هل يا تري ستكون جنيف الفرصة الأخيرة للحيلولة دون انهيار الدولة «32»

السفير الصادق المقلي

أولا تبقي الحقيقة أن كلا طرفي النزاع لا يأبهون بهذه  الكارثة الإنسانية غير المسبوقة في تاريخ السودان الحديث…فقد وصفها  المجتمع الدولي و الإقليمي وصفها بانها افظع كارثة انسانية يشهدها العالم اليوم…

فالعالم شهد عدة نزاحات مسلحة …إلا أن ما يحدث في السودان لم يكن له مثيل من حيث التداعيات الخارجية و الاثار الكارثية علي الوطن و المواطنين…موجات من النزوح و اللجوء لم يشهد فعلا العالم مثيلا لها.

.بلد لم ينزح مواطنوها فحسب و إنما الدولة بأسرها قد نزحت..نزحت مؤسسات الدولة من العاصمة و لجأت البعثات الدبلوماسية الي عاصمة بديلة ..و حيث أصبحت الخرطوم مدينة للاشباح…كل القطاعات الاقتصادية و التعليمية و الخدمية و الثقافية و البنية وجدت لها ملاذا آمنا خارج حدود الوطن…فمن لم يمت بالدانات مات عطشا في الصحاري فرارا من جحيم الحرب و منهم من مات غرقا في النهر كما حدث في سنار. أو في كارثة السيول كما حدث في كسلا …حيث استجار النازحون  هناك من ويلات الحرب ليواجهوا بكارثة السيول..

…و منهم من مات بنقص في الأدوية و المعينات الطيبة…بل منهم من مات حسرة و هو بري بأم عينيه الحرب تأكل شقي عمره .

تعرضت البنية التحتية و المرافق الصحية و التعليمية و الثقافية و الخدمية لدمار شامل ..نزحت الي خارج حدود الوطن جامعات و طلاب و صناعات و مبدعون و صحفيون و اعلاميون…اختفي تماما الاعلام الرسمي و الخاص فيما عدا التلفزيون القومي الذي نزح الى بورتسودان التي جعلت منها الدولة عاصمة بديلة…لأول مرة في تاريخ النزاعات في السودان…

نزحت صالات الأفراح و مآتم الاتراح الي العاصمة المصرية..كما لاح في الأفق شبح المجاعة..و قد بدأت بالفعل في بعض معسكرات النازحين كما اشارت لذلك تقارير دولية..

كما هذه الدولة تشهد عزلة دولية و إقليمية غير مسبوقة..عزلت  حتي من محيطها الافريقي .كما شهدت توترا في دول الجوار..و علقت علاقاتها مع كافة المؤسسات المالية الدولية متعددة الأطراف بما فيها بنك التنمية الذي كان السودان من النؤسسين له..بل كان مامون بحيري عليه الرحمة والمغفرة اول المحافظين له..

كل هذه الكارثة الإنسانية و الأزمة الوجودية التي  تهدد بانهيار الدولة…تضع المتقاتلون أمام مسؤوليتهم التاريخية…أمام وطن يكون أو لا يكون.أمام مواطن ظل يدفع فاتورة هذه الحرب العبثية المدمرة علي مدار الساعة و خلال عام و نيف.

و لعل ما يدعو إلي الاحباط و الحسرة فشل النخبة السياسية عسكر و مدنيين في التوصل علي مدار العقود الماضية الي حل مشاكل السودان داخل البيت السوداني…مما جعل الباب مواربا أمام التدخلات الأجنبية…لاسباب منها انسانية و منها لتمرير أجندة اقتصادية و استراتيجية…

و الحال كذلك..و في ظل فشل المبادرات السابقة. فقد وفرت مفاوضات جنيف المرتقبة فرصة اخيرة لكي يشعر المواطن السوداني بعد كل هذه المعاناة ضوءا في اخر النفق..

فعلي الدولة التقاط القفاز باعتبارها المسؤول الاول عن حماية المواطن و الدفاع عن الوطن و الحيلولة دون انهياره..

فالانتهكات و التعدي علي ممتلكات المواطن و ماله و عرضه و حياته…من قبل الدعم السريع و استهداف المواطنين و الاعيان المدنية من قبل الجيش. .هي نتاج طبيعي للحرب و أن استمرارها سوف يفاقم من كل هذه التداعيات الكارثية علي الوطن و علي المواطن ..و يهدد في نهاية المطاف بيضة الوطن..

فلا مناص من ان يحتكم الكل الي صوت العقل و أن يذهبوا الي جنيف بقلب مفتوح.. فالحصة اليوم وطن…

و لعل يضفي علي اجتماعات جنيف أهمية كبيىر الاهتمام الخاص و المتصاعد للادارة الأمريكية ..و من هذا المنطلق اولا نقلت المفاوضات من جده الي جنيف المقر الثاني للأمم المتحدة خارج نيويورك. و جنيف كما هو معروف تستضيف كافة المنظمات الدولية التي تعني بالشؤون الإنسانية. فهناك المفوضية السامية لحقوق الانسان و اللجنة الدولية للصليب الاحمر الدولي راعي اتفاقات جنيف الأربع و بروتوكولاتها الإضافية التي تعني بالحروب و قوانين النزاعات..و هناك وكالات الأمم المتحدة و علي رأسها المفوضية السامية لشوؤن اللاجئين..و الصحة العالمية و غيرها ،،كما تحتضن منظمة الهجرة الدولية و غيرها

..ثانيا رفع مستوي الوسيط و المسهل  من قبل الولايات المتحدة الأمريكية الي مستوي وزير الخارجية حيث سيراس بلنكن نفسه هذه الاجتماعات سيما في ظل فشل الدبلوماسية الأمريكية في النزاع في الشرق الأوسط و بصفة خاصة العدوان الاسرائيلي علي غزة .و في ظل الحملة الانتخابية التي بدأت في امريكا للانتخابات الرئاسية و التى تمثل تحديا كبيرا للادارة الأمريكية الحالية

..كما أن مبعوث الأمم المتحدة للسودان صرح بأن هذه المفاوضات المرتقبة في جنيف سبقتها اجتماعات و تفاهمات وراء الكواليس دون أن يفصح عن مخرجاتها..الأمر الذي يحتم علي طرفي النزاع الاخذ في الإعتبار هذا الاهتمام الملحوظ لواشنطن بالازمة في السودان…و ما تشكله هذه المبادرة الأمريكية التي استصحبت معها السعودية و سويسرا من تحد كبير للدبلوماسية الأمريكية. .

كما يجب أن لا نستبعد أن يفضى فشل مفاوضات جنيف الي فتح الباب علي مصرعيه  لتدخل اجنبي متعللا  بحماية المدنيين…و أن لم يكن هذا التدخل من خلال مجلس الأمن ، ليس من المستبعد أن يتم من خلال تحالف دولي إقليمي كما حدث في عدد من بؤر النزاع في العالم…من خلال ما عرف بمبدأ مسؤولية الحماية  The responsibility to protect.  تدخل لا تحمد عقباه في حالة تفاقم هذه الكارثة الإنسانية الوجودية.

الي الجزء الثالث لاحقا

الوسومالسفير المقلي حرب السودان مفاوضات جنيف

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: حرب السودان مفاوضات جنيف

إقرأ أيضاً:

رئيس منتدى الشراكة الجنوبية: فساد ومحاصصة وازدواجية قرار.. معوقات تهدد حلم بناء الدولة

شمسان بوست / عدن:

صرّح المناضل أديب العيسي، رئيس منتدى الشراكة الوطنية الجنوبية، بأن ازدواجية القرار والفساد والمحاصصة تمثل أبرز التحديات التي تواجه الوطن، وتُعدّ من الأسباب الرئيسية لعرقلة المسار السياسي والاقتصادي والتنموي.

وأوضح العيسي أن تضارب السياسات وتعدد الجهات ذات القرار أدى إلى تناقض الأولويات، وتنفيذ مشاريع متعارضة تفتقر للتكامل، مما ينعكس سلبًا على سرعة الإنجاز ويؤدي إلى تعثر التنفيذ، في ظل غياب قيادة موحدة تملك قرارًا حاسمًا.

وأكد أن ازدواجية القرار تُفضي بشكل مباشر إلى هدر الموارد والفرص، وتُسهم في تأجيل المشاريع وتوقفها نتيجة تغيّر القيادات والتوجهات، ما يؤدي إلى تشظي الخطط الوطنية وإضعاف مؤسسات الدولة.

وأشار العيسي إلى أن الوطن يعاني من “تسرب الوقت والمال”، وهو ما ينعكس في تدني نتائج التنمية وضعف ثقة المواطن في المؤسسات، مؤكدًا أن النهوض بالبلاد لا يمكن أن يتحقق في ظل التردد والانقسام.

وشدد رئيس المنتدى على ضرورة توحيد القرار وتحديد الصلاحيات وتعزيز الشفافية والمساءلة، مشيرًا إلى أن غياب هذه العناصر سيُبقي الوطن في دوامة أزمات متواصلة، ويُعيق أي تقدم حقيقي في الملفات السياسية أو الاقتصادية أو الخدمية.

وتساءل العيسي: “من هو المسؤول؟”، مؤكدًا أن الوقت قد حان لتحمّل المسؤولية الجماعية، بعيدًا عن التراشق الإعلامي أو تبادل الاتهامات، داعيًا إلى اتخاذ موقف وطني موحد في مواجهة الأزمات.

وفي ختام تصريحه، أكد أن معالجة الواقع الراهن تبدأ بمواجهة الازدواجية والفساد والمحاصصة من خلال آليات وطنية جادة تستند إلى المصلحة العليا للوطن والشعب.

وأشار إلى أن الحلول موجودة، ولكنها تتطلب قيادة فعالة تمتلك الإرادة والقدرة على إدارة الأزمات لا صناعتها، من أجل بناء مستقبل أفضل للوطن.

مقالات مشابهة

  • رئيس منتدى الشراكة الجنوبية: فساد ومحاصصة وازدواجية قرار.. معوقات تهدد حلم بناء الدولة
  • عضو الأمانة المركزية للشعب الجمهوري: عمال مصر بناة المستقبل وصناع الحضارة والتنمية
  • ضحايا ودمار واسع في الممتلكات جراء الغارات الأمريكية الأخيرة على صنعاء والمحافظات
  • ريال مدريد يمنح تشافي وتن هاج الفرصة للعودة للتدريب
  • انهيار مفاوضات البرازيل مع أنشيلوتي في الأمتار الأخيرة والسعودية تدخل بعرض خيالي
  • تقرير أمريكي: الحوثيون يقاومون الحملة الأمريكية بعناد رغم الخسائر والأضرار التي تلحق بهم (ترجمة خاصة)
  • البرهان في القاهرة… دلالة الزيارة ومآلاتها والرسائل التي تعكسها
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: جبهة داخلية متماسكة .. أمن واستقرار
  • الساعة الأخيرة للجنجويد: حين يصبح الهروب هو المصير الوحيد
  • عمق الجروح: مرافعة من أجل عدالة انتقالية سودانية