ما سياسة تفريغ الجيوب التي تتبعها سلطات الاحتلال بالقدس؟
تاريخ النشر: 4th, August 2024 GMT
القدس المحتلة- تتسم حياة الفلسطينيين في المدينة المقدسة بعدم الاستقرار على كافة الأصعدة، بدءا من انعدام الشعور بالأمن مرورا بالتهديد المستمر في لقمة العيش، وليس انتهاء بالاستنزاف المادي عبر سياسة "تفريغ الجيوب" التي تنتهجها كافة الدوائر الإسرائيلية بحق المقدسيين في هذه المدينة المحتلة.
وفي زيارة لمنزل فخري أبو ذياب الناشط وعضو لجنة الدفاع عن أراضي بلدة سلوان، نتعرف على سلسلة من الانتهاكات التي تعرض لها هذا المقدسي وعائلته على مرّ عقود، وكان أحدثها إقدام جرافات بلدية الاحتلال في فبراير/شباط الماضي على هدم منزله الواقع في حي البستان في سلوان جنوب المسجد الأقصى.
ولم ينتهِ ألم هذا الرجل بتحويل حجارة منزله وأحلامه إلى ركام، فما زالت بلدية الاحتلال تطلب منه دفع أكثر من 8 آلاف دولار أميركي أجرة للجرافات التي نهشت أساسات منزله عقابا له لأنه لم يهدم منزله بيده.
استمعت الجزيرة نت لهموم هذا المواطن التي تندرج تحت ما يجمع المقدسيون على تسميته بسياسة "إفقار المقدسيين" أو "تفريغ الجيوب" من خلال تركيز سلطات الاحتلال على استنزاف أهالي المدينة ماديا وإشغالهم في معارك قانونية يترتب عليها تكاليف باهظة ولأتفه الأسباب أحيانا.
وقد ولد أبو ذياب عام 1962 في المنزل الذي دُمّر بقوة الاحتلال قبل أشهر، وتلاحقه بلدية الاحتلال -وأصحابَ منازل حي البستان الآخرين- بالمخالفات التعسفية منذ سنوات طويلة بادعاء بنائها بشكل غير قانوني لعدم حصول أصحابها على التراخيص اللازمة للبناء.
ومنذ عام 2011 حتى نهاية 2023 المنصرم دفع أبو ذياب لبلدية الاحتلال أكثر من 47 ألف دولار أميركي مخالفات نتيجة البناء غير المرخص، لكن ذلك لم يحمِ عقاره من الهدم، ولم يعفه من دفع غرامات إضافية.
ووفقا لأبو ذياب فإن المقدسيين أجبروا على دفع نحو 16 مليون دولار مخالفات على البناء غير المرخص لبلدية الاحتلال عام 2023 حسب معطيات البلدية، وكان لأهالي سلوان حصة الأسد من هذه المخالفات، علما بأنهم يجبرون على دفع أكثر من 140 مليون دولار سنويا مقابل ضريبة الأرنونا (الأملاك) والتي تجبيها منهم البلدية ولا تقدم مقابلها الحد الأدنى من الخدمات.
لم تكن محطة مخالفات البناء هي الوحيدة في سكّة استنزاف جيب أبو ذياب بل سبقها الحجز على حساباته البنكية وبعض ممتلكاته، بادعاء أنه يتلقى أموالا مقابل ظهوره الإعلامي والجولات التي ينفذها للدبلوماسيين والوفود في بلدة سلوان التي يهدد التهجير 6 أحياء فيها.
وقدّرت دائرة ضريبة الدخل غيابيا أن عليه دفع قرابة 128 ألف دولار لصالحها، ولأنه اضطر لدخول معركة قانونية دفع أجر محاميه الشخصي خلالها 10 آلاف دولار، بالإضافة لـ23 ألف دولار لرفع الحجز عن حساباته وممتلكاته رغم عدم إثبات الادعاءات ضده.
ولتقسيط مبلغ الغرامات المالية المترتبة على هدم الجرافات لمنزله، يعتزم أبو ذياب توكيل محام يقول إنه سيدفع له نحو 10 آلاف دولار أخرى أتعابا، ويرى أن هذه السياسات تهدف "لإشغال أهل القدس بهمومهم والتكاليف الباهظة لحياتهم اليومية في المدينة وبالتالي يغرقون بها، ويشغلهم ذلك عن الوقوف بوجه الاحتلال ومشاريعه التهويدية من جهة ويدفعهم لمغادرة المدينة طوعيا من جهة أخرى".
انتقام واستفراد
وفي تعقيبه على هذه السياسة، قال مدير مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان رامي صالح إن الفترة الأخيرة شهدت ارتفاعا في وتيرة المخالفات التعسفية بحق المواطن المقدسي من أطراف مختلفة على رأسها بلدية الاحتلال التي رفعت على ما يبدو أعداد طواقمها العاملة شرقي القدس، مبينا أن هذه الطواقم توزع المخالفات على أتفه الأسباب وحتى في حالات كان من الممكن أن يتم توجيه إنذار بخصوصها.
ومن بين عشرات الحالات التي يتابعها مركزه، تطرق صالح إلى 3 حالات، أولها مخالفة صاحب مبنى في القدس لأن شجرة الياسمين المزروعة في بستان منزله نمت وامتدت إلى الرصيف، فتمت مخالفته لأنه لم يُقلّمها، وكان في الوضع الاعتيادي يجب توجبه إنذار لهذا الشخص لا مخالفته.
وفي حالة أخرى تمت مخالفة صاحب بناية لأن أحد سكانها يُربي طيور الحمام وكان روثها متجمعا عند مدخل البناية، وتمت مخالفة مقدسي ثالث بشكل تعسفي لأنه استخدم ساحة منزله الخاصة كمرآب للمركبات وادّعت البلدية أن هذا المكان يجب أن يستخدم كممر لا كموقف لركن المركبات.
وتضاف مخالفات البلدية إلى المخالفات الشُرطية التي تُحرر للمواطنين على أتفه الأسباب وفقا لتعبير صالح الذي أكد -في حديثه للجزيرة نت- أن أحد السائقين تمت مخالفته لأن شاشة مركبته أضاءت باللون البرتقالي إشارة بديهية لا معنى لها، وفقا لتعليمات كُتيب المركبة، لكنه عوقب لمجرد أنه عربي فلسطيني.
"عشرات الحالات والشكاوى نستقبلها في مركز القدس للمساعدة القانونية، ونسعى لتقديم تمثيل لها، ورغم أننا نجحنا في إلغاء بعض المخالفات إلا أننا لم ننجح في أخرى لأن التوجه فيها واضح بأنه تعسفي" حسب مدير مركز القدس.
ونوّه صالح إلى ضريبة إجبارية أخرى أُدرجت هذا العام وخضع لها المقدسيون وجميع المُشغلين قسرا وهي خصم "يوم نقاهة" وتحويله إلى سلطة الضرائب التي حولته بدورها لقوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي.
وختم بالقول إن البعض يعتقد أن المقدسيين يتمتعون بوضع اقتصادي ممتاز كونهم ينخرطون في سوق العمل الإسرائيلي، لكن على الجميع أن يتذكر أن المقدسي يدفع المخالفات والضرائب بمبالغ باهظة، وأن السواد الأعظم منهم يعيشون تحت خط الفقر، وقد يؤدي ذلك في بعض الحالات إلى التفكير بالهجرة الطوعية إلى مناطق ومدن تكلفة الحياة فيها أقل.
وإضافة إلى ما سبق يدفع المعتقلون المقدسيون مبالغ كبيرة على شكل كفالات أو غرامات أو بدل أضرار لصالح المستوطنين.
ووفق تقدير سابق لمركز القدس فإن نحو 80% من المقدسيين يعيشون تحت خط الفقر، ويرى لذلك أسبابا تندرج في إطار "برامج ومخططات" إسرائيلية رُسمت على مدار سنوات لإفقار أهالي القدس.
في حين أشارت معطيات نشرها جهاز الإحصاء المركزي الإسرائيلي منتصف عام 2023 إلى أن 74% من المواطنين الفلسطينيين في القدس غير راضين عن وضعهم الاقتصادي، مقابل 74% من اليهود الذين يسكنون المدينة وهم راضون عن وضعهم.
وأفاد 44% من سكان القدس بأنهم يجدون صعوبة في تغطية نفقات الأسرة الشهرية، ومن بين هؤلاء 78% من الفلسطينيين، و23% من اليهود.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات بلدیة الاحتلال
إقرأ أيضاً:
الاحتلال يقصف طوباس ويعتزم بناء حي استيطاني في القدس
قصفت طائرة مسيرة إسرائيلية موقعا في بلدة طمون جنوب طوباس شمال الضفة الغربية، بينما كشفت صحيفة هآرتس عن مخطط إسرائيلي لإقامة حي استيطاني بحي الشيخ جراح في القدس المحتلة، وطرد عشرات العائلات الفلسطينية.
وقال شهود عيان للجزيرة إن "جيش الاحتلال الإسرائيلي دفع بقوات مشاة إلى طمون تحت غطاء جوي، ودَهَمَ الجنود منازل الفلسطينيين وحولوا بعضها إلى ثكنات عسكرية واعتقلوا عددا من الفلسطينيين".
كما يواصل جيش الاحتلال عمليته العسكرية في مخيم الفارعة جنوب محافظة طوباس، وأفادت مصادر محلية فلسطينية أن قوات الاحتلال دفعت بتعزيزات إضافية إلى المخيم، وشنت عمليات دهم لعدد من منازل المواطنين.
كما قامت جرافات الاحتلال بعمليات تجريف للبنى التحتية ما أدى إلى انقطاع المياه والكهرباء عن مناطق واسعة في المخيم.
????شاهد | تحركات مستمرة لمدرعات الاحتلال في بلدة طمون جنوب طوباس pic.twitter.com/qmBpuZboou
— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) February 4, 2025
وفي مخيم طولكرم، وثقت مشاهد حصلت عليها الجزيرة آثار الدمار الذي خلّفه جيش الاحتلال جراء عدوانه المتواصل منذ أيام على المخيم.
وفي 21 يناير/كانون الثاني المنصرم، بدأ جيش الاحتلال عملية عسكرية في مدينة جنين ومخيمها، أسفرت عن استشهاد 25 فلسطينيا، قبل أن يوسع عملياته العسكرية في شمال الضفة الغربية لتصل إلى مدينة طولكرم في 27 من الشهر نفسه حيث استشهد 4 فلسطينيين، فيما بدأ الأحد عملية عسكرية في بلدة طمون ومخيم الفارعة بمحافظة طوباس.
إعلانوأمس الثلاثاء، أعلن جيش الاحتلال أنه قتل 55 فلسطينيا واعتقل 380 آخرين في الضفة الغربية خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي، مشيرا إلى أن عمليته العسكرية في شمال الضفة الغربية مستمرة.
اعتقالات واسعةوفي الأثناء، قالت مصادر للجزيرة إن قوات الاحتلال اقتحمت فجر الأربعاء مخيم الفوار جنوبي الخليل بالضفة الغربية، وشنت حملات دهم واعتقال في صفوف المواطنين.
كما اقتحمت قوات الاحتلال بلدة حزما شمال شرقي القدس المحتلة وقرية قوصين وخيم عسكر في نابلس، وبلدات ترمسعيا وبرقا وكُفر مالك شرق مدينة رام الله، ودير نظام وعجول وأم صفا ودير السودان شمال غرب المدينة، بالإضافة إلى بلدة الخضر جنوب مدينة بيت لحم.
جانب من اقتحام قوات الاحتلال مخيم عسكر الجديد شرق نابلس pic.twitter.com/HM6n6T0ZnR
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) February 5, 2025
كما اعتقل جيش الاحتلال مساء الثلاثاء، متضامنة فرنسية في مدينة الخليل جنوبي الضفة.
وقال الناشط في توثيق الانتهاكات الإسرائيلية ومؤسس تجمع شباب ضد الاستيطان عيسى عمرو للأناضول إن الجيش الإسرائيلي اعتقل المتضامنة الفرنسية كاميليا (24 عاما) من بيت الصمود في حي تل الرميدة وسط مدينة الخليل.
ووفق عمرو، فإن المتضامنة الفرنسية وصلت المدينة قبل أسبوع وتراقب وتوثق انتهاكات الاحتلال في البلدة القديمة من مدينة الخليل، وتم اعتقالها دون سابق إنذار دون مزيد من التفاصيل عن مكان اعتقالها.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وسّع الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، ما أسفر عن استشهاد 905 فلسطينيين، وإصابة نحو 7 آلاف، واعتقال 14 ألفا و300 آخرين، وفق معطيات فلسطينية رسمية.
حي استيطانيوفي القدس المحتلة، قالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية إن الحكومة تعتزم إقامة حي استيطاني في منطقة الشيخ جراح بمدينة القدس المحتلة، وطرد عشرات العائلات الفلسطينية.
إعلانوأضافت الصحيفة أن بلدية القدس (التابعة لسلطات الاحتلال)، بدأت بالترويج لمخطط بناء لإقامة حي سكني لليهود في حي الشيخ جراح، يتكون من 316 وحدة سكنية ومبنى عاما في المنطقة.
وسيتم بناء الحي الاستيطاني على أرض كانت في السنوات الأخيرة محور معارك قانونية بين سكان الحي الفلسطينيين والمنظمات الاستيطانية، والتي رافقتها أيضا مظاهرات ومواجهات عنيفة، وفق المصدر ذاته.
وبحسب الخطة، سيتم بناء الحي في المنطقة التي يعرفها الفلسطينيون باسم أم هارون، وسيغطي مساحة تبلغ نحو 17 دونما (الدونم يساوي ألف متر مربع)، وتضم نحو 40 مبنى، وموقف سيارات كبير، ومساحة مفتوحة، وفق هآرتس.
وتابعت "تضاف هذه الخطة إلى عدة خطط أخرى بدأت إسرائيل الترويج لها في القدس الشرقية، خلف الخط الأخضر (حدود 1948)، بالتوازي مع تغيير الإدارة في الولايات المتحدة وعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض".
وخلال فترته الرئاسية الأولى (2017-2021)، أظهر ترامب دعما كبيرا لتل أبيب، لاسيما بإعلانه في 2017 اعتراف واشنطن بالقدس المحتلة عاصمة مزعومة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.
ويتمسك الفلسطينيون بالقدس الشرقية عاصمة لدولتهم المأمولة، استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية، التي لا تعترف باحتلال إسرائيل المدينة عام 1967 ولا بضمها إليها في 1981.
وتعتبر الأمم المتحدة الاستيطان في الأراضي المحتلة نشاطا غير قانوني، وتدعو دون جدوى منذ عقود إلى إيقافه، وتحذر من أنه يقوض فرص معالجة الصراع وفق مبدأ حل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية).