ركائز بقاء إسرائيل ومُهدداتها
تاريخ النشر: 4th, August 2024 GMT
د. عبدالله الأشعل **
ما دامت إسرائيل قامت على المشروع الصهيوني وهي دولة مافياوِية وأنها حصلت على عضوية الأمم المُتحدة بالمؤامرة الدولية بين موسكو الشيوعية والغرب الرأسمالي الذي أنشأ إسرائيل وقدم لها الدعم في كل مراحلها، فإنَّ إسرائيل حالة نفسية قامت على أكتاف المُغرَّر بهم ممن يعتقدون أنهم يهود، مع أن اليهود الحق يرفضون قيام إسرائيل أصلًا، وكمشروع سياسي إجرامي، لذلك هناك ركائز لوجود إسرائيل وكلها تسعى إلى توفير الأمان النفسي، ويُفترض أن هذه الحالة ترافق المشروع الصهيوني منذ بداياته حتى الآن، لكن شعورها بالأمن أمر خاص جدًا لا يكاد يوفره أكثر الضمانات وثوقًا وهو أمن يقوم على حساب أمن دول المنطقة الأخرى.
وركائز قيام إسرائيل عديدة نذكر أهمها فيما يلي:
أولًا: الديمقراطية
تزعم إسرائيل أنها صاحبة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وهذا صحيح؛ لأنَّ ديمقراطية إسرائيل قاصرة على أطراف العصابة وأعضاء المشروع الصهيوني، ولذلك لا يُقاس عليها، وأوهمت دول المنطقة أنها امتداد للديمقراطية الغربية، وأن وجودها في المنطقة العربية- الدكتاتورية بطبيعتها- يُغيِّر ثقافة الحُكَّام والمحكومين، ولذلك تحرص إسرائيل على أن تكون وحيدة في الديمقراطية والتسلُّح النووي، وترفض رفضًا قاطعًا إقامة الديمقراطية في المنطقة العربية؛ لأنَّ ديمقراطية المنطقة العربية ليست منافسة للديمقراطية الإسرائيلية؛ بل مُهددة لوجودها، ولذلك تحالفت إسرائيل مع القوى المستفيدة من عدم التغيير في المنطقة العربية، وأسهمت في إحباط جميع الثورات العربية منذ عام 2011، وليس صحيحًا أن إسرائيل زُرِعَت فى محيط عربي معادٍ لها، ولذلك مكّنت واشنطن إسرائيل من الهيمنة بالضغوط الأمريكية والإغراءات على النظم العربية، لدرجة أن كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق، عبَّرت صراحة في محاضرتها بالجامعة الأمريكية عام 2003 بالقول إن كل العلاقات العربية مع الولايات المتحدة علاقات تبعية، والأصل فيها إرضاء إسرائيل، فإذا كانت العلاقات العربية الإسرائيلية مُرضية لإسرائيل، انعكس ذلك على موقف واشنطن من الدول العربية.
وكشفت ملحمة غزة صدق هذه المقولة ونجاح واشنطن فى تطبيقها، ونكاد نقول إنَّ الحياة لا تتسع للدول العربية، وخاصة مصر وإسرائيل في وقت واحد؛ لذلك فشلت جميع محاولات الأطراف المختلفة للحصول على السلام للجميع والازدهار للجميع، وصممت علاقات المنطقة على أساس أن إسرائيل هي الفائزة في كل مكان.
ثانيًا: القوة
من أهم ركائز إسرائيل، القوة المرافقة للبطش والتنكيل والاذلال، حتى قال نتانياهو إن شرعية إسرائيل تنبع من قوتها. وتفهم إسرائيل القوة على أنها القوة الشاملة (القوة العسكرية والقوة التكنولوجية والقوة الاقتصادية والقوة السياسية)؛ ولذلك فإن اهتزاز الثقة في قوة إسرائيل- خاصة العسكرية- يضرب المشروع الصهيوني في مقتل، ذلك لأن القوة العسكرية هي التى تُؤمِّن المُغرَّر بهم المتعلقين بالحياة والأساطير، من أن إسرائيل تقوم على الأرض الموعودة المقدسة! وأن إسرائيل هي قمة اليهودية، مع أن إسرائيل عنصرية لا علاقة لها باليهودية، غير أن ما يُسمّى برجال الدين اليهودي خاصة "الحاخام الأكبر"، لا يتورع عن التأكيد على أن دعم إسرائيل كمشروع سياسي واجب ديني، ويقرأ عبارات مُؤلَّفة من التوراة المُزوَّرة التي أرشدنا إليها القرآن الكريم. وكأن إسرائيل الصهيونية تُشوِّه صورة اليهودية وقيمها المقدسة؛ مما تعبِّر عنه النظم القانونية المختلفة في جريمة ازدراء الأديان. وهذا مجال خصم لتقديم دعاوى إلى محاكم الدول الغربية التي يُظَن زورًا وبهتانًا أن القضاء فيها مستقل، والدليل على ذلك أن القضاء الفرنسي منذ عدة أيام أصدر حكمًا بحجب مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض باريس للسلاح، ولكن الحكومة الفرنسية بضغط من أمريكا وإسرائيل قد جمدت الحكم القضائي ويعتقد أن المعركة القادمة فى فرنسا تحتدم من جانب المدافعين عن استقلال القضاء الفرنسي ضد التأثير على استقلال هذا القضاء.
ثالثًا: سياسة الإبادة والإذلال والقمع والتجويع والحصار وقمع الفلسطينيين الجائعين المدنيين بعد القضاء على مقومات الحياة لديهم.
رابعًا: ضمان الدعم الأمريكي الذي يصل إلى مشاركة واشنطن مباشرة فى أعمال الإبادة كما نقل عن الرئيس المصري أنور السادات أثناء حرب أكتوبر أنه اتخذ قراره بإنهاء الحرب عندما تدخلت الدبابات الأمريكية فى الحرب بعلاماتها المميزة، وقال فى خطبته فى مجلس الشعب فى 16 أكتوبر 1973 أنه لا يستطيع أن يحارب الولايات المتحدة. وفي كل حروب إسرائيل وعدوانها في المنطقة العربية، كانت واشنطن أسبق من إسرائيل في هذا العدوان،، ولعل هجوم القوات الأمريكية على مصر من قاعدة هويلص الليبية عام 1967 خير دليل على هذه الحقيقة، وأهم دعم تقدمه واشنطن لإسرائيل هو تمكين إسرائيل من الحكام العرب. وقد رأينا نجاح هذه السياسة ونجاعتها فى ملحمة غزة؛ حيث عُقدت القمة العربية الإسلامية بعد مضي 25 يومًا على بدء حملة إسرائيل لإبادة غزة، ولم تُسفِر عن شيء، ذلك أن واشنطن تجعل إسرائيل فوق كل الحسابات وفوق القانون الدولي؛ لدرجة أن واشنطن تُضحِّي بديمقراطيتها وبمركزها في النظام الدولي وترتكب حماقات قانونية من أجل إسرائيل، وكان قانون مجلس النواب الأمريكي الأخير الذى يُهدد قضاة المحكمة الجنائية الدولية بالعقوبات إذا ما اتخذوا قرارًا بالقبض على زعماء إسرائيل العسكريين والسياسيين، علمًا بأنَّ المدعي العام للمحكمة قدَّم طلبا إليها للقبض على زعماء المقاومة، رغم أن بلاغًا واحدًا لم يُقدَّم ضد المقاومة، بينما قَدَّمت كل منظمات حقوق الإنسان ووكالات الأمم المتحدة بلاغات ضد جرائم إسرائيل، وقد استبق المدعى العام للمحكمة قانون مجلس النواب الأمريكي حتى يحظى بالرضا الأمريكي، ويتم التجديد له في العام القادم، وقد رأى بنفسه كيف أن الدكتور محمد البرادعي عُيِّن بترشيح من واشنطن مديرًا عامًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ثم تم التجديد له ثلاث مرات، على غير العادة، وضد أحكام لوائح الوكالة.
الخلاصة أن واشنطن تقدم لإسرائيل كل صور الدعم لبقائها والتمكُّن من تنفيذ جرائمها وتقدم لها الحماية الشاملة من الضغوط الدولية، كما إن الرئيس جو بايدن اعتبر الاختراق الدبلوماسى الإسرائيلي للعالم العربي، بمثابة الإنجاز الوحيد لإدارته في أربع سنوات!
أما مُهدِّدات إسرائيل ووجودها والمؤثر على قدرتها على ارتكاب الجرائم؛ فهي أولًا المقاومة ومعسكر المقاومة، ولذلك تستميت إسرائيل لتأمين مستقبلها في المنطقة بالقضاء على المقاومة.
ثانيًا: استقلال الحكام العرب وتوجيه مجهوداتهم لخدمة أوطانهم وتنمية هذه الأوطان والشعوب والاستفادة من مواردها بدلًا من استقطاب الحكام العرب لصالح إسرائيل ضد شعوبهم وأوطانهم.
ثالثًا: اتفاق روسيا والصين وإيران على دعم العالم العربي غير المجمع على العداء لإسرائيل.
رابعًا: مطاردة الصهيونية عربيًا ودوليًا عن طريق تجنيد المجتمعات العربية وتثقيفها ضد الحركة الصهيونية على أساس أنها حركة إجرامية معادية لكل الشرائع السماوية وأن مناهضتها تُعد واجبًا أخلاقيًا ودينيًا وسياسيًا عن طريق إنشاء الجمعيات العربية التي تنشر هذه الثقافة وإصدار التشريعات والمقررات الدراسية في هذا الاتجاه وتجريم الصهيونية داخل المجتمعات العربية وفي القانون الدولي.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تعاظم القوة اليمنية..تقلق أمريكا من فقدانها النفوذ العسكري على بحار المنطقة
الثورة نت../
يعكس قلق أمريكا من تعاظم قوة الجيش اليمني، مخاوفها من استمرار فقدانها للنفوذ العسكري على بحار المنطقة وبالتالي على كل ما يجري فيها، فيما يؤكد تقرير أعده خبراء في الأمم المتحدة ونُشر الجمعة رغم ما فيه من مغالطات، على الإقرار الضمني بالقوة التي صارت عليها القوات المسلحة اليمنية، وفي الأثناء يؤكد الخبير البحري في مركز الاستراتيجية والأمن البحري ومعهد السياسة الأمنية في جامعة كيل في ألمانيا، سيباستيان برونز، إنّ اليمنيين “أثبتوا أنّهم قوة هائلة”.
وفي المقابل تخلص العديد من التقارير الدولية إلى فشل الولايات المتحدة في استعادة قوة الردع والعودة للهيمنة على البحر الأحمر بما يمكنها من تحقيق هدف حماية ملاحة العدو الصهيوني.
ومنذ بدأت العمليات اليمنية المساندة للشعب الفلسطيني في غزة وثم الشعب اللبناني، تُحدث آثاراً سلبية على العدو الإسرائيلي والأمريكي، وتُحدث فارقاً لجهة سحب بساط المظلة من تحت القوى الإمبريالية، تواترت التصريحات التي تضع اليمن مكاناً متقدماً على مستوى الجغرافيا العربية، وموازيا على المستوى الدولي لجهة الحضور والتأثير.فكيف صارت قناعة العدو قبل الصديق تُقيّم مستوى القوة اليمنية على هذا النحو؟.
جُرْح طوفان الأقصى
في السابع من أكتوبر المجيد، داست عملية طوفان الأقصى على كبرياء الكيان الصهيوني، فقام من فوره يستكمل حلقات الاستهداف المستمر بحق الشعب الفلسطيني منذ (75) عاماً، إلا أنه هذه المرة تحرك بكل ثقله، مدعوماً من أمريكا والدول التابعة لها، فارتكب أبشع الجرائم بحق النساء والأطفال والمدنيين العُزّل، وانتهك القوانين والأعراف الدولية على مرأى ومسمع من العالم.
جُرْح طوفان الأقصى كان غائراً في عمق الغطرسة الصهيونية، إذ لم يكن يتوقع العدو عملية كهذه، وهو الذي لم تتوقف يوماً استهدافاته للمقاومة وللشعب الفلسطيني عموماً، لذلك ذهب إلى تنفيذ مخطط الإبادة للشعب الفلسطيني كحل وحيد لبقاء كبرياءه في مأمن، ولاستعادة ما فقده من هيبة الردع.
الفعل الدموي، وتناثر الجثث والأشلاء في الطرقات وتحت الأنقاض، كان محتوى المشهد اليومي للعدوان الإسرائيلي، وبالتزامن فَرْض الحصار الخانق ومَنْع وصول الغذاء والدواء والوقود من قبل العدو إلى داخل غزة، فاقم من أزمة الفلسطينيين، وكشف عن حيوانية السلوك الصهيوني.
وإثر ذلك كان عداد الشهداء يتصاعد، وحكايات المأساة تتعاظم، فيما العالم كان قد صمّ آذانه عن سماع صرخات النساء والأطفال وآهات المدنيين المذبوحة بالقهر وهم يبحثون عن ما يسدون به رمق أطفالهم.
سلبية المواقف الدولية
كان العالم بليداً في مشاعره، خسيساً في سلبيته تجاه انتهاك الإنسانية داخل غزة، وكان المشهد يزداد مأساوية مع تصاعد البلطجة الصهيونية، إذ أدرك نتنياهو ومن معه أن العالم إما مؤيد وإما ساكت، والشعب الفلسطيني وحيداً لا مساند له، ووحدها فصائل المقاومة كانت تمدهم بأمل الخلاص من الكابوس الصهيوني، إلا أن فارق العتاد وفارق الدعم مع ما يحظى به العدو الصهيوني، كان يستدعي تحركاً أقوى، يخفف عن المقاومة الضغط العسكري الإسرائيلي الأمريكي.
اليمن في قلب المعركة
حينها لم يكن هناك بُدّ من دخول اليمن مسانداً لأهل القطاع وللمقاومة، إذ كان من الصعب أن يقف اليمن شعباً وقيادةً مكتوفي اليدين إزاء ما يجري، فدخل المعركة ومطلبه منذ اليوم الأول، إيقاف العدوان ورفع الحصار والسماح لدخول الغذاء والدواء إلى أبناء غزة المذبوحة.
عكس الموقف اليمني بذاته مستوى استشعار اليمنيين بمسؤولية أن يكونوا في هذا الموقف كالتزام ديني وإنساني وأخلاقي، فكان هذا الموقف الصادق مترجما للقناعات إلى فعل وتحرُك عملي لنجدة الشعب الفلسطيني.
تميز الموقف اليمني بأمرين: الأول واحدية الإيمان والتوجه والشعور بالمسؤولية بين الشعب وقيادته الثورية والقيادة السياسية، والثاني أنه كان الاستثناء، في ظل الغياب الكلي للتحرك العربي والإسلامي، ولهذا جاء التحرك اليمني المساند متحرراً من ضغوط الخارج وإملاءاته، كما أثبت أن وعيد قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي بدخول المعركة إسناداً لفلسطين، لم يكن استعراضاً كلامياً أو مزايدة أمام الشعب اليمني حسب ما كان يسوّق المرتزقة العجزة وإنما صدْق ووفاء.
وتأكيدا على صدق هذا التوجه شهدت هذه المساندة تصاعداً ملحوظاً تلبية لنداء الفلسطينيين مع استمرار الكيان في عدوانه واستمرار الصمت والتواطؤ الدولي.
وبرزت مظاهر التصعيد في ما كُشف عنه من تطور التصنيع العسكري، وفي ما حققه السلاح اليمني من أهداف، ويشهد مسار المساندة اليمنية بهذا التعاظم والتصعيد في العمليات التي شهدت محطات بارزة، أثارت انتباه كل العالم.
عمق الكيان في مرمى النيران
كانت أم الرشراس “إيلات”، أول أهداف القوات المسلحة في 31 أكتوبر 2023، ثم تحرك الاستهداف، تبعا لمراحل التصعيد، ليصل إلى قلب كيان العدو في يافا المحتلة، ثم إلى حيفا شمال فلسطين المحتلة.
وبالتوازي، بدأ السلاح المستخدم بالصواريخ الباليستية والمجنحة، والطيران المسيّر، ووصل إلى الصاروخ الباليستي “فلسطين”، الذي ضرب أم الرشراس في 03 يونيو 2024، كأول عملية لهذا الصاروخ، وكذلك طائرة يافا التي أرعبت العالم بوصولها إلى “تل أبيب” في 19 يوليو 2024.
محاصرة الكيان
إلى ذلك أيضا، كان العالم يتابع التحرك اليمني الجاد والصادق في دعم الشعب الفلسطيني، لمحاصرة الكيان الصهيوني وترسيخ معادلة بَحرية جديدة كسرت حاجز الخوف الذي ظل جاثماً على صدر الأمة العربية والإسلامية، وثبّطها عن مواجهة الغرب، وفي مقدمتهم أمريكا، ففرض اليمن حصاراً بحرياً خانقاً على الكيان ومنع تحرك أي سفينة تحمل علم الكيان الإسرائيلي، والسفن التي تعود ملكيتها لشركات إسرائيلية، وكذا السفن التي تقوم بتشغيلها شركات إسرائيلية، ابتداء من يوم 19 نوفمبر 2023، وهو اليوم نفسه الذي فاجأت فيه القوات اليمنية العالم بعملية نوعية بطولية غير متوقعة أكدت جدية اليمن في موقفها، اذ أعلنت استيلاءها على السفينة الإسرائيلية “جلاكسي ليدر”.
توسعت العمليات اليمنية لتشمل السفن الامريكية والبريطانية لدعمهما المفتوح عدوان العدو على الفلسطينيين وعدوانهما السافر على اليمن دفاعا عن “إسرائيل”.
وفي 9 ديسمبر 2023، أعلن الاقتدار اليمني على مستوى جديد من التصعيد بمنع مرورِ السُّفُنِ المتجهةِ إلى الكيانِ الصهيونيِّ من أيَّةِ جنسيةٍ كانتْ في البحر الأحمر، إذَا لم يدخلْ لقطاعٍ غزةَ حاجتُهُ من الغذاءِ والدواءٍ، حينها ثارت ثائرة العدو الأمريكي ليعلن وزير دفاعها عن تشكيل تحالف ما سمي بـ”حارس الازدهار” في 18 ديسمبر 2023 لحماية السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر وتحييد الجبهة اليمنية، بدا الأمر في البداية محاولة إرهابية أمريكية بقصد تخويف اليمن، إذ اعتادت واشنطن على أن يكون التلويح كاف لإرهاب العالم ومن ثم تمرير ما تريد، لكن الأمر لم يكن كذلك مع اليمن الذي استمر بموقفه الاسنادي بتكثيف هجماته بكل جسارة ضد السفن المتجهة إلى موانئ الكيان ليتحول الأحمق الأمريكي ومعه التابعة بريطانية إلى شن الغارات على مناطق في اليمن بزعم تدمير مخازن ومنصات إطلاق الصواريخ والمسيرات التابعة للجيش اليمني، ومثّل هذا الأمر مستوى ثان من محاولات حماية ملاحة الكيان الصهيوني، وهنا وسّعت القوات اليمنية عملياتها لتشمل السفن الأمريكية والبريطانية.
لا خطوط حمراء
ولأن دخول اليمن الإسنادي لم يكن بدوافع إثارة وشهرة وإنما لمبادئ إيمانية وأخلاقية، فإن العمليات لم تتوقف رغم استمرار الغارات على عدد من المحافظات، حتى مجيئ شهر مارس 2024 بمفاجأة من مفاجآت اليمن التي أرسلت للعالم رسالة بأن لا خطوط حمراء يمكن أن تحدّ من العمليات الإسنادية لغزة، وفيها أغرقت القوات اليمنية، السفينة البريطانية “روبيمار” في البحر الأحمر في فعل كان مُخزيا للأمريكي والبريطاني، وقاصم لظهر التحالف المسمى “حارس الازدهار”.
وفي 14 مارس 2024 أعلن قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي مرحلة جديدة من التصعيد هي المرحلة الثالثة، وتمثلت بتوسيع مسرح العمليات ضد السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى موانئ الكيان لتشمل المحيط الهندي، ليؤكد هذا التحول استمرار السيطرة اليمنية على مجريات العملية من جهة، وليثبت من جهة ثانية عبثية وفشل الغارات الامريكية البريطانية، فتتصاعد وتيرة الحصار على العدو الإسرائيلي.
في 3 مايو 2024 بدأت القوات اليمنية المرحلة الرابعة من التصعيد، وهي مرحلة عقابية لكل من تجرأ على مخالفة القرار اليمني فشملت “استهدافُ كافةِ السُّفُنِ المخترِقةِ لقرارِ حظرِ الملاحةِ الإسرائيليةِ والمتجهةِ إلى موانئِ فلسطينَ المحتلةِ من البحرِ الأبيضِ المتوسطِ في أيِّ منطقةٍ تطالُها القوات المسلحة”، كما شمل ”فرضِ عقوباتٍ شاملةٍ على جميعِ سُفُنِ الشركاتِ التي لها علاقةٌ بالإمدادِ والدخولِ للموانئِ الفلسطينيةِ المحتلةِ من أيِّ جنسيةٍ كانتْ ومنعُ جميعَ سُفُنِ هذه الشركاتِ من المرورِ في منطقةِ عملياتِ القواتِ المسلحةِ بغضِّ النظرِ عنْ وجهتِها”.
لتُدشَن في 19 يوليو 2024 المرحلة الخامسة الأشد وطأة على كيان العدو كما وعلى أمريكا وبريطانيا وفرنسا وكل المتواطئين في العدوان على أهالي غزة، حيث تم فيها وصول السلاح اليمني الخالص إلى عمق العدو باستهداف يافا المحتلة “تل أبيب” بطائرة “يافا”، حينها قالت صحيفة “كالكاليست” العبرية: “إن كل براءة اختراع تمكن الرأس اليهودي من اختراعها والجيب اليهودي من شرائها اخترقتها طائرة يمنية بعملية ذكية”، وبعد طائرة يافا ضرب صاروخ “فلسطين2” الفرط صوتي في 15 سبتمبر/ أيلول؛ عاصمة الكيان “تل أبيب” مرة أخرى مخترقا كافة منظومات الدفاع الإسرائيلية، لتصبح “تل أبيب” منطقة غير آمنة، كما أعلن عن ذلك السيد القائد.
اقتدار وقهر للموانع
استمرت العمليات اليمنية بشقيها البحري والجوي، وقد وصل نطاق الحصار إلى البحر الأبيض المتوسط لتمتد الخارطة العملياتية للقوة البحرية اليمنية من البحر الأحمر وباب المندب إلى خليج عدن والبحر العربي وصولا إلى المحيط الهندي جنوباً، والبحر الأبيض المتوسط شمالاً، وقد بلغ عدد السفن المستهدفة، المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، والأمريكي والبريطاني، (مائتين واثنتين).
لتمثّل كل هذه المعطيات العسكرية إعجازا أعطي اليمن ميزة الاقتدار على قهر الكثير من الموانع وصولاً إلى صياغة معادلات جديدة تنسف ثقافة السلبية والركون إلى الضعف والاستكانة وعدم القدرة، كما هو حال الكثير من الأنظمة العربية.
فقد تجاوز اليمن تداعيات وآثار عدوان وحصار مستمر من العام 2015، وضغوط اقتصادية، وعامل جغرافي معقّد، مع ما يعنيه هذا الأخير من امتداد يتجاوز الألفي كيلو متر، ووقوع دول ما بين اليمن وفلسطين المحتلة، لها علاقاتها مع الكيان وبالتالي إمكانية محاولتها إعاقة السلاح اليمني عن الوصول إلى هدفه، وإلى ذلك أيضا تجاوز اليمن آثار كلفة هذه المساندة بتعرض المحافظات لقصف أمريكي بريطاني غاشم في محاولة لثني اليمن عن القيام بواجبه الديني والأخلاقي تجاه الفلسطينيين.
كما مثلت هذه المعركة، فرصة لإنتاج أسلحة نوعية قادرة على فرض معادلات جديدة في مواجهة الأعداء، وقد كانت كل هذه العوامل مادة لكثير من التحليلات الدولية التي خلصت جميعها إلى أن مشهد جديد يتأسس في المنطقة يأخذ فيه اليمن مكان الريادة والتأثير.
عمليات نوعية
شهدت مراحل تصعيد الإسناد عمليات نوعية كان لها بالغ الأثر على الكيان الصهيوني الذي راكم نقاط الفشل والعجز عن رد الأسلحة القادمة إليه من مسافات بعيدة، إذ نفذت القواتِ المسلحةِ اليمنيةِ عبر جناحها الصاروخي في 15 سبتمبر 2024 عمليةً عسكريةً نوعيةً بصاروخٍ باليستيٍّ جديدٍ فرطِ صوتيٍّ قصف هدفاً عسكرياً للعدوِّ الإسرائيليِّ في منطقةِ يافا في فلسطينَ المحتلة، وقدْ نجحَ الصاروخ في الوصولِ إلى هدفِه وأخفقتْ دفاعاتُ العدوِّ في اعتراضِه والتصدي له، قاطعا مسافةً تقدرُ بـ 2040 كم في غضونِ 11 دقيقةً ونصفِ الدقيقة، وقد أثارت هذه العملية حالةٍ من الهلعِ في أوساطِ الصهاينةِ الذين توجهَ أكثرَ من مِليونين منهم إلى الملاجئِ وهي سابقة في تاريخِ العدوِّ الإسرائيلي.. يقول ممثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في اليمن إبراهيم نصوح إن القوات المسلحة اليمنية جعلت من عاصمة الكيان الصهيوني “تل أبيب” منطقة غير آمنه الأمر الذي دفع الكيان الصهيوني لفتح الملاجئ بشكل مستمر ومفتوح،
في 27 سبتمبر 2024م نفذتِ القوة الصاروخية عمليةً عسكريةً استهدفتْ هدفاً عسكرياً تابعاً للعدوِّ في منطقةِ يافا المحتلة (تل أبيب) بصاروخٍ باليستيٍّ نوع “فلسطين2″، وفي ذات اليوم أيضا استهدفتْ هدفاً حيوياً في منطقةِ “عسقلان” المحتلةِ بطائرةٍ مسيرةٍ نوع “يافا”، وقد حققتِ العمليتانِ أهدافَهما بنجاح، وفي 28 سبتمبر 2024م استهدفت القوةُ الصاروخيةُ مطارٍ يافا المسمى إسرائيلياً “بن غوريون” بصاروخٍ باليستيٍّ نوع فلسطين2، وذلك أثناءَ وصولِ المجرمِ بنيامينَ نتنياهو، وفي الأول من أكتوبر 2024م استهدفَ سلاحُ الجوِّ المسيرُّ هدفاً عسكرياً لكيان الاحتلال في منطقةِ يافا المحتلةِ بطائرةٍ مسيرةٍ نوع “يافا”، وفي اليوم التالي استهدفتْ القوةُ الصاروخيةُ مواقعَ عسكريةً في عمقِ الكيانِ الصهيونيِّ في فلسطينَ المحتلةِ بثلاثةِ صواريخَ مجنحةٍ نوع “قدس5”.
والقادم أعظم
ولا يزال في جعبة اليمن الكثير في سياق عمليات الإسناد، والدفاع عن الوطن، دون اعتبار لسقوف المتخاذلين أو تهديدات المتحاملين بدافع من أمريكا، وقد أكد السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي في كلمة الخميس الماضي على الثقة في مواجهة العدو وردعه اذ قال “نرصد باستمرار النشاط الأمريكي ضد بلدنا وأمتنا، ونحن نستعد باستمرار لأي مستوى من التصعيد، وشعبنا وصل تاريخه المشرّف وجهاده في الماضي بجهاده المشرِّف وموقفه العظيم ضد العدو الإسرائيلي وأمريكا وبريطانيا”.
ويأتي التأكيد دائما على استمرار الإسناد لغزة وثم لبنان حتى وقف العدوان الإسرائيلي عليهما، وهي كما يقول عضو المكتب السياسي لأنصار الله علي القحوم معادلة متلازمة، لا توقُف عنها مهما كان ومهما يكن.
بات العالم يدرك أن ما يقوله السيد القائد لابد أن يتبعه فعل، والتجارب السابقة جعلت هذا العالم يقيس الأمور انطلاقا من هذه الحقيقة لذلك، فان هروب أمريكا بحاملات الطائرات “آيزنهاور”، روزفلت، لم يكن إلا محاولة للحفاظ على ما تبقى من ماء وجهها والحفاظ على بارجاتها البحرية التي كلفتها المليارات من الدولارات، وذلك عن إدراك بأن تحدي اليمن في مثل هذا الظرف هو نوع من المغامرة والمقامرة التي قد تكلف الأمريكي الكثير.
المصدر- موقع أنصار الله