ماجد المرهون
majidomarmajid@outlook.com
لا يُوجد إنسان لا يعرفه، وقد تعمَّدتُ هنا النفي مع اللا الثانية؛ حيث نفي النفي إثبات، فليس من الصعب إثباتُ الفقر وليس من السهل نفيه، فهو يتلخص في الحاجة وقلة المال وهو اصطلاح يُعبِّر أيضًا عن عدم وجود مصدر دخلٍ دائمٍ وثابت يوازي الحد الأدنى من الإنفاق نتيجة شُح الموارد، كما قد يشمل المجتمع من حيثُ انعدام الخدمات الأساسيةِ كالصحةِ والتعليم، وقد يُطلق الفقر أحيانًا على الأخلاق والمشاعر والأحاسيس إذا انعدمت وإن توفر المال، ولكنه مبحث طويل يتطلب الكثير من الشرح والتفصيل نصرف عنه صفحًا في مقالنا هذا، ونكتفي بالفقر المعلوم لدى عامة النَّاس في إطلاقه العام مع أنه مجهولٌ في كيانه الخاص ومجرد، إلا أنه محسوس مُشَّخص في وجودهِ وملموسة نتائجه، ويوجد دائمًا حيثما وجد الإنسان وأخص بالذكر هنا الفقر المادي وليس المعنوي.
من لم يختبِر الفقر ولم يعرفُه إلا من خلال المُشاهدة أو القراءة فهو إنسان استثنائي لن يفهم عمقهُ البعيد ولن يقتنصَ ذِهنه معانيه وإن نطق بمفهومهِ في حديثٍ أو كتابة، وشتان بين من أورده في حسنِ قولٍ وبيان خِطابة وبين من عضَّه الفقر بأنيابه وأطبق عليه إطنابه، وهما نوعان من الناس لا ولن يتفقان، لأنَّ الموضوع ليس مجرد آراء تحتمل الاختلاف والاتفاق وتستدعي تقريب وجهات النظر، ولايريد الفقير الجائع مواعظ فضائل الفقر التي يُحدثه بها الغني بعد الشِبع بقدر مايُريد أن يوفر عليه كل تلك النصائح الدنيوية والأخروية مقابل كسرة خبز يُسكت بها غائلته.
إنَّ للفقر كيانًا ثقيلًا يجوس خلال الديار عندما تتسع الهوة بين نُخبةٍ عليمةٍ تمكنت من الإطباق على صناعة القرار، وتحويل الموارد لتُشبع بها بطونها وتُتخم بها جيوبها وبين إهمال شريحةٍ عظمى هي المحرك الأصلي لتلك الموارد، ثم الاطمئنان بأن تلك الشريحة قد حُسم أمرها وأُسقط في يدها بالرضوخ للأمر الواقع ولن تكون قادرةً على إحداث أي تغيير لوهنها وضعفها، فهي ستبقى ساعيةً ما بقيت تحت وطأة الحاجة لكسبِ رزقها وتكتنِفُها الفاقة ويحدوها الخوف من القوانين التي قد تقضي على البقية الباقية من كرامة روحها المتمسكة بالرمقِ الأخير من أجسادها الواهنة، وإن الفقر ليس خطأ الفقير بل هو خطيئة السياسات في إدارة الموارد والنظام الاجتماعي.
تُعد الأمانة والنزاهة والذمة وغيرها من مبادئ القيم العليا، رموزًا صلبةً وقوية تضعها كل المجتمعات على رأس بقائها واستمرارها، ولكن سيصيبها النخر من الداخل وتصبح هشة وضعيفة مقابل آفة الفقر ولن تقوى تلك المُثل والقيم على الصمود طويلًا في وجههِ، وسوف تتهاوى تدريجيًا بعد فترة قصيرة من الزمن عندما يشعر الإنسان بعدم قدرته على توفير العيش الكريم لنفسهِ وأهله، وربما يسلُك كُل مسلكٍ مُحرمٍ وممنوع أو يتخذ أي طريقةٍ وأسلوب عند انقطاع السُبل، فقد يقبل الكذب والرشوة والغش والتزوير على نفسه وربما يذهب إلى أبعد من ذلك بالنصب والسرقة وخيانة الأمانة، ويقول رسولنا الكريم: "أيما أهل عرصةٍ أصبحوا وفيهم امرؤ جائع فقد برأت منهم ذمة الله".
للفقرِ وجهان لا يقل أحدهما عن الآخر قتامةً وكآبة، فقد يكون الوجه الأول من مُمكِّنات ثورة الشعوب والتي تنفجر في لحظةٍ ما عندما تُدرك بوعيها تأثير الفقر وبالطبع هو ليس ناتج عن الظلم نفسه وإنما عن تسلط الإحساس الدائم بالظلم وإن ثورات الفقراء في ذاكرة التاريخ الإنساني كثيرة، كما قد يكون الوجه الآخر سببًا في استقرار الشعوب بحيث تستمر استكانتهم بمقدار ضغط الأنظمة عليهم وبذلك يكونون تحت طائلة الالتهاء بالسعي وراء لقمتهم وأدنى مقومات الحياة الكريمة، وبالتالي لا يقدرون على التفكير في أمور أخرى كالرفاهية والكماليات مع مواصلة الساسة حقنهم بمسكنات الوعود طويلة الأمد، وقد كان هذا التوجه ناجحًا حتى مرحلةِ ما يُسمى بـ"الربيع العربي".
مُحاربة الفقر ومكافحته بتجفيف منابعه هو ما سيجنب الفرد والمجتمع الوقوع في وهدةِ المحرمات وهوة المخالفات، إذ إن استحكام قبضة الفقر على المرء قد يسوقه في مرحلةٍ ما إلى بيع قيمةٍ أخلاقية ثمينة لطالما كان مُتمسكًا بها لفترةٍ طويلة بدافع الصبر والأمل، أو قد تدفع به دفعًا إلى الخيانة والتمرد على خوفه مهما بلغت قوة الرقابة وقوانين الجزاء والعِقاب مع اضمحلال عمق القِيم وأخلاقياتها بمقدار تمدد الفقر في بسط ردائه، وطبعًا مع استثناء فئةٍ قليلةٍ لا تجري عليها مُجريات العامة في الصبر والقناعةِ وقوة التحمل ويقين الأمل بالتغيير وهي الفئة التي تخاف الله وتُسَّلم كُل أمرها إليه وهنا مبحث آخر في إرادة التغيير والسعي والقضاء والقدر نرجئ الحديث عنه إلى مقام آخر.
لا يُنكر أحدنا اليوم طغيان المال والمادة على مفاصل الحياة وعقول الأحياء، وبتنا نرى نماذج وفئات تُمنطق بعض طرق وأساليب الكسب المشوبة بشيءٍ من الشك في حلها أو الشُبهةِ في صحتها من حيث الشرعية والقانونية أو الامتهان الشخصي بإهمال أهمية القيم الأصيلة التي يتمسك بها المجتمع المسلم تحت هُراء الذرائع والمسميات كالعادات البالية والأساليب المتخلفة والأعراف الرجعية والعيب لا يؤكل عيش، وغيرها وهي مدخلاتٍ يُحاول المتخفف منها ومن قيمهِ وقيمته الأصيلة تبرير مسلكهِ وإقناع عقله وعقول الآخرين وإن لم يكن مقتنعًا بها في قرارة نفسه ولكن الحاجة للمال مَعقلت له تلك السلوكيات التي كانت منبوذة ومرذولة حتى وقت قريب، وقد قيل قديمًا: المال يستُر رذيلة الأغنياء والفقر يُغطي فضيلة الفقراء.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
7 مبادئ لتغيير المفهوم التقليدي حول بناء الثروة
في عصر تُعد فيه إدارة المال وبناء الثروة تحديا يوميا للكثيرين، تكون الأفكار الابتكارية لإعادة تشكيل المفاهيم التقليدية حول المال ضرورة.
ويقدم مقال نشرته مجلة فوربس، بقلم جورج أشيامبونغ، المستشار المالي المعروف، رؤية جديدة وعملية لتحقيق الاستقلال المالي.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لوتان: 4 أسباب وجيهة لعدم شراء العملات المشفرةlist 2 of 2تعرف على عمليات الاحتيال المالي عند السفرend of listيعتمد المقال على دروس مستخلصة من 13 عاما من الخبرة في مساعدة العملاء على تحقيق أهدافهم المالية.
بأسلوب عملي وبعيد عن القواعد الجامدة، يشارك أشيامبونغ رؤيته حول كيفية بناء الثروة بطرق مبتكرة ومستدامة، تتجاوز الأساليب التقليدية التي يراها الكثيرون غير فعالة في عالم اليوم سريع التغير.
هذه المبادئ ليست مجرد نصائح عابرة وفق قوله؛ بل تمثل خطة عمل مستندة إلى تجربة شخصية واحترافية، وهذا يجعلها مصدر إلهام لأي شخص يسعى لتحقيق الحرية المالية.
التعلم من التجربة.. منظور جديد للثروةالمقال يُبرز أفكارا مبتكرة وأساليب جديدة لإعادة تعريف بناء الثروة بعيدا عن النماذج التقليدية.
1- الثروة تبدأ بالتركيز وتُحفظ بالتنويع
أحد أهم الدروس التي شاركها أشيامبونغ هو أهمية التركيز على تطوير مهارة واحدة حتى التميز فيها، معتبرا ذلك البوابة الأولى نحو تحقيق دخل مرتفع.
معظم أثرياء العالم يحققون ثرواتهم من عمل واحد متقن، ثم ينوعون أصولهم للحفاظ عليها (غيتي)من هذا الدخل النشط، يمكن شراء أصول مدرّة للدخل مثل العقارات والأسهم.
إعلانويقول: "الحديث عن 7 مصادر دخل مستقل فكرة مضللة. معظم أثرياء العالم يحققون ثرواتهم من عمل واحد متقن، ثم ينوعون أصولهم للحفاظ عليها".
2- تدفقات نقدية مستدامة
في نقلة نوعية عن النصائح التقليدية، يشدد أشيامبونغ على أن الثروة ليست في تجميع المال في حسابات استثمارية لعقود، بل في تحقيق تدفقات نقدية مستدامة.
ويقول: "بدلا من الادخار لعقود طويلة، استثمر في أصول توفر تدفقات نقدية عالية مثل العقارات أو الشركات الصغيرة".
3- إستراتيجيات مالية مبتكرة
وأوضح أشيامبونغ أن استثمار الأموال يمكن أن يعمل على مستويات متعددة. فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام محفظة استثمارية كضمان للحصول على خط ائتماني يُستثمر في شراء أصول مدرّة للدخل، مثل العقارات.
هذه الأصول تعيد إنتاج الدخل الذي يُعاد استثماره في المحفظة، ما يخلق دورة استثمارية متكاملة.
وأشار إلى أهمية استخدام القانون الضريبي لصالح المستثمر، مثل الخصومات ضريبية الكبيرة على الإيرادات الناتجة عن العقارات.
4- الحرية المالية ليست مرتبطة بالعمر
وفقا للمقال، الحرية المالية هي معادلة رياضية تعتمد على جعل الاستثمارات تغطي نفقات الحياة. وباستخدام الإستراتيجيات المذكورة، يمكن تحقيق هذا الهدف بسرعة أكبر من الطرق التقليدية التي تعتمد على التقاعد في عمر 65 عاما.
الحرية المالية هي معادلة رياضية تعتمد على جعل الاستثمارات تغطي نفقات الحياة (شترستوك)5- التوازن بين زيادة الدخل وتقليل النفقات
يرى أشيامبونغ أن مفتاح الثروة يكمن في التوازن بين زيادة الدخل وتقليل النفقات. ويوضح: "إذا كنت تكسب 150 ألف دولار سنويا وتعيش بـ50 ألف دولار، فأنت توفر عامين من الحرية مقابل كل عام تعمل فيه".
6- إعادة التفكير في طرق الكسب
يقول أشيامبونغ إن الطريقة التي يكسب بها الأفراد أموالهم لا تقل أهمية عن مقدار ما يكسبونه. ويؤكد على أهمية تحقيق التوازن بين الطموح وأسلوب الحياة المرغوب. "إذا كنت تعمل بشكل يفقدك متعة المال الذي تجنيه، فما الجدوى؟".
إعلان7- نهج متوازن للضرائب والتوزيع المالي
يختم أشيامبونغ المقال بتوضيح أهمية التخطيط لتقليل الضرائب المستقبلية عبر إستراتيجيات توزيع أصول متوازنة بين الحسابات التقليدية والحسابات المعفاة من الضرائب.
ويُبرز المقال تجربة فريدة وإستراتيجيات أثبتت جدواها في تحويل المال إلى أداة لتحقيق الحرية والاستقلال.
كما يُذكّر بأن الحرية المالية متاحة دائما إذا كان المرء مستعدا لدفع الثمن المناسب، سواء كان ذلك بالالتزام أو بالتخطيط السليم.