اغتيالان في زمنين.. إسرائيل التي تنحدر
تاريخ النشر: 4th, August 2024 GMT
بين اغتيال الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد) واغتيال الشهيد إسماعيل هنية (أبو العبد) ما يقرب من أربعين عاما؛ الأول تم في الثمانينيات وتحديدا بعد عام من اندلاع الانتفاضة الأولى في كانون الأول/ ديسمبر 1987م، والثاني في الألفية الثالثة بعد "طوفان الأقصى". الاغتيالان يعكسان تركيبة العقل الاستراتيجي في إسرائيل في زمنين مختلفين وكيف تردت وتآكلت، سواء أكان ذلك عبر السنين والزمن ولذلك شواهده، أو عبر الاضطراب العام الذي شمل كل مكونات النخب الإسرائيلية سياسيا وعسكريا (لن نتحدث هنا عما هو اجتماعي واقتصادي وهو بالغ التأثير).
وسيكون مهما هنا أن نشير إلى أن الخط التاريخي موصول بين الاغتيالين! إذ أن الاغتيال الأول كان يهدف بوضوح قاطع لمنع البدايات الأولى لـ"تكوين الحالة"، التي حدث أثناءها الاغتيال الثاني..
* * *
سيكون مهما هنا أن نشير إلى أن الخط التاريخي موصول بين الاغتيالين! إذ أن الاغتيال الأول كان يهدف بوضوح قاطع لمنع البدايات الأولى لـ"تكوين الحالة"، التي حدث أثناءها الاغتيال الثاني
سنعرف أن السلطات التونسية لم تُسلم الجهات الفلسطينية إلى الآن ملف اغتيال (أمير الشهداء)! ولم تنه التحقيق في القضية رقم 22142 المرفوعة منذ سنة 2012م لهذا الغرض. إنه نائب الزعيم ياسر عرفات، الشخص الثاني والأقوى حضورا وتأثيرا في منظمة التحرير الفلسطينية، الرجل ذو الأصول العريقة القديمة في تيار الإصلاح الإسلامي الكبير داخل مدينة غزة في الخمسينيات، والتي كانت تتبع الإدارة المصرية من بعد النكبة 1948م.
الخمسينيات في العالم العربي شهدت الضربات الأولى الصارمة لحصار حركة الإصلاح التاريخية، واستئصال كل ما له بها صلة. والمدهش هو تزامن ذلك مع خروج الاحتلال الأوروبي وإعلان إسرائيل، سنعرف بعدها أن كل ذلك كان موصول القرابة بعضه ببعض، ودون التوقف كثيرا هنا، سيتم اعتقال أبي جهاد في هذه الفترة.
ورغم البعد الجغرافي وحتى التنظيمي، سيكون هذا الاعتقال من وقتها شاهدا على عمق العداء بين النظام العربي الرسمي من جهة، وبين هذه الحركة الإصلاحية التاريخية التي يمتد عمقها في التاريخ إلى ما يزيد عن قرنين مضيا، وإذا ما تحرينا دقة التوصيف في الوصل بين كل ما ينبغي أن يوصل، سيصل بنا هذا الوصل إلى غزة بعد 300 يوم من "حرب عالمية" عليها تنفذها إسرائيل، ويشاهدها النظام العربي في صمت مريب.
* * *
كما بدأتَ ستبقى، هكذا يقولون، وإذا بدأت صادقا، ومضيت مخلصا، وحملت غايتك في عقلك وقلبك، عارفا بصدق العارفين (ماذا تريد؟)، ولم تخايلك المطالب أولا ولم تختلط عليك الطرق ثانيا ولم تتبدل غايتك آخِرا.. فستكون شهيدا، وشاهدا أصيلا على كل الحقائق.. وهكذا كانت البداية والبقاء، وأيضا نهايته لأمير الشهداء.
هل كان الاغتيال يهدف إلى إحداث اختراق لهذا المعنى الجليل في الوجدان العربي والفلسطيني؟ إذا كان ذلك كذلك، فنحن أمام حالة ضعف وخيبة، لا تثير فقط الدهشة، ولكن تثير الشفقة على من فكر وقدر ونظر في قرار كهذا
كان لا بد من اغتيال أبي جهاد قبل التمهيد لأهم خطوة سيشهدها الشرق الأوسط، وفى القلب منه القضية الفلسطينية، في نهايات القرن الماضي.. خطوة اتفاقات أوسلو 1993م.
كان هذا الاغتيال ضرورة عربية وغربية، لسحب الراحل ياسر عرفات إلى: ما كان ليحدث أبدا في حياة أبي جهاد، ثم إلى نهايته التي انتهى إليها سنة 2004م، والتي كان يتوقعها أبسط متابع عربي لأخبار للقضية الفلسطينية من بعد أم الهزائم (5 حزيران/ يونيو 1967م)، والتي كانت تمثل ذروة عطاء النظام العربي الرسمي للقضية الفلسطينية، عبر كل مراحل تكوينها من بدايات الهجرة اليهودية 1882م مرورا بوعد بلفور 1918م وحتى إعلان دولة إسرائيل في أيار/ مايو 1948م.
* * *
وزيرا دفاع سابقان (إيهود باراك وموشيه يعلون) قاما بتخطيط وتنفيذ عملية اغتيال "أمير الشهداء" والتي شارك فيها الموساد، والشاباك، ووحدة سيرت متكال، وشايطيت 13، والقوات الجوية، والبحرية..
وواضح بالطبع أن الهدف من الاغتيال كان كبيرا واستراتيجيا وبعيدا، وبما يتجاوز الشخص نفسه، ويذهب إلى عمق أعماق دوره وأثره الفكري والتنظيمي والميداني الذي يدير إحداثيات الحاضر، ويرتب لحوادث المستقبل.
فهل كل هذه المعطيات توافرت في حالة اغتيال الشهيد إسماعيل هنية؟ لا يبدو لنا ذلك.
* * *
لكن وزير خارجية تركيا السيد هاكان فيدان، الذي كان صاحب أدق وأصدق وأحق وصف قيل في نعي "أبي العبد" الشهيد إسماعيل هنية، قال: "كنا نراه فيذكرنا بالله"، وحين تعرف أن قائل هذه الجملة الدامغة كان رئيس مخابرات سابق، سيكون الوصف هنا له ألف اعتبار واعتبار.
فهل كان الاغتيال يهدف إلى إحداث اختراق لهذا المعنى الجليل في الوجدان العربي والفلسطيني؟ إذا كان ذلك كذلك، فنحن أمام حالة ضعف وخيبة، لا تثير فقط الدهشة، ولكن تثير الشفقة على من فكر وقدر ونظر في قرار كهذا..
لم أذهب بعيدا في التوقيع والتقدير! لكن عملية الاغتيال هذه واستنادا إلى كل الغايات البعيدة، لا تهدف إلى أي شيء جوهري واستراتيجي، في المعطيات المفهومة للواقع بكل توصيفاته وتنويعاته.
* * *
مهما كان الفشل الذي أصاب الحالة الإسرائيلية كلها؛ من عجز عن تحقيق أي هدف من أهداف الحرب المعلنة وانتهاء بغياب أي رؤية لما بعدها.. فهل افتعال واقع إقليمي بكل هذا التوتر والاشتعال سيساعد في أي من الاثنين..؟
ماذا عن البلد الذي تم الاغتيال فيه؟ وسنسأل نفس السؤال عما هو جوهري واستراتيجي في هذا الاعتداء الفاضح على سيادة هكذا بلد وكرامته وشرفه التاريخي، في اغتيال قائد كبير، لمعركة كبيرة، في أيام لن ينساها التاريخ، أيام معركة "طوفان الأقصى".. وما إدراك ما أيام معركة "طوفان الأقصى" في التاريخ الحديث والمعاصر.
أنت تريد هنا أن تكسو هذا البلد العار والذل أبد الدهر! إذ من سينسى هذه الأيام عبر كل تاريخ هذا الصراع الكبير؟
ومهما كان الفشل الذي أصاب الحالة الإسرائيلية كلها؛ من عجز عن تحقيق أي هدف من أهداف الحرب المعلنة وانتهاء بغياب أي رؤية لما بعدها.. فهل افتعال واقع إقليمي بكل هذا التوتر والاشتعال سيساعد في أي من الاثنين..؟
لا تفسير يبدو لنا منطقيا ومتماسكا لكل ما رأيناه الأيام الماضية.. إلا إذا قرأناه في سياق العنوان الكبير الذي صاغه قادتها وكانوا يقصدون المعنى بكل حمولته الدينية والطبيعية: "طوفان الأقصى"..
"هي معركة تحرير كبرى، وفي قلبها المسجد الأقصى"، كما قال إبراهيم لابن عمه في رواية "الشوك والقرنفل" التي كتبها يحيى السنوار.
وأنا أحد من يؤمنون بأن هذه المعركة من يوم بدئها وإلى يوم منتهاها، وهي تسير باسم الله، في مجراها ومرساها.. وهكذا رآها أصحابها.. وهكذا رأيناها وفهمناها.. وهكذا هي بالفعل.
x.com/helhamamy
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اغتيال إسماعيل هنية إسرائيل إيران إسرائيل اغتيال إسماعيل هنية طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة طوفان الأقصى ما کان
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تنفّذ وعيدها.. تل أبيب تنسحب رسميا من الاتفاق الذي يعترف بوكالة الأونروا
يرى الفلسطينيون في الإجراءات التي طالت وتطال الأونروا محاولة إسرائيلية لتصفية قضية اللاجئين التي تعتبر حجر الزاوية في أي حل مستقبلي للقضية الفلسطينية
اعلانأعلنت الخارجية الإسرائيلية الاثنين أنها أخطرت الأمم المتحدة رسميا بانسحابها من الاتفاق المبرم عام 1967 والذي يعترف بوكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الأونروا. ويأتي هذا الإعلان بعد مصادقة الكنيست الماضي على تقييد أنشطة الوكالة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية بما فيها قطاع غزة المدمّر.
وقال وزير الخارجية إسرائيل كاتز إن الأونروا هي جزء من المشكلة في غزة بدل أن تكون الحل في إشارة للاتهامات التي كالتها إسرائيل لهذه الهيئة الأممية والتي تقول إن بعض موظفي الأونروا شاركوا في عملية "طوفان الأقصى" ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
Related"الأونروا شريان حياة الفلسطينيين".. إدانات دولية لقرار الكنيسيت بحظرها وغوتيريش يعلّق "لا بديل عنها"من بروكسل إلى نيويورك: ردود أفعال دولية منددة بمخطط إسرائيل حظر وجود وعمل الأونروا"الأونروا".. ماذا نعرف عن هيئة الأمم المتحدة التي تحاربها إسرائيل؟وأضاف كاتز في تصريحه بأن الدولة العبرية قدمت عددا لا يحصى من الدلائل على أن حماس تستخدم منشآت الوكالة في عملياتها وأن بعض أعضاء الحركة كانوا موظفين لدى الأونروا التي لم تحرك ساكنا بحسب ادعاءات الوزير الإسرائيلي.
فلسطينيون ينظرون إلى الدمار بعد غارة إسرائيلية على مدرسة تديرها الأونروا، وكالة الأمم المتحدة التي تساعد اللاجئين الفلسطينيين، في النصيرات، قطاع غزة،AP Photo/Abdel Kareem Hana, Fileوكانت الأمم المتحدة قد أجرت تحقيقا في المزاعم الإسرائيلية وخلص تقرير أعدته وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا التي أشرفت على التحقيق بأنه لا يوجد ما يعزز تلك الاتهامات وأكدت على حيادية الوكالة التي تقوم على شؤون اللاجئين الفلسطينيين منذ أن عرفوا طريق النزوح والتهجير في أعقاب قيام دولة إسرائيل عام 1948.
الإجراء الذي اتخذته الدولة العبرية يأتي بعد تضييقات عدة واجهتها الأونروا منذ عدة سنوات بدأ منذ إعلان الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الحالي دونالد ترامب في صيف عام 2018 وقف تمويل الوكالة. حيث كانت مساهمة واشنطن المالية هي الأولى بما يقرب ثلث ميزانية الأونروا البالغة 1.24 مليار دولار سنويا.
وقد سبق هذا الوقف، قرار من إدارة ترامب تقليص حجم المساعدات من 365 مليون دولار إلى 125 مليونا لكن في الأصل لم يدخل خزينة الوكالة آنذاك إلا 60 مليون دولار. ويرى الفلسطينيون أن الإجراءات التي طالت وتطال الأونروا ما هي إلا محاولة إسرائيلية لتصفية قضية اللاجئين التي تعتبر حجر الزاوية في أي حل مستقبلي للقضية الفلسطينية.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية الانتخابات الرئاسية الأمريكية: كيف يمكن أن يؤثر فوز هاريس على الاقتصاد الأوروبي؟ إسبانيا: الآلاف من المتطوعين يتكاتفون لتنظيف ما خلفته الفيضانات المدمرة في فالنسيا تكنولوجيا السيارات: كيف ستُغير مستقبل التنقل في أوروبا؟ غزة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين - أونروا إسرائيل الأمم المتحدة الضفة الغربية لاجئون اعلاناخترنا لك يعرض الآن Next مباشر. الحرب بيومها الـ395: إسرائيل تقطع علاقاتها بالأونروا وحزب الله يقصف ميرون ومستشار نتنياهو يتحسس رأسه يعرض الآن Next الانتخابات الرئاسية الأمريكية: كيف يمكن أن يؤثر فوز هاريس على الاقتصاد الأوروبي؟ يعرض الآن Next انتخابات مولدوفا: فوز مايا ساندو المرشحة المؤيدة للغرب بنسبة 51.1% من أصوات يعرض الآن Next إسبانيا: الآلاف من المتطوعين يتكاتفون لتنظيف ما خلفته الفيضانات المدمرة في فالنسيا يعرض الآن Next قطاع غزة.. قصفٌ وغذاء شحيح وارتفاع جنوني في الأسعار يزيد من معاناة من قُدر له أن يبقى على قيد الحياة اعلانالاكثر قراءة إسبانيا وجهودٌ مضنية للبحث عن جثث غرقت في وحلِ أسوء كارثةٍ طبيعية في تاريخ البلاد المعاصر الوثيقة الأمنية الأكثر سرية: كيف بات الإسرائيليون ضحية حملة كذب من آلة السم التابعة لمكتب نتنياهو واقعة صادمة في إيران.. امرأة تتجرّد من ملابسها في إحدى الجامعات! دراسة: ممارسة الجنس جزء أساسي في حياة من هم فوق 65 عاما قصف بلا هوداة ومقتل 50 طفلا في جباليا ونتنياهو الحل بإعادة حزب الله شمال الليطاني باتفاق أو من دونه اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومالانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024غزةفيضانات - سيولدونالد ترامبإسرائيلكامالا هاريسالذكاء الاصطناعيضحاياإسبانياروسياتركياأزمة المناخالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesJob offers from AmplyAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024