جريدة الرؤية العمانية:
2024-09-09@11:01:52 GMT

تصعيد إلى الهاوية

تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT

تصعيد إلى الهاوية

 

حاتم الطائي

 

الاحتلال الإسرائيلي يواصل بربريته وسط صمت دولي غير مسبوق

غيوم "الحرب الكبرى" تُلبِّد سماء المنطقة.. والصهيونية لن تتوقف عن تفخيخ الإقليم

ضرورة بناء موقف عربي ودولي مُوحَّد يرفض الحرب ويُرسي السلام

 

تقترب منطقة الشرق الأوسط من السقوط في هاوية سحيقة، في ظل ما يقترفه الكيان الصهيوني من جرائم شنيعة تطال الدول والأشخاص والكيانات، وتُهدد بتفجُّر حرب إقليمية كُبرى لا نُبالغ إذا حذَّرنا من تحولها إلى حرب عالمية ثالثة، لن تُبقي ولن تذر!

الاحتلال الإسرائيلي ما يزال يُمارس بربريته الفجَّة، وسط صمت إقليمي ودولي غير مسبوق؛ إذ لم يكتفِ هذا الكيان الغاصب المُجرم بتدمير قطاع غزة وتنفيذ أبشع جريمة إبادة جماعية في العصر الحديث، علاوة على احتلال الأراضي الفلسطينية بأكملها؛ بل تمادى في غطرسته الكاذبة عبر الاعتداء على سيادة الدول وتنفيذ عمليات عدوانية على الآخرين، واغتيال الشخصيات السياسية، في جريمة مُنكرة تتطلب تحقيقًا دوليًا من أجل تقديم المسؤولين عن هذه الجرائم إلى العدالة.

ومن المُؤسف أن نجد المُجتمع الدولي عاجزًا عن مواجهة هذا المُحتل الوقح الذي يمارس جرائمه بكل خسة ونذالة، فقد فشل مجلس الأمن حتى في إصدار بيان يُدين حرب الإبادة الجارية في غزة، وأخفقت منظومة العدالة الدولية- سواء محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية- في إرساء ولو أبسط قواعد العدالة، من خلال إلزام الاحتلال بوقف حربه الشعواء على القطاع المُحاصر، ووقف قتل المدنيين العُزَّل، ووقف حرب التجويع اللاإنسانية.. لقد تعرَّت الإنسانية عن بكرة أبيها وظهرت سوأتُها وتبيّن لأصحاب الضمائر اليقظة أن لا عدالة في العالم الذي تُهيمن عليه قوة عظمى ظالمة بمُساعدة دول أخرى متواطئة ومُلطّخة يديها في دماء الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق. لقد تأكدت الشعوب الثائرة ضد الإجرام الصهيوني أنَّ "شريعة الغاب" ما تزال تحُكم وتتحكم في مجريات عالم اليوم، رغم أنَّ الإنسان البدائي بصورته النمطية لم يعُد متواجدًا بيننا، لكن يتواجد بتوحُّش داخل إدارات وحكومات القوى العظمى. أما الكيان الاستيطاني الغاصب المُجرم، فيقوده زُمرة من السفّاحين والقتلة وآكلي لحوم البشر.

نعيش حاليًا فترة من الترقُّب والتوجُّس من مغبة اندلاع حرب كُبرى، تأكل الأخضر واليابس، وتقضي على ما تبقى من مظاهر تنمية في دول الشرق الأوسط.. حربٌ يستفيد منها فقط الكيان الإسرائيلي الخسيس، ومن ورائه الدول العظمى التي تجني أرباحًا خيالية من مبيعات السلاح والذخائر والمعدات العسكرية، فضلًا عن نهب ثروات وخيرات الدول، في مشهد يُعيدنا إلى العصور الوسطى!

وأقولها بصراحة إنَّ إسرائيل ومن وراءها من قوى عظمى ظالمة ومُتجبِّرة، لم تكن لتنتظر عمليات اغتيال سياسي أو شن عدوان وحشي على الأبرياء أو حتى ارتكاب أبشع جرائم الحرب وجرائم الإبادة، لكي تُشعل فتيل حرب كُبرى في المنطقة، تحقق من خلالها أهدافًا ملعونة؛ إذْ إنَّ النيّةَ مُبيَّتةٌ منذ قيام الصهيونية وحتى اليوم، للانقضاض على الشرق الأوسط ودُوَلِهِ الآمنة التي تنعم في الخيرات التي حباها الله بها، لكن هذه الصهيونية العالمية تُخطط منذ عقود وتحيك المؤامرات واحدة تلو الأخرى- من "سياكس- بيكو" إلى اتفاقيات السلام المزعومة إلى التنظيمات الإرهابية المُمَوَّلة وجماعات حقوق الإنسان المشبوهة- من أجل تمزيق المنطقة وتحويلها إلى دويلات ضعيفة مُرتَهِنَة للقوى العظمى وإسرائيل، ومن ثمَّ السيطرة عليها كاملةً وسرقة مُقدّراتها وتجويع شعوبها وإفقار ما تبقى منها.

لقد مثَّلَت عملية اغتيال القيادي البارز والمُناضل الكبير إسماعيل هنيّة على الأراضي الإيرانية، منعطفًا شديد الخطورة، ونقطة تحوُّل ربما لن تتمكن المنطقة من الرجوع عنها. فَقَدْ سبق هذه العملية الاغتيالية الخسيسة، عمليات اغتيال مُتعددة، استهدفت المُناضلين والقوى التي تسعى لإلحاق الهزيمة بالكيان الصهيوني المُجرم؛ حيث نفذت دولة الإجرام الصهيوني عمليات اغتيال مماثلة في العراق وسوريا ولبنان، وشنَّت هجمات عدوانية وغارات على مقرات دبلوماسية ومؤسسات، واخترقت السيادة الوطنية لهذه الدول، عبر نهج إجرامي يفوق أساليب عصابات المافيا.

اليوم.. تقفُ منطقة الشرق الأوسط على حافة الهاوية، فإمَّا سقوط عنيف نحو قاعٍ لا قرار له، وإمَّا انتشالها من براثن الحجيم التي لن تترك دولةً إلّا وأحرقتها بلهيبها المُستَعِر. وما يُبرهن هذه الرؤية الاستشرافية، مواقف زعيم عصابة الصهاينة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي لا ينفك أن يُشعل بارود الحرب يومًا تلو الآخر، وساعة بعد ساعة. فهذا المُجرم الإرهابي يسعى لإطالة فترة بقائه في الحُكم للهرب من المُحاكمة المحتومة، والتي ستقضي على ما تبقى من حياته قابعًا داخل زنزانة حقيرة يستحقها عن جدارة، لذلك نجده يُماطل في مفاوضات وقف إطلاق النَّار، ولو على حساب الأسرى الإسرائيليين الذين يقضون واحدًا وراء الآخر، في ظل القصف العشوائي والهمجي على قطاع غزة. كما إنه يُنفِّذ سياسات الاغتيال بحق شخصيات بارزة لها ثقلها الإقليمي والدولي، ويُهدد كل ساعة بضرب دول إقليمية وعلى رأسها لبنان.

وفي ظل هذه التطورات الخطيرة، لا بُد من تشكيل موقف عربي ودولي مُوحَّد، يُندد بأيِّ عدوان، ويسعى عبر الطرق الدبلوماسية إنهاء هذه الحرب الظالمة على قطاع غزة، وإلزام الكيان الإسرائيلي بالقانون الدولي، وأول ما يجب تنفيذه هو إجراء تحركات داخل مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، ودعوة دول العالم المُحبة للسلام أن تنزع فتيل الحرب، وتُنقذ المنطقة من البربرية الإسرائيلية، وتنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية، كما يتعين على المحكمة الجنائية الدولية أن تستجيب لطلب مدعيها العام، بإصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو، لكي تتخلص المنطقة من شبح الحرب، لأن وجود هذا المجرم في السلطة يدفع بالمنطقة والعالم نحو الهاوية بلا أدنى شك.

وهُنا ينبغي أن نُشير إلى حكمة الدبلوماسية العُمانية ومكانتها الدولية، وحرصها على إقامة السلام الشامل والعادل، وتقديم المسؤولين عن جرائم الحرب الإسرائيلية إلى العدالة الدولية، بالتوازي مع تأكيد موقف سلطنة عُمان الراسخ من القضية الفلسطينية، والحرص على بذل الجهود من أجل تحقيق تطلعات وضمان حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. ولقد كان موقف سلطنة عُمان من اغتيال القائد البارز الشهيد إسماعيل هنية، مدعاة للفخر؛ حيث نددت السلطنة بأشد العبارات عملية الاغتيال، كما أكد معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية أنّ "عملية الاغتيال المشينة تُقوِّض من جهود الوساطة والسلام التي بذلتها الأطراف الفاعلة في المنطقة والتي أبدت من خلالها حركة حماس استعدادها للتوصل لاتفاق وقف إطلاق النَّار"، وهُنا يُمكن استقراء الحكمة العُمانية، التي تُدرك أن السلام لن يتحقق إلّا بتوافر النوايا السليمة والأفعال الصادقة، غير أن دولة الاحتلال المُجرمة تُضمِر أخبث النوايا وأنها غير مستعدة على الإطلاق لخوض مفاوضات سلام جادة.

ويبقى القول.. إنَّ القوى العالمية باتت اليوم مُطالبة أكثر من أي وقتٍ مضى، بنزع فتيل الحرب فورًا، ومنع الاحتلال من التسبب في تدمير المنطقة، والولايات المتحدة على رأس هذه القوى، خاصةً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية وسعي كل مُرشّح إلى الاستفادة من تطورات القضية الفلسطينية والأمن في الشرق الأوسط، لتحقيق مصالح انتخابية، غير أنَّ هذه المصالح لا يجب أن تدفع أيٍ من المرشحين لمشاهد الحرب؛ بل يتعين التدخل الحاسم لإنقاذ العالم من سياسة "حافة الهاوية" التي بلغت ذروتها باغتيال القيادي الفلسطيني إسماعيل هنية، وكُلنا أمل في تحكيم العقل والمنطق، وفرض مبادئ السلام والاستقرار، بدلًا من الإرهاب والعنف الهمجي الذي تُمارسه إسرائيل بلا محاسبة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مصر بين مؤامرات الإثيوبى وأكاذيب الصهيونى

محاولات خنق مصر والتأثير على مقدراتها مستمرة ولن تتوقف نتيجة تحالفات إقليمية كانت أو دولية، والأسباب معروفة تاريخيا كونها قلب العروبة النابض بالحياة ومحور ارتكاز الأمة، ومصدر قوتها وصلابتها، بل عزتها وشعلة تحررها وريادتها.
وتتعرض مصر هذه الأيام إلى حروب مضللة على طريقة لىّ الحقائق استنادا على معلومات مغلوطة، تنفيذا لخطط موضوعة فى محاولة لجرها إلى حروب ومنازعات فى أكثر من مكان فى آن واحد.
جنوبا تم رصد تحركات عسكرية لقوات إثيوبية، حيث تحركت صواريخ ومنظومات حرب إلكترونية إلى حدودها مع الصومال للتشويش على التحركات المصرية وعلى الأقمار الصناعية، وهذه المنظومة كانت إثيوبيا قد استوردتها من روسيا، وهذه المنظومة استخدمتها من قبل فى الأراضى السورية بهدف التشويش على القوات الأمريكية وشل قدرتها فى مراقبة تحركات القوات الروسية فى سوريا.
ولم تكتف إثيوبيا بذلك، بل إنها قامت بتحريك منظومات دفاع جوى تجاه سد النهضة وبدأت بالدفع بمركبات عسكرية ثقيلة تجاه الحدود الصومالية ونشرت 3000 جندى بالقرب منها استعدادا لمعركة مع الصومال أو مع القوات المصرية الموجودة هناك.
المسألة لم تعد تتوقف على التحركات العسكرية فقط، بل انتقلت إلى الحرب الكلامية الحماسية واشتعلت السوشيال ميديا بالتصريحات الإثيوبية حول تحركات واسعة تجاه الشعب الصومالى ما ينذر بصدام وشيك مبنى على استعراض إثيوبيا لقواتها المزعومة، متناسية أن مصر ذهبت إلى الصومال لأهداف عديدة أبعدها الحرب مع إثيوبيا.
وفى الشمال يواصل نتنياهو هجومه على مصر عبر تصريحاته العدائية مطلقاً الأكاذيب فى محاولة بائسة لتحسين صورته بعد فشله الذريع فى غزة، وإصابته بحالة هذيان خوفا من تقديمه إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة جرائم الإبادة الجماعية التى ارتكبها بحق الفلسطينيين منذ انطلاق طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر الماضى.
المعتوه الإسرائيلى صاحب السجل الدموى يحاول توسيع بؤر الصراع بأى شكل لإطالة أمد الحرب فى المنطقة، محاولا جر مصر إلى بؤرة الأحداث برفضه سحب قواته من محور فيلادلفيا بل ومحاولة الزج باسمها فى إمداد حماس بالسلاح عبر الأنفاق التى أثبتت كل التقارير الاستخباراتية والمعلوماتية، بما فيها الجانب الإسرائيلى نفسه أنه تأكد بعد الفحص والبحث الفنى أن هذه الأنفاق أغلقت تمامًا من الجانب المصرى ولم تستخدم منذ أكثر من سبع سنوات.
القناة الـ12 الإسرائيلية أعلنت فى خبر عاجل لها ويعد فضيحة كبرى لنتنياهو، أن الجيش الإسرائيلى تفاجأ من إغلاق جميع أنفاق محور فيلادلفيا من الجانب المصرى، كما أعلنت أن المقاومة الفلسطينية نجحت فى تطوير صناعتها العسكرية بعيدا عن محور فيلادلفيا وأنشأت مصانع تحت الأرض لإنتاج الأسلحة.
باختصار.. ما تتعرض له مصر من مؤامرات أبى أحمد الإثيوبى وأكاذيب نتنياهو الصهيونى، فى ظل التطورات المتصاعدة فى المنطقة جميعها فى النهاية ترتبط فى مشكاة واحدة يقبع خلفها عدو واحد فقط استطاع أن يجد له مكانا بين أمتنا ليفرق جمعنا ويشتت وحدتنا مستميلا بعض إخوة يوسف بين الترغيب والترهيب.
الشرق الأوسط قاب قوسين أو أدنى من كارثة محققة تهدد الاستقرار فى المنطقة وتزعزع السلام والأمن فى العالم أجمع، وربما تدفع ثمنها الإنسانية جمعاء.
مصر تحملت الكثير وسوف تدافع عن حقها فى الحياة.

‏[email protected]

مقالات مشابهة

  • ماركا تخصص تقريرا عن أوناحي: السقوط إلى الهاوية للدولي المغربي الذي أُغرم به لويس إنريكي
  • وزارة الموارد المائية : العدوان الإسرائيلي على منطقة مصياف أدى إلى أضرار بمشاريع المياه في المنطقة تمثلت في تخريب خطوط الضخ و الإسالة الرئيسية بأقطار (315مم-180مم-160مم) باتجاه خزان مصياف الأرضي و انقطاع خط التغذية الكهربائية لآبار الجريفات التي تغذي مدين
  • إسرائيل تزعزع أمن المنطقة
  • أستاذ علوم سياسية: إسرائيل السبب الرئيسي للأزمات التي تشهدها المنطقة (فيديو)
  • وزير الأمن القومي الإسرائيلي: الحرب التي نخوضها ليست في لبنان وغزة فقط إنما في الضفة الغربية كذلك
  • الأستاذ الصحفي فتحـي الضـو عن الحرب العبثية الدائرة ومآلاتها والسيناريوهات التي يمكن أن تحدث حال إستمرارها
  • مجموعة متحالفون التي تضم الولايات المتحدة وسويسرا ومصر والسعودية والإمارات والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي تدعو لخفض تصعيد فوري بـ”مناطق حرجة” في السودان
  • الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تدعو إلى تصعيد النضال من أجل الأسرى
  • تصعيد اسرائيلي جوِّي ليلاً إلى حدود الليطاني
  • مصر بين مؤامرات الإثيوبى وأكاذيب الصهيونى