جهود الاستجابة للكوارث عاجزة عن مواجهة أزمة المناخ
تاريخ النشر: 4th, August 2024 GMT
بيبوكاي باردوي
في وقت سابق من هذا الشهر، اجتاح الإعصار بيريل منطقة الكاريبي، فدمر جزرا بأكملها وأحدث دمارا «أشبه بمعركة الفَـناء الأسطورية». وباعتباره أول عاصفة من الفئة الخامسة على الإطلاق تتشكل في المحيط الأطلسي، فإنه يمثل بداية ما يتوقع الخبراء أن يكون موسم الأعاصير الأكثر نشاطا على في التاريخ المسجل.
لا شك أن هذه كارثة مناخية، فقد كانت الأمطار الغزيرة الجارفة والرياح التي بلغت سرعتها 150 ميلا في الساعة والتي سَـوَّت بالأرض جزر كارياكو، وبيتيت مارتينيك، وأرخبيل جرينادين، إلى جانب العواصف العاتية التي ضربت سواحل بربادوس وجامايكا، أكثر شدة بنحو 10% إلى 30% بسبب تغير المناخ الناجم عن أنشطة بشرية، الواقع أن العواقب التي خلفها الإعصار بيريل يجب أن تثير قلق المؤسسات المالية بقدر ما تثير قلق علماء المناخ، لأنها تكشف كيف يفشل نظام تمويل التنمية الـمُـرَقَّـع الذي نتبناه ــ والمصمم عندما كانت أحداث الطقس القاسية أقل كارثية ــ في مواجهة العواصف والفيضانات وحرائق الغابات المتزايدة التواتر والشِـدّة.
أظهرت الدراسات أنه بصرف النظر عن مدى السرعة التي نعمل بها على خفض الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي، فإن الكوارث مثل إعصار بيريل سوف تتكرر، لكن الدول الجزرية الصغيرة النامية، والتي تُـعَـد بين أكثر دول العالم عُرضة لتغير المناخ، قادرة على الوصول إلى أقل من 2% من التمويل المناخي الـمُـلـتَـزَم به للدول النامية، لحماية دول الكاريبي وغيرها من المناطق المستضعفة من المخاطر التي تهدد وجودها والتي يفرضها تغير المناخ، يتعين على المجتمع الدولي مساعدتها في بناء القدرة على الصمود، وهذا يتطلب نهجا أكثر شمولا لتقديم الدعم المالي قبل، وأثناء، وبعد أحداث الطقس القاسية.
تتمثل الأولوية الأكثر أهمية في السيولة الطارئة في أعقاب الأزمة، حتى تتمكن الحكومات من تلبية احتياجات سكانها الأكثر إلحاحا والبدء في العمل على الاستجابة للكوارث، وتشمل الأمثلة قروض البنك الدولي مع خيار السحب المؤجَّل للكوارث، على غرار القرض الطارئ لحالات الطوارئ الناجمة عن الكوارث الطبيعية الذي يقدمه بنك التنمية للبلدان الأمريكية. ولأن مثل هذه الخطوط الائتمانية تنال الموافقة مسبقا، فإن الدول يصبح بوسعها الوصول إلى الأموال بسرعة بمجرد استيفاء شروط محددة مسبقا.
كان صندوق خيار السحب الـمؤجَّل للكوارث شديد الأهمية لاستجابة سانت فنسنت وجزر جرينادين للثوران البركاني في عام 2021، حيث زَوَّد البلاد بعشرين مليون دولار من السيولة الفورية لدعم تعافيها، من المؤسف أن هذا الصندوق انتهى العمل به العام الماضي، لتصبح سانت فنسنت وجزر جرينادين محرومة من تمويل مماثل في أعقاب إعصار بيريل، الذي دمر 90% من المساكن في إحدى جزرها.
في عموم الأمر، تشكل القدرة على الوصول عقبة رئيسية تحول دون حماية الدول الجزرية الصغيرة النامية، الواقع أن معظم دول شرق الكاريبي غير ملتحقة بعضوية بنك التنمية للبلدان الأمريكية وبالتالي لا يمكنها الوصول إلى قروضه، وهذا يؤكد على الحاجة إلى صندوق سيولة طارئة عالمي تستطيع كل دولة معرضة للمخاطر المترتبة على تغير المناخ الوصول إليه على الفور. من الممكن تحديد سقف لهذا الصندوق بمبلغ متواضع نسبيا لضمان تمكين جميع البلدان من الاستجابة لحالات الطوارئ الأكثر إلحاحا، ومن الأهمية بمكان إطلاق القرض الطارئ بمجرد إعلان حالة الطوارئ من قِـبَـل حكومة وطنية أو دون وطنية، ولكن يظل من المتاح اللجوء إلى خيارات إضافية «لتعويض النقص» مثل خيار السحب المؤجل للكوارث، أو حتى التغطية على مستوى أعلى من خلال مزيج من الدعم العام والحلول الخاصة ــ مثل تأجيل سداد الديون، أو العقود مع شركات إعادة التأمين، أو حلول نقل المخاطر المعيارية، ولكن مع وجود مرفق عالمي «على مستوى القاعدة»، لن تكون أي دولة عاجزة عن الوصول إلى السيولة الطارئة وأموال إعادة البناء، ولهذا السبب دَعَـت الدول الجزرية الصغيرة النامية بالإجماع إلى إنشاء الأدوات المالية المناسبة، لكن الاستعداد من غير الممكن أن يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، ولا تشكل السيولة الطارئة في نهاية المطاف سوى جزء صغير للغاية من اللغز.
للحد من أضرار العواصف ومنع إهدار المكاسب الاجتماعية والاقتصادية التي تحققت بشق الأنفس على مدى عقود من الزمن بين عشية وضحاها، يتعين على البلدان المعرضة لخطر تغير المناخ أن تعكف على بناء القدرة على الصمود. على سبيل المثال، حددت خطة الاستثمار من أجل الرخاء والقدرة على الصمود التي اكتملت مؤخرا في بربادوس الحاجة إلى تخصيص 11.6 مليار دولار للرعاية الصحية، والتعليم، والإسكان، والبنية الأساسية ــ بما في ذلك توفير الحماية الساحلية الحقيقية ــ على مدار العقد المقبل، ومن هذا المبلغ يجب أن تكون نحو 5 مليارات دولار ممولة عن طريق القطاع العام، ويتطلب تحقيق هذا الهدف توفر خيارات تمويل أرخص وأطول أمدا.
لابد من توجيه حصة أكبر كثيرا من الموارد الميسرة من بنوك التنمية المتعددة الأطراف والجهات المانحة الثنائية نحو جهود التكيف، حيث يعمل كل دولار يُـنـفَـق على جعل البنية الأساسية أكثر مرونة وقدرة على الصمود على توفير 4 دولارات في إعادة البناء بعد الكوارث، وعندما يقترن هذا بأدوات السيولة المعتمدة مسبقا، مثل مرفق الطوارئ، تعمل مثل هذه الاستثمارات على تحسين خطة تعزيز القدرة، بدلا من ارتجال استجابات إنسانية بعد العاصفة.
أخيرا، يتعين علينا تخصيص قدر أعظم من رأس المال لإصلاح الأضرار التي تُـنزِلها الكوارث المناخية بالاقتصادات والسكان. مثلها كمثل عدد كبير من بلدان منطقة الكاريبي التي تعاني من إعصار بيريل، تُـعَـد الدول الجزرية الصغيرة النامية أكثر عُـرضة بنحو 33% للصدمات الاقتصادية والمالية الخارجية مقارنة بغيرها من البلدان النامية، فهي تتكبد سنويا خسائر اقتصادية تعادل 1.7 مليار دولار بسبب تغير المناخ وأحداث الطقس القاسية، في عام 2022، في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ الذي استضافته مِـصر، توصل الزعماء السياسيون إلى اتفاق تاريخي قضى بإنشاء صندوق الخسائر والأضرار لتقديم المساعدات المالية للدول النامية التي تتصارع مع التأثيرات السلبية المترتبة على الانحباس الحراري الكوكبي. منذ ذلك الحين، ومع تصاعد أزمة المناخ بسرعة، تنامى عدد البلدان التي تسعى إلى الوصول إلى هذه الموارد بشكل ملحوظ. إن تزويد صندوق الخسائر والأضرار بالموارد التي يحتاج إليها أمر بالغ الأهمية لمساعدة هذه البلدان على إعادة بناء اقتصاداتها. في عام 2017، تسبب إعصار ماريا في دومينيكا، حيث ولِدت، في تكبيدها خسائر وأضرار بلغت قيمتها 1.2 مليار دولار (226% من ناتجها المحلي الإجمالي). فقد دُمِّـرَت شبكة الكهرباء لدينا بالكامل تقريبا، وتضررت 90% من مساكننا، وخسرنا 85% من غاباتنا. وفقا لجميع المؤشرات، كانت الأضرار في مختلف أنحاء جرينادا، وجامايكا، وسانت فينسنت وجزر جرينادين، وبربادوس شديدة بذات القدر. ولكن مع تعهدات تبلغ أقل من 750 مليون دولار، من الواضح أن صندوق الخسائر والأضرار أصغر بأشواط من المطلوب.
يجب أن يكون الإعصار بيريل، الذي عطل حياة الناس واقتصاداتهم في مختلف أنحاء منطقة الكاريبي، بمثابة تحذير لأولئك الذين يحددون مقدار التمويل المتاح للدول المعرضة لمخاطر تغير المناخ. إن الدعم التدريجي ليس كافيا؛ والإصلاحات المالية الشاملة لازمة لتعزيز قدرة البلدان المعرضة للخطر على الصمود، وتوسيع نطاق وصولها إلى السيولة الطارئة، ومساعدتها على التعافي من الأضرار المادية والاقتصادية.
مع دخولنا ما قد يكون على الأرجح موسم الأعاصير الأكثر حِـدّة في التاريخ المسجل، يبدو من غير الممكن أن تأتي هذه الإصلاحات في وقت قريب بما فيه الكفاية.
بيبوكاي باردوي المستشار الخاص لرئيس وزراء بربادوس لشؤون المرونة المناخية، ومدير مبادرة بريدجتاون.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الدول الجزریة الصغیرة النامیة تغیر المناخ إعصار بیریل الوصول إلى القدرة على على الصمود التی ت
إقرأ أيضاً:
كل ما تريد معرفته عن تطبيق Deepseek المثير للجدل
في الفترة الأخيرة، شهدنا ظهور العديد من التطبيقات التي تهدف إلى تقديم خدمات مبتكرة في عالم التكنولوجيا، لكن قليل منها أحدث جدلا كما فعل تطبيق Deepseek، وهو يعد أحد أبرز المواضيع على الساحة التقنية اليوم، في هذا التقرير، سنوضح كل ما تحتاج معرفته عن Deepseek، من ميزاته إلى المخاوف التي أثارها.
ما هو تطبيق ديب سيك Deepseek؟Deepseek هو تطبيق برمجي يصنف ضمن أدوات البحث المتقدمة التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لاستكشاف البيانات على الإنترنت، يهدف التطبيق إلى تمكين المستخدمين من الوصول إلى المعلومات التي قد تكون مخفية أو صعبة الوصول، بما في ذلك محتوى غير متاح عبر محركات البحث التقليدية مثل جوجل، يعتمد التطبيق على تقنيات متطورة في التنقيب في البيانات، ويمكنه البحث في الإنترنت العميق (Deep Web) وحتى في بعض الأحيان في الإنترنت المظلم (Dark Web).
مثل تيك توك.. DeepSeek في مرمى الانتقادات بسبب انتهاكات الخصوصيةDeepseek AI.. تطبيق الذكاء الاصطناعي الأفضل على آيفونكيف يعمل ديب سيك Deepseek؟يستخدم Deepseek تقنيات الذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغة الطبيعية لتمكين المستخدمين من العثور على معلومات من مصادر غير متاحة بسهولة من خلال محركات البحث التقليدية، يقدم التطبيق واجهة سهلة الاستخدام تمكن المستخدم من إدخال استفسارات معقدة، ثم يعرض نتائج من مواقع وبيانات قد تكون مخفية أو متاحة فقط لأغراض محدودة.
واحدة من أبرز ميزات التطبيق هي قدرته على تصنيف البيانات وفقا للموضوع، مما يسهل على المستخدمين الوصول إلى المعلومات ذات الصلة من مصادر متعددة في وقت واحد. كما يحتوي التطبيق على أدوات متقدمة لتحليل البيانات بشكل سريع وفعال.
ديب سيك Deepseekما الذي يثير الجدل حول ديب سيك Deepseek؟بينما يعد Deepseek أداة قوية للمستخدمين الذين يسعون للوصول إلى معلومات متقدمة، إلا أنه أثار جدلا كبيرا بسبب بعض المخاوف المرتبطة باستخدامه:
1. الخصوصية والأمان:
نظرا لأن التطبيق يمكنه الوصول إلى الإنترنت العميق والمظلم، فإن هناك مخاوف من إمكانية انتهاك خصوصية الأفراد وجمع بيانات حساسة من مصادر غير قانونية أو مشكوك في صحتها.
أحد أبرز الانتقادات التي تواجه Deepseek هو أنه قد يسهل الوصول إلى محتوى غير قانوني أو ضار. في الإنترنت المظلم، يتم تداول مواد غير قانونية مثل المخدرات، الأسلحة، والبيانات المسروقة، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان التطبيق قد يسهم في تسهيل هذا النوع من الأنشطة.
3. استخدامه لأغراض غير قانونية:التطبيق يمنح مستخدميه القدرة على الوصول إلى معلومات يمكن استخدامها في أنشطة غير قانونية، مثل سرقة البيانات أو الوصول إلى حسابات محمية. هذا أثار مخاوف حول ما إذا كان يمكن استغلال Deepseek من قبل الأفراد أو الجماعات ذات النوايا السيئة.
كيف يستجيب مطورو ديب سيك Deepseek لهذه المخاوف؟في محاولة للتعامل مع المخاوف الأمنية، أكد مطورو Deepseek أنهم يقومون بتنفيذ مجموعة من الإجراءات الأمنية لضمان الاستخدام القانوني والآمن للتطبيق، يزعمون أن التطبيق لا يحفظ بيانات المستخدمين ولا يشاركها مع أي جهة خارجية، علاوة على ذلك، يعمل المطورون على توفير أدوات لحماية خصوصية المستخدمين، مثل التشفير القوي للمعلومات.
ومع ذلك، يظل التطبيق مثيرا للجدل، حيث يتم طرح تساؤلات حول مدى كفاءة هذه الضمانات، خاصة في حالة وجود محتوى مشبوه أو غير قانوني يمكن الوصول إليه بسهولة.
ما هي استخدامات ديب سيك Deepseek؟
على الرغم من المخاوف، هناك العديد من الاستخدامات المشروعة لـ Deepseek، خاصة في مجال البحث الأكاديمي والصحافة الاستقصائية. يستطيع الباحثون، الصحفيون، والمحققون الوصول إلى معلومات غير ظاهرة في محركات البحث التقليدية، مما يساعد في إجراء دراسات وتحقيقات تتطلب مصادر غنية ودقيقة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للأفراد استخدام التطبيق للبحث عن معلومات عامة أو متخصصة، مثل الأبحاث العلمية أو المقالات التقنية التي قد تكون غير متوفرة عبر الإنترنت المفتوح.
ما هو مستقبل ديب سيك Deepseek؟على الرغم من الجدل المحيط بـ Deepseek، يبدو أن التطبيق سيستمر في النمو والانتشار، خاصة بين المتخصصين في مجالات معينة مثل الأمن السيبراني، البحث الأكاديمي، والتحقيقات الرقمية. ومع تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي في أدوات البحث، قد يصبح Deepseek أحد الأدوات الأساسية في هذه المجالات، طالما تم اتخاذ التدابير اللازمة لضمان استخدامه بشكل آمن وقانوني.