نعلم أن السبب الحقيقى وراء قيام الحكومة برفع سعر الوقود بهذه الطريقة هو الضغط الذى يمارسه صندوق النقد الدولى الذى يشدد على رفع الدعم بشكل كامل عن الوقود والكهرباء والخدمات. وذلك ضمن خطة برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى اتفقت عليه الحكومة مع الصندوق لصرف قرض الـ8 مليارات دولار والذى يهدف لرفع الدعم بشكل كلى وبالتدريج عن الكهرباء والوقود فى غصون سنة إلى 3 سنوات.
فى الواقع أن دعم الوقود يفيد الأثرياء غالبًا، وإلغاء هذه الإعانات وتوجيه الموارد إلى برامج دعم أكتر استهدافًا سيساهم فى تحقيق العدالة الاجتماعية وتخفيف الأزمات المعيشية. فلا أحد ينكر معاناة المواطنين بسبب ارتفاع الأسعار وخاصة الفقير الذى لا يستطيع تدبير قوت يومه، أما الأغنياء هم الأكثر استفادة من هذا الدعم، والفقراء الأقل استفادة منه ويجب توجيه الدعم لمستحقيه بالفعل.
ولكن السؤال هنا إلى أى مدى يستطيع الفقير تحمل هذا العبء؟ وبعد حصول الدولة على قرض الصندوق ماذا تفعل مع الفقير لإصلاح حالته المعيشية؟
هناك اقتراح على الحكومة التفكير فيه بنظرة أعمق، وهو محاولة تعويض الفجوة فى تسعيرة الوقود، من خلال أصحاب السيارات الفارهة والأسر التى تمتلك سيارات بعدد أفراد الأسرة، فهذه الشريحة من المجتمع لا يجب أن تحاسب مثل الشريحة المتوسطة أو الفقيرة. هذه الفئة وهناك نسبة كبيرة منها داخل مصر لا يفرق معهم سعر لتر البنزين فى شىء، فهل من العدل أن يحصل صاحب سيارة بملايين الجنيهات على لتر بنزين بنفس السعر الذى يمتلك سيارة لا تتعدى 50 ألف جنيه. فكما تفعل وزارة الداخلية فى تراخيص السيارات طبقًا لنوعها وموديلها يجب أن يطبق ذلك فى أسعار الوقود. حتى نستطيع سد الفجوة فى فرق سعر الوقود بعيدًا عن المواطن الفقير، ويتم استخراج كروت صرف بنزين بتحديد كل فئة يتم استخدامها فى محطات الوقود.
فقد أثار قرار لجنة تسعير المنتجات البترولية، بزيادة أسعار البنزين بأنواعه والسولار والمازوت الصناعى بنسبة تصل إلى 15 بالمائة تخوفًا شديدًا لدى المواطنين خاصة الطبقة الوسطى والفقيرة، المشكلة أن ارتفاع سعر الوقود يمنح الفرصة لجميع التجار ووسائل المواصلات العامة من استغلال الموقف ورفع الأسعار لديهم بصور غير منطقية نهائيًا تحت حجة ارتفاع سعر الوقود. وللأسف أن الجهات الرقابية المنوط لها التصدى لمثل هذه الأمور لا تقوم به بالشكل الصحيح. ويكون المواطن الغلبان هو الضحية فى النهاية، حيث يبدأ المواطن يومه وهو ذاهب إلى العمل بأزمات ومشاكل مع سائقى السرفيس والميكروباص الذين يقومون بعمل تسعيرة على مزاج كل منهم دون مبالاة للمواطن، ويقوم كل فرد يعمل بالتجارة بزيادة أسعار السلع نظرًا لما شاهده من ارتفاع فى أجرة المواصلات، وكذلك أصحاب الحرف، ومثلهم المطاعم وتجار اللحوم والخضروات، ويضطر الأطباء لرفع سعر الكشف فى عيادته الخاصة وهكذا الجميع يسارع فى كيفية الحصول على أكبر مكسب ممكن حتى يعوض ما يستهلكه، ويبقى الدور على الموظف الغلبان الذى لا يستطيع أن يرفع سعر الخدمة التى يقدمها للدولة، ويواجه فى نفس التوقيت كل هذا الجشع ممن يتحكمون فى الأسعار. وهناك نوعان من الموظفين الشخص الملتزم والمحترم، والآخر الذى يكون ذا ضمير مريض فيتحجج بهذا الارتفاع فى الأسعار حتى يحلل لنفسه تلقى الرشاوى وما شبه ذلك فى عمله. وهكذا تلف الدائرة التى يقع ويدهس تحت عجلاتها المواطن الفقير المحترم صاحب الضمير والأخلاق.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: إطلالة سامية فاروق الإصلاح الاقتصادى صندوق النقد الدولي سعر الوقود
إقرأ أيضاً:
بوب ديلان: الصوت الذى شكّل ثقافة الستينيات
أثناء دراستى للأدب فى كندا، قدّم لى زملائى أغانى بوب ديلان. فى البداية، كانت موسيقى وكلمات ديلان بعيدة عن ذهنى، ولكن بعد سنوات من الاستماع والتأمل، بدأت أستمتع بالرسائل الاجتماعية والسياسية التى كانت تلتف حول أغانيه، فتبين لى أنها كانت أكثر من مجرد موسيقى؛ كانت أشكالًا من الاحتجاج والأمل والتغيير.
بدأت مسيرة بوب ديلان الفنية فى أوائل الستينيات، حيث كانت أغانيه بمثابة صرخة ضد الظلم، وشهدت انطلاقته تزامنًا مع الحركات المناهضة لحرب فيتنام، إلى جانب مطالبات الحقوق المدنية فى أمريكا. كانت أغانيه نافذة نحو قضايا معقدة، يبرز فيها الصراع بين الأمل والواقع، بين الشباب والسلطة، مما جعلها لغة لاحتجاجات الجيل الجديد فى تلك الحقبة. ولم يكن ديلان مجرد مغنٍ، بل كان صوتًا يرفع راية التمرد، ويحمل فى طيّاته شعارات التغيير، مما أكسبه تقديرًا عالميًا، كان آخرها فوزه بجائزة نوبل فى الأدب عام 2016، بالإضافة إلى جوائز أخرى مرموقة مثل الأوسكار وجوائز جرامى.
وفى عام 1964، شهدت مسيرته تحولًا جذريًا، إذ بدأ فى استخدام القيثارة الكهربائية، مما دفعه للانتقال من موسيقى الفولك إلى الروك التى أصبحت تعبيرًا مباشرًا عن مشاعر الشباب الأمريكى وأحلامهم فى ذلك الوقت. هذه النقلة جعلت موسيقاه تنبض بالحياة، وتزيد من تأثيرها على الشارع الأمريكى والعالمى.
اليوم، وفى 25 ديسمبر الحالى، يعرض فى الولايات المتحدة فيلم «مجهول تمامًا» للمخرج جيمس مانغولد، الذى يتناول قصة بوب ديلان استنادًا إلى كتاب «قيثارة ديلان الكهربائية والليلة التى غيرت تاريخ الستينيات» للمؤلف إى. والد. يعرض الفيلم حياة ديلان منذ وصوله إلى نيويورك عام 1961 حتى العرض الشهير فى مهرجان نيو بورت الشعبى عام 1965.
ربما يكون من الصعب تجسيد شخصية مثل ديلان، الذى ظلت طوال مسيرته تتحدّى التعريف والتصنيف والتحديد، وهذا ما أكده ريتشارد ف. توماس، أستاذ الكلاسيكيات فى حديثه مع مجلة «هارفارد غازيت»: «من الصعب تقييم صوت ديلان بشكل دقيق، فموسيقاه تتغير فى كل عرض، وهو يهتم بتقديم الأغنية بشكل حى وجديد، مما يبدد توقعات الجمهور». وأضاف: «ما يميز ديلان هو استمراريته وتجدده، فهو لا يتوقف عن إبداع أعمال جديدة، ومهما مضت الأعوام، تبقى موسيقاه حية وقادرة على لمس أعماق الناس».
أعتقد أنّ قيمة أغانى بوب ديلان تكمن فى أن كلماته صرخة فى وجه الظلم، وألحانه رسائل من مناهضة الحروب والكفاح من أجل تحقيق الحرية والعدالة. كانت موسيقاه ولا تزال مرشدًا للأجيال فى فترات الاضطراب، ويظل تأثيره حيويًا فى توجيه الفنانين نحو التعبير الصادق والحر. وبالنظر إلى إرثه، يمكننا القول إن بوب ديلان سيظل جزءًا من الروح الثقافية الأمريكية التى ما زالت حية فى وجدان كل من يسعى للتغيير.