التجنيد الإلزامي بألمانيا بين مزايا التجنيس ومخاوف اللاجئين
تاريخ النشر: 4th, August 2024 GMT
في تصريحاته المتكررة في كل مؤتمر صحفي، يعيد وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس التأكيد في كل مرة على أهمية تعزيز قوة جيش بلاده ورفده بعناصر إضافية كي يكون جاهزا للدفاع عن ألمانيا متى تطلب الأمر ذلك.
وكانت ألمانيا قد أُجبرت على تخفيض عدد جيشها إبّان هزيمتها في الحرب العالمية الثانية على يد الحلفاء ومُنعت من إعادة تسليحه أو إعادة التصنيع العسكري؛ خوفا من إمكانية تجدد النزعة النازية بين الجنود الألمان وعودة الحروب من جديد.
وبعد عام 1955، بدأ بناء الجيش الألماني الحالي المعروف باسم "البوندس فير" برعاية الولايات المتحدة واعتمادا على برامج التسليح الأميركية، لكن في هذه الفترة انحصرت مهامه على حفظ الأمن والمراقبة.
والجدير بالذكر، أنّ البرلمان الألماني "البوندستاغ" وافق عام 2011 على تعليق الخدمة الإلزامية في الجيش، إذ نصّ القانون على تفعيل التجنيد الإجباري فقط عندما يعلن البرلمان حالة الطوارئ في البلاد، وأصبحت الخدمة شبه تطوعية أو يمكن للأفراد التطوع في الخدمات الاجتماعية والعمل على رعاية المسنين بدلا من الجيش، وهو أمر يفضله غالبية الشباب الألمان.
بيستوريوس أكد مرارا على أهمية تعزيز قوة الجيش الألماني ورفده بعناصر إضافية كي يكون جاهزا للدفاع عن ألمانيا (غيتي) خطة إعادة بناء الجيش الألمانيإلا أنه وبعد الحرب الروسية الأوكرانية، بدأت تظهر أصوات جديدة تدعو إلى تعزيز قوة الجيش الألماني، وتوفير الدعم الخاص له بوصفه القوة العسكرية المطلوبة لحماية ألمانيا في حال امتدت النار المشتعلة في أوكرانيا ووصلت إلى برلين.
لذا فإنّ دعوة وزير الدفاع الألماني المتكررة لتعزيز الجيش وزيادة الدعم المادي له وتخصيص مبالغ إضافية من الموازنة العامة لهذا الغرض، بالإضافة إلى خطته التي كشف عنها في مؤتمره الصحفي في مايو/أيار الماضي، فإنّه سيتم إعادة تفعيل إلزامية الخدمة في الجيش الألماني على مراحل؛ حيث سيتلقى الشباب ممن بلغوا سن 18 ورقة استبانة تتضمن عدد من الأسئلة تتعلق بالجيش وطبيعة الخدمة داخله.
وبناء عليه، يتوجب على الرجال الإجابة عن الأسئلة في ورقة الاستبانة والخضوع لفحوصات طبية في حال تم اختيارهم لأداء الخدمة، أما النساء فلن يكون عليهن الإجابة عن الأسئلة، وسيبقى الموضوع اختياريا بالنسبة لهن؛ حيث إنّ إعادة إلزامهن بالخدمة داخل الجيش الألماني تتطلب تعديل الدستور الألماني الذي ينصّ على إلزامية الرجال بخدمة القوات المسلحة والعمل ضمن الخدمة المدنية إن تطلب الأمر ذلك.
وبحسب صحيفة "دير شبيغل" الألمانية، فإنّ أكثر من 400 ألف شخص سيتلقى أوراق الاستبانة قبل نهاية عام 2024، حيث يتعين عليهم الإجابة عنها وانتظار عملية الاختيار التي ستتم وفق معايير معينة تنصّ عليها قوانين الجيش الألماني حسب حاجته.
ومن ناحية أخرى، تشير التقارير الرسمية الصادرة عن المؤسسات الحكومية الألمانية المعنية إلى أنّ الجيش الألماني يعاني نقصا مستمرا في الأفراد؛ كما أوضح وزير الدفاع الألماني أنّ بلاده تحتاج إلى أن تكون مستعدة للحرب للتمكن من الردع بالتعاون مع شركائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وكانت خطة قدرات الجيش لعام 2018 تتطلب أكثر من 240 ألف جندي، إلا أنّه ومع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وزيادة التزامات الناتو منذ مطلع العام 2022، فإنّ العدد المطلوب سيكون أعلى من ذلك بكثير؛ ونقل موقع دويتشه فيله عن رئيس رابطة الجيش الألماني العقيد أندريه فوستنر أنّ الجيش يحتاج إلى أكثر من 200 ألف جندي.
ويفرض ذلك على السياسيين الألمان الاستماع إلى خطط وزير الدفاع الألماني والموافقة على تجنيد عدد أكبر من الشبان.
ومن جانبه، طالب فوستنر باتخاذ إجراءات أكثر جدية بهدف تنظيم أفراد الجيش الألماني وزيادة عدده وتوفير الدعم المالي اللازم له، حيث أوضح أنّ عدد أفراد الجيش الألماني الحالي غير كافٍ لمواجهة أية تحديات قد تواجه البلاد.
كونرت اعتبر أن قرار الجنسية الجديد من شأنه دفع عملية اندماج المهاجرين بشكل أفضل داخل المجتمع الألماني (غيتي) قانون الجنسية الجديدومع دخول قانون الجنسية الجديد الذي أقره البرلمان الألماني حيز التنفيذ في 27 يونيو/حزيران الماضي، زادت حدّة النقاشات داخل البرلمان الألماني، وبرزت مشكلة اللاجئين من جديد لتأخذ منحىً جديدا للنقاشات بين السياسيين الألمان.
فمن جانب اعتبر كيفن كونرت رئيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي -وهو حزب المستشار الألماني أولاف شولتز- أنّ القرار من شأنه دفع عملية اندماج المهاجرين بشكل أفضل داخل المجتمع الألماني، والإفادة من خبرات اللاجئين وأبنائهم على المدى الطويل، وتوفير عناصر جديدة تساهم في خدمة المجتمع الألماني سواء داخل الجيش أم في مجال الخدمة والرعاية الاجتماعية.
واستنكر كونرت، تصريحات زعيم حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي المعارض فريدريش ميرتس الذي انتقد بدوره قانون الجنسية الجديد وتبعاته على المجتمع الألماني، حيث شدد في أكثر من مناسبة على ضرورة التأني في منح الجنسية الألمانية، والتحري الكافي عن المتقدمين للحصول عليها، حتى لا تضعف قيمة الجنسية من جهة، ومن جهة أخرى كي تسهل محاسبة من يعتبرون خطرا على المجتمع الألماني وأمنه.
وكان البرلمان الألماني قد أقرّ مقترحا تقدم به أعضاء من الائتلاف الحاكم يتيح للمهاجرين الجدد الحصول على الجنسية الألمانية، والتمتع بمزاياها خلال فترة تصل إلى 5 سنوات، بعد أن كانت 8، وأن من يثبت اندماجه بشكل جيد داخل المجتمع الألماني من خلال تقديم شهادات تثبت إتقانه لمستويات متقدمة من اللغة أو من يقوم بأعمال تطوعية، فإنه يمكن أن يحصل على الجنسية الألمانية في فترة قد تصل إلى 3 أعوام.
ويرى أعضاء من الائتلاف الحاكم أنّ هذا القانون هو أقل شيء يمكن فعله لرد الجميل والاعتراف بالجهود المبذولة من قبل أولئك المهاجرين الذين ساعدوا في بناء ألمانيا الحديثة.
أمّا حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي المعارض -وهو حزب المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل– فاعتبر أنّ هذا القانون قد يشكّل خطرا أمنيا على المدى البعيد، وأنه من الخطأ التسرع في منح الجنسية الألمانية بدون أخذ فترة زمنية كافية لاختبار أولئك المهاجرين؛ حيث انتقد زعيم الحزب فريدريش ميرتس القانون بشدة، معربا عن مخاوفه من أنّ السماح بتعدد الجنسيات سيجعل الجنسية الألمانية أقل قيمة! ويتيح للذين يتلقون مساعدات اجتماعية التجنس بسهولة.
مخاوف المهاجرينويرى كثير من المهاجرين العرب أن تسريع إجراءات منح الجنسية الألمانية يصب في خدمة الحكومة التي تسعى إلى زيادة عدد أفراد الجيش والخدمة الاجتماعية.
ويقول رئيس الجمعية العربية الألمانية للتبادل الثقافي حسام المحمد إن "الحصول على الجنسية الألمانية كان أمرا صعبا جدا في الماضي، ولكن في ظل المخاوف من امتداد الحرب الروسية الأوكرانية إلى ألمانيا، فإنّ هناك حاجة ماسّة للإفادة من المهاجرين، كي يقوموا بدورهم تجاه المجتمع الذي يعيشون فيه".
من جانب آخر يرى نائل عمر، وهو مهاجر سوري يعيش في ألمانيا منذ عام 2015 ويعمل في مجال الرعاية الاجتماعية، إنّ قانون التجنيس الجديد سيشكل علامة فارقة في حياة السوريين في ألمانيا، إذ يقول: "هربت بأطفالي من سوريا كي أجنبهم ويلات الحرب والآن بعد حصولهم على الجنسية الألمانية بات من المؤكد مشاركتهم في الحرب إن قامت في هذه البلاد. إنه القدر الذي يلاحقنا".
ويتخوف قسم كبير من اللاجئين من تحويلهم إلى كبش فداء في الحرب المستعرة على الأراضي الأوكرانية، إذ يرون أنّ قرار التجنيس ليس سوى نقمة ستجر كثير من الويلات عليهم في حال نشوب الحرب في ألمانيا التي جاؤوها أساسا هربا من الحرب في بلادهم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات على الجنسیة الألمانیة وزیر الدفاع الألمانی البرلمان الألمانی المجتمع الألمانی الجیش الألمانی الجنسیة الجدید أکثر من
إقرأ أيضاً:
التمديد الثاني لقائد الجيش حتمّيٌ
يوم توافق رئيس مجلس النواب نبيه بري مع نواب "الجمهورية القوية" على التمديد للقادة الأمنيين وتمّ تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جوزاف عون لمدة سنة لم يكن أحدٌ يتصوّر أن لبنان سيتورط في حرب غير الحروب السابقة. ولم يكن أي من المسؤولين، وبالأخص في قيادة "حزب الله"، يتوقع أن تتمادى إسرائيل في عدوانها الوحشي بهذا الشكل غير المسبوق، إذ لا يمرّ يوم إلاّ ويسقط عشرات الشهداء من أهل الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق أخرى يلجأ إليها النازحون كبلدة علمات في منطقة جبيل مثلًا. ولم يكن أحد يتخيّل أن تطول هذه الحرب، وهي تقترب إلى أن تطوي يومها الخمسين من دون أن تلوح في الأفق أي بوادر حلّ ممكن ومتاح بغير الشروط الإسرائيلية، التي يتم تسريبها من حين إلى حين، والتي لم يتبلغها لبنان رسميًا لكي يبنى على الشيء مقتضاه، مع العلم أنه لا يمكن القبول بها مهما اشتدّت الضغوطات، ومهما كابر جميع المتورطين في هذه الحرب، التي تزداد كلفتها الباهظة يومًا بعد يوم.
ويعتقد المراقبون أن الحرب، وإن بدت من دون أفق محدّد، ستنتهي في يوم من الأيام. فلا إسرائيل قادرة على الاستمرار في مقارعة المجتمع الدولي والامعان في تحدّيه، ولا "حزب الله" قادر على التعايش مع هذا الواقع التدميري والتهجيري على رغم كل الكلام الذي يصدر عن مسؤوليه، والذي يصبّ في خانة رفع المعنويات. وبانتهاء هذه الحرب، عاجلًا أم آجلًا، على أساس القرار 1701، سواء أكان معدلًا أو بصيغته القديمة، فإن مسؤولية الأمن في جنوب الليطاني سيتولاها الجيش بالتنسيق والتعاون مع قوات "اليونيفيل، بعد أن يتم رفده بالمزيد من العناصر ومدّه بما يحتاج إليه من معدّات وآليات تمكّنه من فرض الأمن في هذه المنطقة، التي ستشهد حتمًا عودة أهاليها إليها على رغم أن معظم منازل "قرى الحافة" قد انهارت بفعل ما تعرّضت له من قصف تدميري هائل.
ولكي يستطيع الجيش أن يفرض سلطة الدولة وحدها دون سواها على تلك المنطقة يحتاج إلى أمرين يكمّل أحدهما الآخر بما يتناسب مع دقة المرحلة، التي تمرّ بها البلاد، وهي من أخطر المراحل في تاريخها. الأمر الأول هو أن يُعطى الجيش صلاحيات استثنائية لممارسة دوره على أكمل وجه. وهذه الصلاحيات لا يمكن أن تُعطى إن لم يسبقها توافق سياسي يقرّ بأن تُطلق يد الجيش الوطني لإعادة الأمن والاستقرار إلى هذا الجزء الجريح من الوطن، والذي لا يزال ينزف.
ولكي يستطيع الجيش القيام بما هو مطلوب منه وبما يُنتظر منه من مهام أساسية في بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، وبالأخصّ في المنطقة الجنوبية، التي تحتاج أكثر من أي منطقة أخرى إلى من وما يساعدها لاستعادة أمنها وراحة أهلها، لا بدّ من أن تكون قيادته متعافية، من حيث الشكل، إذ لا يعقل أن توكل إلى هذه المؤسسة الوطنية كل تلك المهام الكبيرة من دون أن تكون قيادتها مكتملة المواصفات من حيث تراتبية المسؤولية الإدارية. وهذه المسؤولية تحتمّ على جميع القوى السياسية التوافق على التمديد الحتمي لقائد الجيش، لأن لا بديل متاحًا أمامها سوى هذا الخيار في ضوء استحالة تعيين قائد جديد بالأصالة، ولأن البدائل الأخرى لم ينجح تسويقها قبل سنة من الآن فكم بالحري اليوم.
لذلك فإن التمديد للعماد عون هو الخيار الوحيد المتاح والممكن في هذه الظروف الصعبة حتى ولو لم يستطع مجلس النواب أن يلتئم لألف سبب وسبب فإن آلية التمديد لرؤساء اللجان النيابية قد تنطبق على أي قرار آخر، وبالأخص على مسألة التمديد بكل مندرجاته القانونية والدستورية.
فما يصحّ هناك يصحّ هنا. وما كان جائزًا بالأمس هو أكثر الحاحًا اليوم. المصدر: خاص "لبنان 24"