اغتيال هنية يُعرقل الجهود الأمريكية لإنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس
تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT
ديفيد إغناطيوس
ترجمة - بدر بن خميس الظفري
بالرغم من أنّ الولايات المتحدة قوة عظمى، إلا أنها ظلت، طوال تسعة أشهر، غير قادرة على التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس. والآن، ومع اغتيال زعيم حركة حماس إسماعيل هنية يوم الأربعاء، يبدو أن الخلاف الدموي بين الطرفين قد تعمّق، مع وقوف وسطاء السلام الأمريكيين على الهامش.
لم تعلق إسرائيل على وفاة هنية في طهران إلا أنها ليست في حاجة إلى ذلك، فمنذ أن بدأت الحرب بين إسرائيل وغزة، كان من الواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيتخذ إجراءات أحادية الجانب على الهجوم الذي قامت به حماس في 7 أكتوبر على إسرائيل، دون النظر إلى النصائح الأمريكية، فهدفه ليس صنع السلام مع حماس، بل تدميرها، وربما يتفق معه معظم الإسرائيليين.
أدى ذلك الوضع بمسؤولي إدارة بايدن أن يتسابقوا مرة أخرى يوم الأربعاء للسيطرة على الوضع الخطير، مشددين على أنه لا أحد يريد كارثة إقليمية، وأن الآمال في وقفٍ دائمٍ لإطلاق النار لا تزال حية. ويعتقد مسؤولو البيت الأبيض أن القنوات الرئيسية لقيادة حماس كانت داخل غزة، وليس مع هنية من قاعدته الخارجية في قطر. وربما يأمل الوسطاء الأمريكيون أن يمنح موت الزعيم السياسي لحركة حماس نتنياهو مساحة أكبر للتفاوض.
التفاؤل ضروري للوسطاء، حتى لو بدا أن طاولة المفاوضات قد انقلبت. لذا فمن المطمئن أن مدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز ومستشار الشرق الأوسط بريت ماكجورك ما زالا في خضم المفاوضات، لأنه في اللحظة التي يغادر فيها الدبلوماسيون الأمريكيون فعليا، تغرق إسرائيل والعرب المعتدلون.
لقد كان التحالف الأمريكي-الإسرائيلي في كثير من الأحيان متوترا بشأن قضايا السلام، ولكن نادرا ما كان أكثر توترا من الوقت الحالي. في اليوم السابق لمقتل إسماعيل هنية، قُتل القائد العسكري لحزب الله فؤاد شُكر في غارة جوية إسرائيلية في بيروت ردا على الهجوم الذي وقع يوم السبت وأدى إلى مقتل 12 طفلًا في ملعب لكرة القدم في مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل. وكانت الرسالة مفادها أن إسرائيل قادرة على ضرب أي شخص وفي أي مكان -ولكن هل سيؤدي استعراض القوة هذا إلى تخويف حلفاء إسرائيل ودفعهم إلى التهدئة؟ أنا أشك في ذلك. هل سيجر الولايات المتحدة إلى حرب كارثية؟ ربما. ولكن بالنسبة للدبلوماسيين المشاركين في المفاوضات، فإن السلاح الوحيد الذي يملكونه هو «مواصلة المفاوضات».
الصراع بين الحلفاء واضح، فهدف فريق بايدن هو وقف التصعيد، بينما يسعى نتنياهو إلى «النصر النهائي»، كما قال ذلك في خطابه الأخير الذي ألقاه أمام الكونجرس. وهو ليس الطرف الأوحد الذي يتخذ وجهة نظر متشددة، فحماس وداعموها الإيرانيون يريدون تدمير إسرائيل أيضا.
منذ أن بدأت الحرب، كانت مفاوضات السلام الأمريكية تشبه (مفارقات زينون)، حيث إنّ كل خطوة تصل بك إلى منتصف طريق الهدف، لكنك لا تصل إلى الهدف أبدا، فحماس ترفض الاستسلام، وإسرائيل تبتعد عن مسار التسوية مع كل هجوم انتقامي جديد تنفذه في غزة أو دمشق أو بيروت أو طهران.
طوال السنوات الماضية عندما كنت أسأل أصدقائي الإسرائيليين حول كيفية التخلص من آلة العنف الدائمة هذه، كانوا غالبا ما يجيبون بكل أريحيّة: «إنه الشرق الأوسط». أي أن العنف والكراهية من حقائق الحياة، وأنّ القوة العسكرية هي الطريق الوحيد إلى الأمن، وأنّ «السلام» مجرد وهم.
ويقول الإسرائيليون: لقد كانت هناك فرصة منذ جيل مضى، أثناء توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993، عندما شجّعت التنازلات الفلسطينية على قيام حركة سلام حقيقية في إسرائيل. ولكن بعد إراقة الدماء في الانتفاضات الفلسطينية والهجمات التي تشنها حماس على إسرائيل، فقد ولّت تلك الفرصة منذ زمن طويل.
من الصعب مواصلة النقاش مع مثل هذه المفارقات عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط. ولكن يتعين على الإسرائيليين أن يسألوا أنفسهم عن مدى نجاح نهجهم الصارم المتمثل في الالتزام بالحرب الأبدية في الواقع الفعلي. لا يزال الإسرائيليون عالقين في لعبة محصلتها صفر، في حين اتجهت العديد من الدول العربية نحو التسوية. معظم الدول العربية لديها اتصالات دبلوماسية هادئة مع إيران، وكذلك تفعل الولايات المتحدة. تبدو بعض الدول الخليجيّة أكثر اهتماما هذه الأيام بحماية اقتصادها القائم على الذكاء الاصطناعي في مواجهة المستقبل من الحفاظ على الخلاف العربي-الفلسطيني القديم. إنّ قافلة الإبل تتحرك، إذا جاز التعبير، لكن إسرائيل ما زالت عالقة في الماضي.
قد يكون من الممكن سحق حماس وإرغامها على الخضوع الكامل الذي يسعى إليه نتنياهو، وقد تتسامح إيران مع مقتل حليفها (إسماعيل هنيّة) الذي جاء إلى طهران لحضور حفل تنصيب رئيسها الجديد، ومن المحتمل أن تظل هذه الجولة من التصعيد المتأرجح بين شدٍّ وجذب، بدلا من الانزلاق إلى حرب شاملة. ولكن في مرحلة ما، سينفدُ حظّ الوسطاء في التهدئة.
ديفيد إغناتيوس كاتب عمود حول الشأن الخارجي في صحيفة واشنطن بوست. وأحدث رواياته هي «المدار الوهمي».
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وغزة معلّق بخيط رفيع
كان ظهور مقاتلي حماس المدجّجين بالسلاح في أثناء تسليم الرهائن الثلاثة الإسرائيليين المحتجزين في غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 إلى الصليب الأحمر يوم الأحد بمثابة تذكير كريه، لمن يحتاج إلى تذكير، بأن اتفاق وقف إطلاق النار الذي اتفق عليه الأسبوع الماضي معلّق بخيط رفيع - وقد يتهاوى في أي لحظة.
تكمن المشكلة الأساسية، مستقبلًا، في أنه لا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولا قيادة حماس المعاد تشكيلها، يريدان حقا للهدنة أن تستمر. فقد قام دونالد ترامب ومبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف بإرغام نتنياهو -وهو مجازيا يركل ويصيح- فوافق على الصفقة.
فعلى مدى أشهر عديدة، قاوم نتنياهو -وهو نفسه رهينة لدى حلفاء الائتلاف اليميني المتطرف- المقترحات التي طرحها الرئيس الأمريكي آنذاك جو بايدن في مايو الماضي. ولكن هل من المعقول أن نفترض أن نتنياهو قد يتخلى عن هذه التهدئة؟ ويبدو الآن أن موافقته التي يحتمل أن تكون مؤقتة ناجمة إلى حد كبير عن رغبته في ألا يفسد حفل تنصيب ترامب في واشنطن.
لقد تردد، قبل حتى أن يجف حبر الصفقة، أن نتنياهو طمأن الوزراء الساخطين إلى أن وقف إطلاق النار مؤقت وأنه لا ينوي احترام شروطه بالكامل. ويقال إنه وعد المتشددين إيتمار بن غفير، الذي استقال احتجاجا، وبتسلئيل سموتريتش، الذي يهدد بذلك، بأنه سوف يستأنف الحرب عما قريب.
من المقرر أن تستمر المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار ستة أسابيع. ويجب أن تبدأ المفاوضات بشأن المرحلة الثانية، التي تدعو إلى الانسحاب العسكري الإسرائيلي الكامل وتحرير جميع الرهائن الأحياء في مقابل إطلاق سراح المزيد من السجناء الفلسطينيين، في موعد لا يتجاوز خمسة عشر يوما من الآن. ومن المستبعد أن تبدأ هذه المفاوضات.
فقد كتب أمير تيبون، المحلل في صحيفة هآرتس يقول إن «لدى نتنياهو طريقتين لإغراق الاتفاق وإيجاد ذريعة لتجديد الحرب. الأولى هي ببساطة تعطيل مفاوضات المرحلة الثانية... وإضاعة الوقت. وقد مارس هذا مرات عدة مع فريق بايدن الذي اتسم إما بالضعف الشديد أو العزوف عن الاعتراف بحقيقة هذا التخريب».
«والثانية هي إثارة اندلاع العنف في الضفة الغربية. وقد اشتعلت النيران هناك بالفعل، إذ أشعل المستوطنون المتطرفون النار في المنازل والسيارات في العديد من القرى الفلسطينية ليلة الأحد، في الوقت الذي كان فيه ملايين الإسرائيليين يحتفلون بعودة الرهائن الثلاثة».
وما عنف الضفة الغربية، سواء أثير عمدا أم لا، سوى أحد المحفزات المحتملة لاستراتيجية التخريب. قد يزعم نتنياهو أن حماس لا تمتثل للاتفاق، ولقد فعل ذلك بالفعل في نهاية الأسبوع، معطلا بدء وقف إطلاق النار لعدة ساعات. ومن بين الاحتمالات الأخرى التي علينا أن ننتظرها اندلاع اشتباكات مفاجئة وعشوائية قد تؤدي إلى تمزيق الهدنة في غزة و/أو لبنان.
الحق أن نتنياهو يواجه خيارا مصيريا خلال الأسبوعين المقبلين أو نحو ذلك. فمن خلال التخلي عن وقف إطلاق النار، قد يسترضي اليمين، ويحافظ على تماسك ائتلافه، ويستبقي نفسه في السلطة، ويتجنب التحقيقات في سياسته قبل السابع من أكتوبر القائمة على التسامح مع حماس وفشله في وقف أسوأ هجوم على اليهود منذ عام 1945. وفي حال استئناف الحرب، فلديه كما يقول وعد من ترامب بمدد غير محدود من الأسلحة.
أو قد يراهن على السلام، ويواجه غضب اليمين المتطرف ويخاطر بانهيار حكومته وبانتخابات مبكرة. ومن المتوقع أن يخوض نتنياهو حملته الانتخابية بصفته زعيم الحرب الذي هزم حماس، وأعاد بعض الرهائن إلى الوطن، وسحق حزب الله في لبنان، وألحق بإيران الضرر الكبير مرتين.
وبما أنه يقال إن نحو 60% إلى 70% من الناخبين الإسرائيليين يفضلون إنهاء الحرب، فمن المحتمل أن يخرج نتنياهو على عادته طول عمره السياسي ويفعل الصواب. ومن شأن سلام دائم أن يكسبه نقاطًا إضافية لدى البيت الأبيض، ويمهد الطريق لترامب كي يواصل مشروعه المفضل، أي تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية وعزل إيران بوسائل غير عسكرية.
لكن المشكلة تكمن في أن حماس وحلفاءها من مسلحي الجهاد الإسلامي في غزة لا يريدون أيضًا لوقف إطلاق النار أن يستمر.
وقد وجَّهت استعراضها للقوة يوم الأحد، وإن كان محدودًا للغاية، رسالة استفزازية مفادها أن حماس نجت، وأنها لا تزال تسيطر على بقية الرهائن، وأنه لم تخلفها حتى الآن أي سلطة في غزة. وفي بيان صدر يوم الاثنين، تعهدت حماس بأن غزة «سوف تنهض من جديد» - تحت وصايتها المشكوك فيها.
ثمة حديث كثير عن إدارة مؤقتة من التكنوقراط مدعومة من مصر وقطر، وعن تولي السلطة الفلسطينية (التي تدير الضفة الغربية من الناحية النظرية) المسؤولية عن غزة. ولكن في الوقت الراهن، ليس لدى أحد السلطة أو الاستعداد لتولي الحكم - وحماس، بطبيعة الحال، تملأ الفراغ في السلطة. ويلام نتنياهو جزئيا في ذلك. فقد رفض لمدة خمسة عشر شهرا وضع خطط «اليوم التالي» أو حتى مناقشتها.
وحينما ننظر قدمًا إلى الأسابيع المقبلة، نجد أن الأمن في غزة قد يصبح قضية بالغة الأهمية مع عودة عشرات الآلاف من النازحين والجياع إلى منازلهم المحطمة وأحيائهم المدمرة وبدء محاولات استئناف حياتهم. وسوف تحاول حماس السيطرة على توزيع مساعدات الأمم المتحدة والوكالات المتحالفة معها، مثلما تسيطر على إطلاق سراح الرهائن من خلال الصليب الأحمر. وقد يتسبب هذا في تعميق الاضطراب وتصاعد الصراع الداخلي.
في الوقت نفسه، من المتوقع أن تبدأ حماس بسرعة في إعادة بناء قدراتها العسكرية، وقد ازدادت عزما عن ذي قبل، بعد الضربة القاضية التي تلقتها، على تكبيد إسرائيل ثمنا باهظا، فهي لا تزال على وعدها بتدميرها. وقد أشارت صحيفة تايمز أوف إسرائيل إلى أن «صور مقاتلي حماس كانت تذكيرا صارخا بأن الجماعة الإرهابية لا تزال مسؤولة عن غزة».
وقالت الصحيفة: إن المسؤولين الإسرائيليين يقدرون أن اثنتين فقط من كتائب الجماعة الأربع والعشرين لا تزالان تعملان.
ولكن يقال إن حماس تعيد تجميع صفوفها تحت قيادة محمد السنوار، الأخ الأصغر ليحيى السنوار، العقل المدبر لأحداث السابع من أكتوبر الذي قتلته إسرائيل في الخريف الماضي. وقال وزير الخارجية الأمريكي المنتهية ولايته، أنطوني بلينكن الأسبوع الماضي: إن الولايات المتحدة تعتقد أن حماس جندت عددا من المقاتلين يساوي عدد من فقدتهم منذ بدء الحرب.ومثلما حدث في أزمات سابقة في الشرق الأوسط، ربما كان من المتوقع أن يتدخل الرئيس الأمريكي في هذه المرحلة الحرجة لضمان التزام الجانبين بكلمتهما فيصبح وقف إطلاق النار سلاما دائما. لكن ترامب ليس من هذا النوع من الرؤساء. فقد كان يخشى من أن تطغى الحرب على يومه المنتظر. والآن سينصرف انتباهه إلى جهة أخرى. فهو لا يطرح خطة أو أفكارا جديدة - وكل ما يطرحه لا يعدو قوائم أمنيات وتهديدات وتحيزات.
وإذا ما قرر زعماء إسرائيل وحماس معاودة القتال في الأسابيع والأشهر المقبلة، فقد لا يكون ثمة من يوقفهم - برغم حقيقة أن معظم الإسرائيليين والفلسطينيين والعالم المتابع يتوقون إلى السلام.