أجرت “التغيير” استطلاعا للرأي مع مختصين ومهتمين حول تأثير عنصري السلم الموسيقي الخماسي وجودة أستوديوهات التسجيل على انتشار الأغنية السودانية حول العالم

التغيير: عبد الله برير

تباينت وجهات النظر لدى المستطلعين الذين رأى بعضهم أن تأثير الخماسي جاء خصما على الانتشار، فيما تعتقد فئة أخرى أن دولا من إفريقيا وآسيا تتغنى به وبالتالي لا يعتبر سببا في تحجيم ذيوع الغناء السوداني.

واتفق الجميع على أن عنصر عدم جودة التسجيلات كان سببا مهما في الترويج، غير انهم اعتبروا أن السبب انتفى الآن مع التطور التقني. وزاد آخرون بأن الإعلام السوداني لم يوفق في الترويج والتسويق للفن المحلي.

تعدد مقامات الخماسي

في مداخلته يعتقد الموسيقار يوسف الموصلي ان هنالك تناولا كثيرا للمقام الخماسي والمجتزآت المتفرقة من المقام الكبير والتفرعات الأخرى.

وأضاف: رغم ان هنالك كتابات كثيرة جاءت قبل دراستي للماجستير

خصوصا من الراحلين جمعة جابر ومكي سيد احمد الا أن رسالتي للماجستير بكوتسرفتوار القاهرة بعنوان (تصنيف وتحليل المقامات في شرق وغرب السودان باعتبارها مادة خام للتأليف) ١٩٨٩، كانت إلى حد كبير جهيزة التي قطعت قول كل خطيب وكان جزءا من مراجعها كتاب هارموني القرن العشرين.

ونبه بروفيسور الموصلي ألى أن هنالك نوعان رئيسيان من الخماسي هما بنتاكونيك   ١ Pentatonic وهو خالي من نصف التون، وبنتاكورد

٢ Pentachord  وهو يحتوي على نصف التون (النغمة).

وختم حديثه بالقول: دراستي كانت مرجعا لكثير من الدراسات عن المقامات فيما بعد بكلية الموسيقى والدراما ومن الدراسات القيمة لكل من  بروفيسور محمد ترنين ودكتور كمال يوسف.

عوامل متشابكة

يعتقد الفنان التشكيلي راني السماني أن هناك عدة عوامل تساهم في تحجيم انتشار الغناء السوداني، منبها إلى أن السلم الخماسي يمكن أن يكون واحداً منها، لأنه بحسب وجهة نظر راني يختلف عن السلالم الموسيقية الأكثر شيوعاً في الموسيقى العالمية، مما قد يجعلها أقل استساغة لبعض المستمعين غير المعتادين عليه.

وفيما يتعلق بجودة التسجيلات والاستوديوهات، يقول راني السماني: هي بالتأكيد تلعب دوراً مهماً في إيصال الموسيقى إلى الجمهور بجودة عالية، وإذا كانت الجودة غير جيدة، فقد يؤثر ذلك سلباً على تجربة الاستماع.

ويرى السماني أن الأسباب الأخرى التي قد تساهم في تحجيم انتشار الغناء السوداني قد تتمثل في قلة الترويج الدولي وقلة الفرص للتعاون مع فنانين عالميين، بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية والسياسية التي قد تؤثر على صناعة الموسيقى في السودان.

ويرجح راني أن تكون اللهجة السودانية أحد الأسباب التي تؤثر على عدم انتشار الغناء المحلي خارج البلاد.

ويصيف: اللغة واللهجة هما جزءان كبيران من الهوية الثقافية لأي نوع من الموسيقى، وإذا كانت الكلمات غير مفهومة للجمهور الدولي، فقد يكون من الصعب عليهم التفاعل معها وفهمها.

وضرب السماني مثالا لفنانين حول العالم استطاعوا تجاوز حاجز اللغة من خلال الألحان المميزة والأداء القوي، مما يدل على أن الموسيقى لغة عالمية يمكنها التواصل مع الناس بغض النظر عن اللغة بجسب وجهة نظره.

وذكر من الفنانين كلا من  بوب مارلي، بافانا كاسيا وهي فرقة كورية جنوبية تغني باللغة الكورية، شاكيرا، الفنانة الكولومبية التي تغني باللغتين الإسبانية والإنجليزية، وأندريا بوتشيلي (Andrea Bocelli) المغني الإيطالي الذي يغني بالأوبرا والأغاني الكلاسيكية بالإيطالية والإنجليزية، وبلاك كوفي وهو فنان جنوب أفريقي يعتمد على الموسيقى الإلكترونية والهاوس.

وختم بالقول: هؤلاء المبدعون أظهروا أن قوة الموسيقى والإبداع يمكن أن تتجاوز حواجز اللغة والمكان والزمان.

الاحترافية والجودة

أما الشاعر والفنان نزار فتحي فيعتقد ان جودة التسجيلات والاحترافية في التنفيذ هي العائق، واتفق مع الموسيقار الموصلي بان عنصر عدم جودة الاستوديوهات الآن قد زال أو قل بشكل كبير جدا.

وأصاف:  ولا اعتقد ان السلم الخماسي او اللغة يمكن تحد من انتشار اغنياتنا، كما ان قلة الترويج وضعف الإمكانات مؤثر ايضا، فالتسويق يُعتبر فنا من فنون الترويج.

وعرج نزار على الاعلام مبينا أنه يلعب دورا مهما في انتشار الغناء، وذكر ان السودان تقريبا كان خارج مسار العولمة طوال السنين الماضية.

وتابع: فاتنا الكثير بالرغم من اجتهادات قِلة بسيطة اقنعت مثل دكتور يوسف الموصلي ودكتور الفاتح حسين والدكتور كمال يوسف ودكتور وعبدالقادر سالم  وغيرهم، غير أن ذلك  لم يكن كافيا بالشكل المطلوب مع انها في جودتها ليست  باقل من الانتاج العالمي.

وعزا فتحي عدم انتشار الغناء السوداني  بمجمله لـ”لعُزلة طوال ثلاثين عاما من حكم الإنقاذ”.

تأثير محدود

وقلل الشاعر بشرى سليمان من دور السلم الخماسي فى عدم الانتشار، ورأى أن اغلب الفنانين من الافارقة وشرق آسيا عموما يتغنون به.

واستدرك بالقول: مشكلتنا تكمن في عدم تقديم انتاجنا بالشكل السليم الذى يمكن أن ينافس، بمعنى تقديم موسيقانا بشكل احترافي من ناحية انتاج وتوزيع وتنفيذ، كثير من فنانينا يقدمون فنهم وموسيقاهم بطريقة “سبهللية” بوجود عود وبنقز وكمنجة وكي بورد فقط بدون تعب والفنان الوحيد الذي  يعمل بنوتة موسيقية وفرقة مكتملة هو أبوعركي البخيت.

وختم بأن الاعلام السوداني كان له دور كبير فى حجب الاغنية السودانية عن العالم بـ”سياساته الخرقاء وعدم اهتمامه بتطوير وسائل الإنتاج والتسجيل والتوزيع”. وترك الأمر لشركات التسجيل وبعدها تولت الأمر بعض اذاعات “الاف ام” وبعض الاستديوهات غير المؤهلة.

خماسي مختلف

ويرى الفنان علاء الدين سنهوري ان  السلم الخماسي ليس تقليديا، مبينا ان بعص المدن جغرافيا وتاريخيا لا تنفصل عن موسيقى شعوبها.

واوضح ان الخماسي عند الفنانين السودانيين الكاشف وابراهيم عوض ووردي وعثمان حسين ومحمد الامين والكابلي وابوعركي وزيدان وصلاح بن البادية وابو داؤود وخليل اسماعيل والهادي الجبل والموصلي وعلي السقيد ومصطفى سيد احمد ومحمود عبدالعزيز لا ينفصل هذا من المنتج في بقية اقاليم السودان.

الإعلام وعوامل أخرى

اما الاعلامي والشاعر إيهاب الأمين  فيرى أن “الغناء مثله مثل الطعام لا يقاس عند الناس بمواصفاته وقيمته ولكنهم يتعاملون معه بالتعود”.

ويضيف: نحن في السودان نأكل وجبات لا أحد يعرف لها قيمة غذائية وكثيرون لا يستسيغون وجبات عالمية ذات قيمة عالية لا لشيء إلا لأنهم لم يتعودوا عليها وكذلك في الغناء نجد أغنيات عربية ذات محتوى ضعيف وصلت للناس وللسودانيين وهي لا تستحق، وبعض الأغنيات السودانية الضعيفة انتشرت نوعاً ما رغم أن أغاني أفضل منها لم تجد حظها من الانتشار، لا اعرف ماذا يسمى “ناس الرياضيات” هذا الأمر.

وتابع: فالتعود يحقق الانتشار. وكذلك الانتشار يحقق التعود، الغناء المصري انتشر مبكراً لأنه استفاد من الدراما سينما ومسلسلات.

ونبه الامين إلى ان الفنان السوداني الراحل سيد خليفة حقق قبولاً معقولاً بسبب وجوده بالقاهرة ومشاركاته الكثيرة عبر الحفلات ووصوله حتى للسينما.

واستدرك بالقول: كان يمكن لأغنياتنا ان تنتشر والسلم الخماسي لم يمنع اغاني الغرب وأغاني الهنود من الانتشار، والاستوديوهات والتوزيع الجيد الآن موجود لكنه لم يزد من انتشار أغنياتنا إلا بقدر.

وزاد بالقول: من وجهة نظري كان يمكن أن نحل المشكلة لو كانت لدينا قنوات فضائية تخاطب العرب والعالم، فضائياتنا لا يشاهدها غيرنا ولا يجد فيها المشاهد العربي ما يستحق التوقف عندها، معظم مذيعينا يتحدثون بلهجة سودانية لا يفهمها غيرنا، وكان الأفضل ان يتحدثوا باللغة العربية البسيطة المفهومة للجميع.

وعرج إيهاب على الإعداد البرامجي مشيرا الى انه لم يقدم أفكاراً تجتذب غير السودانيين. وقال: اعتقد لو قامت إحدى القنوات بعمل برنامج تراثي يقدم اغنيات مع تعريف مختصر بها، يتم اختيار اغنيات من موريتانيا والجزائر والسعودية والإمارات وتختار عمل واحد او اثنين من السودان من اعمال جبال النوبة،  طنبور الشمالية أو اغاني البجة أو اي من أغنيات ما نعرفه بأغاني ربوع السودان نكون روجنا لاغاني التراث السودانية.

وقطع بأن المشاهد لن يتابع البرنامج من أجل الاغاني نفسها فقط ولكن من اجل اغاني بلده وسنخلق له التعود التدريجي، وهذا نموذج.

واقترح إيهاب الأمين برامج حوارية وضرب مثالا بحلقة تجمع بين ابوعركي وكاظم الساهر، وحلقة  بين فيروز وآمال النور، نانسي عجرم ونانسي عجاج، وقال: من يتابع الحلقة من أجل عجرم سيتعرف على عجاج ومرة مرتين تلاتة سيعجب بها، لو لم يعجب بها لأول وهلة، وبالتكرار تنتشر اغنيتنا السودانية.

 

الوسومالسلم الخماسي الغناء السوداني الفن السوداني

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الغناء السوداني الفن السوداني

إقرأ أيضاً:

تقدم الجيش السوداني في دارفور هل يغير معادلات الحرب في السودان؟ ؟

 

 

عوامل عسكرية وسياسة ولوجيستية عدة تضافرت في وقت سابق لصالح قوات الدعم السريع مكنتها من السيطرة على أكبر وأهم القواعد العسكرية في إقليم دارفور، وأدت حينها إلى انسحاب شبه كامل للجيش من هذه الأقاليم الملتهبة بالنزعات المسلحة، غير أن المعادلات الميدانية وبعد نحو 20 شهرا على الصراع تغيرت غداة استعاد الجيش سيطرته على قواعد عسكرية ومطارات استراتيجية في غرب دارفور يمكن اعتبارها بداية لطريق طويل يحتاجه السودان لوضع نهاية للحرب.

الثورة / أبو بكر عبدالله

بعد النجاحات التي حققها مؤخرا باستعادة السيطرة على أجزاء من العاصمة الخرطوم فاجأ الجيش السوداني الجميع بإحرازه تقدما نوعيا في إقليم دارفور بعد عملية عسكرية أفلحت في طرد قوات الدعم السريع من اهم قواعده العسكرية الاستراتيجية الخاضعة لسيطرتها منذ نحو 20 شهرا.
العملية التي قادها الجيش السوداني بمساندة العديد من الفصائل الشعبية المسلحة تكللت باستعادة السيطرة على منطقة “وادي هَوَر” والعديد من القواعد العسكرية بما فيها قاعدة الزُرُق الاستراتيجية ومطارها الحربي بولاية شمال دارفور، فيما اعتبر تطورا مهما في مسار الحرب لمصلحة الجيش الذي بدأ يستعيد زمام السيطرة على مناطق مترامية من هذا البلد الغارق في حرب أهلية أوقعت آلاف القتلى والجرحى وشردت وما يزيد عن 14 مليون نازح ولاجئ بداخل السودان وخارجه.
الجديد في هذه العملية أنها تمت في إطار تحالف بين الجيش السوداني وقوى شعبية وقبلية يقودها حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، تحت مظلة ” القوات المشتركة لحركات الكفاح المسلح” وهو تحالف عسكري يضم عددا من الحركات المسلحة بدارفور ومتطوعين بقيادة الجيش السوداني.
اكتسبت العملية أهميتها من النتائج التي خلصت اليها حيث أعلن الناطق باسم القوات المشتركة، استعادة السيطرة على قواعد عسكرية تابعة لقوات الدعم السريع في بئر مرقي، وبئر شَلة ودُونكي مجور وبئر جبريل ودُونكي وخائم، وصولا إلى قاعدة الزُرق العسكرية فضلا عن طرد قوت الدعم السريع من 5 مطارات عسكرية، بعد معارك أوقعت مئات القتلى والجرحى من الجانبين.
وهذه المواقع الاستراتيجية التي تتصدرها قاعدة “الزُرق” العسكرية بولاية شمال دارفور، كانت تمثل أكبر المراكز العسكرية واللوجستية لقوات الدعم السريع التي تخوض صراعا مسلحا مع قوات الجيش السوداني منذ أبريل عام 2023م، كما كانت تُمثل المصدر الرئيسي لإمداد قواتها المنتشرة في سائر مناطق ومدن أقاليم دارفور.
تغير المعادلات
حتى وقت قريب كانت قوات الدعم السريع هي المتحكم الرئيسي في معظم مدن إقليم دارفور حيث تمكنت منذ بدء الصراع المسلح في أبريل 2023م من بسط نفوذها على أجزاء واسعة من أقاليم دارفور الأربعة، مستفيدة من تكتيكاتها العسكرية وعلاقاتها المحلية وحاضنتها الشعبية.
طبقا لذلك ظلت هذه القوات مسيطرة على مناطق غرب دارفور التي تعد المعقل الرئيسي لها، كما حافظت على سيطرتها على معظم مناطق ولاية جنوب دارفور وأجزاء كبيرة من ولاية وسط دارفور وولاية شرق دارفور، وكذلك ولاية شمال دارفور سوى مدينة الفاشر عاصمة الولاية الخاضعة لسيطرة الجيش والتي لا تزال المعارك مستمرة فيها حتى اليوم بين قوات الدعم السريع والقاعدة العسكرية المتمركزة في مدينة الفاشر والتابعة لقوات الجيش.
يمكن هنا الإشارة إلى عدة عوامل ساعدت قوات الدعم السريع على فرض سيطرة عسكرية شبه كاملة على هذه الأقاليم، أبرزها تكتيكات حرب العصابات التي اتبعتها في هجماتها على المواقع الخاضعة لسيطرة الجيش والتي اعتمدت على السرعة والمباغتة وخلق فوضى في صفوف قوات الجيش النظامي.
زاد من ذلك الخبرة الميدانية لقوات الدعم السريع في معرفة تضاريس إقليم دارفور بالتوازي مع ضعف خبرات الجيش للتعامل العسكري في هذه المناطق وضعف دفاعاته العسكرية ومعاناته المزمنة في التمويل والإمداد وهي المشكلات التي ساعدت قوات الدعم السريع في تحقيق انتصارات سهلة مكنتها من السيطرة على اغلب مناطق الإقليم.
لكن المشهد بدا أنه تغير كثيرا في الآونة الأخيرة بعد أن أفضت جهود مجلس السيادة الانتقالي بزعامة قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، إلى إعادة هيكلة المراكز القيادية للجيش وتعيين قيادات ميدانية ذات كفاءة بالتوازي مع استدعاء الجيش قوات الاحتياط وإعلانه التعبئة العامة في صفوف سكان المدن والقبائل الموالية وكذلك التحالفات القبلية التي نجح الجيش في إقامتها مع القبائل المحلية وخصوصا التي تعيش حالة خصومة أو عداء مع قوات الدعم السريع وهي عوامل ساهمت في استعادة الجيش زمام المبادرة وإدارة العمليات العسكرية بصورة أكثر كفاءة.
وعلاوة على معطى التفوق الجوي بدا أن الجيش السوداني تأقلم بسرعة مع حرب العصابات وهو الأمر الذي ظهر بوضوح في تحركات الأخيرة التي اعتمدت على تكتيكات عسكرية جديدة مثل الحصار والهجمات المباغتة، واستغلال نقاط الضعف لدى الخصم والدفع بوحدات عسكرية مدربة تدريبا عاليا وذات خبرة بالحروب التقليدية والتركيز على فرض السيطرة على المدن الكبرى والطرق الرئيسية، وهي عوامل أدت ضمن عوامل أخرى إلى إفقاد قوات الدعم السريع زمام السيطرة وتحويلها إلى كانتونات محاصرة وحبسيه بعيدة عن خطوط الإمداد.
غير بعيد عن ذلك الضعف الذي اعترى قوات الدعم السريع بعد أن أدت الحرب إلى استنزاف لقدراتها العسكرية والبشرية وتكبدها خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد نتيجة العمليات العسكرية المكثفة لقوات الجيش في ظل خسارتها للدعم الشعبي نتيجة الانتهاكات التي ارتكبتها بحق المدنيين والتي برزت مؤخرا كواحدة من أهم القضايا الإنسانية في تقارير منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية.
أهمية استراتيجية وصعوبات
تُعتبر القواعد العسكرية والمطارات في إقليم شمال دارفور وفي صدارتها قاعدة الزُرق العسكرية من المواقع المهمة نظرا لموقعها الاستراتيجي الهام في غرب السودان وهي منطقة حدودية تربط بين السودان ودول أخرى مثل تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وليبا، وكانت خلال الشهور الماضية من أكثر المناطق التي تغذي قوات الدعم السريع بالسلاح والذخائر والمرتزقة.
أسس الجيش السوداني هذه القاعدة قبل عقود لتكون مركزا متقدما يمكن من خلاله مراقبة الحدود ومنع التسلل وتهريب الأسلحة والمخدرات، كما جهزها بمنشآت جوية تتيح للقوات المسلحة السودانية خطوط الإمداد الجوي وتنفيذ عمليات مراقبة جوية وعمليات عسكرية مباغتة.
وقد لعبت هذه القواعد العسكرية مدى العقود الماضية دورا محوريا في النزاعات الداخلية الطويلة التي خاضها الجيش السوداني مع الحركات المسلحة مثل حركة تحرير السودان وحركات أخرى، حيث مثلت نقاط انطلاق لعمليات الجيش العسكرية ضد هذه الحركات، كما لعبت دورا مهما في تأمين الطرق الحيوية والممرات المنتشرة في إقليم دارفور التي تربط بين شرق السودان وغربه، فضلا عن أهميتها في تأمين طرق نقل البضائع والإمدادات.
واستعادة الجيش السوداني السيطرة على هذه القواعد بمطارات عسكرية سيعمل على تعزيز قدراته في السيطرة المركزية على المنطقة التي تشهد نزاعات وتوترات عرقية وقبلية بصورة مستمرة.
السبب في ذلك أن السيطرة على هذه القاعدة تتيح للطرف المسيطر مزايا عسكرية مهمة مثل المراقبة والتحكم بخطوط الدعم اللوجستي، وشن الهجمات الاستباقية وأكثر من ذلك السيطرة على خطوط الإمداد وهي ميزات قد تتيح للجيش السوداني استخدامها كنقطة انطلاق لعمليات أوسع في كل أقاليم دارفور الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع في الوقت الراهن.
خطوة في طريق طويل
رغم أن السيطرة على هذه القواعد بمطاراتها الجوية ومستودعاتها التسليحية مثل إنجازا عسكريا كبيرا ومهما للجيش إلا أنه يبقى خطوة أولى في طريق طويل، إذا ما نظرنا إلى الجغرافيا الشاسعة لأقاليم دارفور الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، ما يجعل هذه الخطوة غير كافية لفرض السيطرة الكاملة للجيش على الإقليم أو طرد قوات الدعم السريع من المناطق التي يسيطر عليها بصورة كاملة في المدى القريب.
وإمكانية محافظة الجيش على هذا الإنجاز تبدو صعبة في الوقت الراهن وتحتاج إلى كلفة وجهود كبيرة من قوات الجيش السوداني الذي يبدو منهكا، ومشتتا في حرب مشتعلة بجبهات عدة.
والمعادلة الثابتة في دوامة الصراع بإقليم دارفور تمكن في الاعتماد على التحركات السريعة وحرب العصابات، وهو ما يُعدّ ميزة لقوات الدعم السريع التي تمتلك خبرة كبيرة في قتال حرب العصابات ولا سيما في التضاريس الصحراوية.
والأمر الآخر هو الاعتماد على دعم المجتمعات المحلية والقبائل وهي ميزة تحظى بها قوات الدعم السريع التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع العديد من القبائل في دارفور.
هذان العاملان ربما يعقدان من مهمة الجيش السوداني في ف المضي بخطة استعادة السيطرة الكاملة على الإقليم في ظل احتياج الجيش السوداني لاستراتيجية كاملة، واحتياجه الملح لتحييد الدعم المحلي الذي تحظى به قوات الدعم السريع حاليا.
ومن الناحية الميدانية يصعب الركون على التجهيزات التي تمتلكها القواعد العسكرية التي استعاد الجيش السيطرة عليها بما فيها قاعدة “الزرق” في ظل التقارير التي تحدثت عن ان المواجهات الأخيرة أدت إلى تدمير أجزاء كبيرة منها، واحتياج بعضها إلى الإصلاح والصيانة بعد أن ظلت لأكثر من 20 شهرا على خارج سيطرة الجيش بما يجعلها غير مجهزة للتصدي للهجمات المباغتة لقوات الدعم السريع وافتقادها على عامل الاستقرار من الناحية التكتيكية في ظل التوترات المستمرة في أقاليم دارفور.
عناصر مهمة
ما يخشى منه أن الجيش السوداني وفي ظل عمليات التعبئة الواسعة لن يكون قادرا على نشر قوات كافية في هذه القواعد العسكرية ومطاراتها ومنافذها الواسعة ما قد يجعلها عرضة لهجمات واسعة من قوات الدعم السريع التي يمكنها أن تجند الآلاف من رجال القبائل لاستعادة السيطرة عليها.
ومعروف أن نقص القوى البشرية والإمدادات اللوجستية ساهما في فقدان الجيش السيطرة على هذه القواعد في الشهور الأولى للحرب، وهي مشكلة لا تزال قائمة في ظل انشغال الجيش السوداني في تأمين الكثير من جبهات التوتر المترامية في أنحاء السودان ومساعيه لتركيز جهوده في تأمين ولاية الخرطوم وإنهاء أي تواجد لقوات الدعم السريع فيه.
يزداد الأمر خطورة في ظل العلاقات الودية القوية التي تربط قوات الدعم السريع مع بعض القبائل المحلية في دارفور، وهي الميزة التي تمنحها فرص مثالية للترصد والحصار وشن الهجمات والحصول على المعلومات وتركيز العمليات الهجومية.
والمؤكد أن الجيش السوادان يحتاج اليوم إلى تعزيز التحصينات والدفاعات والتنسيق الاستخباراتي وإعادة توزيع القوات بشكل بما يُغطي المناطق الحيوية كما انه يحتاج بصورة ملحة للغاية إلى تحسين علاقاته مع القبائل هناك وتقويض نفوذ قوات الدعم السريع فيها.
هنا يتعين الإشارة إلى أن الدعم الإقليمي والدولي لا يزال يمتلك القول الفصل في معادلة استعادة الجيش السوداني السيطرة على هذه المناطق، حيث من الخطأ التعاطي مع الواقع الراهن بكونه صراعاً داخلياً، والمؤكد أن له أذرع متداخلة محلية وإقليمية ودولية، وهو ما بدا واضحا في الدعم الذي حصلت عليه قوات الدعم السريع وقوات الجيش والذي كان له آثر بالغ في تغيير معادلات الصراع.
وحيال ذلك يتعين على مجلس السيادة الانتقالي التحرك بشكل واسع لتفعيل الضغوط الدولية الهادفة إلى منع تدفق الأسلحة إلى قوات الدعم السريع، وهو أمر سيقود بلاشك إلى إضعافها وبالتالي تقليص مساحات الصراع ومداه الزمني.
ومع ذلك يبقى العامل الداخل هو الأهم، والرهان ينصب اليوم على قيادة الجيش في القدرة على تنظيم القوات ونشرها وضمان خطوط امدادها، وكسب دعم القبائل المحلية وأكثر من ذلك تبني استراتيجيات جديدة عسكرية وسياسية لإدارة هذه المناطق وابقائها بعيدة عن نفوذ أي جماعات متمردة.

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية السوداني: الثقة الكبيرة التي نوليها للرئيس التركي هي الأساس
  • سفير السودان لدى إثيوبيا يطمئن على ترتيبات إنطلاق امتحانات الشهادة السودانية المؤجلة
  • سفارة السودان في الرياض تعلن نقل مركز إنعقاد إمتحانات الشهادة السودانية لمقر جديد
  • الجيش السوداني يتوغل في وسط الخرطوم بحري، والمبعوث الأممي إلى السودان ينهي زيارته لبورتسودان دون تحقيق اختراق
  • وزير الخارجية السوداني: وساطة أردوغان بين الخرطوم وأبو ظبي واعدة وإيجابية
  • حكومة السودان تُعرب عن أسفها واستنكارها لرفض السلطات التشادية السماح بإقامة إمتحانات الشهادة السودانية
  • وزير الخارجية السوداني: وساطة أردوغان بين السودان والإمارات واعدة وإيجابية
  • وزارة الخارجية السودانية: سيظل حرمان أبنائنا من الجلوس لإمتحانات الشهادة السودانية نقطة سوداء في سجل السلطات التشادي
  • تقدم الجيش السوداني في دارفور هل يغير معادلات الحرب في السودان؟ ؟
  • السودان.. 48 إصابة جديدة بالكوليرا والحصيلة 48 ألفا و598 بينها ألف و258 حالة وفاة، وفق وزارة الصحة السودانية