كيف مرت الأيام بهذه السرعة غير العادية؟ أتذكر حينما كنت طفلاً فى التسعينات أشاهد الفنان هشام عباس على شاشة التليفزيون يغنى «زمان وأنا صغير كنت بحلم أبقى كبير»، وقتها كنت أحلم معه وأغنى وأنا أشاهد الفيديو كليب على الشاشة، كنت أحبه، وعلى ما أتذكر كان يعرض على القناة الثانية.
وكان حينما يصدح بصوته الجميل «ولما كبرت قلت يا ريت ما كنت حلمت ولا أتمنيت»، كنت أتعجب لأنه لماذا ندم عندما كبر؟ ولماذا بكى فى وسط غنوته؟ ويتمنى العودة بأن يكون صغيراً مرة أخرى؟ لم أفهم وقتها.
نحن أيضاً نكبر يا هشام عباس، والتسعينات أصبحت ذكريات طفولتنا، وقتها كانت الحياة أكثر هدوءاً.. كنا نلعب الكرة فى الشارع مع أصحاب الطفولة، ونجلس بالساعات أمام «الأتارى» لننجز مهمة السوبر ماريو، ونتابع مسلسل الساعة الثامنة على التليفزيون، ونسهر على مشاهدة الأفلام والمسرحيات المسجلة على شرائط الفيديو، ونسمع أغانيكم الصادحة من شرائط «الكاسيت» ونستكشف الدنيا ببساطة على مهل، قبل أن تفاجئنا وتمر بأقصى سرعتها ونكتشف جوانب جادة منها لم تكن فى حساباتنا زمان.
كان لكل ألبوم لمطربى جيلنا ذكريات لا تنسى عميقة الأثر فى أوقات ومناسبات مختلفة، تركت علامات وكأنها أكثر من كونها أغانى بل جزء من حياتنا.
فى عيد الأم، نغنى «أمى الحبيبة» لهشام عباس، التى لها شديد الأثر على جيلنا وحتى وقتنا الحالى والتى كانت وما زالت من أجمل الأغانى التى كتبت للأم، بالإضافة إلى أسماء الله الحسنى التى تصدح فى الأفراح وفى يوم افتتاح المحال ومناسبات أخرى حتى الآن.
ولا أنسى أغنية أرض الشرق، التى غناها فى حفل افتتاح بطولة كأس العالم لكرة اليد عام ١٩٩٩. كما أننى لا أنسى يوم إصدار ألبوم «هشام» سيبها تحبك، الذى أراه واحداً من أهم وأفضل الألبومات الغنائية المصرية على الإطلاق.. وقبله «ألبوم» مين جوه فى قلبى.. وغيرها من الألبومات مثل حبيبى ده وكلام الليل وياليلة والذى حقق نجاحاً ساحقاً.
غنى «هشام» وغنينا معه.. سمعناه فى سنوات مختلفة وقت تألقه، من كاسيت السيارة والراديوهات داخل البيوت، إلى «الووكمان» وعلى الكمبيوتر فى التسعينات وبعد تدوال السى دى الذى يجمع أفضل الأغانى.
وقد أكون أكثر انحيازاً لهشام عباس، نظراً لارتباط أغانيه معى بالكثير من المواقف والسفريات والأحداث السعيدة فى حياتى، بالإضافة إلى قبوله وشقاوته واختياراته وتلقائيته.
هشام عباس الذى كان شاباً فى التسعينات يغنى ويرقص ويحلم.. تألق فى العلمين، فى الحفل الضخم كاسيت ٩٠ مع نجوم جيله.. والذى أقيم على مسرح «نيو أرينا».
انطلق محمد فؤاد بتقديم أغانيه المميزة، وغنى إيهاب توفيق وخالد عجاج وحميد الشاعرى، الذى قدمه هشام عباس للجمهور وقال عنه إنه ساعد الكثيرين من النجوم وقدم لهم أفضل الفرص والأغانى.. ثم قاما بالغناء معاً أغنية «عينى»، التى لاقت نجاحاً كبيراً وقت نزولها عام ١٩٩٧.
حفل أسعدنى لما لكل مطرب شديد التأثير على أيامنا.. غنوا خلاله أشهر أغانيهم وسط حضور جماهيرى كبير من مختلف الأعمار.. وقت مبهج صغرنا معه عشرات السنوات، تلقينا منه جرعة سعادة غير عادية وكأننا عدنا عشرات السنوات وكأنهم هم عادوا شباباً فى سن الثلاثين.. وكأن الزمن توقف بعض الوقت فى العلمين.. لنختلس اللحظات الجميلة ونعود إلى الوراء.. إلى أيام نحبها.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: العالم علمين هشام عباس
إقرأ أيضاً:
د. عصام محمد عبد القادر يكتب: المعايشة التربوية... تكامل البناء
تستهدف المعايشة التربوية، صَقْل خبرات التعلم بصورة وظيفيّة، لدى المتعلمين، والعمل على ربْطها بالواقع المُعاَش؛ كي يتسنّى للمتعلم أن يستشعر قيمة ما يكتسبه من خبرات معرفيّة، ومهاريّة، ووجدانيّة، وهنا نتحدث بصورة مُركّزة على فلْسفة التكامل في بناء الإنسان، والذي لا يتأتى بعيدًا عن التخطيط لبعض البرامج المقصودة التي تُسْهم في تحقيق المُراد؛ لذا من ينادِي بالمُعايشة التربوية سواءً في البيئة التعليمية، أم ساحات المؤسسات الرسميّة، أم خارج هذا الإطار، فإنه يرى أنها فرصةٌ سانحةٌ؛ لبناء سليم يخرجنا من بوْتقة التقليدية، وزخَم اعتياد بعض الممارسات، والأداءات بعينها.
والمعايشة التربوية يلْزمها تجهيزات تحقق أمرين مُهمّيْن، أولهما ينْبري حول توافر البيئة الآمنة، وثانيهما يقوم على الدَّعم اللُّوجسْتي اللازم؛ لتنفيذ مهام الأنشطة، التي يؤديها المتعلمون داخل إطار المعايشة، وفق جدولها الزمنيّ، وتعليماتها المُحددَّة، وتحت إشرافٍ، وتوجيه من المعلم، أو ممن يقوم بإدارة بيئة المعايشة التربوية؛ ومن ثم نضْمنُ توافر المُعْطيات الرئيسة، التي من شأنها أن تساعد في إنْجاح المُعاَيشَة.
وثَمّتْ وجهة نظر، يتوجب طرْحُها بشأن المُعاَيشَة التربوية، تكْمن في تعميم المسْئولية تجاه تحقيق غاياتها المنْشُودة؛ ومن ثم يجب أن تشارك كافة مؤسسات الدولة، في توفير الدعم اللازم، بما يضمن نجاح مسْتهدفات المُعاَيشَة التعليمية؛ لذا فإن إتاحة ساحات الملاعب، والأنْدية، أو المصانع، أو المراكز البحثيّة، أو الفنادق السياحيّة القريبة من المحميّات، والمناطق الأثريّة، والبحريّة، أو غير ذلك من مقدّرات المؤسسات الرسميّة بالدولة بصورة منظمة، وتحت إشراف مؤسسيّ، يُثْري بيئات المُعاَيشَة التربويّة؛ ومن ثم نتوقع نتائجَ مُبْهِرة، جرّاءَ هذا التعاون الإيجابيّ في صورته الشُّموليّة.
لنا أن نتصوّر الفوائدَ التي تتمخَّضُ عن مُعاَيشَة المتعلم، عبْر الزّيارات إلى أماكن التصنيع، ورؤْية العين لمسارات العمل، والإنتاج، وما يحدث أثرًا لزيارة ما نمتلكه من متاحفَ، ومواقع أثريّة، في شتّى ربوع الوطن، وما يعزز لديه من شغف العلم جرّاءَ زيارة المُخْتبرات، والمعامل الكبرى، التي تجري بها البحوث، والتجارب، وما يكتسبه من مهارات حيال ملاحظة مباشرة لأداء المهن، والحِرَف، في بيئاتها المختلفة، وما يقع في نفْسه، أثناء تواجده في خِضَمّ مشروعات قوميّة، يشاهد خلالها نتاجًا، وعملًا مستمرًا، وصورة مُبْهرةً لمشهد الإعْمار، وفق مخططاته الاسْتراتيجيّة، إلى غير ذلك من صور المُعاَيشَة ، التي يصعب حصْرها.
إذا ما أردنا أن نُعزز ماهية ما نسميه (اتيكيت) التعامل؛ فلا أفضلَ من المُعاَيشَة التربويّة التي تغْرِسُ في ذهن المتعلم قيم التَّعامل الرّاقي، وتحثَّه على الالتزام بالوقت، وتقدير أهميّته، وقيمته، وهنا نحصد سلوكًا مُنْضبطًا، يتماشى مع ما تم التوافق عليه من قواعدَ يتم الإعلان عنها قبل البِدء في فعاليات المُعاَيشَة، ومسارات العمل في أنْشطتها؛ فرُغْم كثافة الأعداد في بعض الأحيْان؛ إلا أن الاصْطِفاف السّريع، وسُرْعة الاستجابة، والعمل بالقواعد، وتنفيذ التعليمات تقضي على العشوائيّة، والتخبط، ولا تدعُ مجالًا للفوضى، أو الارتباك في المشهد العام.
إنّ تكامل البناء يكمن في تعْضيد فلسفة الاعتماد على النفس، من قِبلِ كل متعلم داخل إطار المُعاَيشَة التربويّة، وهذا لا ينْفكُّ عن مراعاة شعور الآخرين، والاتّزان الانْفعالي، وكَبْح الممارسات التي تضِيرُ بالغير، وتُحْدثُ نوعًا من زعْزعة الاستقرار داخل المجموعات، أو بينها، وهنا يتبادر إلى الذهن ضرورةُ تدريب المتعلمين على التّواصل الكليّ، مع معلمهم أثناء المُعاَيشَة التربويّة؛ فما أرْقى استيعاب لُغَة الجسد! كلغةٍ للتواصل؛ فيشعر الفرد ما تُبْديه النّظرات، وما تُعْنيه الإشاراتُ، وما تحمله ثنايا تعبير الوجه من انفعالات تحمل القبول، أو الرفض للممارسات، وهذا لا يعني أننا بصدد تجاهل التّواصل اللفظيّ؛ لكن نرغب في المزيد من ترْقية الوِجْدان عبر الإحساس في صورته الحميدة.
إنّ ما تقوم به مُؤسْسَتُنَا التربويّة، داخل أسْوارها، من مهام، تُعد عظيمةً في مجملها، وما تستهدفه المُعاَيشَة التربوية، خارج، أو داخل الأسْوار من قُبيل التكامل، في إحداث بناء إنسانٍ قادرٍ على العطاء، مُعْتمدًا على ذاته، لديه ثِقةٌ في قدراته، لا يعوُقُه الخطأُ، بل يتعلّمُ منه، وينْطلقُ بقوة نحو اكتساب المزيد من الخبرات، والتعمق في خلَجَاتِها، ولا تعوُزُه نُدْرةُ المُقوّماتُ؛ لكن يسعى دومًا إلى حل ما يواجه من مُشْكلاتٍ؛ ومن ثم يتغلبُ على صور التحدّيات الآنيةِ منها، والمُسْتقبليّة.