لجريدة عمان:
2024-09-09@10:54:53 GMT

المجتمع وروافع ثقافة التعليم والتدريب المهني

تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT

يحتل موضوع التعليم والتدريب المهني نقاشًا موسعًا في العقود الأخيرة في قلب سياسات التعليم وسياسات سوق العمل، وتتباين دوافع الدول في وضع سياسات وخطط استراتيجية وبرامج لتعزيز اتجاهات الطلبة والأسر نحو التعليم والتدريب المهني؛ بين الحاجة إلى سد احتياجات أسواق العمل من المهارات الفنية المتخصصة، أو إيجاد تنوع في مخرجات التعليم بين القدرات المؤهلة للعمل في المجالات التي تتطلب مهارات فنية متخصصة، والمجالات التي تستوجب شهادات أكاديمية؛ بما يؤدي لتخفيف الضغط على البرامج الأكاديمية، وهناك دوافع اقتصادية من خلال دفع الطلبة إلى امتلاك المهارات التي تستوجبها آليات الإنتاج في الاقتصاد، أو الحاجة إلى وجود قوى بشرية مؤهلة لتحقيق (الدفعة الاستراتيجية) أو ما تعرف في التنمية الاقتصادية بـ(استراتيجية الدفعة القوية) لقطاع اقتصادي ناشئ ومليء بالفرص، أو إحلال القوى العاملة الوطنية محل القوى العاملة الأجنبية في القطاعات التي تتطلب مهارات متفاوتة المستوى.

تتباين هذه الدوافع وفقًا لعدة عوامل تحكمها ومنها: حجم القوى العاملة، استراتيجية التنمية الاقتصادية المرسومة للبلد، حجم الاقتصاد والنمو الاقتصادي، تركز المهارات، نوعية القوى العاملة الوافدة من ناحية المهارات، فرص واستراتيجيات التصنيع، مكنة النظام التعليمي من تأسيس منظومة متكاملة للتعليم والتدريب المهني.

ولذا يبدو وضع سياسات متكاملة للتعليم والتدريب المهني من أعقد عمليات صنع السياسات العامة؛ ذلك أنها تتطلب تحقيق قدر عالٍ من التناغم مع القطاعات والسياسات الأخرى. إن الدول التي حققت نجاحات في سبيل تعظيم أثر التعليم والتدريب المهني على التنمية الاقتصادية كانت تتحرك في إطار متناغم؛ بين أسر ومجتمعات تقدر قيمة هذا الشكل من أشكال التعليم، وسياسات تشغيل وسوق عمل مرنة تستوعب التغيرات في المهارات وطبيعة الطلب على الشهادات المهنية، ومنظومات اعتماد أكاديمي تحدث في البرامج المهنية والشهادات بشكل مستمر وفقًا لحاجة الاقتصاد، ونظم تعليمية متجددة تستخدم النموذج الثنائي Dual system تستدمج البرامج المهنية في التعليم النظري منذ مراحل التعليم الأولى. وبالعودة إلى الثقافة المجتمعية فإن هناك عشرات العوامل التي يمكن أن تشكل عوامل إما رافعة أو مثبطة لنجاح نظم التعليم والتدريب المهني؛ فالقيم والنظرة الاجتماعية إلى مسارات المهن والوظائف التي يسلكها خريجو التعليم والتدريب المهني تشكل أهم المؤثرات في نجاح هذه النظم، والتسويق الجيد لتجارب النجاح عبر وسائط التوعية الوطنية تعتبر كذلك عاملًا مهم في هذه المعادلة، وهناك متغيرات كشف التجارب الدولية تأثيرها بشكل واسع، مثل مستوى وخلفية تعليم الآباء، ومستوى دخل الأسرة، ودرجة اعتمادية الأسرة في طلبها على الخدمات على أسواق معينة، وتوفر التهيئة التعليمية في المراحل الأولى وتسويق المهارات الفنية واليدوية لدى الطلبة، وسردية الاقتصاد وتأثيرها على إقبال الطلبة على هذه الأشكال من التعليم.

البدء من المراحل المبكرة للتعليم بإدخال جرعات للتعليم والتدريب المهني في الصفوف الأولى سياسة تبنتها دول مختلفة وبأشكال وتجارب متباينة، وأثبتت لاحقًا نجاحها، فلماذا لا يخضع على سبيل المثال طلبة الحلقة الأولى من التعليم إلى دروس تطبيقية لممارسة بعض المهارات الفنية، مثل التعامل مع أجهزة معينة، أو إصلاح بعض الأجهزة، أو تعلم أساسيات لغات البرمجة، أو دورات منتظمة في أسس الإسعاف والإنقاذ، على أن تكون مثل هذه البرامج مصممة بطريقة متدرجة، تتناسب مع كل مرحلة تعليمية، ووفق خطة مرنة وتتحدث باستمرار، وتكون جزءا أساسيا من الخطة الدراسية وليست مجرد أنشطة على هامش عملية التعلم. نعتقد أن الوقت حان لإعادة التفكير الجاد في مختلف معطيات النظام التعليمي، وأهمها تصور نوعية المواد والمعارف الأساسية التي يستوجب أن يتعرض لها الطالب، فما كان محتكرًا من المعلومات في الكتب الدراسية قبل عقد أو عقدين أصبح اليوم متاحًا أضعاف مضاعفة حول الطالب في مختلف المنصات والشبكات وبطرق وصول ذكية وسريعة، إن ثلاثية (المهارة - التفكير الناقد - التفكير المنظومي) هي أهم الروافع التي يحتاجها الطلبة للصمود والتكيف اليوم، سواء في العمل أو في الحياة عمومًا. وحينما يدخل التعليم والتدريب المهني في المراحل الأولى من التعلم فإن ذلك يعني أن هناك أسرة تراقب وتتفاعل مع ما يتلقاه الطالب من مهارات، وهناك مجتمع يبدأ بتغيير ثقافته وقناعاته إزاء هذا النمط من التعلم، وهناك مسار مهني واضح يبدأ في التأسس للطالب من هذه المراحل، وهناك سوق عمل واقتصاد يراقب التنوع في المهارات ويهيئ نفسه لاستقبالها.

كتجربة رائدة في الاقتصاد الألماني والتي امتدت سنوات طويلة وأفرزت نموذج التعليم المزدوج ونموذج المدارس المهني تشير الأرقام اليوم إلى أن المدارس المهنية في ألمانيا أصبحت تتعاون مع حوالي 430 ألف شركة، وأكثر من 80% من الشركات الكبرى توظف المتدربين في مسارات التعليم والتدريب المهني. هذا يقودنا إلى النقطة الأخرى المهمة وهي تغيير الثقافة المجتمعية مرتبط أيضًا في جزء منه بقناعة القطاع الخاص بأهمية ومخرجات مسارات التعليم والتدريب المهني، فكلما بادر القطاع الخاص في تبني برامج ومبادرات مع المدارس لتنمية مهارات الطلبة والأهم من ذلك تبنيهم عبر مسار تعليمي ومهني واضح، أعطت الأسر والمجتمع عمومًا ثقة أكبر في هذا المسار. ربما نحتاج اليوم في أن تتجرأ بعض الشركات الكبرى على الأقل في أن تتبنى أفواجا تعليمية منذ مراحل التعليم الأولى وتشارك مع مؤسسات التعليم في إعدادهم وإكسابهم مهارات المهن والمهارات الفنية المساندة، ولاحقًا استقطابهم للتدريب والعمل والتطور المهني. أثبت برامج مثل هذه نجاحها لدفع اقتصادات كبرى للنمو النوعي في بعض القطاعات، كما أن برامج مثل Fraunhofer Institutes في ألمانيا و Manufacturing Extension Partnership في الولايات المتحدة والتي هدفت إلى تجسير العلاقة بين التعليم النظري والأكاديمي وبين الإنتاجية الاقتصادية تمثل مسارات تكميلية تمكن سياسات التعليم والتدريب المهني.

ما نريد التركيز عليه هو أنه آن الأوان ليكون التحول حاسمًا ونوعيًا نحو تشجيع التعليم والتدريب المهني ولكن ذلك يستلزم نظرة شمولية واسعة تبدأ من تحديد الروافع الثقافية للمجتمع وما يؤثر من قيمه حيال هذا الشكل من أشكال التعليم، والتأني للتأكد من تنسيق كل السياسات المرتبطة بهذا التحول، وأن يكون للقطاع الخاص - بأكمله - القناعات ذاتها في التحول. إن حسم هذه السياسات يكمن في الانطلاق من القناعة ذاتها لدى كافة الأطراف الفاعلة فيها وليست مؤسسات التعليم وحدها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التعلیم والتدریب المهنی المهارات الفنیة القوى العاملة

إقرأ أيضاً:

خبير آثار يطالب بحذف اسم مصطفى وزيري من البرديات التي كشفتها بعثته الأثرية

أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار أن أعظم برديات فى تاريخ مصر التى أكدت أن قدماء المصريين هم بناة الأهرامات بلا منافس هى برديات وادى الجرف 

وقد كشفت عنها بعثة آثار مصرية - فرنسية مشتركة برئاسة بيير تالييه وسيد محفوظ عملت منذ عام 2011 بميناء وادى الجرف على البحر الأحمر، وعثرت عام 2013 على مجموعة رائعة من البرديات عند مدخل المغارات كانت مدفونة بين الكتل الحجرية التى تم استخدامها لإغلاق المغارة بعد الانتهاء من العمل.

وكانت تلك المغارات تستخدم ورش عمل ومخازن وأماكن سكنية، وكان هذا الموقع مستخدمًا فى عهد الملك خوفو وأن فريق العمل الذى كان يعمل فى هذا الموقع هو نفسه الذى عمل فى بناء الهرم الأكبر وهذا يدل على وجود جهاز إدارى على درجة عالية من الحرفية لإدارة البناء فى عهد خوفو.

وأوضح الدكتور ريحان أن بردية وادى الجرف تشير إلى تفاصيل كاملة عن طريقة بناء الهرم الأكبر وأسماء عمال البناء، وهناك بردية تخص أحد كبار الموظفين ويدعى "مرر" تحكى يوميات فريق العمل الذى كان يقوم بنقل كتل الحجر الجيرى من محاجر طرة على الضفة الشرقية للنيل إلى هرم خوفو عبر نهر النيل وقنواته

ونوه الدكتور ريحان بأنه من الطبيعى أن تسمى البرديات باسم صاحب البردية أو منطقة الاكتشاف كما فعل عالم الآثار الشهير بيير تالييه ولكن من غير الطبيعى أن تسمى باسم رئيس بعثة الحفائر كما حدث من الأمين العام السابق للآثار 

وأوضح أنه من حق رئيس بعثة الحفائر النشر العلمى لها ولكن ليس من حقه تسمية البردية باسمه باعتباره تزويرًا للتاريخ، وأن الأمين العام السابق قدم الكشف الأثرى للبرديات إلى اللجنة الدائمة للآثار المصرية للموافقة على النشر دون ذكر أن البردية حملت اسمه ولذا وافقت اللجنة الدائمة على نشر البردية كما اكتشفت فى الحفائر دون تسمية حديثة لها

ومن منطلق هذا يطالب الدكتور عبد الرحيم ريحان رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية بإعادة عرض الموضوع على اللجنة الدائمة للآثار المصرية بحزف اسم الأمين العام السابق من على البرديات وتسميتها باسم صاحب البردية الحقيقى فى مصر القديمة

من الجدير بالذكر أن البردية الأولى المسماة باسم "بردية وزيرى 1" كشفت عنها البعثة المصرية فى منطقة سقارة برئاسة الدكتور مصطفى وزيرى الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار السابق فى مايو عام 2022، فى تابوت شخص يدعى أحمس، ومحتوى هذه البردية هو كتاب موتى لأحمس مكتوبة بالخط الهيراطيقى وتعود إلى بداية العصر البطلمى (300ق.م).

والبردية الثانية المسماة "بردية وزيري 2" عثرت عليها نفس البعثة مع البردية الأولى في منطقة آثار سقارة وهي الآن في معامل المتحف المصري بالتحرير ، وتشبه إلى حد كبير البردية الأولى وقد كشفت المؤشرات الأولى للبردية الثانية أن صاحب البردية هو الأخ لـ أحمس صاحب البردية الأولى وطول البردية الثانية يقارب طول البردية الأولى.

وهى مكتوبة بالخط الهيراطيقي وتعود إلى بداية العصر البطلمي (300 قبل الميلاد)

مقالات مشابهة

  • التعليم: سنُدشن اليوم المدارس الافتراضية في غزة للمرة الأولى
  • “أبوزريبة” يبحث مع وزراء التعليم تنقية شهادات التعليم الخاص
  • د. فكري فؤاد يكتب: بناء المهارات الرقمية
  • بدء البرامج التدريبية لطلبة التعليم المهني والتقني في شمال الباطنة
  • هيئة تقويم التعليم والتدريب توقع اتفاقية تجديد الاعتماد المؤسسي واعتماد سبعة برامج أكاديمية لجامعة جازان
  • خبير آثار يطالب بحذف اسم مصطفى وزيري من البرديات التي كشفتها بعثته الأثرية
  • الشرعية والديمقراطية صراع غياب الفكر
  • تحت ضغط المجتمع.. إسبانيا تلغي جائزة مصارعة الثيران التي دامت عقدًا من الزمن
  • وحدة التعليم والتدريب المزدوج بالبحر الأحمر تقيم مؤتمرًا لتكريم شركاء العمل من مسئولي التعليم والمدارس والمنشآت التدريبية والفنادق والشخصيات
  • "القافلة الوردية" تعزز الوعي بسرطان الثدي في "شهر التوعية"