الهزيمة والنهاية.. متلازمة الخوف في “إسرائيل”
تاريخ النشر: 4th, August 2024 GMT
يستمرّ نزيف الدم الفلسطيني، في قطاع غزة وخارجه، منذ أكثر من تسعة أشهر، وسط جمود مُخجل في المشهد الدولي الذي استنفد أدواته السياسية والخطابية والإعلامية، مكتفيًا بالإعراب عن القلق والمطالبة بوقف العدوان وإدخال المساعدات، دون القدرة على إنقاذ الإنسان الذي يُقتل جوعًا عن سبق إصرار وترصّد.
هو مشهد يكشف انهيار المنظومة الدولية أخلاقيًا وسياسيًا أمام حائط الإرادة الأمريكية الراعية للاحتلال الإسرائيلي الذي يعيش فوق القانون والقيم الإنسانية، وهكذا يترسّخ منطق الغاب.
أشار إلى ذلك كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، في مقابلة مع شبكة CNN الأمريكية، بعد رفعه طلبًا لقضاة المحكمة لإصدار مذكرات اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت، إذ قال: “تحدث معي بعض الساسة وكانوا صريحين للغاية وقالوا: هذه المحكمة بنيت من أجل أفريقيا، ومن أجل السفّاحين مثل بوتين”.
تكمن الأزمة في ازدواجية المعايير، حيث يريد هؤلاء الساسة تقسيم العالم إلى سادة وعبيد، ولكل منهم معايير مختلفة، فقيمة الإنسان الشرق أوسطي أو الآسيوي أو الأفريقي لا تساوي قيمة الإنسان الغربي أو الإسرائيلي الذي يشاطرهم ثقافتهم بأبعاد لاهوتية.
تلك المعايير المزدوجة المشبعة بالعنصرية تولد لدى الشعوب المضطهدة شعور الحاجة للدفاع عن النفس بالقوة لحماية الذات وكرامة الإنسان. وأبرز من يشعر بذلك، الشعوب الواقعة تحت الاحتلال، كالشعب الفلسطيني الذي فشل تعويله على المنظومة الدولية وقراراتها، ومسار المفاوضات لأكثر من 30 سنة. والمحصلة كانت مزيدًا من الاستيطان الإحلالي، واستمرار آلة القتل وتدمير مقوّمات الحياة في عموم الضفة الغربية والقدس المثقلة بسياسات التهويد.
معايير الغرب المزدوجة والمنحازة للاحتلال الإسرائيلي هي عامل أساسي في استمرار الصراع في فلسطين واضطراب عموم الشرق الأوسط، فالشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة تنظر كيف يتعامل حلف الناتو، حلف المنظومة الغربية، مع أوكرانيا التي يمدها بكل أنواع السلاح والمال واحتياجات الإغاثة؛ لمواجهة الهجوم الروسي على أراضيها.
هؤلاء ذاتهم يمدون إسرائيل، المعرفة قانونيًا كقوة احتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة، بكل أنواع الأسلحة الفتاكة لقتل الفلسطينيين الأبرياء، وتدمير معالم الحياة في كامل قطاع غزة.
تستمرّ المأساة والخذلان، بما في ذلك خذلان المؤسسات العربية، وكأن ما يجري في قطاع غزة عبارة عن فيلم سينمائي يستحقّ التعاطف الافتراضي في عالم متخيل.
ضعف الموقف الدولي والعربي، وغياب الإجراءات الفاعلة، يشجّعان الاحتلال على الاستمرار في جرائمه، كما يخلقان فراغًا متدحرجًا في فلسطين وعموم المنطقة، لا يملؤه إلا مقاومة الشعوب لحماية نفسها من احتلال متوحش مارق، تجاوز الأعراف والمواثيق الدولية، ولا يكترث بالاعتراضات اللفظية لدول العالم، مادام يأمن المحاسبة والعقاب.
انغلاق المسارات السياسية بفشل مسار أوسلو وتحوله إلى عبء على الشعب الفلسطيني، وجنوح المجتمع الصهيوني وقيادته إلى التطرف السياسي والأيديولوجي برفض الدولة الفلسطينية ورفض الاعتراف بوجود شعب فلسطيني له حق تقرير المصير، يزيد كل ذلك حدة المواجهة؛ لأن الاحتلال، خطابيًا وواقعيًا، يعمل على تقويض الحالة الوطنية في الضفة الغربية بالتوازي مع عدوانه المستمر على قطاع غزة.
صحيح أن بنيامين نتنياهو واليمين المتطرف بزعامة وزير الأمن القومي بن غفير، ووزير المالية سموتريتش، يسعون لإطالة أمد الحرب لأسباب شخصية، أو للخشية من الفشل في أية انتخابات قادمة لعجزهم عن تحقيق أهداف الحرب ضد قطاع غزة، إلا أنه لا بد من القول أيضًا إنهم يرون في وجودهم في الحكم فرصة ذهبية لتحقيق أهدافهم بضمّ الضفة الغربية والقدس إلى دولة إسرائيل تدريجيًا وفقًا لإجراءات تقوم على فرض الأمر الواقع بالقوة.
هذا المشروع المركزي للاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية يدفع بنيامين نتنياهو واليمين المتطرف إلى التمسك بفكرة القضاء على المقاومة الفلسطينية، وحركة حماس عسكريًا وسلطويًا. فوجود الحركة والمقاومة، ليس فقط تهديدًا لإسرائيل المحتلة، لكنه سبب لتعطيل مشاريع ضمّ الضفة والقدس، وإرباك للحسابات الإسرائيلية في المنطقة، وفي مقدمتها مشروع التطبيع. وهذا يفسر إصرار نتنياهو على شطب حركة حماس من المعادلة، أو فرض شروط تفاوضية، يعني القبول بها، القبول بالاحتلال وسيطرته على غزة، كما الضفة والقدس.
ضعف الإدارة الأميركية الحالية، وتجنبها ممارسة ضغوط حقيقية على حكومة الاحتلال خشية ارتدادات ذلك سلبًا على فرص الديمقراطيين في الانتخابات، يشجعان نتنياهو واليمين المتطرف على الاستمرار في مخططاتهم.
فبالنسبة لنتنياهو، فقد كان الوقت هو ما يحتاجه انتظارًا لعودة المرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض إذا ما واصل تصدر الاستطلاعات، ومعه يأمل نتنياهو في التعاون للقضاء على المقاومة الفلسطينية وحركة حماس، وربما توجيه ضربات عسكرية كبيرة لحزب الله لخلق حزام أمني عازل حول حدود فلسطين الشمالية، حتى يتسنى التفرغ للمضي قدمًا في إنهاء فكرة الدولة الفلسطينية عبر ضمّ الضفة الغربية والقدس. وهذا ليس بعيدًا عن تفكير دونالد ترامب، صاحب صفقة القرن التي أعدّها بالشراكة مع نتنياهو في دورته السابقة.
ما زلنا في ذروة المعركة، والأشهر القادمة حاسمة في رسم معالم المستقبل؛ لأن الاحتلال أرادها معركة وجودية على أرض فلسطين التاريخية، وهو مسار إلزامي يفرضه اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو الذي ترتبط الهزيمة في عقله ببداية نهاية إسرائيل، وقد وعد نتنياهو الجمهور الإسرائيلي في العام 2017 بأن تتجاوز دولة إسرائيل لعنة الثمانين عامًا، وتتجاوز المائة سنة لتتخطى عمر دولة “الحشمونائيم” في التاريخ اليهودي القديم.
فهل ينجح نتنياهو في ذلك ليكون ملكًا متوّجًا لإسرائيل أم تدركهما سويًا لعنة العقد الثامن؟
كاتب ومحلل سياسي فلسطيني
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الاحتلال يواصل التهجير القسري وحرق المنازل في “الضفة”
البلاد – رام الله
تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي، عدوانها على مدينة طولكرم ومخيمها لليوم الـ34 على التوالي، وعلى مخيم نور شمس لليوم الــ21، تزامنا مع دخول شهر رمضان المبارك، وصعدت من عمليات التهجير القسري للمواطنين بعد إجبارهم على ترك منازلهم تحت تهديد السلاح.
وأجبرت قوات الاحتلال المواطنين على إخلاء منازلهم في حارة جبل النصر في مخيم نور شمس شرق طولكرم، في ظل الحصار المشدد المفروض عليه، وسط مداهمتها للمنازل وتخريب محتوياتها، وتحويل بعضها لثكنات عسكرية، واستخدامها كمواقع للقناصة والمراقبة، وأحرقت قوات الاحتلال منازل في حارة المنشية، وسط دمار كبير وكامل في البنية التحتية، وتدمير للطرق والممتلكات العامة والخاصة
وشهد المخيم منذ اليوم الأول للعدوان الاسرائيلي حركة نزوح كبيرة بين سكانه من النساء والأطفال وكبار السن والمرضى، تركزت في حارات: المنشية، والمسلخ، وجبلي النصر والصالحين، حيث فاق عددهم الـ5500 نازح، توجهوا الى مراكز إيواء ومنازل أقاربهم في المدينة وضواحيها وريفها.
وكانت قوات الاحتلال أخطرت قبل أيام، بهدم 11 منزلا في مخيم نور شمس خلال الأيام المقبلة، بذريعة شق طريق تبدأ من ساحة المخيم باتجاه حارة المنشية.
وما زال الاحتلال يفرض حصارا مشددا على مخيمي طولكرم ونور شمس، ويمنع الدخول إليهما أو الخروج منهما، وينشر فرق المشاة في محيطهما وداخل الحارات والأزقة، وسط مداهمته للمنازل وتخريبها، وتدمير محتوياتها وإخضاع من يتواجد بداخلها من المواطنين للاستجواب.
وخلال العدوان المتواصل على المدينة ومخيميها، ألحقت قوات الاحتلال دمارا كبيرا وكاملا، في البنية التحتية من شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والاتصالات، ما أدى إلى انقطاع الخدمات الأساسية عن كامل المخيمين، وفاقم من معاناة المواطنين الذين ما زالوا في منازلهم.
كما خلفت الجرافات العسكرية دمارا كبيرا وغير مسبوق في الطرق والأحياء السكنية، إضافة إلى تدمير الممتلكات من منازل ومحال تجارية بشكل كامل وجزئي، وآخرها هدم 26 بناية بشكل كامل في مخيم طولكرم، فيما استشهد 13 مواطنا بينهم طفل وسيدتان إحداهما حاملا في الشهر الثامن.