مهرجان العودة السينمائي الدولي يفتتح دورته الثامنة من بين خيام النزوح في مواصي خانيونس
تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT
افتتح اليوم السبت 3 أغسطس 2024 ، مهرجان العودة السينمائي الدولي فعاليات دورته الثامنة،التي حملت اسم "دورة جنوب أفريقيا" تحت شعار "انتظار العودة عودة"، في خيام النازحين بمواصي خانيونس جنوب قطاع غزة .
وشهد الافتتاح حضوراً كبيراً من المثقفين والمخرجين والكتاب ورؤساء المؤسسات الثقافية والمجتمعية والإعلاميين، إضافة إلى عدد كبير من النازحين والمشردين.
وأعرب رئيس مجلس إدارة جمعية الإنسان التنموية إبراهيم خشان، عن سعادته بانعقاد المهرجان في ظروف صعبة، مشيراً إلى تاريخ السينما الفلسطينية منذ محاولات الأخوين لاما.
وألقى المخرج السينمائي سعود مهنا، رئيس ملتقى الفيلم الفلسطيني ورئيس المهرجان، كلمة تحدث فيها عن أهداف المهرجان الذي تأسس في عام 2009، مؤكداً الدور الثقافي الذي يسعى إلى خلقه في كافة الأراضي الفلسطينية.
وأشار مهنا إلى أن التحضيرات تمت بالشراكة مع جمعية الإنسان التنموية، وأن حفل الافتتاح جرى بالتزامن مع مدن سيدني بأستراليا، والقاهرة بمصر، والمغرب.
وأفاد مدير المهرجان، المخرج والأكاديمي يوسف خطاب، بأن الدورة الثامنة شهدت مشاركة 92 فيلماً من 31 دولة، وتناولت الأفلام المشاركة القضايا الوطنية الفلسطينية، وقضايا العودة واللاجئين و القدس .
وأضاف أن المهرجان أطلق عدة جوائز منها جائزة مفتاح العودة لأفضل فيلم عن الأسرى باسم الشهيد الأسير وليد دقة، وجائزة مفتاح العودة لأفضل فيلم يتحدث عن حق العودة باسم نيلسون مانديلا.
تضمن المهرجان فقرات فنية وتراثية، وعُرض فيلم الافتتاح "السلطانة" للمخرج هيثم عبد الله، بطولة الفنانة الأردنية جولييت عواد، وفيلم "التحدي" للمخرجين سعود مهنا ويوسف خطاب الذي تناول معاناة إدارة المهرجان خلال فترة النزوح ومن بين الخيام.
المصدر: وكالة سوا الإخبارية
إقرأ أيضاً:
لذا لزم التنويه: مفتاح العودة ومجلّة ميكي (2-8)
في سنةٍ بعيدة، أحضروا عشرات المعتقلين في قضيّة فضّ اعتصام رابعة إلى معتقل طرة تحقيق الذي كنت فيه، وكان بينهم محكومون بالإعدام، التقيتُ بعضهم اختلاسا وتحايلا، وتناقشنا بأعجب ما تكون سبل النقاش، كانوا ممنوعين من كلّ حقٍّ تنصّ عليه لوائح السجن وقوانينه -كغالب المعتقلين من كلّ التيارات- كنت أحاول تهريب طعامٍ وملابس وأغطية وأدوية لهم ما استطعت، وحين سألتُ أحدهم عن شيء يحبّ أن يحصل عليه بعيدا عن لوازم الحياة، فقال: مجلّة ميكي.
طلبتها من إدارة السجن فرفضوا، وحاولتُ إدخالها في الزيارات فمنعوها، فدخلتُ إضرابا عن الطعام لأحصل عليها حتى سمحوا بالاشتراك فيها، كما ينصّ قانون السجون، وأصبحت تأتيني كل أسبوع، فأهرّبها لهذا الصديق الذي يمرّرها لرفاقه.
ظلّ يحكي لشهور عن هذا الانتصار وسعادته به، حتى تمّ ترحيلهم من المعتقل إلى غيره.
* * *
مررتُ بأحوال الإيراد كلّها، بدءا من حفلة "الاستقبال" تعذيبا بين صفّينِ من المخبرين بأكفّهم وأرجلهم أو عصيّهم -كما في أحد مشاهد فيلم البريء- إلى معتاد الحال تجريدا ومصادرة لكلّ شيء (ملابس، طعام، كتب، دواء، صور، أدوات نظافة، وحتى كتب وملازم الجامعة المصرّح بها من النيابة العامة) ثم حرقها أمامي في ساحة السجن
لم تعد الأقفالُ موجودة، ولا الأبواب التي كانت عليها، ولا حتى البيوت التي حرستها، لم يعد الوطن على صورته التي كان عليها قبل سبعين عاما أو يزيد، لكنّ الفلسطينيّين ما زالوا يعلّقون مفاتيح دورهم في رقابهم، وعلى صدورهم، وفي صدر كلّ منزلٍ سكنوه -مؤقّتا- إلى أن يعودوا.
ليس إنكارا للهزيمة التي وقعت، والاحتلال الذي استولى والمستوطنات التي قامت، إنّما على عكس ما يبدو للوهلة الأولى، إنّما هو اعترافٌ بها بعد استيعاب حقيقة أثرها وامتداداته، لكنّه في الوقت ذاته مقاومةٌ لها، في ذهن حامل المفتاح وروحه، فقد كلّ شيء، وتوفّرت غالب مبررات السقوط وتمكّن الهزيمة منه، لكنّه تشبّث بهذا المفتاح، الذي سمّاه مفتاح العودة، واستند عليه كي يمنع سقوطه.
* * *
على عتبة المعتقل -ليمان طرة- داخلا لجحيمه الذي سبق وجرّبته، منهكا من إعادة الرحلة السيزيفيّة حاملا صخرة عمري وحلمي إلى القمّة، كانت أولى المعارك، على حِذائي وملابسي (طلبوا مني خلعها والبقاء حافيا، وتمسّكتُ بهما رفضا للإهانة، ومبادلة لهم عمليّة ترسيم الحدود السجنيّة التي تبدأ مع دخول الإيراد، وتجرّد فيها من كل الحقوق بلا استثناء، إلا ما تنتزعه بمعاركك إن استطعت، أو ما يتفضل به عليك سجّانك مقابلا رخيصا لرضوخك واستخدامِك).
وقد مررتُ بأحوال الإيراد كلّها، بدءا من حفلة "الاستقبال" تعذيبا بين صفّينِ من المخبرين بأكفّهم وأرجلهم أو عصيّهم -كما في أحد مشاهد فيلم البريء- إلى معتاد الحال تجريدا ومصادرة لكلّ شيء (ملابس، طعام، كتب، دواء، صور، أدوات نظافة، وحتى كتب وملازم الجامعة المصرّح بها من النيابة العامة) ثم حرقها أمامي في ساحة السجن، وغير ذلك من أحوال وصور دخول السجن في كلّ مرّة، والتي يعانيها المعتقلون كلّهم دون تمييزٍ، إلا قليلٌ منهم.
لطالما سخر سجّانون ورفاق من معارك حول حقوق رئيسة (كالراديو والتلفاز والصور والملابس وإطالة الشعر، مثلا) أو حقوق أخرى (كفنجان القهوة أو مجلّة ميكي)؛ خضتُ لأجلها ذات المعارك حتى نهايتها، بما في ذلك الإضراب عن الطعام، وتلقّيتُ العقوبات ضربا ونقلا لعنبر التأديب أو تجريدا أو منعا من الزيارة والتريّض وغيرها من العقوبات السجنيّة.
ولطالما استمرّ خوضي هذا النوع من المعارك، حتى يوم خروجي من المعتقل بعد عشر سنين، لم أرَ الأمر نضالا في مواجهة السجّان، وإن كان كذلك في حقيقته وإن لم يُقصد، ولا أردتُ منه إلهام أحد أو حتى تقديم صورة تحريضيّة، إنّما فقط أردتُ أن أستند إلى شيءٍ يمنع سقوطي، بعد أن أفقدني السجّان بإلحاح وحسم واستدامة محشوّين بالانتقام والجنون والسيطرة على كلّ شيءٍ في حياتي ومحيطي وحتى جسدي.
إذا كانت المعارك الكبرى غير متوقّعٍ كسبها وأنت مقيّد -حتى هذه ليست قاعدة؛ جرّبتُ خوضها مرارا، وكسبتُ شيئا منها- مع الوقت ستشعر بفقد السيطرة مطلقا، وسينهارُ ذهنك دفعة واحدة، وستسقط معه حتما (جسدا أو نفسا، وسلوكا)
السجن صراع سيطرة، لا على حركتك وأثرك وحدهما، إنّما على توازنك وأفكارك وهواجسك وأحلامك وكوابيسك، وعلى ذهنك قبل كلّ شيء، ولكلِّ صراع طرفين، السجّان هنا أحدهما (حامل مفتاح الزنزانة وحامل مفتاح القصر وطابور السجّانين بينهما)، ولا قواعد حاكمة، لا قانون ولا عُرف ولا ضمير ولا رقابة ومحاسبة، لا يبقى في الداخل سوى تضامن الصّحبِ، وذاتك؛ وعليك أن تنخرطَ في الصراع الذي قُسرتَ عليه، أو الاستسلام فيه، إذ لا فرصة لتجنّبه أو تجاهله أو الانسحاب منه.
وإذا كانت المعارك الكبرى غير متوقّعٍ كسبها وأنت مقيّد -حتى هذه ليست قاعدة؛ جرّبتُ خوضها مرارا، وكسبتُ شيئا منها- مع الوقت ستشعر بفقد السيطرة مطلقا، وسينهارُ ذهنك دفعة واحدة، وستسقط معه حتما (جسدا أو نفسا، وسلوكا)، ولعلّ واحدة من سبل المقاومة المجرّبة في هذا السياق التشبّث بالمعارك "الصغيرة" -إن صحّت التسمية- وبالتالي انتصاراتها الصغيرة التي ستمنحك شيئا من السيطرة على ذاتك، وهو ما لا استغناء عنه حتى تستطيع استكمال الطريق والدخول في جولات أخرى من المعارك الكبرى، وقبلها البقاء على قيد الحياة أصلا.
في لحظة الهزيمة وتبعاتها يحدث أن تبحث عن تجلٍّ آخر، غير أحلامك الكبرى، أكثر ماديّة -ربّما- وقابليّة للتحقق لتتشبّث به وتستند عليه استنادة ما قبل السقوط، وستجده حتما حولك، قريبا منك، أو حتى في ذاتك. ثق في ذلك تماما.