جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-04@10:28:55 GMT

تصعيد إلى الهاوية

تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT

تصعيد إلى الهاوية

 

حاتم الطائي

 

الاحتلال الإسرائيلي يواصل بربريته وسط صمت دولي غير مسبوق

غيوم "الحرب الكبرى" تُلبِّد سماء المنطقة.. والصهيونية لن تتوقف عن تفخيخ الإقليم

ضرورة بناء موقف عربي ودولي مُوحَّد يرفض الحرب ويُرسي السلام

 

تقترب منطقة الشرق الأوسط من السقوط في هاوية سحيقة، في ظل ما يقترفه الكيان الصهيوني من جرائم شنيعة تطال الدول والأشخاص والكيانات، وتُهدد بتفجُّر حرب إقليمية كُبرى لا نُبالغ إذا حذَّرنا من تحولها إلى حرب عالمية ثالثة، لن تُبقي ولن تذر!

الاحتلال الإسرائيلي ما يزال يُمارس بربريته الفجَّة، وسط صمت إقليمي ودولي غير مسبوق؛ إذ لم يكتفِ هذا الكيان الغاصب المُجرم بتدمير قطاع غزة وتنفيذ أبشع جريمة إبادة جماعية في العصر الحديث، علاوة على احتلال الأراضي الفلسطينية بأكملها؛ بل تمادى في غطرسته الكاذبة عبر الاعتداء على سيادة الدول وتنفيذ عمليات عدوانية على الآخرين، واغتيال الشخصيات السياسية، في جريمة مُنكرة تتطلب تحقيقًا دوليًا من أجل تقديم المسؤولين عن هذه الجرائم إلى العدالة.

ومن المُؤسف أن نجد المُجتمع الدولي عاجزًا عن مواجهة هذا المُحتل الوقح الذي يمارس جرائمه بكل خسة ونذالة، فقد فشل مجلس الأمن حتى في إصدار بيان يُدين حرب الإبادة الجارية في غزة، وأخفقت منظومة العدالة الدولية- سواء محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية- في إرساء ولو أبسط قواعد العدالة، من خلال إلزام الاحتلال بوقف حربه الشعواء على القطاع المُحاصر، ووقف قتل المدنيين العُزَّل، ووقف حرب التجويع اللاإنسانية.. لقد تعرَّت الإنسانية عن بكرة أبيها وظهرت سوأتُها وتبيّن لأصحاب الضمائر اليقظة أن لا عدالة في العالم الذي تُهيمن عليه قوة عظمى ظالمة بمُساعدة دول أخرى متواطئة ومُلطّخة يديها في دماء الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق. لقد تأكدت الشعوب الثائرة ضد الإجرام الصهيوني أنَّ "شريعة الغاب" ما تزال تحُكم وتتحكم في مجريات عالم اليوم، رغم أنَّ الإنسان البدائي بصورته النمطية لم يعُد متواجدًا بيننا، لكن يتواجد بتوحُّش داخل إدارات وحكومات القوى العظمى. أما الكيان الاستيطاني الغاصب المُجرم، فيقوده زُمرة من السفّاحين والقتلة وآكلي لحوم البشر.

نعيش حاليًا فترة من الترقُّب والتوجُّس من مغبة اندلاع حرب كُبرى، تأكل الأخضر واليابس، وتقضي على ما تبقى من مظاهر تنمية في دول الشرق الأوسط.. حربٌ يستفيد منها فقط الكيان الإسرائيلي الخسيس، ومن ورائه الدول العظمى التي تجني أرباحًا خيالية من مبيعات السلاح والذخائر والمعدات العسكرية، فضلًا عن نهب ثروات وخيرات الدول، في مشهد يُعيدنا إلى العصور الوسطى!

وأقولها بصراحة إنَّ إسرائيل ومن وراءها من قوى عظمى ظالمة ومُتجبِّرة، لم تكن لتنتظر عمليات اغتيال سياسي أو شن عدوان وحشي على الأبرياء أو حتى ارتكاب أبشع جرائم الحرب وجرائم الإبادة، لكي تُشعل فتيل حرب كُبرى في المنطقة، تحقق من خلالها أهدافًا ملعونة؛ إذْ إنَّ النيّةَ مُبيَّتةٌ منذ قيام الصهيونية وحتى اليوم، للانقضاض على الشرق الأوسط ودُوَلِهِ الآمنة التي تنعم في الخيرات التي حباها الله بها، لكن هذه الصهيونية العالمية تُخطط منذ عقود وتحيك المؤامرات واحدة تلو الأخرى- من "سياكس- بيكو" إلى اتفاقيات السلام المزعومة إلى التنظيمات الإرهابية المُمَوَّلة وجماعات حقوق الإنسان المشبوهة- من أجل تمزيق المنطقة وتحويلها إلى دويلات ضعيفة مُرتَهِنَة للقوى العظمى وإسرائيل، ومن ثمَّ السيطرة عليها كاملةً وسرقة مُقدّراتها وتجويع شعوبها وإفقار ما تبقى منها.

لقد مثَّلَت عملية اغتيال القيادي البارز والمُناضل الكبير إسماعيل هنيّة على الأراضي الإيرانية، منعطفًا شديد الخطورة، ونقطة تحوُّل ربما لن تتمكن المنطقة من الرجوع عنها. فَقَدْ سبق هذه العملية الاغتيالية الخسيسة، عمليات اغتيال مُتعددة، استهدفت المُناضلين والقوى التي تسعى لإلحاق الهزيمة بالكيان الصهيوني المُجرم؛ حيث نفذت دولة الإجرام الصهيوني عمليات اغتيال مماثلة في العراق وسوريا ولبنان، وشنَّت هجمات عدوانية وغارات على مقرات دبلوماسية ومؤسسات، واخترقت السيادة الوطنية لهذه الدول، عبر نهج إجرامي يفوق أساليب عصابات المافيا.

اليوم.. تقفُ منطقة الشرق الأوسط على حافة الهاوية، فإمَّا سقوط عنيف نحو قاعٍ لا قرار له، وإمَّا انتشالها من براثن الحجيم التي لن تترك دولةً إلّا وأحرقتها بلهيبها المُستَعِر. وما يُبرهن هذه الرؤية الاستشرافية، مواقف زعيم عصابة الصهاينة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي لا ينفك أن يُشعل بارود الحرب يومًا تلو الآخر، وساعة بعد ساعة. فهذا المُجرم الإرهابي يسعى لإطالة فترة بقائه في الحُكم للهرب من المُحاكمة المحتومة، والتي ستقضي على ما تبقى من حياته قابعًا داخل زنزانة حقيرة يستحقها عن جدارة، لذلك نجده يُماطل في مفاوضات وقف إطلاق النَّار، ولو على حساب الأسرى الإسرائيليين الذين يقضون واحدًا وراء الآخر، في ظل القصف العشوائي والهمجي على قطاع غزة. كما إنه يُنفِّذ سياسات الاغتيال بحق شخصيات بارزة لها ثقلها الإقليمي والدولي، ويُهدد كل ساعة بضرب دول إقليمية وعلى رأسها لبنان.

وفي ظل هذه التطورات الخطيرة، لا بُد من تشكيل موقف عربي ودولي مُوحَّد، يُندد بأيِّ عدوان، ويسعى عبر الطرق الدبلوماسية إنهاء هذه الحرب الظالمة على قطاع غزة، وإلزام الكيان الإسرائيلي بالقانون الدولي، وأول ما يجب تنفيذه هو إجراء تحركات داخل مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، ودعوة دول العالم المُحبة للسلام أن تنزع فتيل الحرب، وتُنقذ المنطقة من البربرية الإسرائيلية، وتنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية، كما يتعين على المحكمة الجنائية الدولية أن تستجيب لطلب مدعيها العام، بإصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو، لكي تتخلص المنطقة من شبح الحرب، لأن وجود هذا المجرم في السلطة يدفع بالمنطقة والعالم نحو الهاوية بلا أدنى شك.

وهُنا ينبغي أن نُشير إلى حكمة الدبلوماسية العُمانية ومكانتها الدولية، وحرصها على إقامة السلام الشامل والعادل، وتقديم المسؤولين عن جرائم الحرب الإسرائيلية إلى العدالة الدولية، بالتوازي مع تأكيد موقف سلطنة عُمان الراسخ من القضية الفلسطينية، والحرص على بذل الجهود من أجل تحقيق تطلعات وضمان حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. ولقد كان موقف سلطنة عُمان من اغتيال القائد البارز الشهيد إسماعيل هنية، مدعاة للفخر؛ حيث نددت السلطنة بأشد العبارات عملية الاغتيال، كما أكد معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية أنّ "عملية الاغتيال المشينة تُقوِّض من جهود الوساطة والسلام التي بذلتها الأطراف الفاعلة في المنطقة والتي أبدت من خلالها حركة حماس استعدادها للتوصل لاتفاق وقف إطلاق النَّار"، وهُنا يُمكن استقراء الحكمة العُمانية، التي تُدرك أن السلام لن يتحقق إلّا بتوافر النوايا السليمة والأفعال الصادقة، غير أن دولة الاحتلال المُجرمة تُضمِر أخبث النوايا وأنها غير مستعدة على الإطلاق لخوض مفاوضات سلام جادة.

ويبقى القول.. إنَّ القوى العالمية باتت اليوم مُطالبة أكثر من أي وقتٍ مضى، بنزع فتيل الحرب فورًا، ومنع الاحتلال من التسبب في تدمير المنطقة، والولايات المتحدة على رأس هذه القوى، خاصةً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية وسعي كل مُرشّح إلى الاستفادة من تطورات القضية الفلسطينية والأمن في الشرق الأوسط، لتحقيق مصالح انتخابية، غير أنَّ هذه المصالح لا يجب أن تدفع أيٍ من المرشحين لمشاهد الحرب؛ بل يتعين التدخل الحاسم لإنقاذ العالم من سياسة "حافة الهاوية" التي بلغت ذروتها باغتيال القيادي الفلسطيني إسماعيل هنية، وكُلنا أمل في تحكيم العقل والمنطق، وفرض مبادئ السلام والاستقرار، بدلًا من الإرهاب والعنف الهمجي الذي تُمارسه إسرائيل بلا محاسبة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ايهود باراك يتهم نتنياهو ببيع الأكاذيب للأمريكان

اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، نظيره الحالي بنيامين نتنياهو بأن جميع قراراته تهدف فقط إلى الحفاظ على ائتلافه الحكومي واستمراره في السلطة، مشيرًا إلى أنه "يبيع الأكاذيب للأمريكيين" ويستغل انشغالهم بأزمة أوكرانيا وعدم إدراكهم العميق لتعقيدات الوضع في المنطقة.

وخلال مقابلة أجراها مع الإذاعة العبرية العامة صباح اليوم الأحد، اعتبر باراك أن المقترحات التي قدمها المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف قد تكون مثالية نظريًا، لكنها تحمل إشكاليات كبيرة في الواقع. وشدد على أن الأولوية يجب أن تكون استعادة جميع الرهائن دفعة واحدة، محذرًا من أن "استمرار الجدل حول الصفقة يعني عمليًا الحكم عليهم بالإعدام"، مستشهدًا بمصير الطيار الإسرائيلي رون أراد، الذي فُقد في لبنان قبل أربعة عقود.

وأوضح باراك، المعروف بمواقفه المعارضة لنتنياهو، أن الحرب على غزة لن تتجدد لأسباب سياسية تتعلق برئيس الوزراء، إذ يسعى الأخير إلى تمرير مشروع قانون الموازنة العامة، مؤكدًا أن عدم إقرارها سيؤدي إلى سقوط حكومته فورًا.

كما وجه انتقادًا مباشرًا للمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، مشككًا في مدى إدراكه للواقع المعقد في المنطقة، ومشيرًا إلى أنه قد يقع ضحية تلاعب نتنياهو وتقديم صورة مضللة له عن الشرق الأوسط.

واعتبر باراك أن إهمال قضية الرهائن يمثل كارثة يتحمل مسؤوليتها نتنياهو ومستشاره رون درمر، إذ يضعان "إنقاذ الحكومة" فوق كل اعتبار. ودعا إلى إجراء مداولات جادة لإعادة المحتجزين فورًا، مشيرًا إلى أن حركة حماس لن تزول عسكريًا، وإنما يمكن استبدالها بخيار سياسي لليوم التالي.

وأكد باراك أن الرهان على تدمير حماس عسكريًا هو مجرد وهم، قائلاً:
"لقد دخلنا جباليا أربع مرات، ولن يتحقق أي شيء جديد في المرة الخامسة، بل ستؤدي العمليات العسكرية إلى مقتل مزيد من الرهائن والجنود، وسنعود إلى نقطة الصفر."

وأضاف أن استمرار الحرب لن يؤدي فقط إلى قتل الرهائن، بل سيؤثر على مكانة إسرائيل الدولية وقد يهدد اتفاقات إبراهام.

ترامب غير جاد بشأن خطة التهجير
في سياق متصل، رأى باراك أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب "لا يتعامل بجدية" مع خطط تهجير الفلسطينيين، ولا يدرك الواقع المعقد الذي تواجهه إسرائيل.

تصريحات باراك تعكس تصاعد الخلافات الداخلية في إسرائيل حول إدارة ملف الحرب على غزة ومستقبل المنطقة، وسط انتقادات حادة لسياسات نتنياهو التي يراها معارضوه مرتبطة فقط بمصالحه السياسية الضيقة.

مقالات مشابهة

  • وسط تصعيد عسكري وحصار خانق.. العدوان على طولكرم يتواصل لليوم الـ 37
  • سياسي أنصار الله: إغلاق العدو الإسرائيلي معابر غزة تصعيد خطير
  • ما هي الدول الأوروبية التي ستشارك في "تحالف الراغبين" من أجل أوكرانيا؟
  • جنين تحت الحصار.. الاحتلال يواصل عدوانه لليوم الـ42 وسط تصعيد عسكري وتشريد الآلاف
  • وزير الأوقاف: منع دخول المساعدات إلى غزة جريمة ضد الإنسانية وانتهاك للقوانين الدولية
  • ما هي الأسباب التي تعزز فرص الهجوم الإسرائيلي على إيران؟
  • الإعلام لكي لايكون طريقا الى الهاوية
  • ايهود باراك يتهم نتنياهو ببيع الأكاذيب للأمريكان
  • تصعيد صهيوني في الضفة: إصابات واعتقالات واعتداءات للمستوطنين
  • إعلام إسرائيلي: الجيش مستعد لاستئناف القتال في غزة وفق خطط جديدة