سواليف:
2024-09-09@13:25:13 GMT

موقف عمومي

تاريخ النشر: 4th, August 2024 GMT

#موقف_عمومي

د. #هاشم_غرايبه

استمعت في حديث لأحد الدعاة المعروفين، لقصة سمعتها من واعظ آخر أيضا، ويقول إنها حدثت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومفادها أن أحدهم سافر سفرا طويلا، وأوصى زوجته أن لا تخرج من البيت، وبعد فترة وصلها خبر أن أباها مريض، لكنها التزاما بما أمرها به زوجها لم تذهب لعيادته، ولما اشتد عليه المرض أرسلت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستشيره في جواز زيارتها لأبيها، فقيل لها إنه يقول لك التزمي بما أوصاك به زوجك، وعندما وصل به الأمر الى الاحتضار وطلب رؤيتها، كررت الاستشارة فجاءتها كما الأولى، فالتزمت ومات والدها ولم تره.


لو ناقشنا معقولية حدوث هذه القصة سنجد أنها غير معقولة أصلا ومخالفة للشرع أيضا، وبالتالي لا يمكن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يأمر بما يخالف ما أمر به الله من صلة الوالدين وبرهما وطاعتهما فيما لا يخالف الشرع، فقد حدد تعالى الحالة الوحيدة التي يجوز مخالفة أمرهما هي أمرهما له بالشرك: “وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا” ومع عظم وزر ما يأمران به، فليس له أن يقطع صلته بهما، بل يبقي على طاعتهما فيما خلا ذلك وصلتهما وحسن معاملتهما: “وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا” [لقمان:16].
واضح أن القصة منسوجة أو محوّرة، لتؤدي وظيفة وعظية، وهي رضوخ الزوجة لهوى الزوج الذي وصل به تشدده الى مرض الوسواس الشكي في الآخرين، والذي قد يصل به انحرافه الى درجة سجنها وعدم السماح لها بالتواصل مع أحد حتى مع من هي مأمورة من الله بالبقاء على تواصل معهم وأولهم والديها، أي أنهم يرون أن طاعة الزوج مقدمة على طاعة الله.
قصص كثيرة نسمعها كثيرا نسجها آخرون، ليسوا متشددين، بل مستقيمون لكنهم يريدون الوعظ والتخويف من عاقبة البغي على الآخرين وظلمهم، فيروون بحماسة أنهم يعرفون شخصا أكل أموال ابناء أخيه الأيتام، وفي اليوم التالي جاءته رصاصة طائشة فمات، وآخر اشترى أرضا من أحدهم فغبنه وأخذها بنصف السعر، وبنى عليها بناية، ولما أكملها صعد على السطح فوقع عنها ومات.
وكل يوم تسمع قصة جديدة يقسم لك راووها أنها حدثت حقيقة، هدفهم من ذلك أن يخاف الظالمون ويعتقدوا أنهم سينالون عقوبة فورية من الله.
ينقض مصداقية هذه الروايات مخالفتها لسنة الله في خلقه وهي أن الثواب والعقاب ادخره الله الى يوم القيامة، وليس ما يصيب الإنسان (سواء كان مؤمنا أو كافرا) من شر في الدنيا هو عقاب على معصية ارتكبها، ولا ما يناله من خير هو ثواب على عمل صالح عمله: “فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ . وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ” [الفجر:15-16]، فيجيب الله تعالي في الآية التي تليها : ” كَلَّا ” .. أي ليست هذه هي سنة الله، بل هو ابتلاء في كلتي الحالتين: العطاء والحرمان.
مع أن هنالك عقوبات دنيوية قبل العقوبة الأخروية لأفراد وأقوام، مثل قارون وعاد وثمود وغيرهم، لكنها محددة معدودة وأرادها الله لتكون عبرة، ومكملة لسنة الابتلاء العامة للبشر.
إن ما ينقض هذه الروايات، أن العقاب الفوري للظالم، أو النجاة لمن رجع عن ظلمه، ليست من سنن الله في خلقه، فلو كان كل من اقترف ذنبا أو أكل حق غيره عوقب في الدنيا، لما جرؤ أحد على فعل سيئة، خوفا من العقاب المباشر، ولصار الناس كلهم فاعلي خير، طمعا في نيل عطاء الله الفوري جزاء إحسانه..وإذن لسقط عن البشر التكليف، ولبطل مبرر الحساب والعقاب في الآخرة.
يعتقد بعض الوعاظ أن حسن نيته في تحقيق الصلاح والحض على التقوى، تبرر له اختلاق القصص وترويج الحكايات الخرافية ذات المغزى الداعي الى الفضيلة، لكن ذلك هو أحد أبواب الكذب، والكذب نقيض للصلاح، ولا يوجد باب منه يفتح على الإيمان.
الكذب حبله قصير، وحين اكتشافه يذهب الهيبة ويبطل الحجة، وعاقبة ذلك تنعكس سلبا على الدعوة، إذ يكفي اكتشاف تزوير واحد لكي يؤخذ حجة على الدين ذاته، ويُذهب الثقة بجهود كثير من الصادقين.

مقالات ذات صلة نور على نور 2024/08/03

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: موقف عمومي

إقرأ أيضاً:

وقت غير مشهور مستجاب فيه الدعاء

قال الداعية الإسلامي مصطفى حسني أن هناك وقت صعب في الوصول له، كما أنه غير مشهور، ولكن يُستجاب فيه الدعاء.  

مفتاح لقبول الدعاء.. سنة مهجورة إن أردت الإستجابه الدعاء المستجاب يوم الجمعة وقت غير مشهور مستجاب فيه الدعاء 

وهو عندما يقلق المسلم من النوم، فقد جاء في الحديث الشريف، عن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تعارَّ من الليل، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا؛ استجيب له. فإن توضأ وصلى؛ قبلت صلاته.

شرح الحديث الشريف 
 

قوله صلى الله عليه وسلم (تعار من الليل) يعني استيقظ، والاستيقاظ يعمّ من انتبه من تلقاء نفسه، ومن أيقظه المنبه أو نحوه من الأصوات المحيطة به، ويشير إلى هذا العموم كون الحديث فيه حث على ملازمة الذكر حتى في أوقات الغفلة كالمستيقظ في جوف الليل، فيقوم الإنسان مستذكرا لله تعالى لا غافلا عنه، وهذا أمر مطلوب من كل مستيقظ.
 

فضل الدعاء 

الدعاء عبادة مشروعة ومستحبة؛ لِما فيه من التضرع والتذلّل والافتقار إلى الله تعالى، وقد حثَّنا الله تعالى عليه وأوصانا به؛ حيث قال سبحانه: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186]، وقال أيضًا عزَّ وجلَّ: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ [الأعراف: 55].

وقد ورد في السنة النبوية المطهرة فضل الدُّعاء؛ فجاء عن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ»، ثم قرأ: «﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60]» رواه أصحاب "السنن".

قال الإمام المناوي [قال الطيبي:.. فالزموا عباد الله الدعاء، وحافظوا عليه، وخصَّ عباد الله بالذكر؛ تحريضًا على الدعاء وإشارةً إلى أن الدعاء هو العبادة؛ فالزموا واجتهدوا وألحوا فيه وداوموا عليه؛ لأن به يُحاز الثواب ويحصل ما هو الصواب، وكفى به شرفًا أن تدعوه فيجيبك ويختار لك ما هو الأصلح في العاجل والآجل].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الدُّعَاءِ» أخرجه الترمذي وابن ماجه في "سننيهما".

مقالات مشابهة

  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • عضو “كنيست” بارز: نعرف مكان “نصر الله” وربما نقضي عليه وسنصل للسنوار قريبًا وهناك نية لشن حرب في الشمال
  • عضو كنيست لمعاريف: نعرف مكان نصر الله وربما نقضي عليه
  • الحوار
  • الصدق في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم
  • المولد النبوي: تعرف على مقتنيات رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • فى مسابقة الكاراتية.. أبو قير للأسمدة أول عمومي الكاتا والكوميتيه وإيسترن أول الكاتا رواد
  • المولد النبوي 2024.. الإفتاء تحسم الجدل حول احتفال الرسول صلى الله عليه وسلم بمولده
  • وقت غير مشهور مستجاب فيه الدعاء
  • ربيع الأنوار.. كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يقضي يومه؟