لجريدة عمان:
2025-01-24@08:21:15 GMT

المجتمع وروافع ثقافة التعليم والتدريب المهني

تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT

يحتل موضوع التعليم والتدريب المهني نقاشًا موسعًا في العقود الأخيرة في قلب سياسات التعليم وسياسات سوق العمل، وتتباين دوافع الدول في وضع سياسات وخطط استراتيجية وبرامج لتعزيز اتجاهات الطلبة والأسر نحو التعليم والتدريب المهني؛ بين الحاجة إلى سد احتياجات أسواق العمل من المهارات الفنية المتخصصة، أو إيجاد تنوع في مخرجات التعليم بين القدرات المؤهلة للعمل في المجالات التي تتطلب مهارات فنية متخصصة، والمجالات التي تستوجب شهادات أكاديمية؛ بما يؤدي لتخفيف الضغط على البرامج الأكاديمية، وهناك دوافع اقتصادية من خلال دفع الطلبة إلى امتلاك المهارات التي تستوجبها آليات الإنتاج في الاقتصاد، أو الحاجة إلى وجود قوى بشرية مؤهلة لتحقيق (الدفعة الاستراتيجية) أو ما تعرف في التنمية الاقتصادية بـ(استراتيجية الدفعة القوية) لقطاع اقتصادي ناشئ ومليء بالفرص، أو إحلال القوى العاملة الوطنية محل القوى العاملة الأجنبية في القطاعات التي تتطلب مهارات متفاوتة المستوى.

تتباين هذه الدوافع وفقًا لعدة عوامل تحكمها ومنها: حجم القوى العاملة، استراتيجية التنمية الاقتصادية المرسومة للبلد، حجم الاقتصاد والنمو الاقتصادي، تركز المهارات، نوعية القوى العاملة الوافدة من ناحية المهارات، فرص واستراتيجيات التصنيع، مكنة النظام التعليمي من تأسيس منظومة متكاملة للتعليم والتدريب المهني.

ولذا يبدو وضع سياسات متكاملة للتعليم والتدريب المهني من أعقد عمليات صنع السياسات العامة؛ ذلك أنها تتطلب تحقيق قدر عالٍ من التناغم مع القطاعات والسياسات الأخرى. إن الدول التي حققت نجاحات في سبيل تعظيم أثر التعليم والتدريب المهني على التنمية الاقتصادية كانت تتحرك في إطار متناغم؛ بين أسر ومجتمعات تقدر قيمة هذا الشكل من أشكال التعليم، وسياسات تشغيل وسوق عمل مرنة تستوعب التغيرات في المهارات وطبيعة الطلب على الشهادات المهنية، ومنظومات اعتماد أكاديمي تحدث في البرامج المهنية والشهادات بشكل مستمر وفقًا لحاجة الاقتصاد، ونظم تعليمية متجددة تستخدم النموذج الثنائي Dual system تستدمج البرامج المهنية في التعليم النظري منذ مراحل التعليم الأولى. وبالعودة إلى الثقافة المجتمعية فإن هناك عشرات العوامل التي يمكن أن تشكل عوامل إما رافعة أو مثبطة لنجاح نظم التعليم والتدريب المهني؛ فالقيم والنظرة الاجتماعية إلى مسارات المهن والوظائف التي يسلكها خريجو التعليم والتدريب المهني تشكل أهم المؤثرات في نجاح هذه النظم، والتسويق الجيد لتجارب النجاح عبر وسائط التوعية الوطنية تعتبر كذلك عاملًا مهم في هذه المعادلة، وهناك متغيرات كشف التجارب الدولية تأثيرها بشكل واسع، مثل مستوى وخلفية تعليم الآباء، ومستوى دخل الأسرة، ودرجة اعتمادية الأسرة في طلبها على الخدمات على أسواق معينة، وتوفر التهيئة التعليمية في المراحل الأولى وتسويق المهارات الفنية واليدوية لدى الطلبة، وسردية الاقتصاد وتأثيرها على إقبال الطلبة على هذه الأشكال من التعليم.

البدء من المراحل المبكرة للتعليم بإدخال جرعات للتعليم والتدريب المهني في الصفوف الأولى سياسة تبنتها دول مختلفة وبأشكال وتجارب متباينة، وأثبتت لاحقًا نجاحها، فلماذا لا يخضع على سبيل المثال طلبة الحلقة الأولى من التعليم إلى دروس تطبيقية لممارسة بعض المهارات الفنية، مثل التعامل مع أجهزة معينة، أو إصلاح بعض الأجهزة، أو تعلم أساسيات لغات البرمجة، أو دورات منتظمة في أسس الإسعاف والإنقاذ، على أن تكون مثل هذه البرامج مصممة بطريقة متدرجة، تتناسب مع كل مرحلة تعليمية، ووفق خطة مرنة وتتحدث باستمرار، وتكون جزءا أساسيا من الخطة الدراسية وليست مجرد أنشطة على هامش عملية التعلم. نعتقد أن الوقت حان لإعادة التفكير الجاد في مختلف معطيات النظام التعليمي، وأهمها تصور نوعية المواد والمعارف الأساسية التي يستوجب أن يتعرض لها الطالب، فما كان محتكرًا من المعلومات في الكتب الدراسية قبل عقد أو عقدين أصبح اليوم متاحًا أضعاف مضاعفة حول الطالب في مختلف المنصات والشبكات وبطرق وصول ذكية وسريعة، إن ثلاثية (المهارة - التفكير الناقد - التفكير المنظومي) هي أهم الروافع التي يحتاجها الطلبة للصمود والتكيف اليوم، سواء في العمل أو في الحياة عمومًا. وحينما يدخل التعليم والتدريب المهني في المراحل الأولى من التعلم فإن ذلك يعني أن هناك أسرة تراقب وتتفاعل مع ما يتلقاه الطالب من مهارات، وهناك مجتمع يبدأ بتغيير ثقافته وقناعاته إزاء هذا النمط من التعلم، وهناك مسار مهني واضح يبدأ في التأسس للطالب من هذه المراحل، وهناك سوق عمل واقتصاد يراقب التنوع في المهارات ويهيئ نفسه لاستقبالها.

كتجربة رائدة في الاقتصاد الألماني والتي امتدت سنوات طويلة وأفرزت نموذج التعليم المزدوج ونموذج المدارس المهني تشير الأرقام اليوم إلى أن المدارس المهنية في ألمانيا أصبحت تتعاون مع حوالي 430 ألف شركة، وأكثر من 80% من الشركات الكبرى توظف المتدربين في مسارات التعليم والتدريب المهني. هذا يقودنا إلى النقطة الأخرى المهمة وهي تغيير الثقافة المجتمعية مرتبط أيضًا في جزء منه بقناعة القطاع الخاص بأهمية ومخرجات مسارات التعليم والتدريب المهني، فكلما بادر القطاع الخاص في تبني برامج ومبادرات مع المدارس لتنمية مهارات الطلبة والأهم من ذلك تبنيهم عبر مسار تعليمي ومهني واضح، أعطت الأسر والمجتمع عمومًا ثقة أكبر في هذا المسار. ربما نحتاج اليوم في أن تتجرأ بعض الشركات الكبرى على الأقل في أن تتبنى أفواجا تعليمية منذ مراحل التعليم الأولى وتشارك مع مؤسسات التعليم في إعدادهم وإكسابهم مهارات المهن والمهارات الفنية المساندة، ولاحقًا استقطابهم للتدريب والعمل والتطور المهني. أثبت برامج مثل هذه نجاحها لدفع اقتصادات كبرى للنمو النوعي في بعض القطاعات، كما أن برامج مثل Fraunhofer Institutes في ألمانيا و Manufacturing Extension Partnership في الولايات المتحدة والتي هدفت إلى تجسير العلاقة بين التعليم النظري والأكاديمي وبين الإنتاجية الاقتصادية تمثل مسارات تكميلية تمكن سياسات التعليم والتدريب المهني.

ما نريد التركيز عليه هو أنه آن الأوان ليكون التحول حاسمًا ونوعيًا نحو تشجيع التعليم والتدريب المهني ولكن ذلك يستلزم نظرة شمولية واسعة تبدأ من تحديد الروافع الثقافية للمجتمع وما يؤثر من قيمه حيال هذا الشكل من أشكال التعليم، والتأني للتأكد من تنسيق كل السياسات المرتبطة بهذا التحول، وأن يكون للقطاع الخاص - بأكمله - القناعات ذاتها في التحول. إن حسم هذه السياسات يكمن في الانطلاق من القناعة ذاتها لدى كافة الأطراف الفاعلة فيها وليست مؤسسات التعليم وحدها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التعلیم والتدریب المهنی المهارات الفنیة القوى العاملة

إقرأ أيضاً:

ليست الأولى ولم تكن الأخيرة بالإسكندرية.. تصاعد العنف بين الطلاب ظاهرة خطيرة تهدد المجتمع

باتت حوادث العنف بين الطلاب ظاهرة مقلقة تستدعي الوقوف عند أسبابها ومعالجتها بجدية، إذ أصبح السلوك العدواني يتجاوز نطاق المشادات الكلامية ليصل إلى استخدام الأسلحة البيضاء، مهددًا حياة الطلاب ومستقبلهم.

 وكما رأينا، بمنطقة التجمع في القاهرة واقعة مشابهة أثارت الجدل، عندما تعرضت الطالبة كارما للاعتداء من زميلة لها داخل إحدى المدارس، وهو ما يسلط الضوء على تفاقم العنف في البيئات التعليمية، سواء في محيط المدرسة أو خارجها.

حديث أم الطالب لـ "الفجر" 

وكشفت أمل سرور، والدة الطالب إسلام ماجد، خلال بث مباشر  لـ "الفجر"، تفاصيل جديدة عن الحالة الصحية لا لأبنها، الذي تعرض لاعتداء عنيف بسلاح أبيض أمام أحد المتاجر الشهيرة بمنطقة سيدي جابر بالإسكندرية. 

وقالت سرور: "إسلام خرج من العناية المركزة بعد 3 أيام، لكن حالته لا تزال حرجة جدًا،  وأكد الأطباء استحالة إجراء أي عملية جراحية بسبب النزيف بالكبد والأمعاء، ويتم علاجه فقط بالمسكنات والمنومات."

 وأضافت: "أنا واثقة في عدالة القانون المصري، ومش هتنازل عن حق ابني مهما حصل ولم أقبل تفاوضات أو أي تعويضات، مشيدة بدور المدرسة في تقديم الدعم والمساندة الإنسانية منذ بداية الحادث وحتى الآن.

قرار النيابة بحبس المتهم الرئيسي

وكانت نيابة الطفل في قسم شرطة سيدي جابر قد أصدرت قرارًا بحبس الطالب المتهم في الواقعة لمدة 4 أيام على ذمة التحقيقات، بعد اعترافه بتفاصيل الاعتداء على زميله إسلام ماجد وزميليه باستخدام سلاح أبيض (مطواة).

بداية الواقعة

بدأت الحادثة عندما تدخل إسلام وزملاؤه لمنع المتهم من مضايقة زميلة لهم أثناء استراحتهم بعد درس خصوصي، لكن المشادة الكلامية انتهت سريعًا إلا أن المتهم عاد لاحقًا بصحبة آخرين واعترض طريقهم أمام المتجر، مما أسفر عن إصابة إسلام بطعنة نافذة في البطن، أدت إلى نزيف بالكبد والأمعاء، ونقل على إثرها إلى المستشفى.

 

تحرك أمني سريع

وتحرر المحضر رقم 138 لسنة 2025 جنح أحداث سيدي جابر، وتمكنت الأجهزة الأمنية من القبض على المتهم الرئيسي واثنين من المشاركين في الواقعة، حيث يجري التحقيق معهم للكشف تفاصيل إضافية حول الحادثة.

هذا الواقع يطرح تساؤلات عديدة حول دور الأسرة والمدارس في غرس القيم الأخلاقية، وضرورة تدخل الدولة والمجتمع لتوفير بيئة آمنة للطلاب، بعيدًا عن الضغوط النفسية والتأثيرات السلبية المحيطة بهم.

 

2025_1_21_15_0_31_327

مقالات مشابهة

  • الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يشارك في معرض الكتاب 56
  • ليست الأولى ولم تكن الأخيرة بالإسكندرية.. تصاعد العنف بين الطلاب ظاهرة خطيرة تهدد المجتمع
  • "التعليم والتدريب": 57 ألف طالب يستفيدون من مبادرة ”جاهزية“
  • فاطمة المعدول: «ثقافة الطفل» منظومة متكاملة لتنمية المهارات عبر حدود الكلمة
  • بالوثيقة.. التعليم توجه الجامعات بخفض الأجور 50% لفئة من الطلبة
  • نائب رئيس جامعة الزقازيق لشئون التعليم والطلاب يتفقد المدن الجامعية
  • هيئة تقويم التعليم والتدريب تعلن وظائف شاغرة
  • المقريف يبحث مع مسؤول تركي سبل تطوير التعليم والتدريب والمنح الدراسية
  • تأكيدا لموقف أُعلن منذ بداية الحرب.. ما قصة قرارات الإفراج التي سلمتها المقاومة للأسيرات؟
  • عرس قانا الجليل.. المعجزة الأولى التي غيرت مسار التاريخ الروحي