محمد صلاح فى سنغافورة!

هل تتابع استمرار قصة نجاح لاعبنا الدولى محمد صلاح خلال مشواره الاحترافى فى أوربا؟! هل تتابع محاولات نادى الاتحاد السعودى للتعاقد معه لتحويل الأنظار «كاملة» نحو دورى المملكة، رغم وجود رونادو وبنزيمة وغيرهما من نجوم العالم؟!

هذه هى قيمة محمد صلاح.. أصبح يقترب من لقب أفضل لاعب فى العالم، بعد رحيل منافسيه إلى دوريات السعودية وكندا وأمريكا.

هل شاهدت الفيديو الذى تم تصويره خلال رحلة النجم المصرى فى سنغافورة؟ جميع المشجعين لا يتوقفون عن الهتاف باسم واحد «صلاح..صلاح»، فكانت دهشة أصحاب ونجوم ليفربول الكبيرة.. المشجعون لا يرون غيره.. لا يحبون سواه. وهذه القيمة اللوجيستية لصلاح، وهى سبب ارتفاع قيمته السوقية، فهو جاذب للمشجعين وليس فقط قاهرًا للشباك والحراس. فيديو آخر لا يمكن أن تمحوه الذاكرة تم تصويره من مدرجات فريق ليفربول الإنجليزى الذى يلعب له النجم المصرى، والذى يظهر فيه صلاح ممسكًا بقميصه الأحمر، ومتجهًا ناحية المدرجات؛ ليمنح القميص هدية لطفل إنجليزى صغير جدًا فى السن؛ لأن صلاح لمح الطفل عقب المباراة الأخيرة، يحمل لافتة مكتوبًا عليها «محمد صلاح.. هل يمكننى الحصول على التيشيرت الخاص بك.. أرجوك»! نعم.. طفل إنجليزى صغير يعتبر محمد صلاح المصرى القادم من تراب الدلتا، ومن إحدى القرى الصغيرة بالغربية مثلًا أعلى، ونجمًا يطال السماء، تلاحقه كاميرات التصوير، وتطارده الأندية الكبرى فى العالم! صلاح المولود فى 15 يونيو عام 1992 فى مدينة بسيون بمحافظة الغربية، تمسك بحلمه منذ البداية مع رفاقه فى شوارع مدينته ومنها إلى دورى طلاب المدارس المصرية الشهير «بيبسى» للترويج للعلامة التجارية، واكتشاف المواهب الكُروية فى الطريق، ومنه صعد درجة على سلم النجومية حينما اكتشفه مدربه رضا الملاح لتميزه اللافت بقدمه اليسرى، فانتقل لصفوف نادى مقاولين طنطا! وسرعان ما خطف الأنظار بشدة بمستواه الكبير لينتقل لصفوف المقاولون العرب بالقاهرة وسط معاناة كبيرة بسبب صعوبة المواصلات والمسافة الكبيرة التى كان يقطعها فى الذهاب والعودة، وانتظار والديه له عند محطة القطار حتى ينتهى ويعود معهما لمنزله.

هل تريد معرفة الدرس الذى يجب أن نخرج به جميعًا من قصة كفاح، وحكاية نضال محمد صلاح؟.. الحكاية باختصار هى قيمة العمل والتى غابت عنا منذ سنوات طوال، والطموح الذى قتله الروتين الذى سيطر علينا لسنوات.. ونظرية إن الكل متساوٍ فى مصدر الدخل بغض النظر عن قيمة العمل، ولذلك نفهم بسهولة سبب عدم ظهور نجاحات مبهرة فى الخمسينيات والستينيات، فقط ترى نتاج ما قبل هذه الفترة! والحكاية أيضًا.. هى طموح صلاح، ورغبته فى بيع إنتاجه خارج البلاد، فمحمد صلاح يبيع منتجه، من فنون الكرة لجمهور أوروبى يدفع الملايين يوميًا لمشاهدة نجوم العالم على ملاعبه، وتشاء الأقدار أن يصبح محمد صلاح واحدًا من أهم هذه النجوم، وهو جالب جيد للعملة الصعبة!

محمد صلاح ليس فقط لاعب كرة بل هو صاحب إضافة عنصر جديد للقوة الناعمة لمصر، فلم نعد أصحاب القوة الناعمة فى السينما والغناء والفنون والطب والتدريس والثقافة، بل أصبحنا نمتلك هذه القوة من خلال كرة القدم ممثلة فى محمد صلاح، ولكن للأسف مثلما كان عمر الشريف وحيدًا فى أوروبا بمجال السينما، ومثلما كان مجدى يعقوب فى الطب، وأحمد زويل فى العلوم، ما زال محمد صلاح وحيدًا فى مجال كرة القدم، ولم ننجح حتى الآن فى أن نضم له من يستطيع حفر اسمه بنفس الحجم.. صحيح أن مصطفى محمد يحاول وأن محمد الننى يكافح ولكن مازالت أنظمة قطاعات الناشئين ومسابقات كرة القدم فى مصر فاشلة وفاسدة وعقيمة وغير قادرة على إنتاج اللاعبين وتسويقهم واستثمارهم.. فما زال السوق يعج بالباحثين عن مكاسب مؤقتة، واختفى منها من يملك رؤية الإنتاج الكلى من المواهب، بسبب التنافس بين المتصارعين على «لقمة العيش» حتى ولو كان على حساب مصلحة مصر فى تخريج لاعبين يستحقون اللعب فى أوروبا.

إذا أردنا أن نكرر تجربة محمد صلاح يجب علينا إصلاح منظومة قطاع الناشئين فى مصر، وأن نقوم بتعديل اللوائح بما يسمح لأى لاعب بالانتقال إلى الدوريات الأوروبية المهمة بدون موافقة الأندية فى نهاية كل موسم.

 

المصدر: بوابة الوفد