لجريدة عمان:
2024-09-09@10:38:49 GMT

قراءة في عقل المتطرف

تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT

لم أعتدْ تناول قضايا التطرّف والإرهاب والخوض فيها، ولكن لدي شغف لمعرفة ما يجوب في عقل الإنسان المتطرّف الذي نحتاج إلى تشريح فكره، وفكّ شفرة أفكاره المتطرّفة من زاوية نفسية مترامية الدوافع والتأثيرات، و يأتي في مقدمتها الدافع الديني المغلوط الذي أجزل في شرح مفاصله وتشريحه الأستاذ بدر العبري في كتابه القيّم «فقه التطرف»، وهنا لا أرغب بالمزايدة في منحى التأصيل الديني المتعلق بالتطرف، ولكن لعّل ما يمكن أن نخوضه في قراءتنا هذه شيئا من التأملات التي يمكن تصورها في فهم عقل المتطرف.

أذكر منذ سنوات طويلة عندما برز اسم تنظيم «القاعدة» -قبل ثورة وسائل التواصل الاجتماعي وانتشارها- أنني كنت أتساءل عن مغزى تشكّل مثل هذه المنظمات الإرهابية التي أثبتت في كثير من حوادثها أنها ذات نزعة متطرفة عبر مهاجمتها للمجتمعات الإنسانية المدنية التي لا تملك أي تداخل مع العمل العسكري أو السياسي؛ فرأينا تفجير المساجد ودور العبادة ومهاجمة الأبرياء العزّل أفرادا وجماعات دون أيّ غاية واضحة إلا لبثّ الخوف وإحداث القتل والتدمير، ولم تلبث أن تقلّصَ وجود ما يسمى بـ«القاعدة» ليحّل محله ما نعرفه اليوم بـ«داعش» الذي لم يختلف عن سلفه من حيث الأهداف والنزعة المتطرفة، والذي تزامن ظهوره مع أحداث ما يُعرف بـ«الربيع العربي» الذي لم نرَ له أهدافا واضحة؛ ففي معظم مشاهده -التي اتضحت ملامحها بعد عدّة سنوات- لم يجلب إلا الخراب السياسي والاقتصادي للدول والشعوب، ويكاد لا نرى ثورة إلا ويتبعها ظهورٌ للمنظمات المتطرفة التي بات من السهل استنتاج تحديد منابع تمويلها ودعمها للامحدود؛ لتتضح الصورة أن لهذه المنظمات الإرهابية وجهين؛ فيمثل الوجه الأول المنبع الذي يُعزى إليه تشكيل نواة هذه المنظمات وتمويلها، ويمثل الوجه الثاني أفراد هذه المنظمات التي يمكن اعتبار الشريحة الأكبر منها من المغرر بهم عبر وسائل عدة منها المادية والفكرية، ولا أريد التفصيل في الوجه الأول قدر ما نرغب في طرح قراءة خاصة عن الوجه الثاني لهذه المنظمات التي تمثل العقل المتطرف؛ لنحدد بعض مفاصله الفكرية والنفسية الدافعة لتشكيله وتحويله إلى آلة قتل غير عابئة بالمبادئ الإنسانية والدينية، وقبل أن نلجَ إلى هذا الشق نحتاج سريعا العودة إلى الوجه الأول الذي يتمثل في سؤال بسيط: من يقف خلف هذه المنظمات المتطرفة ويموّلها؟ وللإجابة على السؤال يمكن للقارئ أن يبحث في مصادر مرئية ومكتوبة كثيرة في محركات البحث التي سيجدها تؤكد أن هذه المنظمات صهيونية التأسيس والمنشأ حتى وإن التصقت اسما وفكرًا ببعض المدارس الدينية، ولكن حالها حال الفيروسات التي تبحث لها عن ملاذ يمكن اختراقه واستيطانه لاستعداده المسبق، ومع ذلك لا يمكن أن يستمر وجود مثل هذه المنظمات دون وجود التمويل المستمر والقاعدة الشعبية المؤيدة.

نعود إلى محور نقاشنا الرئيس المتعلق بالعقل المتطرّف من حيث سبل تأسسه ونزعاته التعصبية؛ فنجد أن العقل المتطرّف في أصله يملك الاستعداد المسبق لقبول فكرة التطرّف، والذي يكون في غالبه نتاج النزعة النفسية وتقلباتها التي تعتصر بين الرغبة بالبوح بالألم وتحريره بصوره الكثيرة -منها الجنون والأمراض النفسية- وبين الكبت -الذي يجعل من الإنسان يخوض معاركَ صامتة مع الصراعات النفسية تترجم إلى ممارسات مناقضة أو تبنّي أفكار ضالة-، وكذلك يأتي -في حالات أخرى- نتاج البيئة المؤيدة لفكرة التطرف المغذية لبذرة التعصب الديني أو المذهبي أو العرقي؛ فمع الحالة الأولى، يحاول الإنسان ذو النزعات النفسية المضطربة أن يمارس دورًا مخالفًا للنمط الجمعي الذي يكون في بعض مظاهره في صورة إدمان أو بحث عن وسائل يصب فيها نقمته على المجتمع لأسباب أكثرها وهمية، وفي كلا الحالتين يكون هذا المضطرب النفسي فريسة سهلة لهذه المنظمات التي تعمل على استدراجه تحت غطاء ديني أو مذهبي مضلل، وفي هذه الحالة من السهل أن نقول إن التطرف يزداد نشاطه ورواجه بين المجموعات ذات الاستقرار النفسي الضعيف، وهذا ما يحدث أيضا في الأوساط المجتمعية ذات النشأة الدينية أو العرقية المتطرفة والمتعصبة التي لا تؤمن بمبدأ التعددية والرأي الآخر. نستنتج من ذلك أن العقل المتطرف فاقدٌ لبُوصلته الإنسانية نتيجة التوجيه الديني الخاطئ الذي ينشط مع الانتكاسات النفسية خصوصا ذات النزعات الإجرامية، منهم أصحاب السوابق والقضايا. في حين ما يثير دهشة البعض أن يكون بعض المنتمين لهذا الفكر المتطرف من لم يُعرف عنهم ميولات إجرامية ونكسات نفسية، وأنهم من أصحاب الدخل الجيد والمستقر؛ فتكون آلية بحثنا في العقل المتطرف وتمحيصها مهمة صعبة تتجاوز توقعات الحس الأمني أو حتى احتمالات خوارزميات الذكاء الاصطناعي؛ فغياب خيوط التطرف تجعل من مهمة تشريح العقل المتطرف غير ثابتة المعايير رغم استقرار كثير من معاييرها مثل التي ذكرناها، ورغم ذلك فالبحث في العقل المتطرف بحاجة إلى جمع كل العناصر المستفيضة من ظواهر التطرف ومستجداته بما في ذلك العناصر النفسية الظاهر منها والمكبوت بما فيها ظاهرة القلق الوجودي وأسئلته الكبرى - التي نحتاج إلى مبحث مستقل لتناولها-، وعنصر البيئة وثقافته الجمعية والشاذة، ويشمل التعاليم الدينية المغلوطة والخطاب الديني الذي يمكن أن يعتري بعض مفاصله أو جميعها عنصر التطرف، والعنصر الاجتماعي والمالي. من الممكن ألا تجتمع كل تلك العناصر أو بعضها عند الإنسان فتشكّل في داخله عقلا متطرفا، ولكن من يقف وراء هذه المنظمات الإرهابية فإنه يجيد فن الإقناع الذي يمكن إعماله -ولو بعد عدّة محاولات- في داخل العقل البشري عبر الشحن التعصبي العاطفي المدعوم بالتأثير الديني المضلل المثير للحمية والمهيّج للعاطفة المزخرف بنيل الثواب؛ لتسخيره إلى آلة قتل لا تستجيب لأيّ منطلقات إنسانية؛ فتعمل كأنها آلة مبرمجة تبحث عن وسيلة تطفئ بواسطتها عقدها النفسية المكبوتة، وتوقن -وهما- أنها تتقرّب إلى الله وتكسب رضاه.

لا تنتهي مهمة البحث في عقل المتطرف وتحديد المسببات التي تقوده إلى التطرف؛ فهي في حالة متجددة نتيجة الظروف والتقدم التقني كما أسلفنا في مقال سابق «المجتمع الرقمي ومواجهة التطرف»، ولكن لابد من المسارعة إلى تطبيق كل الحلول الممكنة التي يمكن أن تسهمَ في دحر التطرف وتقليل مخاطره، وأحد هذه الحلول الممكنة تتبع كل المصادر المؤيدة للتطرف والتعصب سواء الفئات المحرّضة للطائفية عبر خطابها الديني الرسمي أو المستتر أو أصحاب اللغة التكفيرية ونعوتها الطائفية مثل التي نراها في وسائل التواصل الاجتماعي، وحظر الكتب المؤيدة للنزعات المتطرفة، ومعالجة القضايا المجتمعية التي تتعلق بالشأن الاقتصادي والمعيشي، والاهتمام بالصحة النفسية والتوعية بضرورتها، ونشر المبادئ الدينية والأخلاقية السليمة؛ فهناك من يبحث عما يسدّ رغباته الفكرية الداخلية، ويجيب عن أسئلته الوجودية والكبيرة؛ فإن لم يجد لبلوغها سبيلا كان لهذه المنظمات السبيل إلى اقتناصها واستغلال فراغها عبر منهج التضليل وإخضاع العقل إلى سلطة التطرف.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه المنظمات المتطر ف یمکن أن الذی ی

إقرأ أيضاً:

هيئة مقدسية: ما يجري في المسجد الأقصى ينذر بمستقبل قاتم

القدس - صفا

أكدت الهيئة المقدسية لمناهضة الهدم والتهجير أن ما يجري في المسجد الأقصى المبارك، عملية انقضاض وإرهاب لم يحدث لها مثيل، وتنذر بمستقبل قاتم.

وبين رئيس الهيئة ناصر الهدمي، في تصريحات إعلامية له، يوم الجمعة، اطلعت عليه وكالة"صفا، أن جرائم الاحتلال بحق "الأقصى" ما هي إلا امتداد للسياسة الهمجية والإجرامية التي يتبعها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة وكافة المدن الفلسطينية.

وقال إن حكومة الاحتلال تعمل على خلط الأوراق وتفجير الأوضاع من خلال استمرار الحرب على غزة، وتمكينه من السيطرة الكاملة على المسجد الأقصى.

وأضاف أن الأحزاب المتطرفة، تريد أن تستغل هذا الواقع من أجل مزيد من التقدم باتجاه هدفها ببناء هيكلهم المزعوم مكان المسجد الأقصى.

وأطلق خطيب المسجد الأقصى المبارك، الشيخ عكرمة صبري، تحذيراً من أن الأحزاب اليهودية التي تقود حكومة الاحتلال تعد لـ"لإنقضاض على المسجد المبارك".

وقال الشيخ عكرمة إن تلك الأحزاب، تشعر بأن الوقت مناسب لتنفيذ مخططاتها التهويدية تجاه المسجد الأقصى، منبهاً إلى ، معتبراً أن تزايد اقتحامات المستوطنين الواسعة للمسجد ما هي إلا اعتداء صارخ وتحدٍ واستفزاز لمشاعر المسلمين.

وأكد أن ادعاء الوزير المتطرف بن غفير وتشكيكه في الوضع القائم في الأقصى، مشيراً إلى أن الهدف من الاقتحامات هو فرض السيطرة على المسجد.

وتستعد حكومة الاحتلال لأول مرة لتمويل اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى المبارك، من خلال ما تسمى بـ"وزارة التراث".

إذ ستخصص مليوني شيكل (نحو 545 ألف دولار) للمشروع من ميزانية وزيرها المتطرف “عميحاي إلياهو”.

وتشمل الخطة القيام بجولات “إرشادية” تهويدية للمستوطنين في الأسابيع المقبلة، استعدادًا لفترة الأعياد اليهودية.

يأتي ذلك بعدما شكّك وزير الأمن القومي المتطرف “بن غفير” في الوضع القائم في باحات المسجد الأقصى، مبديًا تأييده بناء كنيس في المكان.



 

 

مقالات مشابهة

  • بعد هجوم موسكو.. طاجيكستان تكافح التطرف بقص اللحى ومنع الحجاب
  • ما الدور الذي يمكن أن تلعبه أمعاء الأسماك في منتجات العناية بالبشرة في المستقبل؟
  • “الانترنيت والتطرف الفكري”
  • أعطال العقل السياسي السوداني
  • الأستاذ الصحفي فتحـي الضـو عن الحرب العبثية الدائرة ومآلاتها والسيناريوهات التي يمكن أن تحدث حال إستمرارها
  • المنظمات الأهلية الفلسطينية: المساعدات شحيحة والوضع الصحي في تدهور مستمر
  • استشاري نفسي يحذر من مقاطع الريلز: تؤدي لانحراف العقل الإنساني
  • استشاري صحة نفسية: إدمان مشاهدة الـ«ريلز» يتسبب في قلة التركيز وتشتيت العقل
  • الشرطة البريطانية تبحث عن صاحبة الفستان الأصفر.. ما القصة؟
  • هيئة مقدسية: ما يجري في المسجد الأقصى ينذر بمستقبل قاتم