لجريدة عمان:
2025-04-02@13:42:14 GMT

المجتمع وروافع ثقافة التعليم والتدريب المهني

تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT

يحتل موضوع التعليم والتدريب المهني نقاشًا موسعًا في العقود الأخيرة في قلب سياسات التعليم وسياسات سوق العمل، وتتباين دوافع الدول في وضع سياسات وخطط استراتيجية وبرامج لتعزيز اتجاهات الطلبة والأسر نحو التعليم والتدريب المهني؛ بين الحاجة إلى سد احتياجات أسواق العمل من المهارات الفنية المتخصصة، أو إيجاد تنوع في مخرجات التعليم بين القدرات المؤهلة للعمل في المجالات التي تتطلب مهارات فنية متخصصة، والمجالات التي تستوجب شهادات أكاديمية؛ بما يؤدي لتخفيف الضغط على البرامج الأكاديمية، وهناك دوافع اقتصادية من خلال دفع الطلبة إلى امتلاك المهارات التي تستوجبها آليات الإنتاج في الاقتصاد، أو الحاجة إلى وجود قوى بشرية مؤهلة لتحقيق (الدفعة الاستراتيجية) أو ما تعرف في التنمية الاقتصادية بـ(استراتيجية الدفعة القوية) لقطاع اقتصادي ناشئ ومليء بالفرص، أو إحلال القوى العاملة الوطنية محل القوى العاملة الأجنبية في القطاعات التي تتطلب مهارات متفاوتة المستوى.

تتباين هذه الدوافع وفقًا لعدة عوامل تحكمها ومنها: حجم القوى العاملة، استراتيجية التنمية الاقتصادية المرسومة للبلد، حجم الاقتصاد والنمو الاقتصادي، تركز المهارات، نوعية القوى العاملة الوافدة من ناحية المهارات، فرص واستراتيجيات التصنيع، مكنة النظام التعليمي من تأسيس منظومة متكاملة للتعليم والتدريب المهني.

ولذا يبدو وضع سياسات متكاملة للتعليم والتدريب المهني من أعقد عمليات صنع السياسات العامة؛ ذلك أنها تتطلب تحقيق قدر عالٍ من التناغم مع القطاعات والسياسات الأخرى. إن الدول التي حققت نجاحات في سبيل تعظيم أثر التعليم والتدريب المهني على التنمية الاقتصادية كانت تتحرك في إطار متناغم؛ بين أسر ومجتمعات تقدر قيمة هذا الشكل من أشكال التعليم، وسياسات تشغيل وسوق عمل مرنة تستوعب التغيرات في المهارات وطبيعة الطلب على الشهادات المهنية، ومنظومات اعتماد أكاديمي تحدث في البرامج المهنية والشهادات بشكل مستمر وفقًا لحاجة الاقتصاد، ونظم تعليمية متجددة تستخدم النموذج الثنائي Dual system تستدمج البرامج المهنية في التعليم النظري منذ مراحل التعليم الأولى. وبالعودة إلى الثقافة المجتمعية فإن هناك عشرات العوامل التي يمكن أن تشكل عوامل إما رافعة أو مثبطة لنجاح نظم التعليم والتدريب المهني؛ فالقيم والنظرة الاجتماعية إلى مسارات المهن والوظائف التي يسلكها خريجو التعليم والتدريب المهني تشكل أهم المؤثرات في نجاح هذه النظم، والتسويق الجيد لتجارب النجاح عبر وسائط التوعية الوطنية تعتبر كذلك عاملًا مهم في هذه المعادلة، وهناك متغيرات كشف التجارب الدولية تأثيرها بشكل واسع، مثل مستوى وخلفية تعليم الآباء، ومستوى دخل الأسرة، ودرجة اعتمادية الأسرة في طلبها على الخدمات على أسواق معينة، وتوفر التهيئة التعليمية في المراحل الأولى وتسويق المهارات الفنية واليدوية لدى الطلبة، وسردية الاقتصاد وتأثيرها على إقبال الطلبة على هذه الأشكال من التعليم.

البدء من المراحل المبكرة للتعليم بإدخال جرعات للتعليم والتدريب المهني في الصفوف الأولى سياسة تبنتها دول مختلفة وبأشكال وتجارب متباينة، وأثبتت لاحقًا نجاحها، فلماذا لا يخضع على سبيل المثال طلبة الحلقة الأولى من التعليم إلى دروس تطبيقية لممارسة بعض المهارات الفنية، مثل التعامل مع أجهزة معينة، أو إصلاح بعض الأجهزة، أو تعلم أساسيات لغات البرمجة، أو دورات منتظمة في أسس الإسعاف والإنقاذ، على أن تكون مثل هذه البرامج مصممة بطريقة متدرجة، تتناسب مع كل مرحلة تعليمية، ووفق خطة مرنة وتتحدث باستمرار، وتكون جزءا أساسيا من الخطة الدراسية وليست مجرد أنشطة على هامش عملية التعلم. نعتقد أن الوقت حان لإعادة التفكير الجاد في مختلف معطيات النظام التعليمي، وأهمها تصور نوعية المواد والمعارف الأساسية التي يستوجب أن يتعرض لها الطالب، فما كان محتكرًا من المعلومات في الكتب الدراسية قبل عقد أو عقدين أصبح اليوم متاحًا أضعاف مضاعفة حول الطالب في مختلف المنصات والشبكات وبطرق وصول ذكية وسريعة، إن ثلاثية (المهارة - التفكير الناقد - التفكير المنظومي) هي أهم الروافع التي يحتاجها الطلبة للصمود والتكيف اليوم، سواء في العمل أو في الحياة عمومًا. وحينما يدخل التعليم والتدريب المهني في المراحل الأولى من التعلم فإن ذلك يعني أن هناك أسرة تراقب وتتفاعل مع ما يتلقاه الطالب من مهارات، وهناك مجتمع يبدأ بتغيير ثقافته وقناعاته إزاء هذا النمط من التعلم، وهناك مسار مهني واضح يبدأ في التأسس للطالب من هذه المراحل، وهناك سوق عمل واقتصاد يراقب التنوع في المهارات ويهيئ نفسه لاستقبالها.

كتجربة رائدة في الاقتصاد الألماني والتي امتدت سنوات طويلة وأفرزت نموذج التعليم المزدوج ونموذج المدارس المهني تشير الأرقام اليوم إلى أن المدارس المهنية في ألمانيا أصبحت تتعاون مع حوالي 430 ألف شركة، وأكثر من 80% من الشركات الكبرى توظف المتدربين في مسارات التعليم والتدريب المهني. هذا يقودنا إلى النقطة الأخرى المهمة وهي تغيير الثقافة المجتمعية مرتبط أيضًا في جزء منه بقناعة القطاع الخاص بأهمية ومخرجات مسارات التعليم والتدريب المهني، فكلما بادر القطاع الخاص في تبني برامج ومبادرات مع المدارس لتنمية مهارات الطلبة والأهم من ذلك تبنيهم عبر مسار تعليمي ومهني واضح، أعطت الأسر والمجتمع عمومًا ثقة أكبر في هذا المسار. ربما نحتاج اليوم في أن تتجرأ بعض الشركات الكبرى على الأقل في أن تتبنى أفواجا تعليمية منذ مراحل التعليم الأولى وتشارك مع مؤسسات التعليم في إعدادهم وإكسابهم مهارات المهن والمهارات الفنية المساندة، ولاحقًا استقطابهم للتدريب والعمل والتطور المهني. أثبت برامج مثل هذه نجاحها لدفع اقتصادات كبرى للنمو النوعي في بعض القطاعات، كما أن برامج مثل Fraunhofer Institutes في ألمانيا و Manufacturing Extension Partnership في الولايات المتحدة والتي هدفت إلى تجسير العلاقة بين التعليم النظري والأكاديمي وبين الإنتاجية الاقتصادية تمثل مسارات تكميلية تمكن سياسات التعليم والتدريب المهني.

ما نريد التركيز عليه هو أنه آن الأوان ليكون التحول حاسمًا ونوعيًا نحو تشجيع التعليم والتدريب المهني ولكن ذلك يستلزم نظرة شمولية واسعة تبدأ من تحديد الروافع الثقافية للمجتمع وما يؤثر من قيمه حيال هذا الشكل من أشكال التعليم، والتأني للتأكد من تنسيق كل السياسات المرتبطة بهذا التحول، وأن يكون للقطاع الخاص - بأكمله - القناعات ذاتها في التحول. إن حسم هذه السياسات يكمن في الانطلاق من القناعة ذاتها لدى كافة الأطراف الفاعلة فيها وليست مؤسسات التعليم وحدها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التعلیم والتدریب المهنی المهارات الفنیة القوى العاملة

إقرأ أيضاً:

نشر ثقافة السلام أساس إعمار السودان

قضت ھذھ الحرب اللعينة على كثير من العلاقات الاجتماعية حتى داخل الاسرة الواحدة، وأحيانا بين الاخوين الشقيقين. فقد كان صادما لأحدى الاسر أن وجدت فجأة ابن لھا يقاتل في صف مليشيا الدعم السريع بينما ابن ثاني لھا يقاتل في صفوف القوات المسلحة السودانية.
وبالطبع وقع اللوم على الوالدين من قبل الجيران والعائلة الكبيرة وتمت مقاطعة الأسرة بل شتمها من الكل، اي من الذين يعتبرونها مساندة للقوات المسلحة ومن الذين يعتبرونها مساندة لمليشيا الدعم السريع!!!
ھذا الوضع المزرى انتشر بصورة او بأخرى في الاحياء السكنية بل حتى في القرى والريف، مما أدى لخوف الجميع من وجود فرد او افراد بينھما او قربھم متحمس الى درجة التطرف "شايلاھ الھاشمية" لمناصرة أحد الطرفين حسب وجھة نظرھ الخاصة، ولوحظ أن الامر يبدأ ببلاغات كيدية وتصفية حسابات قديمة وقد ينتھي بحماقة كبرى داخل الاسرة او الحي.
في أخف الحالات اصبحت الاسر في حالة نقاشات حادة، تتطور لنزاعات داخل العائلة واتخاذ موقف مع او ضد القوات المسلحة، مما دفع بالبعض للنزوح قريبا من مناطق سيطرة القوات المسلحة او بعيدا عن مناطق سيطرة مليشيا الدعم السريع
نعم. ستقف الحرب عما قريب بشكل او بأخر؛ ولكن بعد ان يكون قد سقط الالاف من القتلى و الضحايا و المفقودين.
وبعد أن يكون قد أصاب الاسر والاحياء السكنية تمزق مجتمعي كبير، بل عند البعض أصبح الصراع قبلي وجھوي وعنصري وقد يصر البعض على نشر هذا التعصب حوله، و ھو أمر يلاحظ أنھ انتشر انتشار النار في الھشيم في وسائط التواصل الاجتماعي.
لذلك يجب بعد توقف الحرب، ان يكون لكل مواطن وقفة مع نفسه ويصل لقناعة بأن الإصلاح يبدأ من المستوى الفردي، ،فيتسأل ماذا عساي فاعل للمساهمة في الإصلاح و"تعزيز التسامح" على مستوى الاسرة والعائلة والحي السكني، مما يؤدي لإعادة بناء اللحمة و رتق النسيج الاجتماعي ، أي المساھمة في ايجاد نوع من المصالحة الوطنية على مستوى القاعدة "ضبط المصنع"، ثم يأتي دور منظمات المجتمع المدني والجمعيات التطوعية لرفع شعار ان "السودان بلد واحد" والتكرار اليومي في اجھزة الاعلام وغيرھا لأغنية المرحوم الفنان أحمد المصطفى " أنا سوداني" ، و "تعزيز التفاهم والتسامح والتعايش السلمي بين الأفراد والمجتمعات".
ثم على مستوى أعلى يأتي دور الحكومات المحلية لتقوم بالصلح بين المجتمعات المتعددة الثقافات واللهجات فتجمع رؤوس القبائل ووجهاء المجتمع وتركز عليهم في حلقات توعوية بضرورة نشر مفاهيم التعايش السلمي، وان القانون فوق الجميع، كذلك يمكن من خلال الندوات المحلية وخطب المساجد وحتى دروس الخلاوي التركيز على قيم المساواة التامة بين كل المواطنين بمختلف أعراقهم ودياناتهم، كما ينبغي للحكومات المحلية القيام بمحاربة كل ظواهر العنف واولها جمع السلاح الناري.
ثم على مستوى الحكومات الإقليمية والمركزية. يجب الالتفاف للتعليم فھو الركيزة الأساسية لبناء الاخاء والانصهار الاجتماعي بين اطفال اليوم الذين سيكونون اباء وأمهات الغد، لذلك يجب ان يكون ضمن مناھج التعليم حصص للتربية الوطنية موجھة لصقل الطفل بكل قيم الاخاء والمساواة والوطنية الصادقة..
أن بناء السودان الجديد لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال نشر ثقافة السلام وتبني قيم التسامح والتعايش السلمي بين جميع أبناء الوطن. إن إصلاح ما أفسدته الحرب يتطلب جهداً جماعياً يبدأ من الفرد والأسرة ويمتد إلى المجتمع بأسره. علينا جميعاً أن ندرك أن السودان وطن يسع الجميع، وأن الوحدة الوطنية هي الركيزة الأساسية لإعادة إعمار ما دمرته الصراعات. فلنجعل من التسامح قيمة عليا ومن الحوار وسيلة لحل النزاعات، ولنعمل معاً على غرس بذور المحبة والسلام في نفوس الأجيال القادمة، حتى ينهض وطننا قوياً موحداً ينعم بالأمن والاستقرار.

wadrawda@hotmail.fr  

مقالات مشابهة

  • نشر ثقافة السلام أساس إعمار السودان
  • بيت المهارات.. خطوة رائدة لتعزيز التعاون العسكري ومكافحة الإرهاب في غانا
  • تقرير برلماني: مخرجات مؤسسات التعليم العالي لا تواكب سوق العمل
  • انفوجراف.. 85 مليون وظيفة ستظل شاغرة بحلول 2030 نتيجة النقص العالمي في المهارات الرقمية
  • إنفوجراف صادم.. 85 مليون وظيفة مهددة بالبقاء شاغرة بحلول 2030 لهذا السبب
  • 5 أنشطة ترفيهية لتسلية الأطفال ذوي الإعاقة البصرية في العيد
  • «التربية» تعلن موعد امتحانات طلبة الــ12 في التعليم المستمر المتكامل
  • تقرير يكشف استغلال المزارعين الشباب جمعيات المياه لتحقيق التقدم المهني
  • الطلبة يعلق نشاطاته الكروية وأي تعاون مع اتحاد الكرة (وثائق)
  • إحصائيات : المغرب يجني 415 مليون يورو من الطلبة الأجانب