لا تبدأ إرهاصات الحروب، في الغالب، دفعة واحدة، ولكنها إذا بدأت لا أحد يعلم إلا الله إلى أين يمكن أن تتجه ولا فوق أي أرض يمكن أن تشتعل حرائقها.. ومنذ أكتوبر الماضي كان صدى الحرب الشاملة يتردد في منطقة الشرق الأوسط وفي غرف صنع القرار العالمية وخاصة في الدول الغربية. كان الخطاب الظاهر أن أمريكا والغرب منشغلون لمنع أي مواجهة مباشرة بين إسرائيل وحزب الله، ثم بين إسرائيل وإيران ولكن ذلك الانشغال بدا أنه خطابي فقط أما في الجانب العملي فلم تستطع أمريكا بكل قوتها وسيادتها أن تمنع إسرائيل تسريع المواجهة لا عبر وقف حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة ولا عبر منع سياسة اغتيال القيادات الإيرانية والفلسطينية واللبنانية.
ورغم أن منطقة الشرق الأوسط كانت على الدوام فوق صفيح ساخن وفي مواجهات مستمرة لكنها اليوم تبدو أقرب ما تكون إلى مواجهة شاملة المؤجلة: إسرائيل في مواجهة إيران، وإسرائيل في مواجهة حزب الله. وكما أن لا أحد يتصور أن تخوض إسرائيل حربا بمفردها فإن في منطقة الشرق الأوسط لا أحد يتصور أن تخوض إيران حربا مع إسرائيل بمفردها في ظل وجود حلفاء لها مثل حزب الله وأنصار الله والحشد الشعبي في العراق وأطراف أخرى في سوريا.. وقد تجد أطراف أخرى لأسباب كثيرة نفسها طرفا في حرب لم تبذر لها بذور في يوم من الأيام.
ومنذ اللحظة التي اغتالت فيه إسرائيل إسماعيل هنية في قلب العاصمة الإيرانية طهران ولا حديث في المنطقة إلا حديث الحرب، حيث بدا واضحا أن إسرائيل وصلت إلى ذروة طغيانها واستهتارها بالقوانين الدولية وسيادة الدول.
لا أحد يمكن أن يتصور كيف كان يفكر رئيس الوزراء الإسرائيلي عندما أقدم على اغتيال القائد إسماعيل هنية، وفؤاد شُكر إلا إن كان حقا يريد جرّ إيران وحزب الله إلى حرب شاملة تنتهي بتغيير كامل لموازين القوى وشكل منطقة الشرق الأوسط وبشكل خاص فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني والقوة الضاربة لحزب الله.
فالاغتيال من شأنه أن يوقف محادثات وقف إطلاق النار واتفاقية تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، فلا يمكن أن تقتل في الليل من يفاوضك وفي الصباح تطلب مواصلة المفاوضات مع مفاوض جديد!
وإذا كانت هذه عقلية دولة الاحتلال فمن المؤسف أن تكون هذه عقلية الإدارة الأمريكية التي صرحت أكثر من مرة أنها تريد احتواء «الصراع» حتى لا يتحول إلى حرب شاملة، ورغم أن أمريكا لم تنجح في فرض هذا التوجه الاستراتيجي حيث امتدت الحرب خارج غزة لتشمل لأول مرة مواجهة مباشرة بين إيران إسرائيل، وبينها وبين لبنان وسوريا والعراق واليمن ما يكشف عن حجم التعقيد الذي وصلت إليه الحرب ضد قطاع غزة، إضافة إلى ما يكشفه من هشاشة الاستقرار في المنطقة بسبب التعنت الإسرائيلي وضعف الدور الأمريكي.
الكثير من المعطيات تشير إلى حتمية الصراع، سواء تحول إلى شامل أم بقي جزئيا ولكن ما كان مستبعدا بات اليوم منتظرا، فإيران تبدو مدفوعة للرد وهذا ما أكده مرشدها الأعلى، وكذلك حزب الله الذي قال أمينه العام إن الرد لا جدال فيه.. وهذا من شأنه أن يثير قلق المنطقة كلها بل والمجتمع الدولي الذي طالبه الجميع طوال الأشهر الماضية من أجل أن يوقف التعنت الإسرائيلي. إن التجارة الدولية التي كانت تعاني خلال الأشهر الماضية من تحديات كبيرة في منطقة البحر الأحمر تنتظرها تحديات أكبر خلال المرحلة القادمة إضافة إلى ما يمكن أن يترتب من تحديات على استقرار الأسواق العالمية.
ورغم التأكيدات من بعض دوائر مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية بأن الولايات المتحدة وإيران لا ترغبان في حرب شاملة، فإن اغتيال هنية يوضح مدى السرعة التي يمكن أن يخرج بها الأمور عن نطاق السيطرة، خاصة في منطقة مثل منطقة الشرق الأوسط التي تبدو فيها العلاقات والتحالفات شديدة التعقيد، والأمر نفسه بالنسبة للمصالح والمظالم. وأمام هذا المشهد الملتبس والهش فإن المنطقة في أمس الحاجة إلى دبلوماسية عاجلة تحاول نزع فتيل المواجهة.
إن الولايات المتحدة التي تحشد قواتها في منطقة الشرق الأوسط منذ الأسبوع الماضي مطالبة أكثر من أي وقت مضى أن تستخدم نفوذها الحقيقي لوقف إسرائيل عند حدها ومنع دخول منطقة الشرق الأوسط في حرب طاحنة ستكون أمريكا أحد المتضررين الكبار منها.
وإذا كانت الحرب لا تبدأ دفعة واحدة فإن وقفها في هذه اللحظة بحاجة إلى جهد واضح يأتي دفعة واحدة وليس على مراحل.. فإن صوت طبولها يسمع في كل أنحاء الشرق الأوسط بنفس الوضوح الذي كانت تشاهد فيه النيران من الحديدة قبل أسبوعين.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: منطقة الشرق الأوسط فی منطقة یمکن أن لا أحد
إقرأ أيضاً:
بايدن وماكرون يعلنان وقف الحرب بلبنان |تفاصيل
قالت صحيفة «الشرق الأوسط» نقلا عن مصادر واسعة الاطلاع أن الرئيسين الأمريكي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون سيعلنان صباح الثلاثاء وقفاً للعمليات العدائية بين لبنان وإسرائيل لمدة 60 يوماً.
وأوضحت الصحيفة أن هذا التطور المهم يأتي بعدما ظهرت في واشنطن مؤشرات إلى «تفاؤل حذر» بإمكان نجاح الصيغة الأميركية لـ«وقف العمليات العدائية» بين لبنان وإسرائيل لمدة 60 يوماً على أساس إخلاء «حزب الله» للمنطقة الواقعة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني «بشكل يمكن التحقق منه» مقابل انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق التي احتلتها منذ بدء الغزو البري المحدود للأراضي اللبنانية.
وبحسب الشرق الأوسط، أشيعت هذه «الأجواء الإيجابية نسبياً» على رغم استمرار العمليات العسكرية الواسعة النطاق بين القوات الإسرائيلية ومجموعات «حزب الله» في جنوب لبنان والغارات الجوية في عمق الأراضي اللبنانية، بما في ذلك في بيروت وضاحيتها الجنوبية والقصف الصاروخي بعيد المدى في اتجاه وسط إسرائيل، ومنه تل أبيب.
بدورها نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية عن محللين أن الهجمات المكثفة تشير إلى أن «إسرائيل و(حزب الله) يحاولان تعظيم نفوذهما بينما يجري الدبلوماسيون ما يأملون أن يكون جولة أخيرة من محادثات وقف النار». وأوضحت أن «الشروط تشمل هدنة مدتها 60 يوماً تنسحب خلالها القوات الإسرائيلية ومقاتلو (حزب الله) من المناطق الحدودية، ويعزز الجيش اللبناني والقوة الموقتة للأمم المتحدة في لبنان، اليونيفيل، وجودهما في المنطقة العازلة».
وقال بعض المعنيين بهذا الملف لـ«الشرق الأوسط» إن «كل القضايا جرى حلّها في ما يتعلق بالجانب اللبناني، وظلّت هناك مسائل عالقة عند الجانب الإسرائيلي»، موضحاً أنه على رغم «الموافقة المبدئية » التي أعطاها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للمبعوثين الأميركيين، في مقدمهم المنسق الرئاسي الخاص آموس هوكستين، بما في ذلك مشاركة فرنسا مع الولايات المتحدة في آلية رقابة لعمليات الانسحاب والإخلاء المتبادلة بين الطرفين.
اقرأ أيضاًالبيت الأبيض: بايدن يراقب مفاوضات وقف إطلاق النار في لبنان عن كثب
وسط أنباء عن وقف إطلاق النار في لبنان.. أسعار النفط تهبط بأكثر من 2%
وزير الخارجية: مصر ترفض المساس بسيادة لبنان وتهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم