جريدة الرؤية العمانية:
2024-09-09@13:52:49 GMT

الفقر

تاريخ النشر: 4th, August 2024 GMT

 

 

 

ماجد المرهون

majidomarmajid@outlook.com

 

لا يُوجد إنسان لا يعرفه، وقد تعمَّدتُ هنا النفي مع اللا الثانية؛ حيث نفي النفي إثبات، فليس من الصعب إثباتُ الفقر وليس من السهل نفيه، فهو يتلخص في الحاجة وقلة المال وهو اصطلاح يُعبِّر أيضًا عن عدم وجود مصدر دخلٍ دائمٍ وثابت يوازي الحد الأدنى من الإنفاق نتيجة شُح الموارد، كما قد يشمل المجتمع من حيثُ انعدام الخدمات الأساسيةِ كالصحةِ والتعليم، وقد يُطلق الفقر أحيانًا على الأخلاق والمشاعر والأحاسيس إذا انعدمت وإن توفر المال، ولكنه مبحث طويل يتطلب الكثير من الشرح والتفصيل نصرف عنه صفحًا في مقالنا هذا، ونكتفي بالفقر المعلوم لدى عامة النَّاس في إطلاقه العام مع أنه مجهولٌ في كيانه الخاص ومجرد، إلا أنه محسوس مُشَّخص في وجودهِ وملموسة نتائجه، ويوجد دائمًا حيثما وجد الإنسان وأخص بالذكر هنا الفقر المادي وليس المعنوي.

من لم يختبِر الفقر ولم يعرفُه إلا من خلال المُشاهدة أو القراءة فهو إنسان استثنائي لن يفهم عمقهُ البعيد ولن يقتنصَ ذِهنه معانيه وإن نطق بمفهومهِ في حديثٍ أو كتابة، وشتان بين من أورده في حسنِ قولٍ وبيان خِطابة وبين من عضَّه الفقر بأنيابه وأطبق عليه إطنابه، وهما نوعان من الناس لا ولن يتفقان، لأنَّ الموضوع ليس مجرد آراء تحتمل الاختلاف والاتفاق وتستدعي تقريب وجهات النظر، ولايريد الفقير الجائع مواعظ فضائل الفقر التي يُحدثه بها الغني بعد الشِبع بقدر مايُريد أن يوفر عليه كل تلك النصائح الدنيوية والأخروية مقابل كسرة خبز يُسكت بها غائلته.

إنَّ للفقر كيانًا ثقيلًا يجوس خلال الديار عندما تتسع الهوة بين نُخبةٍ عليمةٍ تمكنت من الإطباق على صناعة القرار، وتحويل الموارد لتُشبع بها بطونها وتُتخم بها جيوبها وبين إهمال شريحةٍ عظمى هي المحرك الأصلي لتلك الموارد، ثم الاطمئنان بأن تلك الشريحة قد حُسم أمرها وأُسقط في يدها بالرضوخ للأمر الواقع ولن تكون قادرةً على إحداث أي تغيير لوهنها وضعفها، فهي ستبقى ساعيةً ما بقيت تحت وطأة الحاجة لكسبِ رزقها وتكتنِفُها الفاقة ويحدوها الخوف من القوانين التي قد تقضي على البقية الباقية من كرامة روحها المتمسكة بالرمقِ الأخير من أجسادها الواهنة، وإن الفقر ليس خطأ الفقير بل هو خطيئة السياسات في إدارة الموارد والنظام الاجتماعي.

تُعد الأمانة والنزاهة والذمة وغيرها من مبادئ القيم العليا، رموزًا صلبةً وقوية تضعها كل المجتمعات على رأس بقائها واستمرارها، ولكن سيصيبها النخر من الداخل وتصبح هشة وضعيفة مقابل آفة الفقر ولن تقوى تلك المُثل والقيم على الصمود طويلًا في وجههِ، وسوف تتهاوى تدريجيًا بعد فترة قصيرة من الزمن عندما يشعر الإنسان بعدم قدرته على توفير العيش الكريم لنفسهِ وأهله، وربما يسلُك كُل مسلكٍ مُحرمٍ وممنوع أو يتخذ أي طريقةٍ وأسلوب عند انقطاع السُبل، فقد يقبل الكذب والرشوة والغش والتزوير على نفسه وربما يذهب إلى أبعد من ذلك بالنصب والسرقة وخيانة الأمانة، ويقول رسولنا الكريم: "أيما أهل عرصةٍ أصبحوا وفيهم امرؤ جائع فقد برأت منهم ذمة الله".

للفقرِ وجهان لا يقل أحدهما عن الآخر قتامةً وكآبة، فقد يكون الوجه الأول من مُمكِّنات ثورة الشعوب والتي تنفجر في لحظةٍ ما عندما تُدرك بوعيها تأثير الفقر وبالطبع هو ليس ناتج عن الظلم نفسه وإنما عن تسلط الإحساس الدائم بالظلم وإن ثورات الفقراء في ذاكرة التاريخ الإنساني كثيرة، كما قد يكون الوجه الآخر سببًا في استقرار الشعوب بحيث تستمر استكانتهم بمقدار ضغط الأنظمة عليهم وبذلك يكونون تحت طائلة الالتهاء بالسعي وراء لقمتهم وأدنى مقومات الحياة الكريمة، وبالتالي لا يقدرون على التفكير في أمور أخرى كالرفاهية والكماليات مع مواصلة الساسة حقنهم بمسكنات الوعود طويلة الأمد، وقد كان هذا التوجه ناجحًا حتى مرحلةِ ما يُسمى بـ"الربيع العربي".

مُحاربة الفقر ومكافحته بتجفيف منابعه هو ما سيجنب الفرد والمجتمع الوقوع في وهدةِ المحرمات وهوة المخالفات، إذ إن استحكام قبضة الفقر على المرء قد يسوقه في مرحلةٍ ما إلى بيع قيمةٍ أخلاقية ثمينة لطالما كان مُتمسكًا بها لفترةٍ طويلة بدافع الصبر والأمل، أو قد تدفع به دفعًا إلى الخيانة والتمرد على خوفه مهما بلغت قوة الرقابة وقوانين الجزاء والعِقاب مع اضمحلال عمق القِيم وأخلاقياتها بمقدار تمدد الفقر في بسط ردائه، وطبعًا مع استثناء فئةٍ قليلةٍ لا تجري عليها مُجريات العامة في الصبر والقناعةِ وقوة التحمل ويقين الأمل بالتغيير وهي الفئة التي تخاف الله وتُسَّلم كُل أمرها إليه وهنا مبحث آخر في إرادة التغيير والسعي والقضاء والقدر نرجئ الحديث عنه إلى مقام آخر.

لا يُنكر أحدنا اليوم طغيان المال والمادة على مفاصل الحياة وعقول الأحياء، وبتنا نرى نماذج وفئات تُمنطق بعض طرق وأساليب الكسب المشوبة بشيءٍ من الشك في حلها أو الشُبهةِ في صحتها من حيث الشرعية والقانونية أو الامتهان الشخصي بإهمال أهمية القيم الأصيلة التي يتمسك بها المجتمع المسلم تحت هُراء الذرائع والمسميات كالعادات البالية والأساليب المتخلفة والأعراف الرجعية والعيب لا يؤكل عيش، وغيرها وهي مدخلاتٍ يُحاول المتخفف منها ومن قيمهِ وقيمته الأصيلة تبرير مسلكهِ وإقناع عقله وعقول الآخرين وإن لم يكن مقتنعًا بها في قرارة نفسه ولكن الحاجة للمال مَعقلت له تلك السلوكيات التي كانت منبوذة ومرذولة حتى وقت قريب، وقد قيل قديمًا: المال يستُر رذيلة الأغنياء والفقر يُغطي فضيلة الفقراء.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بريطانيا تحتاج استثمارات بتريليون إسترليني خلال عقد

الاقتصاد نيوز - متابعة

تحتاج بريطانيا إلى نحو تريليون جنيه إسترليني من الاستثمارات الجديدة على مدى العقد المقبل من أجل تعزيز النمو في البلاد، وفقا لتقرير طال انتظاره من قبل أحد كبار رجال المال والأعمال في لندن، السير نايجل ويلسون.

تقرير "أسواق رأس المال في المستقبل"، الذي نشر يوم الجمعة، صادر عن فريق عمل صناعة أسواق رأس المال، ويرأسه نايجل ويلسون، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "Legal & General Group"، وهو الرئيس الحالي لمجموعة كاناري وارف (canarywharf). ومن المقرر إطلاق التقرير في تجمع رفيع المستوى للمديرين التنفيذيين والمستثمرين ووزراء الحكومة البريطانية في مقر بورصة لندن.

ويأتي تقرير ويلسون في خضم نقاش مشحون للغاية حول مستقبل لندن كمركز مالي، وهو النقاش الذي احتدم عندما اختارت شركة صناعة الرقائق الإنجليزية "آرم هولدنغ" طرح أسهمها للاكتتاب العام في نيويورك بدلا من بورصة لندن العام الماضي، وفقا لما ذكرته بلومبرغ.

ومن المنتظر أن يشهد الاجتماع الخاص بإصدار التقرير، إطلاق كبار الشخصيات في الصناعة المالية صرخة حاشدة لمواصلة الجهود الرامية إلى إصلاح أسواق رأس المال المتعثرة في المملكة المتحدة، وتعزيز تنافسيتها بالمقارنة مع المراكز المالية العالمية الأخرى.

وذكر التقرير أن "اقتصاد المملكة المتحدة وأسواق رأس المال الخاصة بها تراجعت عن الولايات المتحدة منذ الأزمة المالية العالمية".

وبحسب تقرير ويلسون فإن سوق رأس المال في بريطانيا بحاجة إلى إصلاحات حتى يتمكن من جذب 100 مليار جنيه إسترليني (130 مليار دولار) من الاستثمارات الجديدة كل عام، بإجمالي تريليون جنيه إسترليني خلال 10 سنوات، من أجل وضع البلاد على المسار الصحيح لتحقيق نمو سنوي بنسبة 3 بالمئة في الأجور الحقيقية والناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد.

عانت المملكة المتحدة من نمو اقتصادي ضعيف، وعدم استقرار سياسي غير معهود، وتدفقات استثمارية من الشركات المدرجة في البورصة، ومع ذلك رفض ويلسون في تقريره، الإشارة إلى أن البلاد عالقة في "حلقة الموت" مؤكدا على أنه متفائل بشأن المستقبل، وفقا لما نقلته "فاينانشال تايمز".

ومع ذلك، قال ويلسون إن هناك حاجة إلى إجراءات كبيرة، بما يشمل إصلاحات في مجالات مثل الضرائب والتنظيم، حيث حث الوزراء على المضي قدما في التحركات لتشجيع المستثمرين وصناديق التقاعد في المملكة المتحدة على شراء الأصول المحلية.

وتشمل اقتراحات التقرير، استخدام الإعفاءات الضريبية للمعاشات التقاعدية لتحفيز الاستثمار في الشركات البريطانية وخفض ضريبة الدمغة على تداول الأسهم، والتي ولدت 3.8 مليار جنيه إسترليني في عائدات الضرائب العام الماضي.

وقال ويلسون في تقريره إن أسواق المملكة المتحدة بحاجة إلى تبني عقلية "أكثر ميلاً إلى المخاطرة" بعد السير في مسار "النفور الشديد من المخاطرة" منذ الأزمة المالية في عام 2008.

الاقتداء بنادي "مانشستر سيتي"

خلص تقرير ويلسون إلى أن المملكة المتحدة تحتاج إلى 100 مليار جنيه إسترليني من رأس المال الجديد سنويا طوال العقد المقبل لتمويل ما أسماه "فترة التجديد" التي يمكن أن تدعم النمو الاقتصادي السنوي بنسبة 3 بالمئة.

يشمل هذا الرقم استثمارات سنوية تتراوح بين 20 و30 مليار جنيه إسترليني لبناء 300 ألف منزل سنويا، و20 مليار جنيه إسترليني لطاقة الرياح البحرية والطاقة الشمسية، و8 مليارات جنيه إسترليني للبنية التحتية للمياه، و15 مليار جنيه إسترليني لتنمية أعمال التكنولوجيا وعلوم الحياة، وما يصل إلى 8 مليارات جنيه إسترليني لإطلاق المركبات الكهربائية.

وقال ويلسون إن نقص الاستثمار في المملكة المتحدة مقارنة باقتصادات مجموعة السبع الأخرى كان له "تأثير تراكمي سلبي على مدى فترة طويلة من الزمن".

وأضاف "نحاول أن نكون مثل مانشستر سيتي"، مستشهدا بتحول النادي الإنجليزي الذي يمضي بقوة في مسيرة ناجحة على خلفية سنوات من الاستثمار الضخم في تحسين قائمة لاعبيه.

مقالات مشابهة

  • يتزايد الفقر في عدن.. بينما يتضاءل الأمل في تحسين الظروف
  • السوداني يحصي منجزات حكومته في عامين: الفقر و الكهرباء في المقدمة
  • إمام أوغلو: دخلنا القرن الثاني بنظام عدالة منهار
  • برلماني: قانون العفو يمنح سرّاق المال العام الحق بارتكاب جرائمهم دون عقاب
  • التحقيق مع سلامة سيتوسع.. هذه الملفات ستفتح
  • حظك اليوم الأحد| توقعات الأبراج النارية.. شكوك متزايدة حول المال
  • بريطانيا تحتاج استثمارات بتريليون إسترليني خلال عقد
  • غرق مسؤول هندي رفض غواص إنقاذه قبل قبض أجرته
  • علي الدين هلال: من حق الوزير أو المسئول في القطاع العام أن يتم رفع راتبه «فيديو»
  • أصوات من القاع.. الفقر يضرب أطنابه في المجتمع العراقي والفساد المتهم الأول