عبيدلي العبيدلي **

 

تُثير العلاقات المتبادلة بين التقدَّم التقني، والسلوك البشري العديد من القضايا الجوهرية، والبعض منَّا لديه نهج إيجابي ويعتقد أنَّ المحصلة إيجابية صلبها. ومن ثم فهي محصلة طبيعية ومنطقية للتحولات التي ولدها تطور المجتمعات البشرية في رحم التقدم التقني.

مثل هذا الاقتراح لا يتجاهل، أو ينكر العواقب السلبية التي خلفها التطور التكنولوجي على السلوك البشري، بما في ذلك العلاقات الإنسانية نفسها، ولكنه يعتبرها ضئيلة، وربما محدودة، عند مُقارنتها بالإنجازات الإيجابية.

في مقابل هذا المنهج، فإنَّ أولئك الذين لديهم نظرة سلبية للنتائج الناتجة عن التطور التكنولوجي. يرون فيها تلك النتائج السلبية فحسب. فيذهبون إلى وصفها بالمدمرة، بغض النظر عن النتائج الإيجابية التي يصعب، بل ربما من الخطأ القاتل تجاوزها.

لكن.. كيف ينبغي النظر إلى هذا الجدل؟ وما الموقف الصحيح تجاهه؟

بطبيعة الحال، ليس هناك من بوسعه أن يُنكر أن الجدل في غاية التعقيد، وقابل للاستمرار والتنامي بشكل سرمدي. لكنه يبقى في حاجة إلى نظرة شمولية متحررة من قيود الماضي التي تكبل تفكيره، وتغوص عميقًا في التطور الذي عرفته المجتمعات البشرية منذ نشأتها المبكرة الأولى. ولا بد أن تتكئ هذه النظرة على خلفية فلسفية متوازنة لا تحد من حريتها أسيجة قيود المحرمات التي تكبلها. ولذا فهي ما زالت، تعاني منها حتى يومنا هذا، مجتمعات البلدان النامية، بما فيها المجتمعات العربية.

لكن، لربما نظرة سريعة، تحاول أن تكون متوازنة، بوسعها إثارة العديد من التساؤلات، ذات البعد الإيجابي، دون إغفال الآثار السلبية للتكنولوجيا على السلوك البشري، تكون قادرة على أن تفتح مدخلًا، أكثر موضوعية، يساعد على تقديم رؤية أكثر شمولًا لهذا الجدل، الذي لا بد من وقف الجوانب العبثية التي تغلفه.

الآثار الإيجابية

من يحرص على الانطلاق من مدخل إيجابي، سيجد نفسه أمامه قائم من النتائج الإيجابية التي يمكن حصر الأبرز بينها في المحاور المفصلية التالية:

1- التنمية الاقتصادية

* زيادة الإنتاجية: عززت التطورات التكنولوجية الإنتاجية بشكل كبير في مختلف القطاعات، مما أدى إلى النمو الاقتصادي والتنمية. فقد أدت الأتمتة والذكاء الاصطناعي، وتحليلات البيانات إلى تبسيط العمليات وخفض التكاليف التشغيلية.

* خلق فرص العمل: ظهرت صناعات وأدوار جديدة تتطلب مهارات غير مسبوقة في التكنولوجيا، والتسويق الرقمي، والأمن السيبراني. وهناك المزيد من مثل هذه النتائج. لقد خلق هذا التحول فرصًا للعمل والتقدم الوظيفي.

* العولمة: سهلت التكنولوجيا التجارة والاتصالات العالمية، مما سمح للشركات بالتوسع خارج الحدود. فالتجارة الإلكترونية، على سبيل المثال، فتحت أسواقا جديدة للسلع والخدمات، مما أفاد الاقتصادات في جميع أنحاء العالم.

* كسر مقومات الاحتكار: فقدت الكارتيلات (العقود) التجارية والمالية الكبرى التي كانت ممسكة برقاب العالم، نسبة عالية من سيطرتها لصالح الشركات الصغيرة والمتوسطة. تشهد على ذلك أمثلة على مستوى ريادة العمال. فهناك اليوم أشخاص مثل جيف بيزوس، مؤسس أمازون، أكبر اسم في مجال البيع بالتجزئة عبر الإنترنت، وأكبر شركة للتجارة الإلكترونية في العالم. وبالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة، هناك شركة (Snowflake) التي تأسست في العام 2012 على أيدي Benoît Dageville، وThierry Cruanes وMarcin Żukowski). وارتقت (Snowflake) من شركة ناشئة صغيرة في مجال التكنولوجيا إلى واحدة من أنجح شركات تخزين البيانات في العالم. وتشارك (Snowflake)، في هذا الصعود شركة (Zoom)، التي حققت قصة نجاح ريادي ملحوظ مدفوع بالابتكار واتخاذ القرارات الاستراتيجية والتوقيت الذي لا تشوبه شائبة. ويقف وراء نجاحاتها المتكررة مؤسسها (Eric Yuan)، وهو مهندس سابق في (Cisco Webex).

2- التنمية الاجتماعية

* تحسين الاتصال: أحدثت التكنولوجيا ثورة في كيفية تواصلنا مع بعضنا البعض، كأفراد ومجتمعات، مما يسهل التواصل مع الآخرين بغض النظر عن الحواجز الجغرافية، بل وحتى اللغوية أو الحضارية. لقد حولت وسائل التواصل الاجتماعي، ومؤتمرات الفيديو والرسائل والترجمة الفورية، العلاقات الشخصية والمهنية.

* الوصول إلى المعلومات: لقد أضفت الإنترنت طابعًا ديمقراطيًا على الوصول إلى المعلومات، وتوفير الموارد التعليمية، والأخبار، والأبحاث، التي أصبح الولوج لها أشد سرعة، وأقل كلفة. فباتت في متناول أيدينا. وقد مكن هذا الوصول الأفراد والمجتمعات من اتخاذ قرارات مستنيرة ومتابعة التعلم مدى الحياة.

* تحسين نوعية الحياة: أدت التطورات التكنولوجية في مجال الرعاية الصحية، والنقل، وأتمتة المنازل إلى تحسين نوعية الحياة لكثير من الناس. على سبيل المثال، أدت الابتكارات في مجال التكنولوجيا الطبية إلى تحسين التشخيص، ووصف الدواء، وتوفير العلاج ورعاية المرضى.

3- الجوانب الحضارية:

* التبادل الثقافي: سهلت التكنولوجيا تبادل الثقافات والأفكار، وتعزيز التفاهم والتسامح. تسمح المنصات الرقمية بمشاركة وجهات النظر المتنوعة، مما يساهم في عالم أكثر ترابطا.

* مناصرة حقوق الإنسان: مارست وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الأدوات الرقمية دورًا حاسمًا في زيادة الوعي وحشد الدعم لقضايا حقوق الإنسان. بفضل ذلك، يمكن للنشطاء الوصول إلى جمهور عالمي، وحشد الدعم، وقيادة التغيير. هذا لا يعني أن الأمور قد وضعت في نصابها، ووصلنا إلى المجتمع المثالي الذي يحلم به الإنسان.

** خبير إعلامي

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

زيلينسكي يعلق على الضربة التي شنتها روسيا بصواريخ "أوريشنيك"

اشتكى فلاديمير زيلينسكي، الرئيس الأوكراني، يوم الجمعة من "شركاء أوكرانيا الأعزاء" بسبب غياب ردة الفعل على الضربة التي شنتها روسيا بصواريخ "أوريشنيك" الفرط صوتية الجديدة على أوكرانيا. 

روسيا: العالم الأحادي القطب أصبح شيئا من الماضي واشنطن تعرب عن قلقها بعد إطلاق روسيا صاروخ "أوريشنيك"

وبحسب روسيا اليوم، وقال زيلينسكي عبر قناته على "تلجرام"، بعد أن حصل في السابق على الضوء الأخضر من الغرب لضرب العمق الروسي: "يجب على العالم أن يرد على هذا. الآن لا يوجد رد فعل قوي من العالم.. إنه (بوتين) يختبركم أيها الشركاء الأعزاء.. إذا لم يكن هناك رد فعل قوي على تصرفات روسيا، فإنهم سيرون هذا (القصف) ممكنا".

وكشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مساء الخميس، عن تنفيذ القوات الروسية اختبارا ناجحا لأحدث منظومة صواريخ فرط صوتية متوسطة ​​المدى تحمل اسم "أوريشنيك".

وأكد الرئيس أن اختبارات صواريخ "أوريشنيك" في الظروف القتالية جاءت ردا على الأعمال العدوانية التي ترتكبها دول "الناتو" ضد روسيا، مضيفا أنه "تم توجيه الضربة إلى مصنع في دنيبروبيتروفسك بواسطة صاروخ باليستي فرط صوتي لكنه دون رأس نووية".

وشدد على القول: "في حالة تصعيد الأعمال العدوانية، سنرد بشكل حاسم وبطريقة مماثلة"، موصيا النخب الحاكمة في تلك الدول التي لديها خطط لاستخدام قوتها العسكرية ضد روسيا، بأن تفكر بجدية في الأمر.

ومن جانبها، أعربت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير مساء يوم الخميس، عن قلق الولايات المتحدة إزاء إطلاق روسيا الصاروخ الفرط صوتي الجديد على أوكرانيا.

مقالات مشابهة

  • زيلينسكي يعلق على الضربة التي شنتها روسيا بصواريخ "أوريشنيك"
  • سفير سلطنة عمان يناشد العالم وقف الحرب في غزة
  • وظائف مبيعات في شركة مستلزمات طبية برعاية «الشباب والرياضة».. قدم الآن
  • براتب يصل لـ2000 ريال.. وظائف شاغرة بالسعودية في شركة معارض سيارات
  • وزير البترول يلتقي رئيس شركة يونانية لبحث التعاون في مجال الطاقة
  • فرصة عمل: وظائف مستشارين عقاريين في شركة رائدة بالتجمع الخامس
  • وظائف شاغرة في شركة اتصالات مصر في مجال المبيعات – نوفمبر 2024
  • مطور الألعاب الأسرع نموًّا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يستحوذ على شركة Gleam Games في Türkiye
  • وزير الصحة يبحث مع شركة سعودية الاستثمار في مجال الخدمات الطبية
  • جهاز العاشر من رمضان يسلم 14 محلًا تجاريًا لتطوير الخدمات التموينية