هزاع أبوالريش (أبوظبي)
مثلت الأزمات والكوارث والمحن التي عصفت بالإنسانية مصدراً ملهماً للمبدعين من الكُتّاب والفنانين، لتجاوز آلامها وتأثيراتها والتعبير عنها بشتى الفنون السردية والبصرية، وفي تاريخ الإبداع الإنساني الكثير من الأحداث المحزنة والمؤلمة التي تسببت فيها الكوارث الطبيعية أو الصراعات وقد سجل الأدباء والفنانون بأقلامهم وأفلامهم ولوحاتهم وصورهم رؤيتهم لهذه الأحداث التي كانت مصدراً محفزاً لهم على الإبداع رغم قساوتها.

وفي هذا السياق، يقول الفنان التشكيلي العُماني الدكتور سعود بن ناصر الحنيني، نائب رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي: من منظور إيجابي، يمكن اعتبار الكوارث والمحن التي تواجه الإنسانية حافزاً للمبدعين للتعبير عن مشاعرهم وآلامهم من خلال الفنون والأدب. فهذه التجارب الصعبة قد تكون دافعاً للكُتاب والفنانين لابتكار أعمال إبداعية تعكس تلك الظروف وتساعد في نقل الرسائل والعبر الإنسانية.
علاوة على ذلك، يمكن أن تكون هذه الأعمال الفنية والأدبية وسيلة للتعافي والتأمل، فعندما يواجه الناس تحديات كبيرة، يمكنهم أن يجدوا العزاء والتفهم في الأعمال التي تعبر عن تجاربهم ومشاعرهم كما الفنون والأدب يمكن أن تكون جسراً يربط بين الأفراد والمجتمعات، مما يعزز التفاهم والتعاطف المتبادل، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تلهم هذه الأعمال الإبداعية الآخرين للتفكير في حلول جديدة ومبتكرة للتحديات التي تواجههم من خلال رؤية العالم من منظور مختلف، حيث يكتسب الناس رؤى جديدة ويطورون طرقاً أفضل للتعامل مع الصعوبات والتحديات التي عصفت بهم ومرت عليهم. ويمكن أيضاً استخدام الفن التشكيلي في حملات إيجابية أخرى كجمع التبرعات لدعم المتضررين من الكوارث، وكذلك يمكن بيع اللوحات أو تنظيم معارض فنية لجمع الأموال وتقديم الدعم المالي للمجتمعات المتضررة. وبلا شك هذا النوع من المبادرات يمكن أن يكون له تأثير كبير في تقديم المساعدة الفورية وتعزيز التعافي على المدى الطويل. 

أخبار ذات صلة نجاة الظاهري: ما زلت أبحث عن نفسي في القصيدة سرديات الوجوه في أعمال عبد الكريم الأزهر

تشكيل الوعي
من جانبه، يوضح الأديب والروائي علي أبوالريش، أن الحالات المأساوية التي مرت على البشرية شكلت وعيّها، وجعلتها تنظر إلى نفسها، وتتمعن في ما وراء الحدث نفسه، حيث إن الحياة بحاجة إلى تلك التأملات التي تجعل الإنسانية تعود لبصيرتها، وملاذها التي خلقت عليه فطرتها الكونية. وكما يقول «بول فاليري»: أفضل طريقة لتحقق أحلامك وتشعر بوعيّك على أرض الواقع هي أن تستيقظ من نومك. فهذه المحن التي تمر على البشرية من أزمات وكوارث ربما تجعلها تستيقظ، وتدرك مدى قيمة الحياة، والسلام النفسي، والطمأنينة الذاتية الخالية من النزاعات والصراعات والمشاحنات التي تؤذي المرء وتصيبه بالإرهاق والتذمر والانشغال بالآخر.
وتابع أبوالريش: هناك العديد من الإبداعات التي برزت وتألقت وتفردت في الظروف الصعبة، وكأنها حقاً «خرجت من رحم المعاناة» لأن تضفي على البشرية الفكرة التي تقودها إلى مشعل الحياة، ورونق الوجود، وبهذا تحولت الأعمال الأدبية - وخاصة الروائية إلى رحلة في المفاهيم والمعاناة والأزمات والمكان والشخوص المنشطرين عن الذات في اللاوعي البشري، مضيفاً: مثلاً كتابي الذي أصدرته في سنة 2018، بعنوان «حقيقة الإرهاب.. المشي يسبق الوعي»، والذي استعرض نشأة الإرهاب وناقش قضاياه، متتبعاً الأسباب وراء انسياق أي إنسان وراء الفكر الإرهابي من دون وعي. بالإضافة إلى رواية «الزلزال»، التي صدرت في عام 2023، وناقشت بعض الأحداث التي مرت بالمنطقة برؤية عميقة وكأنها سيرة تحتفي بالأحداث والمكان والزمان وجذور التاريخ من خلال سرد تجارب تتأرجح ما بين الخيال والواقع. وكذلك إصدارنا الذي جاء بعنوان: «عصاب الجائحة»، وهو عبارة عن مجموعة قصصية تضم 25 قصة، تدور أحداثها في زمن جائحة «كورونا». 
وينوّه أبوالريش بروايته التي صدرت عن مركز أبوظبي للغة العربية في دائرة الثقافة والسياحة- أبوظبي تحت عنوان: «الخوف من شيء ما»، وتناولت جانباً نفسياً مهمّاً عايشه المجتمع في الفترة الأولى من انتشار وباء «كورونا». 
ويختتم أبوالريش: كل هذه السرديات الأدبية بلا شك تساهم في سبر تحولات وتقلبات النفسية البشرية بين الأمل واليأس، والحب الذي لم يعد كافياً ليهزم الخطر، ويدخل الإنسانية إلى عالم المخاوف التي تطاردها، والتي تؤمن بأن العالم أصبح بين فكّي الأزمات ولا فكاك من عدواها النفسية والجسدية، ومن هنا في اعتقادي يبدأ يتشكل الوعي لدى الفرد، وأن الحياة مليئة بالأخطار المحتملة التي لا بد من تحديها ومواجهتها بصبر لتأمين وسيلة العيش، وليست الأزمات والكوارث أكثر من حالة عابرة في حساب الزمن.

تحديات ومختلفة
تقول الشاعرة والمخرجة نجوم الغانم: الإنسان الذي اعتاد العمل لديه دوافعه الذاتية لمواصلة عمله سواء في الأزمات أو الرخاء. ولكن بالتأكيد هناك فرق في نوع هذه التحديات، فبعض الأزمات والجائحات يكون أمرها أهون بكثير عن الكوارث الطبيعية المُدمّرة أو ظروف الحروب التي لا مفر منها، حيث يمكن للإنسان أن يبقى في بيته ويمارس عمله في أمان وهدوء. بالتأكيد في فترة جائحة «كورونا» كان هناك شبه توقف للكثير من الأنشطة والأعمال، ونظراً لأن عملي المهني في الإخراج كان مستحيلاً خلال «الجائحة» فقد كنتُ محظوظة لأنني أمتلك اهتمامات أخرى أستطيع من خلالها التعبير عن ذاتي وتمضية الوقت في ممارسة نشاط يعنيني على الصعيد الشخصي والإبداعي. وبالنسبة لمعرض «ملامح» الذي رأى النور في مركز مرايا للفنون في الشارقة خلال تلك المرحلة بالذات فإن العمل فيه كان قد بدأ منذ زمن أبعد، حيث بدأت العمل على إنتاج الوجوه منذ عام 2017، وكنتُ قد استخدمت بعض تلك الأعمال في مشروع «عبور» الذي شاركت به في جناح دولة الإمارات في بينالي البندقية عام 2019. ولكن مرحلة «الجائحة» وفّرت لي المزيد من الوقت للاستمرار في إنتاج تلك الأعمال، وقد انعكس الوضع العام الذي أجبر الناس على لبس الكمامات، حيث انعكس أيضاً على بعض تلك الأعمال حيث أدخلتُ الكمّامات في الأعمال سواء اللوحات أو التحريك المتمثل في عمل «دار السينما».
استجابات
يقول الشاعر الدّكتور أكرم جميل قُنبس: قديماً سُئِلَ أعرابيّ: «لماذا النَّسيبُ مِنْ أَرَقِّ أَشعارِكُم؟ فقال: لِأَنّنا نقولُهُ وأَكبادُنا تَحترق». ومن هنا يمكننا الانطلاق إلى ما للكوارث الطّبيعيّة وأوجاع الإنسانيّة من تأثير موجِع في قلب الإنسان، فعندما تحدث الكارثة أو الفاجعة الإنسانيّة فإنّ الإنسان الطّبيعي يتألّم بشدّة، فكيف إذا كان هذا الإنسان شاعراً أو أديباً أو فنّاناً؟. إن استجابات أصحاب المشاعر الإنسانيّة في حالات الكوارث والمحن كثير في شِعرنا وأدبنا العَربيّ.

 

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الأزمات والكوارث الأدب الفنون الثقافة الفن التشكيلي من خلال یمکن أن

إقرأ أيضاً:

الغارديان: هل يمكن للعلماء تحديد العدد الحقيقي لضحايا غزة؟

نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، مقالا، لرئيسة الصحة العامة بجامعة إدنبرة، ديفي سريدار، قالت فيه إن: "الباحثين العلميين يقتربون من التعرّف على حجم الوفاة والمرض المُريع في غزة".

وأشارت سريدار، خلال المقال نفسه، الذي ترجمته "عربي21" إلى "إصابة طفل في غزة بشلل الأطفال، وهي أول حالة مؤكّدة في القطاع منذ 25 عاما"، مردفة  أن "الشلل سيكون على ما يبدو دائما، ولا يوجد علاج للمرض، مع أن لدينا لقاحات فعّالة قادرة على منعه".

"الحرب الدائرة بالمنطقة، تعني أن حملات التطعيم قد توقّفت. وهناك حتمية على ما يبدو من انتشار موجة شلل أطفال، نظرا لأن المرض ينتشر خلال المياه الوسخة، والقاذورات التي تحيط بمن يعيشون في المخيمات" تردف رئيسة الصحة العامة بجامعة إدنبرة.

وتابعت: "إن الاتفاق على فترة توقّف القصف مدة تسع ساعات في اليوم، وعلى مدى أيام كان أمرا جيدا، وذلك للسماح بتطعيم الأطفال وكجزء من حملة صحية طارئة للأمم المتحدة". مبرزة أن أول هذه الفترات التي استمرت ثلاثة أيام، انتهت يوم الثلاثاء الماضي، وسوف تستمر الفترة التالية حتى نهاية الأسبوع. 

واستطردت بأن "إسرائيل هاجمت المستشفيات والمدارس وشاحنات المساعدات وموظفي الأمم المتحدة في الماضي. ولم تعد وكالات الأمم المتحدة مثل برنامج الغذاء العالمي ترسل موظفيها إلى غزة، بعد أن فتحت القوات الإسرائيلية النار على شاحنة تحمل علامة برنامج الغذاء العالمي، حتى بعد حصول المركبة على الموافقة من الجيش الإسرائيلي".

وتقول سريدار إنّه "من السهل جدا الاتفاق على فترة توقف على الورق وسوف يكون الاختبار الحقيقي هو ما إذا كان سيتم احترامها في الواقع"، مضيفة أن "اكتشاف شلل الأطفال في غزة هو تذكير لنا بأن تقدير الثمن الإنساني  للحرب هناك بات صعبا على نحو متزايد".

واسترسلت بالقول: "نحن لا نملك فكرة عن مدى انتشار الأمراض والمجاعة أو ما يسمى بالوفيات غير المباشرة. ونجهل تماما العدد الإجمالي للوفيات، وعادة ما يتم جمع البيانات من المستشفيات والمشارح التي تقدم شهادات عن  كل حالة وفاة وتبلغ عنها وزارة الصحة؛ ولكن أنظمة التسجيل المدني هذه انهارت في غزة، وهذا يعني عدم وجود بيانات دقيقة عن عدد الوفيات".


وأشار المقال، إلى أن  وزارة الصحة في غزة، كانت تُحاول جمع الأرقام باستخدام التقارير الإعلامية. مبرزا أن التقديرات هناك، هي أكثر من عشرة آلاف جثة مدفونة تحت الأنقاض، أي أنه لا يمكن إحصاؤها، إضافة للعدد المتزايد من الجثث التي لا يمكن التعرف عليها. 

وتقول الباحثة العلمية، إن "وجود طريقة مقبولة وموثوقة للحصول على تقديرات عن العدد الحقيقي للموتى وعن بعد أمر مهم. وعلى مدى عدة عقود، تم تطوير أساليب لبناء مجموعات البيانات في الحالات التي تعاني من ضعف أو تتعرض فيها أنظمة الرقابة والصحة للضرر".

وبحسب المتحدثة نفسها، فإن دراسة "العبء العالمي للمرض"، التي موّلتها مؤسسة بيل وميليندا غيتس تعدّ "المعيار الذهبي هنا؛ والهدف هو التوصل إلى عملية لتقدير الوفيات، ثم التثليث عبر مجموعات البحث والأساليب المختلفة لمعرفة ما إذا كان من الممكن الاتفاق على رقم قوي ومقبول عالميا. وهي عملية تقوم على المراجعة بين الباحثين الأقران والتشاور بين العلماء". 

وقد نشرت المجلة الطبية "لانسيت"، في الفترة الأخيرة، تقديرا للوفيات في غزة، وقام بها عدد من الباحثين، الذي قدموا صورة عن الطريقة  التي توصلوا فيها إلى تقديرهم 186,000 وفاة. وذلك من خلال المقارنة مع الحروب المماثلة والأرقام النهائية. 

وتوصل الباحثون إلى أن الرقم المقدر بحلول حزيران/ يونيو 2024 يمثّل نسبة 7.9 في المئة من سكان غزة. ولو استمر معدل القتل على هذا المستوى اليومي أي 23,000 شخصا في الشهر، فستكون هناك 149.500 حالة إضافية بنهاية العام الحالي، أي بعد حوالي ستة أشهر ونصف من التقدير الأولي في منتصف حزيران/ يونيو. 

إلى ذلك، يبرز المقال، إلى أنه باستخدام هذه الطريقة، سيتم تقدير إجمالي الوفيات منذ بدء الحرب بحوالي 335,500 حالة وفاة في المجموع. فيما تقول الكاتبة إنها "قامت وبطريقة مماثلة بحسبة تقريبية في الشتاء الماضي، ومن خلال النظر في حالات الصراع الأخرى وتقييم عدد القتلى الذين قد يسقطون إذا استمر القتال دون تدخل دولي".

وفي كانون الأول/ ديسمبر  2023، كان تقديرها، هو: حوالي نصف مليون قتيل دون وقف إطلاق النار. وهذا يتماشى تقريبا مع تقديرات مجلة "لانسيت". موضّحة ما كان يمكن أن يحدث لو لم يتحرك المجتمع الدولي، ولم يستغل الفرص المتاحة لتقديم المساعدات والرعاية الطبية.

وقالت: "تم إنقاذ العديد من الناس من خلال هذه التوقّفات المختلفة، في القتال والتدخلات الإنسانية، حتى لو تم فرضها بشكل متقطع"، مردفة: "من السهل  أن نضيع في هذه الأرقام، وننسى الاسم والوجه وراء كل منها. ورغم أن الوضع في غزة قد يبدو ميؤوسا منه، إلا أنه ليس كذلك".


وتابعت: "محاولات الأمم المتحدة للوصول إلى القطاع، مثل تلك التي أدّت إلى توقف إنساني للتطعيم ضد شلل الأطفال، تُنقذ الأرواح وتحدث فرقا لمئات الآلاف من الأسر، حتى في ظل الرعب المروع الذي تسببه الحرب".

واختتمت بالقول: "هذا ليس جدالا أو نقاشا سياسيا، بل يعني أن تعاون العلماء لإثبات الحقائق والبيانات الموثوقة، أمر مهم جدا من أجل توثيق ما يحدث في الحرب بقطاع غزة، وسوف يساعد أولئك الذين يعملون من أجل إيجاد حلول على حماية حياة الإنسان والحفاظ على صحته".

مقالات مشابهة

  • «الزراعة»: الدولة تقدم الكثير من الخدمات للمزارعين وتحميهم من الأزمات
  • كيف ساهمت مصر في تخفيف حدة الوضع الإنساني في السودان؟.. متحدث الصحة يوضح
  • التضامن الإنساني بوجه الكوارث: دروس من حملة مؤسسة السنة الخيرية ببنغلاديش
  • التضامن الإنساني في وجه الكوارث: دروس من حملة مؤسسة السنة الخيرية في بنغلاديش
  • ما الدور الذي يمكن أن تلعبه أمعاء الأسماك في منتجات العناية بالبشرة في المستقبل؟
  • وزير الصحة: مصر تحرص على تقديم الخدمات الطبية لتخفيف حدة الوضع الإنساني بالسودان
  • الأستاذ الصحفي فتحـي الضـو عن الحرب العبثية الدائرة ومآلاتها والسيناريوهات التي يمكن أن تحدث حال إستمرارها
  • النقد الدولي: ندعم الإصلاحات العراقية التي تبعد سوق النفط عن الأزمات
  • وزير الخارجية: نبحث مع الإمارات الأزمات في اليمن ومنطقة القرن الأفريقي
  • الغارديان: هل يمكن للعلماء تحديد العدد الحقيقي لضحايا غزة؟