لجريدة عمان:
2024-12-26@02:37:22 GMT

مجلة «نزوى» .. الشجرة والغصن

تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT

في عام 2006 قُيِّضَ لي أن أجري حوارًا ثقافيًّا لإذاعة سلطنة عُمان مع الشاعر سيف الرحبي، وما زلت أذكر إجابته عن سؤالي حول مجلة «نزوى»: «قد أتركها اليوم أو غدًا، لكن يهمني استمرارها في سياق إبداعي عُماني يستطيع أن يحمل أعباء هذه الرسالة إلى الخارج وأن يُكرِّس مكانة عُمان الحقيقية إبداعيًّا وثقافيًّا وحضاريًّا».

ورغم الثلاثين عامًا التي قضاها الرحبي في المجلة إلا أن اللافت في تعامله معها هو هذه النبرة المودِّعة التي تتكرر كثيرًا في تصريحاته وبعبارات مختلفة، منها مثلًا قوله: إن «كل عدد يحمل معه بذور موته»، ويبدو له كأنه العدد الأخير. وها قد ترجلّ الفارس أخيرًا عن صهوة جواده، فصدر العدد الأخير من المجلة -الذي خرج من المطبعة قبل عدة أيام- من دون اسم الرحبي في رئاسة التحرير.

لم يكن سيف الرحبي رئيس تحرير المجلة فحسب، بل أحد مؤسسيها بعد عودته إلى عُمان من المهاجر المختلفة في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وفي افتتاحية العدد الأول الذي صدر في نوفمبر من عام 1994، اعتبر الرحبي مجلة نزوى «متطلَّبًا ثقافيًّا ضروريًّا في مسار الثقافة العُمانية، ومحاولة لبلورة خصوصيِّتها وأصواتها، وروافدها المتعددة، وشرح ذلك بالقول: إنه رغم مكانة عُمان في التاريخ العربي والعالمي إلا أنها ظلت تعاني من جهل «الآخر» بها على الصعيد المعرفي، فقلما كنا نجد في ذلك الوقت- أي تسعينيات القرن الماضي- صدى لمختلف النتاجات العُمانية النثرية في محيط الثقافة العربية، وهي نتاجات تتسم- كما يؤكد سيف- «بالغزارة والتنوع والعمق في أقانيم شتى، ارتادها الأسلاف بذهن خلاق رغم شراسة الجغرافيا ونأي الأمكنة».

بعد ثلاثين سنة من مقدمة الرحبي تلك؛ تتحدث تلميذته وخليفته في رئاسة التحرير، الكاتبة والصحفية هدى حمد- في افتتاحية العدد الجديد- عن «الاختلاف الشاسع بين المرحلتين». تجزم هدى بأن المشهد الثقافي العُماني بات عقب هذه العقود الثلاثة «أكثر سطوعًا، والأمر قد لا يتعلق بالجوائز التي حصدها الكُتَّاب العُمانيون وحسب، وإنّما بالبصمة التي تركها مشروعٌ متراكم ظل يُنبئ عن نفسه واستحقاقه رغم ما اعتوره من توارٍ وخجلٍ وبطء».

بالتأكيد فإن هذا المشروع المتراكم هو ثمرة جهد دؤوب ومخلص من المثقفين أنفسهم في المقام الأول، ثم من مؤسسات ثقافية كثيرة، رسمية وخاصة، داعمة لهذه الجهود، إلا أن الذي من المهم ذكره في هذا الصدد أن مجلة «نزوى» ظلت دائما في القلب من هذا المشروع الثقافي العُماني؛ وقوته الدافعة أحيانًا و«مرآته الصقيلة» أحيانًا أخرى، وإذا كان الرحبي قد وعد في العدد الأول أن تَنْشُر «نزوى» «القديم المضيء» في تراثنا العُماني، و«الحديث الجدّي» الباحث عن «صورته وملامحه وسط تراكمات الوعي والملابسات والتعبيرات المختلفة التي يمور بها عالمنا المعاصر»، فقد قرأنا ذلك بالفعل على صفحات المجلة، وفي بعض إصداراتها المنضوية تحت مشروع «كتاب نزوى». عدا ذلك فإن المجلة «كشفت عن أسماء محلية» بتعبير هدى، ونحن نعلم اليوم أن عددًا غير قليل من الشعراء وكتاب القصة والباحثين العُمانيين عُرِفوا عربيًّا من خلال ما نشروه في هذه الفصلية الثقافية، وظلت «نزوى» طوال هذه السنين أحد أشهر الرموز الثقافية العُمانية في الوطن العربي، ويُسأَل عن أعدادها من المحيط إلى الخليج، بل إن جامعات عربية محترمة عَدَّتْها في معاييرها البحثية مساويةً للمجلات العلمية المحكّمة.

على أية حال؛ ليس هذا مقالًا في تقريظ مجلة «نزوى» التي لا أظنها- بما حققته خلال ثلاثين عاما- بحاجة إلى تقريظي، وإنما في توديع أيقونة المجلة ورمزها الشاعر سيف الرحبي، الذي أتصور أنه لولا ثقافته الموسوعية، وعلاقاته الواسعة بالوسط الثقافي العربي، وقبل ذلك لولا وجود رؤية واضحة لديه لما ينبغي أن تكون عليه مجلة ثقافية تصدر من سلطنة عُمان، لما كُتِبَ لهذا المشروع الاستمرار. والمبهج في أمر خلافة هدى حمد له، أنها هي نفسها أحد أعضاء فريق لا يتجاوز عدد أفراده أصابع اليد الواحدة، خاض به الرحبي المغامرة «مراهنا على ملء الفراغ الذي أحدثه غياب المشروع الجاد والرصين، ذاك الذي يتخلق في محليته، ثم يشق طريقه الوعر نحو أفقٍ عربي وعالمي»، كما كتبت هدى في افتتاحيتها المشار إليها، وهي- أي هدى- تُدرك اليوم أكثر من غيرها أن سرّ نجاح المجلة، إضافة إلى ما ذكرناه عن مزايا رئيس تحريرها، أنها «فتحت مظلة آفاقها على تنوع باذخ من الدراسات والمتابعات والحوارات والترجمات»، وأنها «نظرت إلى الفن دون تزمتٍ مُحدّدٍ وجامد»، وأنها «حفظت جوهر المعادلة بين التراث والحداثة».

قبل عدة سنوات، وبمناسبة اقتراب «نزوى» من عددها المائة، سألت هدى حمد؛ منسقة تحرير المجلة آنئذ، سيف الرحبي: «هل تظنّ أن خروجك من المجلة يمكن أن يؤثر سلبًا عليها بعد كل هذه السنين التي ارتبطت فيها باسمك؟» فكان جوابه: «أتصور أنّ هذا الكلام كان يُمكن أن يكون معقولا في بداية تأسيس المجلة، وقبل أن تقف المجلة على قدميها. الأعداد العشرة الأولى مثلا، ولكن بعد أن شقت المجلة هذا الزمن وهذا التحقق الثقافي المعقول نسبيا، أتصور أنّها امتلكت استقلالية اسمها»، موضِّحًا أنه بات لدى المجلة محررون يمتلكون جدية العمل وحنكة التحرير، والقدرة على التواصل مع الثقافة بمختلف مشاربها، ولذا فلو توفرت للمجلة بيئة مناسبة ودعم مادي جيد فإنه يمكن أن تستمر بقوة ومتانة، مضيفًا: «أنا مؤمن بأنّ المجلة مُستقلة الآن وليس لديّ هذا الوهم حقا. يمكن أن يكون القادم للمجلة أفضل بكثير من اللحظة الراهنة التي نعيشها». وهذا ما نتمناه بالفعل لهذا المشروع الثقافي العُماني الرائد، ألا يرتبط بالأشخاص قدر ارتباطه بالرؤية والاستراتيجية الثقافية، وإذا كنا نودع اليوم شجرة سيف الرحبي في «نزوى»، فإن عزاءنا أن هدى حمد هي غصن من أغصان هذه الشجرة الوارفة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الثقافی الع هذا المشروع الع مانی ع مانی

إقرأ أيضاً:

التفكك الأسرى يدمر المجتمع.. «الأوقاف» تصدر العدد الأول من مجلة وقاية

أصدرت وزارة الأوقاف، العدد الأول من «وقاية» أول نشرة إلكترونية شهرية تصدرها الوزارة لمعالجة القضايا المجتمعية، وتهدف لبناء الإنسان، وذلك في إطار الجهود التي تبذلها وزارة الأوقاف المصرية، برئاسة معالي الأستاذ الدكتور أسامة السيد الأزهري، وزير الأوقاف، في العمل على إيقاظ الوعي المجتمعي بقيمة بناء الإنسان، وذلك من خلال طرح حلول مبتكرة قادرة على إحداث نقلة نوعيَّة نابعة من رؤية الدَّولة المصريَّة المتناسقة مع رسالة وزارة الأوقاف نحو بناء شخصية الإنسان ليكون قوياً شغوفاً بالعلم شغوفاً بالعمران واسع الأفق وطنياً منتمياً مقدماً الخير للإنسانية وأن يكون إنسانًا سعيدًا وأن يقدم الخير والنفع للناس.

وتناولت «وقاية» في هذا العدد، قضية التفكك الأسري، وخطورته على الأفراد والمجتمع، ووضعت حلولاً فكريَّة لمجتمع متماسك يعزز جهود التَّنمية المستدامة ويساهم بفاعليّة في بناء الوطن وحمايته.

وجاءت في افتتاح نشرة «وقاية» كلمة لمعالي الأستاذ الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية، ووزير الصحة والسكان، مؤكدًا أن إطلاق نشرة «وقاية: لبناء الإنسان» لتكون منصة توعية تسعى وزارة الأوقاف من خلالها إلى معالجة القضايا المجتمعية الملحة التي تواجه وطننا مع بداية كل شهر، وتفتح نافذة جديدة تسلط الضوء على مشكلة من المشاكل الصحية والاجتماعية التي تمس المجتمع.

وأضاف نائب رئيس مجلس الوزراء: إننا في المجموعة الوزارية للتنمية البشرية نؤمن بأن الوعي هو الأساس لبناء مجتمع سليم ومعافى وأن التوعية المستمرة بأهمية الوقاية والصحة العامة تساهم في دعم استراتيجياتنا الوطنية لتحقيق التنمية المستدامة، أتمنى لهذه النشرة «وقاية» النجاح والتوفيق في دورها الريادي لنشر المعرفة، ونأمل أن تكون منبراً للتغيير الإيجابي، يمد أفراد المجتمع بالمعرفة التي يحتاجونها لتحقيق حياة أفضل لأنفسهم ولأجيالهم المقبلة.

وقال الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، في مقاله بنشرة «وقاية»، إننا نعمل على إيقاظ الوعي المجتمعي وبناء الإنسان بطرح حلول مبتكرة لإحداث نقلة نوعيَّة نابعة من رؤية الدَّولة المصريَّة.

ونبه وزير الأوقاف، على أن الأسرة في الإسلام حازت نصيبًا وافرًا من الاهتمام والرعاية، وبلغ شأنها مبلغًا عظيمًا من التقديس والعناية، وذلك لأنها نواة المجتمع، وتمثل في تكوينها أنموذجًا مصغرًا للمجتمع في أكمل صوره، وتعد مقياسًا دقيقًا وصادقًا لقوة المجتمع وضعفه، فصلاح المجتمع يبدأ من رعايتها، وفساده نتيجة لإهمالها، لذلك حرص الإسلام على دعمها بما ينفعها، ووقايتها مما يضرها.

ورصد الأستاذ الدكتور نبيل السمالوطي، في قضية العدد، 6 أسباب لـ«التفكك الأسري»، وحذر من التسرع في اختيار شريك الحياة، مطالباً بضرورة زيادة الجرعة الدينية والوعي الثقافي في المجتمع.

وعرض ملف العدد آراء العلماء والخبراء في علم النفس والاجتماع والشريعة، في الأسباب التي تدمر الأسرة وتسبب التفكك، والذين حذروا من خطورة التفكك على المجتمع، مؤكدين أهمية الترابط الأسري وأن الحوار أمر ضروري لمناقشة المشكلات الأسرية، منبهين على خطورة إدمان مواقع «التواصل الاجتماعي» لأنه بمثابة اغتيال للروابط الأسرية.

وضمت «وقاية» في عددها العديد من المقالات التي تناقش قضية التفكك الأسري، منها: مقال أ.د/ علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، وأ.د/ أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، والشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية.

وتشجيعاً لقُرائها، طرحت نشرة «وقاية» سؤالاً للإجابة عنه، بجوائز قيمة، مختتمة بـ5 توصيات لتقوية الترابط الأسري ونشر المودة والرحمة بين العائلة.

وأوصت «وقاية» بالآتي: 1- إقامة ندوات توعية للتحذير من تعاطي المخدرات ونشر فيديوهات عن خطورة الإدمان عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام المختلفة، بمشاركة أئمة وواعظات الأوقاف بالتعاون مع وزارات التعليم العالي والشباب والرياضة والتضامن الاجتماعي من خلال صندوق مكافحة الإدمان.

2. تنظيم محاضرات في الجامعات ولطلاب الثانوية العامة في المدارس عن أهمية توخي الحذر في التعامل مع السوشيال ميديا والتحلي بالوعي الكافي تجاه كل ما ينشر فيها، يشارك فيها أئمة وواعظات الأوقاف بالتعاون مع وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي.

3.إقامة دروس في المساجد تؤكد على وجوب الحفاظ على الأسرار الزوجية وعدم إفشائها للوالدين والأقرباء، وأهمية الحوار الدائم بين الزوجين، يشارك فيها أئمة وواعظات الأوقاف مع الاستعانة بخبراء علم الاجتماع وعلم النفس في كيفية نشر المودة بين الزوجين وطرق علاج الخرس والملل الزوجي.

4.ضرورة تناول «مجلة منبر الإسلام» التي تصدر عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية موضوع خطورة الشائعات وعدم الانسياق وراء مروجيها، بمقالات لكبار العلماء والكتاب.

5.عقد ندوات عن حماية الأسرة وكيفية تعلم مهارات مواجهة الضغوط والأعباء والمشكلات الأسرية، بمشاركة الأئمة والواعظات وتخصيص درس أسبوعي ضمن دروس المساجد للحديث عن هذا الموضوع.

مقالات مشابهة

  • مجلة “الشرطة” تستحضر مآثر ثورة التحرير المجيدة بمناسبة الذكرى الـ 70 لاندلاعها
  • 14.5 مليون ريال لمشاريع خدمية وتنموية بالداخلية
  • جامعة نزوى تسلط الضوء على "تقنيات أشباه الموصلات" بمشاركة خبراء من تايوان
  • الحضور التركي بأفريقيا.. كيف نجح أردوغان في حل الخلاف بين إثيوبيا والصومال؟
  • الحضور التركي بإفريقيا.. كيف نجح أردوغان في حل الخلاف بين إثيوبيا والصومال؟
  • السفير عبد الله الرحبي: العربية لغة كتاب مقدّس وشارة هوية ولسان ثقافة
  • السفير عبدالله الرحبي: اللغة العربية كانت دائمًا حاضرة بقوة في تاريخ عمان (صور)
  • السفير الرحبي : العربية لغة كتاب مقدّس وشارة هوية ولسان ثقافة
  • جورجينا تحيي موضة التسعينات في موسم الرياض (صور)
  • التفكك الأسرى يدمر المجتمع.. «الأوقاف» تصدر العدد الأول من مجلة وقاية