباحثات مباشرة مع إيران.. ومن مصلحة طهران نجاح المفاوضات
  • ترامب يعلن عن تطور بشأن المحادثات النووية مع إيران
  • إيران بين طبول الحرب ولغة الحوار
  • إرث أسبوع أبريل الأول بين ولادة الناتو وأشهر عملية اغتيال
  • مديرية الإعلام في حلب لـ سانا: لا صحة للأنباء التي تتحدث عن توقف عملية تبادل الموقوفين بين مديرية الأمن بحلب وقوات سوريا الديمقراطية.
  • إدانة فلسطينية لمشاهد اغتيال مسعفي غزة ومطالبات بمحاسبة إسرائيل