سودانايل:
2024-12-24@03:49:08 GMT

في حضرة من نُبجّل

تاريخ النشر: 4th, August 2024 GMT

بقلم عمر العمر

الهاتف لا يشبع نهم الونس مع العم صالح فرح.فالرجل ذاكرة اجتماعية خصبة متنوعة،مرجعية ثقافية ثرة وذهنية ناقدة نافذة. كلما سألته عن اسم أو حدث يبحر بي في أنهر عسل مصفى عبر التاريخ ،الجغرافيا والديمغرافيا .بعض تلك الأسماء والأحداث هو شاهد عليها والآخر بها عليم. ببراعة حكاء يمزج الحدوتة بأبيات من الشعر الفصيح أحيانا والغنائي تارة و العديد من الأمثال و الحكم.

لذلك تصبح زيارته في دارته بأبي ظبي سياحة ممتعة فوق كونها فرض وفاء واجب الأداء في حق أستاذ مبجل، يسأل ويعاتب -له الامتنان وعليه الثناء - حين عنه أغيب أو أتأخر! وهو قبل ذلك وفوقه رجل بشوش ضحوك بلا كَلِفٍ خلوق بلا تكلُّف طلق المحيا ثبوت الحجة جم التواضع بلا تصنُّع.
***

العم صالح -أمد الله في سنيه وعافيته-تجاوز عتبة التسعين من العمر ولا يزال يرفض التسليم بحكمة زهير بن أبي سلمى(سئمت تكاليف الحياة...ومن يعش ثمانين حولا لا أبالك يسأم) فهو رجل( خُلق ألوفاً ذو قلب كلفٌ بالجمال ) وبالحياة يأبى قلبه الاعتراف بكر الأيام على حد توصيفه لذاته في كتابه المعنون (خواطر). الصادر طبعته الثانية في العم 2015.ذلك الرفض ليس السمة الوحيدة بين الشاعر العربي والقانوني الضليع إذ يطابق حاله قول عمر بن الخطاب في زهير . فمن يتأمل أحاديث العم صالح أو يقرأ في خواطره ،يجد كليهما (لا يتبع حواشي الكلام ولا يعاظل في المنطق ولا يقول إلا مايعرف ولا يمتدح أحداً إلا بما فيه).كما نقل ابن عباس عن ابن الخطاب اطراءً لذهير. فالعم صالح يقول لعبدالله علي ابراهيم (أنا صاحب كيف لا اقارب الكتابة حتى يتم كيفي،، وكيفي يتم حين يصفو مزاجي)
***

نبرة صوت العم صالح حافز آخر يحرّض على الاصغاء فهو يتمتع بحنجرة ودودة لإذاعي موهوب كادت حنجرته تحمله إلى موجات ال (بي بي سي). فالرجل كان أحد أربعةٍ شكلوا قائمة مختزلة نهائية لتصفية متنافسين للعمل في هيئة الإذاعة البريطانية. لو تم اختياره يومها لتبدل مسار الطيب صالح . لكن العم صالح المتصالح مع نفسه ومع الآخرين كتب( ما كنت لأكون على ما كان عليه الطيب من تألق). ربما حرمنا القانون من كاتب حاذق موثّقٍ في التاريخ السياسي والاجتماعي و النقد الأدبي. هو من الرعيل باني الحياة الطلابية في حنتوب إذ كان بين الدفعة البكر المنتقلة من أم درمان الثانوية إلى تلك المدرسة العريقة .بينما فارقهم من الثانوية نفسها أندادٌ إلى وادي سيدنا ، ذلك جيل ساهم في ارساء حركة الوعي السودانية.
***

حين تستمع إلى العم صالح أو تقرأ في ماكتب ترد طائفةُ أسماءٍ من أجيال متعاقبة برقت في فضاء السياسة ،الثقافة والصحافة السودانية.من أؤلئك منصور خالد، احمد محمد صالح ،عبدالله ابو عاقلة أبو سن ،محمد ابراهيم خليل، علي نور،الشريف حسين الهندي،أحمد المهدي مهدي إبراهيم و قد أسماه أحد ( نواطير الإنقاذ) ،عثمان خالد، محمد سعيد القدال ، فارق كدودة -وصفهما بأهل دربة ودراية في العلم و أهل مراس و عزم في السياسة -و محمود صالح عثمان صالح رجل المال والأعمال وعاشق المعرفة وخادمها والترجمان.
***

هو ليس قارئا متأملاً فقط بل منقبا ناقدا معقبا مثلما في تناوله موقف عبدالله علي إبراهيم تجاه عبد الخالق محجوب و ازاء رحيل الشاعر محمد عبد الرحمن شيبون رؤيةً و لغةً.كما تجد في العم صالح قارئا نهما إذ يستعرض كتبا من انتاج سودانيين مثل(مياه النيل ،،السياق التاريخي والقانوني )للأستاذ فيصل عبد الرحمن علي طه أستاذ القانون الدولي و(في بلاط الدبلوماسية والسلطة) من تأليف أبو بكر عثمان محمد صالح و كتاب يوسف محمد علي(السودان والوحدة الوطنية الغائبة) .فهو أحد مرجعيات نادرة دأبت على الاستعانة بهم كلما استدعتني الكتابة للتوثيق ،التوضيح أو الاستفاضة.
***

العم صالح قارئ عميق لتاريخ السودان وجغرافيته السياسية منذ مملكتي نبتة و مروي وله موقف ثابت مناهض للحكم العسكري أينما برز عبر العالم الثالث، إذ يرى فيه غدراً بالشرعية، مخالفةً أخلاقية،افتقاراً لمؤهلات السياسة،نكوصاً عن وعود وحشر الناس من الضيق إلى الأزمة.ثم يحدثنا عن خيبات الثورات حينما تنتهي إلى ثقافة التمكين و إلى شُلل من الانتهازيين و قناصي الفرص وتفشي (عهر المثقفين) و شبق السلطة. كما هو متابع راصد مواكب لما يحدث في العالم العربي على صعيد تقلباته القطرية وقضيته المركزية وزوابع ربيعه .
***

حينما يأتي الكلام عن القانون والدستور فإنه يحدثك بلسان العالم الفقيه عن القانون هو الملك. مع ذلك هو يعترف (كان من حسن حظي انني كنت قريبا من الشيخ زايد،طيب الله ثراه ،كنت مستشاره القانوني، أشهد التحول الذي تم على يديه. ،،،كان توجيه لنا يوم استخدمنا ان نرفق بقومه فإنه لم يعودهم شدة).جاء ذلك توجيها ساميا لقضاة تم استقدامهم من دول عربية متباينة.لعل الحظ كافأ في سخاء رجلا استقال من المنظومة العدلية السودانية رد فعل لإجراء رأى فيه مساسا بكرامته واجحافاً من ذوي القربى .

***

aloomar@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

وكيل تشريعية الشيوخ: قانون المسئولية الطبية يسمح بالتصالح على الجرائم حتى بعد الحكم

أكد النائب محمد شوقي عبد العال، وكيل اللجنة التشريعية بمجلس الشيوخ  أن صياغة  قانون المسئولية الطبية هي المحاولة الأولي لصياغة القانون.

وقال خلال الجلسة العامة لمجلس الشيوخ إن الصياغة تسمح بالتصالح أيضا على الجرائم حتى بعد صدور الحكم.

و تابع النائب محمد شوقي عبد العال، وكيل اللجنة التشريعية بمجلس الشيوخ   “ القانون يحقق صالح الأطباء من إنشاء الصندوق و اللجنة العليا و اللجان الفرعية”.

 وتابع “اللجنة تضم متخصصين وعمداء وخبراء ولها رأي موضوعي وعلمي”.

وقال النائب د.على مهران  أن القانون منضبط الصياغة، والمكتسبات لا ترقى لكل ما يطمح له الأطباء.

وشهدت الجلسة العامة  لمجلس مطالبات بتحديد تعريف واضح للمضاعفات الطبية بحيث يكون جامع مانع.

مقالات مشابهة

  • مدحت صالح وأشرف زكي في عزاء محسن التوني بحضور عدد من الفنانين
  • السوداني يؤكد دعم الحكومة لعمل المحكمة الاتحادية العليا لترسيخ سيادة القانون- عاجل
  • الحلقة الثالثة من كتاب:( عدسات على الطريق )
  • صلح قبلي ينهي قضية قتل بصعدة
  • إنهاء قضية قتل في مديرية كتاف والبقع بصعدة
  • النائب محمد البدري: المسئولية الطبية ضمانة لتحقيق العدالة في المنظومة الصحية
  • مسلسل "برغم القانون" يتصدر قائمة الأكثر رواجًا في 2024
  • وكيل تشريعية الشيوخ: قانون المسئولية الطبية يسمح بالتصالح على الجرائم حتى بعد الحكم
  • مستشار رئيس الوزراء: البرنامج الحكومي يسعى لرفع الإيرادات غير النفطية إلى 20%
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: احترام حقوق الإنسان تسهم في بناء الكيان