هل أعاق السلم الخماسي انتشار الأغنية السودانية؟
تاريخ النشر: 4th, August 2024 GMT
أجرت “التغيير” استطلاعا للرأي مع مختصين ومهتمين حول تأثير عنصري السلم الموسيقي الخماسي وجودة أستوديوهات التسجيل على انتشار الأغنية السودانية حول العالم
التغيير: عبد الله برير
تباينت وجهات النظر لدى المستطلعين الذين رأى بعضهم أن تأثير الخماسي جاء خصما على الانتشار، فيما تعتقد فئة أخرى أن دولا من إفريقيا وآسيا تتغنى به وبالتالي لا يعتبر سببا في تحجيم ذيوع الغناء السوداني.
واتفق الجميع على أن عنصر عدم جودة التسجيلات كان سببا مهما في الترويج، غير انهم اعتبروا أن السبب انتفى الآن مع التطور التقني. وزاد آخرون بأن الإعلام السوداني لم يوفق في الترويج والتسويق للفن المحلي.
تعدد مقامات الخماسي
في مداخلته يعتقد الموسيقار يوسف الموصلي ان هنالك تناولا كثيرا للمقام الخماسي والمجتزآت المتفرقة من المقام الكبير والتفرعات الأخرى.
وأضاف: رغم ان هنالك كتابات كثيرة جاءت قبل دراستي للماجستير
خصوصا من الراحلين جمعة جابر ومكي سيد احمد الا أن رسالتي للماجستير بكوتسرفتوار القاهرة بعنوان (تصنيف وتحليل المقامات في شرق وغرب السودان باعتبارها مادة خام للتأليف) ١٩٨٩، كانت إلى حد كبير جهيزة التي قطعت قول كل خطيب وكان جزءا من مراجعها كتاب هارموني القرن العشرين.
ونبه بروفيسور الموصلي ألى أن هنالك نوعان رئيسيان من الخماسي هما بنتاكونيك ١ Pentatonic وهو خالي من نصف التون، وبنتاكورد
٢ Pentachord وهو يحتوي على نصف التون (النغمة).
وختم حديثه بالقول: دراستي كانت مرجعا لكثير من الدراسات عن المقامات فيما بعد بكلية الموسيقى والدراما ومن الدراسات القيمة لكل من بروفيسور محمد ترنين ودكتور كمال يوسف.
عوامل متشابكة
يعتقد الفنان التشكيلي راني السماني أن هناك عدة عوامل تساهم في تحجيم انتشار الغناء السوداني، منبها إلى أن السلم الخماسي يمكن أن يكون واحداً منها، لأنه بحسب وجهة نظر راني يختلف عن السلالم الموسيقية الأكثر شيوعاً في الموسيقى العالمية، مما قد يجعلها أقل استساغة لبعض المستمعين غير المعتادين عليه.
وفيما يتعلق بجودة التسجيلات والاستوديوهات، يقول راني السماني: هي بالتأكيد تلعب دوراً مهماً في إيصال الموسيقى إلى الجمهور بجودة عالية، وإذا كانت الجودة غير جيدة، فقد يؤثر ذلك سلباً على تجربة الاستماع.
ويرى السماني أن الأسباب الأخرى التي قد تساهم في تحجيم انتشار الغناء السوداني قد تتمثل في قلة الترويج الدولي وقلة الفرص للتعاون مع فنانين عالميين، بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية والسياسية التي قد تؤثر على صناعة الموسيقى في السودان.
ويرجح راني أن تكون اللهجة السودانية أحد الأسباب التي تؤثر على عدم انتشار الغناء المحلي خارج البلاد.
ويصيف: اللغة واللهجة هما جزءان كبيران من الهوية الثقافية لأي نوع من الموسيقى، وإذا كانت الكلمات غير مفهومة للجمهور الدولي، فقد يكون من الصعب عليهم التفاعل معها وفهمها.
وضرب السماني مثالا لفنانين حول العالم استطاعوا تجاوز حاجز اللغة من خلال الألحان المميزة والأداء القوي، مما يدل على أن الموسيقى لغة عالمية يمكنها التواصل مع الناس بغض النظر عن اللغة بجسب وجهة نظره.
وذكر من الفنانين كلا من بوب مارلي، بافانا كاسيا وهي فرقة كورية جنوبية تغني باللغة الكورية، شاكيرا، الفنانة الكولومبية التي تغني باللغتين الإسبانية والإنجليزية، وأندريا بوتشيلي (Andrea Bocelli) المغني الإيطالي الذي يغني بالأوبرا والأغاني الكلاسيكية بالإيطالية والإنجليزية، وبلاك كوفي وهو فنان جنوب أفريقي يعتمد على الموسيقى الإلكترونية والهاوس.
وختم بالقول: هؤلاء المبدعون أظهروا أن قوة الموسيقى والإبداع يمكن أن تتجاوز حواجز اللغة والمكان والزمان.
الاحترافية والجودة
أما الشاعر والفنان نزار فتحي فيعتقد ان جودة التسجيلات والاحترافية في التنفيذ هي العائق، واتفق مع الموسيقار الموصلي بان عنصر عدم جودة الاستوديوهات الآن قد زال أو قل بشكل كبير جدا.
وأصاف: ولا اعتقد ان السلم الخماسي او اللغة يمكن تحد من انتشار اغنياتنا، كما ان قلة الترويج وضعف الإمكانات مؤثر ايضا، فالتسويق يُعتبر فنا من فنون الترويج.
وعرج نزار على الاعلام مبينا أنه يلعب دورا مهما في انتشار الغناء، وذكر ان السودان تقريبا كان خارج مسار العولمة طوال السنين الماضية.
وتابع: فاتنا الكثير بالرغم من اجتهادات قِلة بسيطة اقنعت مثل دكتور يوسف الموصلي ودكتور الفاتح حسين والدكتور كمال يوسف ودكتور وعبدالقادر سالم وغيرهم، غير أن ذلك لم يكن كافيا بالشكل المطلوب مع انها في جودتها ليست باقل من الانتاج العالمي.
وعزا فتحي عدم انتشار الغناء السوداني بمجمله لـ”لعُزلة طوال ثلاثين عاما من حكم الإنقاذ”.
تأثير محدود
وقلل الشاعر بشرى سليمان من دور السلم الخماسي فى عدم الانتشار، ورأى أن اغلب الفنانين من الافارقة وشرق آسيا عموما يتغنون به.
واستدرك بالقول: مشكلتنا تكمن في عدم تقديم انتاجنا بالشكل السليم الذى يمكن أن ينافس، بمعنى تقديم موسيقانا بشكل احترافي من ناحية انتاج وتوزيع وتنفيذ، كثير من فنانينا يقدمون فنهم وموسيقاهم بطريقة “سبهللية” بوجود عود وبنقز وكمنجة وكي بورد فقط بدون تعب والفنان الوحيد الذي يعمل بنوتة موسيقية وفرقة مكتملة هو أبوعركي البخيت.
وختم بأن الاعلام السوداني كان له دور كبير فى حجب الاغنية السودانية عن العالم بـ”سياساته الخرقاء وعدم اهتمامه بتطوير وسائل الإنتاج والتسجيل والتوزيع”. وترك الأمر لشركات التسجيل وبعدها تولت الأمر بعض اذاعات “الاف ام” وبعض الاستديوهات غير المؤهلة.
خماسي مختلف
ويرى الفنان علاء الدين سنهوري ان السلم الخماسي ليس تقليديا، مبينا ان بعص المدن جغرافيا وتاريخيا لا تنفصل عن موسيقى شعوبها.
واوضح ان الخماسي عند الفنانين السودانيين الكاشف وابراهيم عوض ووردي وعثمان حسين ومحمد الامين والكابلي وابوعركي وزيدان وصلاح بن البادية وابو داؤود وخليل اسماعيل والهادي الجبل والموصلي وعلي السقيد ومصطفى سيد احمد ومحمود عبدالعزيز لا ينفصل هذا من المنتج في بقية اقاليم السودان.
الإعلام وعوامل أخرى
اما الاعلامي والشاعر إيهاب الأمين فيرى أن “الغناء مثله مثل الطعام لا يقاس عند الناس بمواصفاته وقيمته ولكنهم يتعاملون معه بالتعود”.
ويضيف: نحن في السودان نأكل وجبات لا أحد يعرف لها قيمة غذائية وكثيرون لا يستسيغون وجبات عالمية ذات قيمة عالية لا لشيء إلا لأنهم لم يتعودوا عليها وكذلك في الغناء نجد أغنيات عربية ذات محتوى ضعيف وصلت للناس وللسودانيين وهي لا تستحق، وبعض الأغنيات السودانية الضعيفة انتشرت نوعاً ما رغم أن أغاني أفضل منها لم تجد حظها من الانتشار، لا اعرف ماذا يسمى “ناس الرياضيات” هذا الأمر.
وتابع: فالتعود يحقق الانتشار. وكذلك الانتشار يحقق التعود، الغناء المصري انتشر مبكراً لأنه استفاد من الدراما سينما ومسلسلات.
ونبه الامين إلى ان الفنان السوداني الراحل سيد خليفة حقق قبولاً معقولاً بسبب وجوده بالقاهرة ومشاركاته الكثيرة عبر الحفلات ووصوله حتى للسينما.
واستدرك بالقول: كان يمكن لأغنياتنا ان تنتشر والسلم الخماسي لم يمنع اغاني الغرب وأغاني الهنود من الانتشار، والاستوديوهات والتوزيع الجيد الآن موجود لكنه لم يزد من انتشار أغنياتنا إلا بقدر.
وزاد بالقول: من وجهة نظري كان يمكن أن نحل المشكلة لو كانت لدينا قنوات فضائية تخاطب العرب والعالم، فضائياتنا لا يشاهدها غيرنا ولا يجد فيها المشاهد العربي ما يستحق التوقف عندها، معظم مذيعينا يتحدثون بلهجة سودانية لا يفهمها غيرنا، وكان الأفضل ان يتحدثوا باللغة العربية البسيطة المفهومة للجميع.
وعرج إيهاب على الإعداد البرامجي مشيرا الى انه لم يقدم أفكاراً تجتذب غير السودانيين. وقال: اعتقد لو قامت إحدى القنوات بعمل برنامج تراثي يقدم اغنيات مع تعريف مختصر بها، يتم اختيار اغنيات من موريتانيا والجزائر والسعودية والإمارات وتختار عمل واحد او اثنين من السودان من اعمال جبال النوبة، طنبور الشمالية أو اغاني البجة أو اي من أغنيات ما نعرفه بأغاني ربوع السودان نكون روجنا لاغاني التراث السودانية.
وقطع بأن المشاهد لن يتابع البرنامج من أجل الاغاني نفسها فقط ولكن من اجل اغاني بلده وسنخلق له التعود التدريجي، وهذا نموذج.
واقترح إيهاب الأمين برامج حوارية وضرب مثالا بحلقة تجمع بين ابوعركي وكاظم الساهر، وحلقة بين فيروز وآمال النور، نانسي عجرم ونانسي عجاج، وقال: من يتابع الحلقة من أجل عجرم سيتعرف على عجاج ومرة مرتين تلاتة سيعجب بها، لو لم يعجب بها لأول وهلة، وبالتكرار تنتشر اغنيتنا السودانية.
الوسومالسلم الخماسي الغناء السوداني الفن السوداني
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الغناء السوداني الفن السوداني
إقرأ أيضاً:
المغرب يرأس مجلس الأمن الأفريقي
زنقة 20 | الرباط
يترأس المغرب للمرة الرابعة بداية شهر مارس الجاري، مجلس الأمن والسلم الأفريقي، وهو ما يعكس الدينامية الإيجابية والفاعلة للدبلوماسية المغربية بقيادة الملك محمد السادس، سواء في إفريقيا أو على مستوى باقي المنظمات الإقليمية والدولية.
وعلى غرار المرات السابقة، ستسترشد رئاسة المغرب لمجلس السلم والأمن لشهر مارس، وفق مصادر رسمية، بالرؤية الملكية للعمل الإفريقي المشترك، والتي تضع القضايا النبيلة لإفريقيا والمصالح الحيوية للمواطن الإفريقي في صلب الأجندة الإفريقية.
وتأتي الرئاسة المغربية لهذه الهيئة التقريرية للاتحاد الإفريقي في سياق تواجه فيه إفريقيا تحديات أمنية متنامية، تفاقمت بسبب الجفاف والأوبئة وانتشار التطرف العنيف بالقارة، ،هو ما يتطلب استجابات مبتكرة وشاملة في إطار المقاربة القائمة على الارتباط بين السلم والأمن والتنمية، التي أقرها إعلان طنجة، الذي اعتمده رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي في فبراير 2023.
ومن المرتقب أن يعقد مجلس السلم والأمن، تحت رئاسة المغرب، مشاورات غير رسمية مع كل من بوركينا فاسو والغابون وغينيا ومالي والنيجر والسودان بهدف تسريع عودة هذه البلدان إلى المؤسسة الإفريقية.