لجريدة عمان:
2024-09-09@14:05:51 GMT

وحوش الجذام

تاريخ النشر: 4th, August 2024 GMT

أصابع ملتوية، إبهام معقوف نحو راحة اليد، نظرة غير متسقة للعينين، ما يشبه الصفائح المعدنية تحت جلد الوجه، كل هذه العلامات هي دلالات تعني بأنّ «توكي يوشي» البالغة ٧٥عاما، في الرواية اليابانية «ملذات طوكيو» لدوريان سوكيجاوا، عبرت مأزق مرض الجذام في طفولة بعيدة.

لكن «توكي» تقرر أن تستفيد من خبراتها في صناعة الحلوى، فقد تعافت قبل 40 عاما، لكن تلك الأصابع كانت أمرا مزعجا في أي عمل تجاري، فكيف يمكن للزبائن أن يتلقوا الخدمة من أيدٍ مشوهة، دون أن يظهر تناقض حاد بين الأيدي المعطوبة والحلوى المعدة بإتقان!

سرعان ما سُحقت «توكي» جراء سوء فهم الناس لها، عندما انتهكت شروط الاتفاق مع صاحب المحل، وانكشفت أمام الناس، فانهارت المبيعات وأصبح المحل التجاري منبوذا!

فقدان الأطراف -حتى بعد الشفاء- جعل المرضى عرضة للتمييز، لا سيما في مكان مُعد لتناول الطعام حيث ينبغي أن يكون كل شيء لائقا بالزبون، وكأنّ رؤية الأصابع المعقوفة أشبه بالنظر إلى وحش مختبئ! وكأنّ هذا المرض يعني أن تتوقف حياتك تماما في الماضي السحيق!

ألغي القانون الخاص بعزل مرضى الجذام عام 1996 في اليابان، عندما ظهر «البرومين» الدواء الذي أحدث ثورة في علاج المرض، فخرج الناس من مصحات العزل واستطاع ذوو المرضى أن يلتقوا بهم بحرية، لكن المجتمع كان قد تغير! فقد أضمر الناس توبيخا شديدا على أمر مشين لم يقترفه المرضى، لاعتقادهم بأنّ الجذام عقاب إلهي يُصيب من كان سيئا في حياته الماضية، ولذا كان هذا المرض يجلب العار الرهيب للمريض ولعائلته أيضا.

كان من المستحيل على المريض أن يُغادر النطاق المحدد له طوال حياته. الأشجار الكثيفة كانت بمثابة أسوار عالية تمنعهم من الهروب. الشرطة لا يأتون عندما تقع الجرائم ورجال الإطفاء لا يأتون لإطفاء الحرائق، وحتى العُملات النقدية لا يتم تداولها إلا فيما بينهم. كانوا أشبه ما يكون بمجتمع صغير ومعزول.

المرأة التي تعودت أن تخيط الثياب تعطي دروسا في الخياطة في المصحة، وكذلك تفعل المعلمة والحلاق وصانع الحلوى والفخار، يجتهدون في إيجاد المعنى لحياتهم الجديدة والمُعذبة.

في مكان كهذا لا أحد يرغب في الحصول على الجثامين بعد الوفاة، لذا تبقى معزولة هي الأخرى! فالفصل العنصري يمتد من الحياة إلى الموت.

تغيرت القوانين وصارت في صالح مرضى الجذام لكن المجتمع بات عديم الرأفة والشفقة. فرغم أنّه سُمح لهم الالتقاء بأقربائهم الذين ذرفوا الدموع لفراقهم، إلا أنّهم لم يعودوا كذلك الآن! سأتذكر طويلا الرجل الذي فقد أطرافه بسبب الجذام وأصيب بالعمى، كان يقرأ كُتب برايل بلسانه كأنّه يتذوقها من مركز إحساسه الوحيد الذي تبقى له.

كانت شجرة الكرز تُعطي تلوينات للحالة النفسية للشخصيات، عندما تكون مزهرة وعندما تفقد أوراقها تظهر الأغصان العارية بوضوح. طائر الكناري الجريح الذي لا يتمكن من الطيران هو الآخر انعكاس لجراح العجوز «توكي»، فلطالما كانت تتوق للخروج من قفص العزل ذاك.

كانت «توكي» تريد أن تؤكد لنفسها أنّها من البشر أيضا، ولذا ظنت أنّ الإصغاء إلى الأشجار والأزهار والرياح والمطر والنور والقمر يجعلها كذلك «ولدنا لكي ننظر لهذا العالم، ولكي نصغي إليه»، فرغم سلسلة الآلام الهائلة كانت متأكدة أنّ لمجيئها إلى هذه الدنيا معنى.

لقد تمكنوا من تجاوز السور الشجري، من ركوب الحافلات، تمكنوا من السفر، إلا أنّ علاقتهم مع العالم باتت مبتورة! هكذا ينتهي المرض وتبقى آثاره كعلامات لا تتخفى.

صورة الاغتراب في الحياة والموت كانت مروعة، وكل شخص يموت هناك تُزرع لأجله شجرة يحبها. ولذا كان عدد الأشجار بعدد الذين أمضوا حياتهم في العزلة القاسية!

المؤثر أنّ الصورة المرعبة لهؤلاء الذين حوّلوا إلى وحوش تتقاطع مع تصورات مجتمعاتنا، فقد حكى لنا أجدادنا ما لا يقل ضراوة عن ذلك بشيء، ورغم ما تكشفه هذه الرواية من مرارة العزل في اليابان فإنّ ما عاناه مرضى الجذام في مجتمعنا وقرأنا عنه في كتب الرحالة يُوجع القلب، لكن قصصهم للأسف ذهبت إلى النسيان ولم يُدوّن أحدٌ شقاءهم ولا تطلعاتهم!

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

كيف كانت الزراعة في مصر القديمة؟.. قامت عليها أسس الحضارة

رغم أنها تبدو كأنها بسيطة فإنها واحدة من المهن التي تأسست عليها حضارات عديدة على رأسها المصرية القديمة، حيث كانت الزراعة المصرية في هذه العصور من أسس النماء المجتمعية، وحتى هذا اليوم هي واحدة من أهم مصادر موارد الشعوب الصادرة والواردة.

شكل مهنة الفلاح في مصر القديمة 

لم تختلف حياة الفلاح المصري القديم كثيرًا عن حال اليوم، حيث كانت تشكل أهمية كبيرة لبناء الدولة المصرية، فكان الملك أو فرعون مصر يوزع الأراضي الزراعية على كبار الفئات بالمجتمع ولهم حق توريثها، وفق حديث الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار، لـ«الوطن».

وبعد توزيع الأراضي على أصحابها يتم تحديد الضرائب على أساس ارتفاع مياه نهر النيل في أشهر الفيضان، حيث كان يتم تحديد قيم الضرائب حسب قياسات مقياس النيل، فكان يتم تحديد مساحة الأرض التي يمتلكها الزارع وكذلك منسوب المياه ومن ثم تحديد القيم التي سيقوم بدفعها. 

وفي حال تلف محصول المزارع بسبب شدة الفيضان أو تعرض الزرع للآفات الضارة، يتم إعفاء صاحب الأرض الزراعية من الضرائب في تلك الفترة.

ونظير ما يقوم به المزارع المصري من جد وتعب لزراعة الأراضي المتفرقة، كان يوفر الملك خدمات عديدة له كجزء من مهام حكمه، وهي توصيل المياه عبر الخزانات والسدود، وفي حال تعرض المحاصيل للتلف نتيجة مياه الفيضان، يتم منح المزارع حصته من القمح والشعير اللازمة له. 

بناء الهرم الأكبر في فصول الفيضان 

خلال فصول الفيضان وخاصة عند ارتفاع منسوب المياه بقوة، كانت تتم الاستعانة ببعض المزارعين للمساعدة في بناء الأهرامات بما في ذلك الهرم الأكبر الذي استغرق بناؤه 20 عامًا.

وتفسيرًا لطول مدة تشييد الهرم الأكبر، قال مجدي شاكر، إن السبب الأساسي خلف هذا الأمر، هو بناء هذا الصرح خلال فصول الفيضان من كل عام للاستعانة بأعداد من المزارعين، «بناء الهرم قعد 20 سنة لأنه اتبنى في فصول الفيضان». 

 

مقالات مشابهة

  • كانت في السيارة إلى جانب خطيبها.. الشابة ريتا خسرت حياتها في حادث سير مروّع
  • كيف كانت الزراعة في مصر القديمة؟.. قامت عليها أسس الحضارة
  • المرض الشائعيرمي بالشباب في مرمى الموت المفاجئ
  • أسباب الحريق الهائل في ناقلة نفط كانت في طريقها إلى عدن
  • نجل الفنان فؤاد المهندس: والدي تزوج أمي لأنها كانت تشبه أم كلثوم
  • مرغم: ثورة فبراير كانت من أجل الحرية لا من أجل السلطة ولا الثراء والثوار أثبتوا ذلك
  • المترشح الحر تبون: الحملة الانتخابية كانت نظيفة.. الجزائر في مرحلة مفصلية
  • المرشح تبون: الحملة الإنتخابية كانت نظيف.. الجزائر في مرحلة مفصلية
  • الأسطورة.. صحفي بلغاري كانت فلسطين قضيته الشخصية (بورتريه)
  • نخر الأنف بالأصبع تسبب هذا المرض الذي يعاني منه الكثيرون.. دراسة جديدة تكشف آخر ما توصل إليه العلماء