د.حماد عبدالله يكتب: حتمية عودة ثقافة التنوع
تاريخ النشر: 4th, August 2024 GMT
المجتمع المصرى منذ بدء الخليقة قرأنا عنه حتى ما قبل الأسرات، كان مجتمعًا متنوعًا، ومن الحضارة الفرعونية إلى البيزنطية إلى مجىء سيدنا " موسى" وخروجه من مصر، على يد "رمسيس الثانى" (أحد الرمامسة) وهجرة العائلة المقدسة إلى "مصر" ورحلتها الشهيرة التى نحتفى بها هذه الأيام، والفتح الإسلامى بقيادة "عمرو بن العاص" بأوامر مشددة من الخليفة "عمر بن الخطاب" بأهل مصر( خير جند الله) كما جاء فى حديث الرسول الكريم (عليه أفضل الصلاة والسلام).
المجتمع المصرى المركب من كل هذه الحضارات والعناصر الإنسانية، كل تلك الإشارات التى وردت فى مقالى هى مدخل للإصلاح الثقافى الذى يجب أن تهتم به الدولة وربما نجد من يعلق، هل إنتهينا من الإصلاحات الإقتصادية والسياسية، "وكله بقى تمام"، عشان نرفع عنوان جديد وهو الإصلاح الثقافى !!
وفى واقع الأمر أن البديهى والمنطقى لأى نهضة فى أى مجتمع أو فى أى قبيلة حينما نشرع فى إجراء إصلاحات "لأعطاب" الزمن عليها.. يوجب أن تستنهض نفسها أولًا بعزيمة رؤيتها وقوة إيمانها وتوثق قدرتها على أنها قادرة على نفض غبار الزمن وتعديل مسارها سواء سياسيًا أو إقتصاديًا كل هذا من منطلق أن هناك لدى هذه القبيلة أو الجماعة ثقافة مترجمة عن طريق دينها وعلمها، وفنها، وغنائها وشعرها، وموسيقاها، حتى فى مواويلها الشعبية التى تروى على الربابة أو على السمسمية سواء !!
وثقافة هذه القبيلة أو الأمة، تنقل وتدرس وتغرس فى المدرسة والبيت وفى تجمعات الأولاد سواء فى نادى أو فى حى أو فى مسجد أو كنيسة !!
وكل هذه الأدوات، أعتقد بأن مسئوليها متعددين وليست وزارة الثقافة وحدها بل الإعلام وأعتقد أنه الأساس.
فلقد شاهدنا طه حسين والعقاد وزكى نجيب محمود ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم والسحار وإدريس وغيرهم سواء فى ندوات نقلها التليفزيون الأبيض والأسود أو "ماسبيرو زمان" فى نوادى السينما التى كانت منتشرة فى الأحياء وأواسط المدن !!
وكانت الصالونات لهؤلاء وغيرهم تعقد ولها مواعيد ولها رواد سوا كان مكان الإنعقاد قهوة أو بيت مفتوح للعامة !!
فالثقافة فى هذا العصر جعلت الأمة تتمسك بالتحول الإقتصادى من رأسمالى إلى إشتراكى والثقافة فى هذا العصر جعلت الأمة تؤمن بنظرية الإنتماء الوطنى شديد العنصرية كما ولدت الثقافة رؤية ثابتة وموحدة نحو القومية العربية.
بل وصلت الثقافة فى صورها المختلفة إلى أنها أصبحت غذاء وعشاء الشعب..
وفى هذه الحقبات الزمنية قيل بأن شعب مصر يتغذى كرة قدم مع "محمد لطيف" ويتعشى "غناء أم كلثوم" ويستنهض بخطاب جمال عبد الناصر !!
كانت الثقافة الموجهة.. قادرة على أن تجعل الأمة تقف وراء أية فكرة وتحارب من أجل هذه الفكرة حاربت سنة 1956 وحاربت فى الوحدة سنة 1958 وحاربت فى بناء السد العالى وحاربت فى التأميم سنة 1961 وإنتشرت من خلال تصدير إغنية إلى تصدير قوات مسلحة وأسلحة أرسلت إلى الجزائر والكونغو واليمن وغيرهم !!
حتى إنكسارنا فى 1967 كانت الثقافة تغذى المصريون بفكرة النكسة "وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" "ويد تبنى ويد تحمل السلاح "وغيرها من كلمات حملتها الثقافة الموجهة إلى وجدان الأمة فإقتنعت بها وحملتها شعارًا.
وحتى بعد حرب 73وبعد عقد إتفاقيات السلام وإنتقالنا إلى "سوق حرة" بدلًا من "سوق موجهة" كانت الثقافة هى العنصر الحامل للفكرة السياسية والإقتصادية وكان الإعلام هو المنبر وهو الباعث ولكن الثقافة هى المادة وليس بغريب أن كان الإعلام نافذة الثقافة وكانت الوزارة المسئولة هى وزارة الإرشاد القومى أو "الثقافة والإعلام" وكان الفصل بينهما ربما لأغراض أخرى ربما أهمها زيادة الحقائب الوزارية ومجاملة بعض الطامحين للمناصب !!
لكن نعود مرة أخرى إلى الإصلاح الثقافى هل الثقافة فى المحروسة اليوم قد أدت دورها فى ظل مسئولية طالت لعشرات السنوات.
ولكن المجتمع المصرى بتنوعه الذى كان مركبًا من عناصر ثقافية مختلفة حتى أنه سمى بالمجتمع (الكوزموبوليتان) فى أوائل القرن التاسع عشر، كانت مصر هى مركز الإبداع فى المنطقة بل فى العالم، وكانت "مصر" هى قبلة المهاجرين للبحث عن حياة افضل، جائها اليونانيون والإيطاليون ومن كل بقاع الأرض باحثين عن الحياة فيها.
هذا التنوع هو كما نحتاج إلى إعادته بصورة حضارية، مطلوب إصلاح ثقافى بعد أن داهمتنا "الدشداشة" والأفكار الوهابية حتى إستطاعت أن تخطف البلد وإستطعنا أيضًا بالثقافة الكامنة فى شعب مصر أن نستردها فى 2013، ولكن ما زلنا فى إحتياج لبرنامج "إصلاح ثقافى"!!
[email protected]
المصدر: بوابة الفجر
إقرأ أيضاً:
منير أديب يكتب: دولة تحت عباءة الفصائل.. سوريا بين الواقع الميليشياوى ومستقبل الدولة الوطنية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ما تعيشه سوريا حاليًا ربما يرسم صورة المستقبل؛ فمنذ تمت السيطرة على الحكم من قبل غرفة العمليات العسكرية التى يُديرها أحمد الشرع فى ٨ ديسمبر الجاري، والسمت الميليشياوى هو الذى يحكم سوريا من الداخل، صحيح لم يُصاحب ذلك حضور الميليشيات المسلحة فى الميادين العامة، ولكن المشهد السورى تحكمه الميليشيا لا عقلية الدولة.
وكل الترجيحات تذهب إلى أنّ سوريا المستقبل التى بحث عنها السوريون على مدار اثنى عشر عامًا، سوف تكون دولة تحكمها ميليشيات مسلحة أو عصابات وليس دولة بمفهوم الدولة، ولو أحسنا الظن فسوف تكون شبه دولة، لأن ما يُدير المشهد الآن تتحكم فيه العقلية الميليشياوية وليس عقلية الدولة.
الخطورة فى مشهد الدولة الميليشياوية، أنّ دولًا فى المحيط الإقليمى تُدعم هذا النوع من التوجه، فضلًا عن التوجه الدولى والأوروبى فى دعم أبو محمد الجولاني، صحيح أغلب التصريحات تُطالب الأخير بضرورة أنّ تحوى حكومته كل الأطياف السورية، ولكن دعمه المستميت بهذه الصورة دون دعم الأطياف السورية الأخرى سوف يجعله الرجل الأول فى سوريا، وبالتالى سوف يفرض وجهة نظره على الجميع.
ميليشيا الدولة أم دولة الميليشيا
المشهد الأول الذى لا يمكن أنّ تخطئه العين فى الحالة السورية الحالية، هو تشكيل حكومة تصريف الأعمال برئاسة محمد البشير؛ هذه الحكومة لا يوجد فيه تنوع ولكنها تمثل المجموعات المسلحة التى كانت تُدير إدلب التى سبق وسيطروا عليها؛ وهنا نقلوا التجربة كما هي، فسوريا الآن تحكم بعقلية إدلب التى كان يُسيطر عليها الشرع من الميليشيات المسلحة لا بعقلية الدولة التى رسمها السوريون فى مخيلتهم.
وهذا أول خطأ وقع فيه الجولاني، ولعل تشكيله للحكومة ذات اللون الواحد يُعطينا تصورًا لشكل الحكم تحت إمرة أبو محمد الجولانى وإخوانه من مقاتلى الفصائل والميليشيات المسلحة، والأمر لا يحتاج مزيدا من التفكير والتأمل والتدبر؛ فاختيارات الرجل فى مستقبل الأيام سوف تكون على نفس شاكلة اختياراته لحكومة الفصائل، بل سوف تكون أسوأ.
الحكومة الميليشياوية صحيح هى حكومة تصريف أعمال مدتها ثلاثة أشهر ويتنهى عملها فى مارس المقبل، ولكنها نموذج لطريقة تفكير الجولانى ومقاتليه، والذين يُفكرون بمنطق السلاح، وهنا لا نتعجب أنّ يكون من بين حضور أول اجتماع ملثم، فهكذا يُدار الحكم فى سوريا حاليًا.
المشهد الثاني، تصريح الشرع بأنه لن يُدير حوارًا مع التجمعات الوطنية التى ناضلت ضد بشار، مثال، ائتلاف قوى الثورة وغيرها من التجمعات التى شاركت فى حوار أستانا، ونقلوا قضيتهم للعالم كله عبر حوارات ومداولات فى المؤسسات المجتمعية، فى الوقت الذى لم يجرؤ فيه الجولانى ولا غيره على الظهور فى هذه المؤسسات ولا التعبير عن رأى الثوار والمعارضين.
قال الشرع، لا توجد ائتلافات أو تجمعات سوف تُشارك فى الحكم، ولكن سوف تكون المشاركة من خلال الأشخاص؛ وهنا يحطم الجولانى صخرة المجتمع المدنى ويهيئ لحكم إسلامى يكون الإخوان والميليشيات المسلحة هى البطل فيه.
الشرع لم يُعلن رفضه مشاركة أحد ولكنه يقوم بإقصاء المختلفين معه فى نفس الوقت، بطريقة تبدو ذكية؛ مع العلم أنّ ميليشياته المسلحة لم يتم تفكيكها حتى هذه اللحظة، ولكن تم استدعاؤها لإدارة شئون الحكم، رغم أنّ عملها يقتصر فقط على العمل العسكرى وليس السياسي.
هذان المشهدان كفيلان بفهم مستقبل إدارة الحكم فى الداخل السورى على يد أبو محمد الجولاني؛ فالرجل سوف يُدير الحكم بعقلية الميليشيا المسلحة وليس بعقلية الدولة، رغم تنظيره فى هذه المساحة، وقد أراد من وراء ذلك الإيحاء بأنّ فكر الدولة سوف يكون حاضرًا فى قراراته.
البعض يُراهن على أنّ الشرع مجرد ورقة سوف يتم حرقها، وسوف يأتى من يُدير سوريا المستقبل بمفهوم الاحتواء وبعقل الدولة المدنية، ولكن بعد خلاف وجدال وسجال سوف تشهده الساحة السورية.
لا أعتقد صحة هذا الطرح، لأسباب كثيرة بعضها مرتبط بطبيعة الشرع والمقاتلين معه؛ فلن يتركوا الحكم مهما كلفهم ذلك دماء جديدة، فضلًا على أنّ سوريا منهكة المؤسسات وفى مقدمة هذه المؤسسات، قوى الأمن الداخلى والجيش السوري؛ فهذه المؤسسات غير قادرة على المواجهة إذا لزم الأمر، وهنا تبقى كفة الميليشيات المسلحة هى الراجحة حتى بعد إقامة الدولة وبناء المؤسسات، فالأمر قد يأخذ سنوات طويلة للتعافى.
سوريا بين نقد الواقع ورفض المستقبل
السوريون هم من يُحددون مستقبلهم، سوريا للسوريين لا لغيرهم، فهذا وطنهم، وهم الذين تحملوا كل ما جرى فيه، وبالتالى هم وحدهم من يرسمون مستقبله لا غيرهم، ولكن من حق الباحثين عن عالم يسوده السلام أنّ يقرأ هذا المستقبل وأنّ يُشارك فى صناعته، فلا أحد يعيش معزولًا؛ فهم دفعوا من فاتورة التغيير إلا أنّ الفاتورة الأكبر سوف يدفعونها لو أنهم انفردوا بالقرار ولم يسمعوا لغيرهم.
واقع سوريا يتجه نحو الأحادية المطلقة فى الحكم والأفكار، هذا الواقع يمكن تغييره الآن، ولكن يصعب أنّ يكون هذا التغيير بعد وقت طويل، لو أنّ السوريين ارتضوا بهذا الواقع حاليًا، ثم حاولوا التغيير مستقبلًا، وهنا تبدو أهمية القراءة السريعة الواقع، ومن ثم محاولة تغييره، شريطة أنّ تكون القراءة دقيقة وفى محلها.
يعيش السوريون نشوة الحرية والانتصار، هذه الحالة تدفعهم لعدم الاتزان فترة ما، ولكن لو طالت هذه الفترة سوف تؤثر على مستقبل الدولة؛ فلابد أنّ يكون العقل هو محل التفكير والحكم على الأشياء، ولابد أنّ يستبدلوا مشاعر الانتقام بالتسامح، وإذا كان ثمة عقاب فلابد أنّ يكون القانون هو السلاح الذى يلجئون عليه، فى وقت عانوا فيها عندما تم استبعاد هذا القانون من حياتهم.
أزمة من يُديرون المشهد السورى الحالى أنهم يرفضون المستقبل أو يرفضون أى ملامح لمستقبل لا يعتقدونه؛ فدائرة الاختلاف عندهم مجرمة، والحوار ليس منصوصًا عليه فى قوانينهم، وبالتالى لا يُعطون الحق إلا لأفكارهم المتطايرة، وأغلبها قد استقوها من الماضي، كثيرًا منها لا علاقة له بالحاضر ولا مستقبل لها.
انتقاد الواقع السورى لا يُعنى تماهيًا مع ماضيه، ولا يُعنى رفضًا للمستقبل، الذى يُحدده السوريون أنفسهم دون غيرهم، ولكنه محاولة لرسم مستقبل أفضل تتوافر فيه الحرية الكاملة لكل مكوناته؛ والأفضل فى الحالة السورية، أنّ تكون هناك دولة مدنية تتسع لكل الطوائف والمذاهب والأديان، دون تفرقة، فلابد أنّ يمثل الجميع فى سوريا المستقبل، وألا يقتصر ذلك عن طائفة واحدة بدعوى أنها سوف تُعطى الحق لغيرها؛ من لم يعط الحق فى التمثيل لن يُعطى الحق فى التغيير.
الفرق بين الواقع والمستقبل شعرة صغيرة من الوعى والإدراك، لو أنّ المنتصرين أدركوها لانتصروا بل باتوا زعماء لأوطانهم؛ تبقى الأهمية فى البناء وليس فى الهدم، حتى ولو كان الهدم لفساد طال انتظاره، فأسهل ما يكون أنّ تهدم هذا الفساد، ولكن الصعب فى بناء محتمع لا تتوافر فيه عوامل الفساد القديمة أو حتى الجديدة.
الإخوان واستلهام تجربة العنف
البيان الذى صدر مؤخرًا عما يُسمى بجبهة الكمالين التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، أو ما يُطلق عليهم جبهة التغيير، والذى طالبوا فيه بإستلهام الحالة السورية، ومن ثم استخدام العنف فى مصر، لم يكن ضربًا للودع كما يقول المصريون، ولكنه قراءة دقيقة وفهم لتنظيم الإخوان المسلمين.
الإخوان المسلمون هم دعاة عنف؛ وعنف الإخوان ليس مرتبطًا بممارسة التنظيم ولكن بالفكرة المؤسسة للإخوان، هذه الفكرة مخلطة بالعنف؛ وهنا التنظيم يبدو عسكريًا على مستوى الممارسة والسلوك، وكذلك الأفكار أيضًا، وهذا ما دفع الإخوان إلى استخدام العنف ضد السلطات بمصر فى العام ٢٠١٣.
ظهور ميليشيات الإخوان المسلحة فى مصر مثل "سواعد مصر.. حسم" و"لواء الثورة" و"المقاومة الشعبية" وحركة "ضنك" وغيرها بعد العام ٢٠١٣، لم يكن ظهورًا استثنائيًا ولكنه كان معبرًا عن أفكار التنظيم المنحازة للعنف؛ وهو تطور طبيعى لهذه الأفكار على مدار مراحل النشأة التى امتدت أكثر من مائة عام، ولذلك قرار التنظيم فى مصر ممارسة العنف لم يكن استثنائيًا، ولم يكن قرار توقفهم عن العنف معبرًا عن حالة التنظيم الحقيقية، وبالتالى استلهام الحالة السورية فى التغيير جاء فى سياق أفكار الإخوان المنحازة للتغيير بالقوة وفق تكتيكات مرتبطة برؤيتهم للقوة والضعف وليس بإيمانهم وعدم إيمانهم بممارسة العنف.
الإخوان استخدموا العنف فى مراحل تاريخية مختلفة، وقرار استخدامه جاء من مؤسس التنظيم حسن البنا؛ مات المؤسس دون أنّ يأخذ قرارًا بوقف أعمال التنظيم الخاص أو الجناح العسكري للجماعة، ولجأ التنظيم إلى إحياء العمل العسكرى فى أوقات مختلفة، وفقًا لمنطق التكتيك ورؤية التنظيم لمصادر القوة والضعف، وهذه الحالة يستدعيها الإخوان حاليًا على خلفية التغيير فى سوريا، وهو ما يُشكل خطرًا على أمن المنطقة.
ولذلك البيان الذى صدر عن إحدى جبهات الإخوان المتنازعة لابد أنّ يُأخذ على محمل الجد، صحيح هذه الجبهة لا تمثل الرقم الأهم للتنظيم وسط جبهتين هما من يتصدران المشهد حاليًا، جبهة د. صلاح عبد الحق، وجبهة د. محمود حسين، ولكن أفكار الجبهة المنحازة للعنف (الكماليين)، تعبر عن رؤية عميقة لأفكار التنظيم، كما أنها تطالب بضرورة أنّ يتجمع الإخوان على تصور واحد لمواجهة السلطة فى مصر، استلهامًا لتجربة هيئة تحرير الشام أو جبهة النصرة، وهذه حقيقة الإخوان من الداخل لمن يظن أنه يمكن التصالح مع أفكار التنظيم، أو أنهم قوى سياسية يمكن التعامل معها وأنها بعيدة عن أفكار العنف.
الإخوان لا يمتلكون مقومات الدولة، ولا يؤمنون بمفرداتها، طريقتهم فى التغيير مستقاة من السيف والخنجر، الذى يقسمون عليه، لا يؤمنون بالحوار مع من يعتقدون كفرهم، فمفردة الحوار غير موجودة فى قاموس التنظيمات الإسلاموية الراديكالية، ولذلك الرهان على تحول أبو محمد الجولانى يُشبه السراب تمامًا، ولا فائدة من ورائه.
المجتمع الدولى وشكل الشرق الأوسط
لا شك أنّ خريطة الشرق الأوسط تتغير وفق محددات ربما بدأت مع أحداث ٧ أكتوبر والعملية العسكرية التى قامت بها حركة حماس فى العام ٢٠١٣، ولعل ما حدث فى سوريا هو جزء من تبعات ما حدث فى تل أبيب قبل أكثر من عام ويزيد، ولعل ما سوف يحدث فى المنطقة العربية خلال الفترة المقبلة هو جزء من تبعات الزلازل المشار إليه، وبالتالى قراءة الواقع ومحاولة الوقوف أمام تبعاته التى تؤصل لوجود التنظيمات الإسلاموية لابد أنّ يكون سريعًا وبمنتهى الحكمة.
المجتمع الدولى ليس لديه مشكلة فى استخدام التنظيمات الإسلاموية الراديكالية فى معركة التغيير أو رسم الشرق الأوسط الجديد، ولا يعنيهم استقرار هذا الشرق إلا وفق مصالحهم الخاصة، ولذلك لابد أنّ يكون الرهان على الوقوف أمام هذه التحديات ومواجهتها قبل أنّ تنفجر الأوضاع فى وجه الجميع، لابد أنّ يكون الحساب لحجم التحديات وليس لحجم المصالح السياسية الضيقة.
هناك مشاريع فى المنطقة والإقليم تسعى لتمكين التنظيمات الإسلاموية الراديكالية، هذه المشاريع لا تقل فى خطورتها عن مشاريع الاحتلال أو الاستعمار حتى ولو ارتدت ثوبًا ثوريًا يحمل من مقومات التغيير الأصيلة التى تطلبها الشعوب، وهنا لابد أنّ تكون النظرة عميقة وأصيلة لأهداف التغيير من ناحية وبوصلة هذا التغيير من ناحية أخرى.
خطورة التغيير حاليًا أنه نابع من إرادة دولية، البطل فيه تل أبيب بسبب ما مس أمنها قبل عام وبرغبة الولايات المتحدة الأمريكية فى الحفاظ على هذا الأمن، وهناك دول ترسم هذا التغيير من خلال دعم التنظيمات الإسلاموية؛ وهنا يُرسم الشرق الأوسط بما يُحقق أمن إسرائيل تكون فيه التنظيمات الإسلاموية على رأس هرم السلطة فى عدد من البلدان العربية، قد تكون سوريا واحدة من هذه البلدان، وليبيا واليمن ودول أخرى.