لجريدة عمان:
2025-04-26@10:50:41 GMT

ابن رشد وتأسيس الفلسفة الأوروبية

تاريخ النشر: 8th, August 2023 GMT

ابن رشد وتأسيس الفلسفة الأوروبية

من المعروف، بل من نافل القول، إن المفكرين العرب والمسلمين أدّوا دورا بارزا ومهما في نقل الفلسفة اليونانية إلى الغرب. ومن المعروف أيضا، أن قلّة قليلة من الأخصائيين الأوروبيين (وفي بقاع أخرى من العالم) يتحملون عناء قراءتهم والاطلاع على أعمالهم التي عالجوا فيها هذه الفلسفة، التي تميزت بمفاهيم كبيرة وعالية.

فالحداثة الأوروبية تدعي أنها تفتحت مع ديكارت عبر تنويعه على «الكوجيتو» («أنا أفكر إذن أنا موجود») الذي يبدو أنه يشمل كلّ شيء. ومع ذلك، لم تتكون هذه الحداثة إلا من خلال تداخل ما أنتجته القرون السابقة، التي شهدت ولادة شخصية المثقف، وربما الأصح المفكر، باللغتين العربية ثم اللاتينية.

الفيلسوف الفرنسي المعاصر، جان -باتيست برونيه، منذ بداياته، قرر أن يقطع مع هذا «التقليد» الغربي «المتجاهل» ليقدم من جديد كتابا آسرا عن الفلاسفة العرب وفي طليعتهم ابن رشد في كتابه (بالفرنسية) «ما معنى التفكير؟ العرب واللاتين» (منشورات «ريفاج»).

قد يكون السؤال البديهي الذي يطرح نفسه: ما هذا الأمر «المزعج» الذي دفع بالغربيين المعاصرين تجاهل ذاك الفكر، بينما كانت عصورهم الوسطى تغرف منه وتدعم فكره وتغرف منه؟ إنها نقطة انطلاق برونيه، وهذا ما يبحث عنه في كتابه، عبر مداخل متعددة، عبر خمسة عشر فصلًا، يقدم فيها المؤلف العديد من التعريفات الفكرية، لتشكل خليطًا، أو نسيجًا، كتلك التي أطلق عليه الفيلسوف اليوناني كليمان (إكليمندس) السكندري «ستروماتا» (البُسُط). لا شيء أكثر من هذا التشابه مع ذاك الكتاب العائد لواحد من آباء الكنيسة الغربية، لأننا بالطبع في عالم فكري آخر وزمن مختلف. لذا لا يكمن هدف برونيه في إظهار الاختلاف في العلاقة بالمسيحية بل يكمن في التقاليد الفلسفية التي نشير إليها. لا يوجد هنا من «معلم» يوناني سوى أرسطو ومن محللين سوى أولئك الذين استطاعوا أن يتلاءموا مع أفقه. استُبعدَت الأفلاطونية من هذه المناقشات على الرغم من أن بعض الموضوعات التي أثيرت لا تختلف أبدا عن الأفلاطونية -مثل الأهمية المعطاة لموضوع «الواحد».

لا يشكل ما قلته في جملتي الأخيرة اكتشافا، ولا مأخذا على برونيه، إذ هذا هو بالفعل ما حدث في العالم الفكري العربي في القرنين الحادي عشر والثاني عشر: إعادة اكتشاف أرسطو ضد الأفلاطونية التي هيمنت لفترة طويلة، وما هيمنة الأرسطية سوى السبب الحقيقي في تشكل النهضة الأوروبية لاحقا.

كان لهذا التحول عواقب فكرية كبيرة، في أصل ما سُمي فيما بعد بـــ «السكولائية» (المدرسية)، والتي كان توما الأكويني، في القرن الثالث عشر، الشخصية الأكثر حضورا فيها. لقد تأسس فكر الفلاسفة العرب على الترجمات التي حصلت من اليونانية إلى العربية، لكن شعبيتهم بين العلماء المسيحيين الغربيين كانت لدرجة أن نصوصهم تُرجمت إلى اللاتينية. وهكذا أصبحت هذه اللغة «العربية -اللاتينية»، كما يقول برونيه، لغة الأرسطية في العصور الوسطى، مع كلّ التأثيرات التي يمكن تخيلها فيما يتعلق بالترجمة المزدوجة.

علاوة على ذلك، فإن هذه التأثيرات في الغالب لم تكن تفاسير خاطئة بل هي نوع من «الانزلاق»، إذ كانوا يضيفون إليها تحديدا ما، ويزيلون آخر. مثال تمييز الجوهر والصُدفة الذي يظهر على أنه فارق بسيط يمكن تخفيفه إلى حدّ المحو.

يمكن فهم العنوان والعنوان الفرعي لكتاب برونيه على أنهما مكملان لبعضهما البعض، فالواحد يحدد الآخر. يمكننا أيضًا رؤية مشروعين يتأرجح بينهما المؤلف. في بعض الأحيان، يتعلق الأمر بشكل أساسي بقول ما ينطوي عليه فعل التفكير؛ وأحيانًا يكون التحدي في إظهار ثراء الفكر العربي الكلاسيكي. لا يتعارض الاثنان بالتأكيد، لكن اللهجة ليست هي نفسها تمامًا.

إذا كان السؤال هو الوحيد الذي يشير إليه العنوان، فإن الغياب التام للجانب الأفلاطوني من الفلسفة سيكون نقصًا مؤسفًا. ومن هنا تأتي أهمية العنوان الفرعي: فهو في الحقيقة مسألة تتعلق برؤية ما قاله التقليد «العربي -اللاتيني» في العصور الوسطى عن هذا الموضوع. الافتراض بالطبع هو أن هذا هو الحال وأن ابن رشد والفلاسفة العرب الآخرين يستحقون القراءة. لكنه في الواقع أكثر من مجرد افتراض: التحدي الرئيسي لهذا الكتاب هو جعلنا نحس بهذه الأشياء.

كيف، في الواقع، لا يمكن الانتباه إلى وضوح ما يقترحه حين يميز بين التفكير والتأمل والفهم والتذوق أو حين يقرب بين فعل التفكير والسلوكيات مثل اللمس، أو تكوين زوجين، أو أن تصبح أبدية، أو نقل أو «أن تكون كل الأشياء بمعنى واحد»؟

لا بد أن تلفت انتباهنا في هذا الكتاب أيضا، التطورات التي أثارتها ملاحظة عرضية في كتاب أرسطو De anima (النفس) حول هذه «الأضواء المشعة» ليلا «بأشياء معينة»، مثل قشور الأسماك، أو اللون البني الداكن للحبار أو بؤبؤ العين.

تحدث باسوليني عن اليراعات التي، ذات ليلة من النشوة الحلوة، «شكلت بساتين من النار في بساتين الشجيرات، وحسدناها لأنها أحبت بعضها البعض، لأنها بحثت عن بعضها البعض في رحلاتها العاطفية وأضوائها».

لا بدّ أن يدعونا استحضار هذه الأشياء التي لا يمكن رؤيتها إلا في الليل إلى التساؤل عن الامتياز المعترف به عادة في صورة الضوء الكامل للتفكير بالفكر.

أكثر من إجابة قاطعة على سؤال «ماذا يعني التفكير»، يحتفظ قارئ هذا الكتاب بسلسلة جميلة من الصور المعروضة على التوالي في بضع صفحات، والتي نجد أن العديد منها، وربما كلها، تمسنا عن قرب.

ففي كل مرة، يقول برونيه في جوهره إن هذه الصور الجميلة وصلت من أرسطو إلى سكولائية ألبرت الكبير وتوما الأكويني عبر عربية -لاتينية ابن رشد والمفكرين العظماء الآخرين في التقليد العربي.

لا شك في أن لا أحد ممّن درس فكر القرون الوسطى يشك في أهمية الفلسفة العربية في القرن الثاني عشر ولا في أهميتها الكبيرة في عملية نقل الأرسطية إلى السكولائية.

ولكن إذا لم يكن أي مؤرخ لفلسفة العصور الوسطى يجهل هذه الأهمية، فمن الصحيح أيضا أن هذا التخصص محجوز لعدد قليل جدا من العلماء، الذين يمثلهم برونيه تمثيلا جيدا، بعد أستاذه آلان دي ليبرا.

لذلك يمكننا قراءة كتابه كحافز مرحب به للذهاب لرؤية هذا الجانب، وهو حافز أكثر فاعلية لأن القراءة أكثر من سهلة: ماتعة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ابن رشد أکثر من

إقرأ أيضاً:

كل شيء يمكن فعله على هاتفك.. خدمة جديدة من إنستجرام لمنافسة تيك توك

#سواليف

أطلقت #منصة #التراسل_المصور #إنستجرام ؛ التابعة لشركة “ميتا” الأمريكية، خدمة جديدة وُصفت بأنها موجهة بشكلٍ خاص لمنافسة تطبيق الفيديوهات القصيرة الأشهر عالمياً “تيك توك”.

وأوضحت التقارير أن خدمة “التحرير” أو “Edits” الجديدة على إنستجرام ستُتيح لهم لأول مرة، إنشاء وتحرير مقاطع الفيديو الخاصّة بهم بالكامل وبسهولة فائقة على هواتفهم الذكية قبل نشرها على المنصة.
يأتي هذا في الوقت الذي يواجه فيه “تيك توك” حظراً وشيكاً في الولايات المتحدة لأسبابٍ تتعلق بالأمن القومي، ما لم توافق الشركة الأم الصينية “بايت دانس”، على بيعه لمشترين غير صينيين.

ومنح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ تمديداً للموعد النهائي لإبرام صفقة في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر، مانحاً تيك توك 75 يوماً إضافياً لإيجاد مشترٍ لأعمالها في الولايات المتحدة، وإلا ستُغلق أبوابها في البلاد، حيث تضم أكثر من 170 مليون مستخدم.

مقالات ذات صلة حيلة غريبة لتحسين إشارة “واي فاي” تشعل الإنترنت 2025/04/23

ولا تزال التساؤلات قائمة حول ما إذا كانت الصين أو “بايت دانس” ستوافقان على البيع، وقد أُفيد بأن اقتراحاً سابقاً قد فشل بعد إعلان ترامب رسوماً جمركية عالمية شاملة، بما في ذلك ضرائب باهظة على الصين.

في المقابل، تستغل “ميتا” الآن حالة عدم اليقين السائدة في عالم وسائل التواصل الاجتماعي، بالإعلان عن إطلاق تطبيق Edits عالمياً.

وأفاد مالكو “إنستجرام” أن التطبيقات ستُمكّن المستخدمين من “إنشاء مقاطع فيديو رائعة مباشرةً على هواتفهم” مع توفير أدوات تحرير “فعّالة” و”رؤى مُستندة إلى البيانات”.

ولن يُقدّم تطبيق Edits موجزاً لوسائل التواصل الاجتماعي لمنافسة “تيك توك” بهذه الطريقة، بل سيعمل كاستوديو لالتقاط وتحرير المحتوى عبر الهاتف المحمول لمُنشئي المحتوى، الذين سيتمكنون بعد ذلك من النشر مباشرةً على منصات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك فيسبوك وإنستجرام التابعين لميتا.

ويتضمن “إنستجرام” بالفعل موجزاً للفيديوهات القصيرة، يُعرف باسم “رييلز”، وهو أحد أكبر منافسي “تيك توك”.

وستتضمن التعديلات أيضاً “علامة تبويب للإلهام”، تعرض للمستخدمين المحتوى والمقاطع الصوتية الرائجة، إضافة إلى مساحة “للأفكار”.

وورد في منشور على مدونة عملاق التكنولوجيا: “هدفنا هو بناء أدوات إبداعية فعّالة لمساعدة المبدعين على التعبير عن أنفسهم بحرية وبكل الطرق التي يتخيلونها، ليس فقط على إنستجرام وفيسبوك؛ بل على أي منصة متاحة”.

مقالات مشابهة

  • وفود من أفغانستان والسعودية والإمارات تشارك لأول مرة في معرض “إينوبروم – آسيا الوسطى” بطشقند
  • هل يمكن للفول السوداني علاج حساسية الفول السوداني؟
  • علماء آثار يكتشفون حطام قارب كبير من العصور الوسطى في برشلونة
  • منظمات دولية تحذر: أمراض يمكن الوقاية منها تهدد الملايين
  • اكتشاف هياكل عظمية لنساء تكشف عن حياتهن الصعبة خلال العصور الوسطى المبكرة
  • عاجل. ترامب: عدم السيطرة على كامل أراضي أوكرانيا هو التنازل الذي يمكن أن تقدم
  • الشناوي: علينا الحذر أمام أورلاندو والتأهل أولويتنا قبل التفكير في اللقب
  • كل شيء يمكن فعله على هاتفك.. خدمة جديدة من إنستجرام لمنافسة تيك توك
  • البنك الدولي يرفع توقعاته لنمو الاقتصاد التركي في عام 2025
  • الشخص الذكي دائم الأسئلة.. خالد الجندي يكشف توجيها قرآنيا يرسي ثقافة التفكير