"TSMC" لصناعة الرقائق تختار ألمانيا لمصنعها الأوروبي الأول
تاريخ النشر: 8th, August 2023 GMT
أعطت شركة "TSMC" التايوانية العملاقة في صناعة الرقائق الالكترونية، الضوء الأخضر الثلاثاء لإنشاء أول مصنع لها في أوروبا، وذلك في دريسدن الألمانية، ضمن مشروع بكلفة أكثر من 10 مليارات يورو، سيعزّز مكانة القارة في هذا القطاع الالكتروني الاستراتيجي.
وأعطى مجلس إدارة الشركة، التي تستحوذ على أكثر من نصف الانتاج العالمي في مجال أشباه الموصلات، موافقته على الخطوة المرتقبة، وأعلن في بيان أن الشركة ستستثمر قرابة 3,5 مليارات يورو في المصنع الذي يتوقع أن تبدأ أعمال بنائه في العام المقبل.
وستستحوذ "TSMC" على 70 في المئة من المشروع، على أن تتقاسم ثلاث شركات أوروبية هي "NXP" الهولندية و"بوش" و"إينفيون" الألمانيتان، بالتساوي الحصة الباقية.
وأشار بيان مشترك صادر عن الشركات الأربع، إلى أن "الاستثمارات الإجمالية ستتجاوز 10 مليارات يورو، وستكون على شكل ضخ أصول خاصة، قروض، ودعم صلب من الاتحاد الأوروبي والحكومة الألمانية".
وسيكون هذا المصنع الأول لشركة "TSMC" في أوروبا، ويأتي العمل عليه بينما تسعى دول القارة الى الامساك بصناعة هذه المكوّنات الالكترونية البالغة الأهمية، والتي تدخل في مجموعة واسعة من الأجهزة، من الكومبيوتر الى السيارات مرورا بالصواريخ والأسلحة.
ورحب المستشار الالماني، أولاف شولتس، باختيار الشركة التايوانية لبلاده، قائلا إن ألمانيا "ستصبح على الأرجح المركز الرئيسي لإنتاج أشباه الموصلات في أوروبا".
واكد أهمية هذا الأمر "للاستمرار المقبل لقارتنا الاوروبية، وهو بالتأكيد مهم أيضا لاستمرار المانيا مستقبلا".
وسيتخصص المصنع المزمع إقامته في ألمانيا بانتاج أشباه الموصلات لقطاع صناعة السيارات الذي يشهد تحوّلا تاريخيا نحو التقنيات الكهربائية.
واعتبر الرئيس التنفيذي للشركة التايوانية، شي شيا وي، أن "أوروبا هي مكان واعد للغاية للابتكار في مجال أشباه الموصلات وخصوصا في قطاعي السيارات والصناعة".
وتسعى الشركات الى إطلاق أعمال إنشاء المصنع في النصف الثاني من العام 2024 وبدء الانتاج بحلول نهاية 2027.
ويتوقع أن يخلق المصنع ما يناهز ألفي وظيفة مباشرة، وأن تبلغ قدرته الانتاجية الشهرية 40 ألفا من شرائح السيليسيوم 300 ملم، وهي إحدى التقنيات الأكثر تطورا في مجال الرقائق الالكترونية.
ويتوقع أن تقدّم برلين للمشروع إعانات حكومية بقيمة تناهز خمسة مليارات يورو عبر الصندوق الفيدرالي للمناخ والتحول، وفق تقارير صحافية محلية.
ويأمل الاتحاد الأوروبي أن تستحوذ القارة بحلول العام 2030، على 20 في المئة من السوق العالمية لانتاج الرقائق، وقرر هذا العام تخصيص 43 مليار يورو من الاستثمارات العامة والخاصة سعيا لتحقيق هذا الهدف، ضمن ما عرف بـ"قانون الرقائق".
ورحّب المفوض الأوروبي المشرف على السوق الرقمية تييري بريتون بالخطوة التايوانية، معتبرا أنها تؤشر الى مضي هذا القانون قدما، وأنه "يعزز أمن تموين أوروبا" في هذا المجال.
وتسعى ألمانيا لأن تصبح قوة الدفع للتوجه الهادف الى تعزيز السيادة الأوروبية في مجال انتاج الرقائق الالكترونية. وتسعى أكبر قوة اقتصادية في القارة الى إعادة إطلاق حركة الانتاج الصناعي التي سجّلت في حزيران/يونيو انخفاضا للشهر الثاني على التوالي، بحسب أرقام رسمية.
ورحّب وزير الاقتصاد روبرت هابيك بالاستثمار التايواني "الذي يظهر أن ألمانيا موقع جاذب وتنافسي وخصوصا عندما يتعلّق الأمر بتقنيات أساسية مثل الالكترونيات الدقيقة".
المصدر: سكاي نيوز عربية
كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات أشباه الموصلات بوش أوروبا أولاف شولتس ألمانيا المانيا صناعة السيارات الرقائق الالكترونية برلين الاتحاد الأوروبي الرقائق أشباه الموصلات صناعة أشباه الموصلات إنتاج أشباه الموصلات أوروبا ألمانيا أشباه الموصلات بوش أوروبا أولاف شولتس ألمانيا المانيا صناعة السيارات الرقائق الالكترونية برلين الاتحاد الأوروبي الرقائق أشباه الموصلات ملیارات یورو فی مجال
إقرأ أيضاً:
أين تقف تركيا في معادلة الدفاع الأوروبي؟
إسطنبول- بينما يتحرك الاتحاد الأوروبي لإعادة رسم خريطته الدفاعية بعيدا عن المظلة الأميركية، تبرز تركيا في قلب نقاشات بروكسل كلاعب محتمل في معادلة الأمن الأوروبي الجديدة.
ففي 19 مارس/آذار الماضي، كشفت المفوضية الأوروبية عن "الكتاب الأبيض للدفاع – جاهزية 2030″، واضعة خطة طموحة لتعزيز الإنفاق العسكري والإنتاج الدفاعي عبر الدول الأعضاء، مدعومة بحزمة تمويلية قدرها 150 مليار يورو ضمن برنامج "العمل الأمني من أجل أوروبا".
وتسعى الإستراتيجية الأوروبية الجديدة إلى تقليص الاعتماد على الولايات المتحدة، في ظل التغيرات التي طرأت على السياسات الأميركية، وتزايد التهديدات الأمنية في أعقاب حرب أوكرانيا.
في السياق، تزداد التساؤلات حول موقع تركيا، الحليف الإستراتيجي في حلف شمال الأطلسي والدولة المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، وإمكانية انخراطها في مشاريع الدفاع الأوروبية رغم التعقيدات السياسية القائمة.
هامش محدودوحسب تقرير المفوضية الأوروبية، فإن تركيا مستبعدة من المنظومة الدفاعية الجديدة الممولة عبر برنامج "العمل الأمني من أجل أوروبا"، إذ أشار "الكتاب الأبيض للدفاع – جاهزية 2030" إلى أنقرة بوصفها "شريكا طويل الأمد" في سياسات الأمن والخارجية الأوروبية، دون أن يمنحها موقعا داخل آلية التمويل الدفاعي المشترك.
إعلانوسعيا في تعزيز التنسيق مع الحلفاء، أنشأ الاتحاد الأوروبي منصة "الدول ذات التفكير المماثل" لتبادل الأفكار والخطط الدفاعية، وانضمت تركيا إلى المنصة، مستندة إلى إنجازاتها المتسارعة في قطاع الصناعات الدفاعية.
بَيد أن إشراك تركيا بشكل أوسع يبقى مشروطا بمعالجة الملفات السياسية العالقة، وعلى رأسها قضية قبرص وتحقيق الاستقرار في شرق المتوسط. ووفق قواعد الاتحاد، فإن أي اتفاق شراكة دفاعية مع أنقرة يتطلب إجماع الدول الأعضاء الـ27، ما يمنح دولا مثل اليونان وقبرص القدرة على عرقلته، ما لم تتحقق الشروط السياسية اللازمة.
ورغم هذه القيود، أبقى الاتحاد هامشا محدودا للتعاون الفني، حيث تتيح المادة 17 من مقترح برنامج "العمل الأمني من أجل أوروبا" للدول المرشحة، مثل تركيا، المشاركة في مشاريع الدفاع المشتركة بنسبة لا تتجاوز 35% من مكونات المشروع، دون الحق في الحصول على تمويل مباشر من الصندوق الأوروبي.
وإذا رغبت تركيا أو شركاتها الدفاعية بتوسيع مساهمتها أو الاستفادة من التمويل، فسيتطلّب الأمر توقيع اتفاق شراكة دفاعية كاملة، كما هو معمول به مع دول كاليابان والنرويج وكوريا الجنوبية.
وفي هذا الإطار، أوضحت المفوضية الأوروبية أن الشركات الدفاعية العاملة ضمن أراضي الاتحاد، حتى لو كانت مملوكة لأطراف أجنبية، يمكنها المشاركة في المشاريع المشتركة بشرط استيفاء معايير الأمن الأوروبي، وهو ما يعني عمليا ضرورة إنشاء فروع "محوطة" للشركات التركية داخل أوروبا لضمان إدماجها بمرونة في برامج التسلح الأوروبية القادمة.
إصرار أنقرةمن جانبها، حسمت الرسائل الرسمية لأنقرة الموقف ورفضت استبعادها من منظومة الدفاع الأوروبية الجديدة، فقد أكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، خلال مؤتمر صحفي عقده في أنقرة أواخر فبراير/شباط الماضي، أن تركيا يجب ألا تُستبعد من أي هيكل أمني أوروبي قيد التشكل، مشددا على أن تجاهل القدرات العسكرية التركية يجعل أي منظومة دفاعية أوروبية غير واقعية.
إعلانوأضاف فيدان أن موقع تركيا الإستراتيجي، إضافة إلى امتلاكها أحد أكبر الجيوش داخل (الناتو)، يجعلان من مشاركتها عنصرا -لا غنى عنه- في أي ترتيبات أمنية جديدة تسعى القارة الأوروبية إلى بنائها.
ولم يقتصر الموقف التركي على التصريحات الدبلوماسية، بل تزامن مع استعراض مكاسب ملموسة حققتها الصناعات الدفاعية التركية في السنوات الأخيرة.
وبرزت أنقرة كلاعب رئيسي في مجالات تطوير المسيّرات الهجومية والطائرات بدون طيار والصواريخ المتقدمة، مما أكسب الصناعات الدفاعية التركية مكانة مرموقة على الصعيد الدولي.
وترى الباحثة المتخصصة في السياسة الخارجية زينب جيزام أوزبينار، أن الاتحاد الأوروبي بات أكثر إصرارا في السنوات الأخيرة على بناء هيكل دفاعي مستقل، وتجلَّى ذلك بإطلاق إستراتيجية الصناعات الدفاعية الأوروبية، ومبادرة العمل الأمني من أجل أوروبا.
وتعتبر أوزبينار في حديثها للجزيرة نت، أن تركيا تمثل عنصرا لا غنى عنه في معادلة الأمن الأوروبي، مستندة إلى امتلاكها ثاني أكبر جيش في الناتو، وموقعها الجيوسياسي الحساس عند تقاطعات البحر الأسود والشرق الأوسط والبلقان.
لكنها ترى أن الخلافات السياسية حول قضايا مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون تضع عراقيل أمام اندماج تركيا الكامل في مشاريع الدفاع الأوروبية.
وحول السيناريوهات المحتملة لانخراط تركيا في برنامج العمل الأمني الأوروبي، تستعرض أوزبينار 3 مسارات رئيسية:
السيناريو الأول والأكثر إيجابية، يتمثل بتوقيع اتفاقية شراكة أمنية ودفاعية رسمية بين تركيا والاتحاد الأوروبي، تتيح لأنقرة الانخراط المؤسسي الكامل في مشاريع البرنامج، بما في ذلك إنتاج وتوريد المعدات بنسبة تصل إلى 35%.وتشير إلى أن هذا الخيار من شأنه فتح صفحة جديدة من الثقة بين أنقرة وبروكسل ويحقق مكاسب إستراتيجية للطرفين. السيناريو الثاني، يكون بمشاركة تركيا بشكل غير مباشر عبر تأسيس شركات تابعة في أوروبا أو شراكات مع كيانات أوروبية قائمة، دون توقيع اتفاقية رسمية.
غير أن هذا النموذج -حسب أوزبينار- يمنح تركيا دورا محدودا ويضعف من مكاسبها الإستراتيجية مقارنة بالشراكة المؤسسية الكاملة. أما السيناريو الثالث، فتعتبره الباحثة أوزبينار الأكثر سلبية، ويتمثل في نجاح اليونان و"قبرص الرومية" في عرقلة انخراط تركيا، ما قد يؤدي إلى استبعاد أنقرة من مشاريع الدفاع الأوروبية.
وترى أن مثل هذا السيناريو سيمثل خسارة كبيرة لمنظومة الدفاع الأوروبية، وإن كانت تركيا قادرة في هذه الحالة على مواصلة ارتباطها بأمن القارة عبر قناة الناتو.
من جهته، يرى المحلل السياسي أحمد أوزغور، أن إصرار الاتحاد الأوروبي على استبعاد تركيا من مشاريعه الدفاعية لا يعكس فقط "مخاطرة تكتيكية"، بل يحمل في طياته تناقضا بنيويا يهدد مشروع الاستقلال الإستراتيجي الأوروبي ذاته.
إعلانويقول أوزغور للجزيرة نت، إن الحديث عن بناء منظومة دفاع أوروبي مكتفية ذاتيا دون إشراك قوة إقليمية بحجم تركيا، وفي ظل تآكل الالتزام الأميركي التقليدي بأمن القارة، يكشف فجوة عميقة بين الطموحات المعلنة والموارد الفعلية المتاحة للاتحاد.
ويعتبر أن قدرة تركيا على المناورة، سواء عبر تعزيز تحالفاتها الثنائية مع دول أوروبية منفردة أو من خلال توثيق تعاونها مع حلف الناتو، تضع بروكسل أمام معادلة معقدة؛ فاستبعاد أنقرة قد يمنح انسجاما سياسيا لحظيا داخليا، لكنه قد يؤدي على المدى الطويل إلى "شلل إستراتيجي" عندما تجد أوروبا نفسها أمام تحديات أمنية لا تستطيع مواجهتها وحدها.