ما حدث فى افتتاح أولمبياد باريس لا علاقة له بحرية الرأى والتعبير.. ولا علاقة له بالإبداع والفنون ولو كانت «جنون».. التهكم على الأديان والأنبياء والترويج للشذوذ كان مقيتاً، وفنياً كان هابطاً.. لا طعم ولا لون ولا ريحة.
زرت باريس عدة مرات ولم أحبها.. لم أجد بها مدينة جن ولا ملائكة.. أضواء باهتة وشوارع ضيقة وحياة عادية لا تفتن عقلاً ولا تجذب قلباً، وكان حفل افتتاح الأولمبياد بارداً كبرودتها، وكلما حاولوا التفنن كشفوا سوءاتهم أكثر، ويكفى النهر الملوث الذى أجبر السباحون على السباحة فيه فخرجوا يتقيأون ما فى بطونهم وهذه ستكون ذكراهم عن باريس.
ما حدث لدينا على السوشيال ميديا مع أبطالنا الذين شاركوا فى الألعاب الأولمبية لا يقل بحال من الأحوال عن حفل الافتتاح، ما كل هذا الحقد وما كل هذا التنمر وما كل هذا الهجوم على أبطال تدربوا وتعبوا منذ طفولتهم ليحصلوا على شرف المشاركة فى الحدث الرياضى العالمى الأهم؟!
البطل الذى يحظى بشرف المشاركة فى الألعاب الأولمبية هو بطل تم تكوينه منذ طفولته.. تدريبات شاقة، وحياة صحية وأهل تعبوا وسهروا مع ابنهم أو بنتهم، ودولة لم تبخل بما تستطيع لتأهيل أولادها وأبطالها، هؤلاء الأبطال حققوا بطولات قارية لافتة أو عالمية ناجحة حتى يحصلوا على شرف المشاركة، لا أحد يختار بمزاجه من يسافر ومن لا يسافر.. لا أحد يتمكن من المشاركة فى الألعاب الأولمبية إلا بعد اجتياز اختبارات صعبة وبطولات قارية ومنافسات قاسية، من يذهب إلى الألعاب الأولمبية هم «كريمة» الرياضيين على مستوى العالم وفى كل الألعاب.. والنجاح لا يتحقق إلا بعد سنوات طويلة من التعب والتمرين الشاق والكفاح، والحصول على ميدالية أولمبية أهم من الحصول على كأس العالم فى أى رياضة باستثناء كرة القدم.
أولادنا الذين شاركوا فى الألعاب الأولمبية حصلوا على هذا الشرف بكفاحهم لسنوات طويلة، لم يجاملهم أحد ولم يمنحهم مسئول هذا الشرف، فلا سبيل للمشاركة إلا بالنجاح القارى والحصول بشق الأنفس على تذكرة السفر.
المشاركة فى حد ذاتها نجاح.. بطل أو بطلة وضعوا أقدامهم على بداية الطريق الصحيح، أما الحصول على الميدالية فهو الإنجاز الأضخم، ولا أحلى من ميدالية ذهبية يرتفع معها علَم مصر ويصدح نشيدنا الوطنى عالياً فى المحفل الأهم عالمياً.. لكن الحصول على الميدالية لا يأتى إلا بمنافسة شاقة مع كل أبطال العالم ولا يناله إلا الأفذاذ الذين استمروا على الطريق ولم ييأسوا ولم تقطع السوشيال ميديا أنفاسهم ألماً وحسرة.
قفزت من مكانى فرحاً أكاد ألامس سقف الحجرة ونجمنا محمد السيد يحصل على ميدالية المبارزة، وفريقنا الكروى يتأهل لأول مرة منذ ستين عاماً إلى «قبل النهائى» وأبطال اليد يهزمون النرويج «ثانى العالم» ويكتبون تاريخاً جديداً للعبة.
الآن وقت التشجيع وليس وقت الحساب.. كل من سافر كان بطلاً واستحق بمجهوده أن يحصل على فرصة المنافسة العالمية.. وكلنا يحب أن نكون فى جانبهم نشجع ونصدر الروح الإيجابية ونطلب النصر، أما تصدير السلبيات واختلاقها والتنمر على الأبطال فهذه ليست روحنا وليست شيمنا.
عندما تنتهى المنافسات وتعود البعثة وقتها يحين وقت الحساب.. من بذل كل جهد ولم يبخل بذرة عرق ولو لم يحصل على ميدالية يجب أن نشجعه ونمنحه الأمل فى المستقبل، ومن قصَّر ولم يبذل جهداً ولم يقدم صورة مشرفة لبلده يجب إقصاؤه.. والحساب يكون بشفافية وعلى رؤوس الأشهاد.. حساب رياضى يناسب الحدث العالمى الأهم الذى لا يتكرر إلا كل ٤ سنوات.
المنافسات ما زالت مستمرة، وهناك أبطال ما زالوا يرفعون علم مصر وعلينا واجب التشجيع والدفع للأمام، مصر تستحق عدداً أكبر من الميداليات، وكل بطل حلمه الكبير أن يرى علم بلده يرفرف عالياً ونشيده الوطنى يملأ أجواء باريس.
مسك الختام:
رُفعت الأقلام وجفت الصحف مع إعلان نتيجة الثانوية العامة.. دموع الفرح اختلطت بدموع الحزن، وكل مجتهد وصل إلى ما يريد ليبدأ حياته العملية من الكلية التى يختارها.
لكن الأهم الآن أن نتوقف عن الضغط على أولادنا وبناتنا، فلا نتيجة الثانوية العامة ستحدد حياتهم ومستقبلهم، ولا الكلية التى سيلتحقون بها ستكون كلمة سر النجاح أو الفشل، الأهم أن يلتحق الطالب بكلية تناسب قدراته وليس أحلامه وأحلام أهله.. كلية تفتح له أبواب المستقبل فى عالم تتغير سوق العمل فيه بسرعة الصاروخ مع بزوغ فجر الذكاء الاصطناعى.
الأولاد والبنات تعبوا وسهروا، والأهم أن نساعدهم فى الاختيار الصحيح الذى يناسب قدراتهم ويتفق مع طريق المستقبل. لا وقت للبكاء على اللبن المسكوب.. «افرحوا وسيبوا أولادكم يفرحوا» والمستقبل فى علم الغيب.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: أولمبياد باريس الإبداع الفنون فى الألعاب الأولمبیة المشارکة فى
إقرأ أيضاً:
ما هو تعريف النجاح الشخصي؟
غالبًا ما تُساوي القيم المجتمعية النجاح بالثروة، مُطغيةً على الإنجازات المهمة الأخرى، إلا أن هذا الفهم سطحيٌّ نوعًا ما، ويتجاهل الطبيعة المتعددة الجوانب للنجاح الحقيقي، من الضروري التوقف والتأمل في المعنى الحقيقي للنجاح لكلٍّ منا، هل نُدرك جوهره الحقيقي، أم أننا مجرد مُجرد وهمٍ صنعته الأعراف المجتمعية؟ في حين يميل المجتمع إلى وضع معايير وتوقعات مُعينة، وغالبًا ما يُغري الأفراد باتباعها دون وعي، فإن الحقيقة هي أن النجاح أمرٌ شخصيٌّ وذاتيٌّ للغاية، ومن الضروري للأفراد أن يحددوا النجاح بشروطهم الخاصة وأن يقاوموا الضغوط الخارجية، النجاح ليس مفهومًا متجانسًا له تعريف واحد متفق عليه عالميًا، بل هو نسيجٌ منسوج من منظور كل شخص ومعتقداته وتطلعاته الفريدة، رحلة النجاح شخصية بطبيعتها، ومن الضروري الاعتراف بهذه الفردية واحتضانها، النجاح راحة بال، وهي نتيجةٌ مباشرةٌ للرضا عن النفس، بمعرفة أنك بذلتَ الجهدَ لتصبح أفضل ما تستطيع أن تكون، وهذا يدعونا إلى التأمل الذاتي، ويشجعنا على استيعاب معنى النجاح على المستوى الشخصي، أن النجاح لا يقتصر على الوصول إلى هدف، بل على الصمود والمثابرة اللذين يُظهرهما المرء طوال رحلته، فالنكسات والإخفاقات حتمية، لكن الصمود – أي القدرة على تجاوز الشدائد – هو ما يدفعنا في النهاية إلى الأمام، إن تحقيق الأهداف التي حددناها لأنفسنا من خلال العمل الجاد والتصميم يجلب شعورًا عميقًا بالفخر والوفاء، ويخفف التوتر ويعزز الشعور بالسلام، النجاح مسعى فردي، فريد لكل شخص، ولا يقتصر على نموذج واحد، النجاح لا يتعلق بالالتزام بتوقعات المجتمع، بل بالسعي وراء الشغف وقضاء الوقت مع الأحباب، فالنجاح الحقيقي ينبع من القيام بما يجلب الفرح والوفاء الحقيقيين، بدلاً من التوافق مع التوقعات الخارجية، حيث هناك ثلاث صفات رئيسية أعتقد أنها أساسية في تحقيق النجاح وهي التفاؤل والعمل الجاد والأسرة، تتجسد هذه الصفات في عقلية إيجابية حتى في مواجهة الشدائد والتعامل مع تحديات الحياة بمرونة، ورفض الاستسلام والسعى دائمًا إلى إيجاد حلول ويتجلى العمل الجاد في ضمان حسن سير العمل والتفاني في العمله والالتزام تجاه العائله، التي تعتبر أعظم نظام دعم للإنسان، بدون تشجيع يشعر الانسان بأن إنجازاته لم تكن ممكنة فلا يُقاس النجاح بالثروة المادية ولكن بالإنجاز الذي يستمد من اتباع الأحلام ورعاية العلاقه الأسرية، النجاح يعني أن تتبع أهدافك وأحلامك دون أن تسمح لأحد أن يقف في طريقك من تحقيقها، والأهم من ذلك إذا كان شيئًا تحب، الاعتقاد الخاطئ بأن الثروة المادية قادرة على ضمان السعادة والحب قد لا يتحقق في النهاية، لأن هناك أحلام بعيدة المنال فالنجاح المادي لا يضمن الأصالة والوفاء الشخصي للفرد، رحلة النجاح مسعى شخصي وفرديّ بامتياز، تتطلب تأملًا ذاتيًا، ومرونة، وشجاعةً لتعريف النجاح بشروطنا الخاصة، قد يُغيّر تأثير المجتمع فهمنا للنجاح في كثير من الأحيان، ولكن من الضروري أن نبقى أوفياء لشغفنا وقيمنا وتطلعاتنا، بتبني وجهات نظرنا الفريدة والسعي وراء ما يجلب لنا السعادة والرضا الحقيقي، ويمكننا تحقيق شعور بالنجاح الحقيقي بتجاوز توقعات المجتمع، سواءً من خلال التجارب الشخصية، أو حكمة الآخرين، أو التأملات الأدبية ، لإن السعي وراء النجاح رحلة ديناميكية ومتطورة، تُفضي في النهاية إلى فهم أعمق لأنفسنا ومكانتنا في العالم.
NevenAbbass@