جريدة الرؤية العمانية:
2024-09-09@10:35:25 GMT

رسائل إلى رئيس الوحدة (9)

تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT

رسائل إلى رئيس الوحدة (9)

 

د. صالح الفهدي

يبقى الأثر

 

قُلتُ لأحد رؤساء الوحدات السابقين في إحدى المناسبات الاجتماعية: الناس تذكرك بخير، يبقى الذكرُ والأثر والسيرة، وذلك حقَّا ما يبقى لأي رئيس وحدة، فإِما أن يكون أثره حميدًا بين النَّاس، وإِما أن يكون لا أثرَ له في محامِد الأعمال، ومحاسن الأفعال فلا يُذكرُ على الإِطلاق، وإِن ذُكر لا يذكرُ بخير!

صُنعُ الأَثر الطَّيبِ لا يتقنهُ أَيُّ رئيس وحدة وإنَّما يتقنهُ ذلك الرئيس المتحلِّي بصفات القيادة المُلهِمة، والأخلاق الحميدة، والصفات النبيلة، والقرارات الحكيمة، ذلك الذي يجعلُ لمرؤسيه قدرًا رفيعًا باعتبارهم بشرًا كرَّمهم الله، ثم لأنهم عِمادُ الوحدة التي يرأسها ويريدُ لها أن تحقق أهدافها التي وضعت لها، ذلك الذي يترفَّعُ عن مصالحهِ الشخصية مقابل مصلحة الوحدة، ويتنازلُ عن ما يفكِّرُ فيه لنفسه، مقابل ما يفكر فيه لصالح وحدته وموظفيها وأهدافها.

لقد رُبطت بعض الوحدات برؤساء مُعيَّنين يرأسونها، فلمَّا خلفهم رؤساء آخرون طُمسَ ذكرها وكأنها غير موجودةٍ على الإِطلاق، وما ذلك إلّا بسبب الأَثر البيِّنِ الذي ارتبط بالرئيس الذي قُرنت به الوحدة، وما قدَّمه للوحدة من عملٍ واضحٍ، وجُهدٍ بيِّنٍ، ومنجزاتٍ ماثلة للعيان، ولهذا ظلَّ اسمه يتردَّدُ في صدى أروقتها، وفي ألسنةِ موظفيها الذين تبقُّوا، بل حتى الذين التحقوا بعد رحيل الرئيس صاحب الأثر الحَسن من الوحدة يردِّدون اسمه.

سمعتُ في إحدى الوحدات اسمًا لرئيسٍ سابقٍ يُذكرُ بسبقِ مآثره الطيبة فيها وقد غادرها منذ سنوات، فنقلتُ ذلك إليه لأُبيِّنُ له أصداءَ الأَثر الذي كان بمثابة تَرِكَتِه الحقيقية في الوحدة، ونقلَ إليَّ موظَّفٌ في إحدى الوحدات ما قالهُ موظَّفون التحقوا بها بعد أحد أصحاب الأثر الحميدِ فيها وهم يتمنُّون أن لو عملوا تحتَ إِدارتهم، وكم من رؤساء رحلوا عن الحياةِ فبقيت آثارهم يذكرها النَّاس فيما بينهم، حتى وإِن لم يلتقوا بهم، فقد سمعنا عن رؤساءَ وحدات كانت آثارهم عظيمة، ومناقبهم كريمة، وهذا ما خلَّد ذكرهم، وأجرى محاسنهم على ألسن الناس، يقول الشاعر:

قد مات قومٌ وما ماتَتْ مكارمُهم // وعاش قومٌ وهُم في الناسِ أمواتُ

لا تزول الآثار؛ بل تبقى راسخةً في صحائفِ الأعمال، يقول الحقُّ سبحانه وتعالى: "إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ" [يس: 12].

وحينما زرتُ أحد المسؤولين الرفيعين تحدَّثَ عن قيمةِ الأَثر وهو ينظرُ إلى كرسيِّه فيقول: ذلك غير دائم، إنَّما الدائمُ هو الأثرُ الذي يتركهُ صاحبُ الكرسيِّ من بعده. هذا المسؤول كلَّما غادرَ منطقةً كان يتولَّى فيها منصبًا طالبَ أهلُ تلك المنطقة مسؤوله الأكبر بإِعادته، ورغم أنَّ الإِعادةَ نادرًا ما تتم إلّا أنَّ مسؤوله الأكبر أعادهُ لمنطقةٍ كان فيها مسؤولًا للأثر الحميدِ الذي تركهُ في تلك المنطقة وإلحاح الناس على إعادته!.

وعلى النقيضِ فقد رحل بعض المسؤولين فلم يتركوا أثرًا طيبًا يُذكرون به، بل أنهم تركوا كلمةً لا يودُّون سماعها، وهي من مثلِ ما قالهُ لي أحد الذين عملوا تحت إدارة رئيسٍ لا يعرفُ غير الزَّجر والنَّهر، والتوبيخِ واللوم، فلمَّا رحلَ عنها قال أغلبَ مرؤوسيه: لقد استرحنا منه، رغم أن رحيله كان أبديًّا!

إِن رئيس الوحدة الحكيم هو ذلك الذي يدعو بدعوة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام بقوله كما جاءَ في مُحكم الذكر: "وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ" [الشعراء: 84] والذكرُ الحسن لا يأتي إلا من الأثرِ الحَسن، وهذا لا يكونُ إلا بصالح الأعمال، وجميل الأَقوال، وكريم المآثر.

ما قيمةُ أَيَّ رئيسٍ إن لم يكن له أثرٌ حميدٌ يُذكرُ به، فالرافعي يقول: "إذا لم تزد شيئًا على الحياة، كنتَ زائدًا عليها"، إنه يكونُ إِذًا كالغُبارِ الذي تطيرُ به الريحُ فلا يبقى أثرًا من بعده، ولا رسمًا يدلُّ عليه، وهذا ما يُشهدُ في وحدةٍ ما إذ يتعاقبُ عليها عددٌ من الرؤساء ثم يُذكرُ واحدٌ او اثنانِ منهم أصحابَ الأَثر الراسخِ ولا يكون ذلك الأثر إلّا الحَسن، الطيب.

هكذا يكون الأَثرُ الخالد تركةً لرئيس وحدةٍ، ترك الوحدة ولكنه أبقى مآثرهُ، ومحاسنه، ومكارمه، فلم يرحل في الحقيقةِ بل رسَّخَ وجوده في الوحدةِ وفي خارجها وإن تعاقبَ من يخلفه من بعده على ذلك الكرسيِّ غير الدائم.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ما رسائل عملية اللنبي ومآلاتها المتوقعة؟ محللان يجيبان

اتفق محللان سياسيان على أن عملية إطلاق النار، التي أدت إلى مقتل 3 من أفراد الأمن الإسرائيلي في معبر اللنبي، قدمت رسائل للجانب الإسرائيلي كما كانت نتاج دوافع متعددة يمكن أن تؤدي إلى تكرارها في حال استمرت تلك الدوافع.

وقتل 3 إسرائيليين بإطلاق نار قرب معبر اللنبي (جسر الملك حسين) بين الأردن والضفة الغربية، في عملية هي الأولى من نوعها منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وتصاعد الاعتداءات في الضفة المحتلة.

وقال الجيش الإسرائيلي إنه أطلق النار على منفذ العملية مما أدى إلى مقتله، في حين قالت وزارة الداخلية الأردنية إن الجهات الرسمية باشرت التحقيق في حادثة إطلاق النار على الجانب الآخر من المعبر.

وقال رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل، الدكتور بلال الشوبكي، إن هذه العملية تبرهن على بطلان صور متوهمة سادت في إسرائيل خلال السنوات الماضية عن واقع القضية الفلسطينية لدى البلاد العربية.

وأشار الشوبكي في هذا السياق إلى خطاب لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو قال فيه إن الفلسطينيين لا يمثلون سوى نسبة بسيطة من العرب، وذهب إلى إمكانية إنهاء القضية الفلسطينية في ظل التطبيع الجاري.

ترجمة إسرائيلية خاطئة

وأوضح أن ما حدث على معبر الكرامة ليس بالأمر اليسير، وأن الترجمة الإسرائيلية لهذه الحوادث خاطئة، لافتا إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى للاستفادة من أي مستجد أمني في ظل التوجه نحو اليمين، واستغلال أي عملية لفرض وقائع جديدة.

وأشار الشوبكي إلى أن الاحتلال، في ظل مساعيه لوأد المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة، يفاجأ بخروج أشكال للمقاومة من مواقع أخرى، ورغم أن العملية الأخيرة فردية فإن من الممكن قراءة حالة رضا عربية شعبية عنها ورفض للتسوية مع إسرائيل.

وتناول الشوبكي خطاب نتنياهو، معتبرا أنه محاولة لاستثمار أي حالة أمنية أو سياسية لمصلحته، ويهدف إلى تصوير أي مقاومة على أنها جزء من محور إقليمي يجب التكاتف ضده، محذرا من "خطورة وخبث" هذا الخطاب، إذ يريد نتنياهو تحويل عملية المقاومة إلى تهديد شامل يتطلب تحالفات واسعة تشارك فيها دول عربية.

وكان نتنياهو قال، في تعليقه على الهجوم، إن "هذا يوم صعب ونحن محاطون بأيديولوجية قاتلة يقودها محور الشر الإيراني". وأضاف "نحن محاطون بمجرمين يريدون قتلنا جميعا"، معتبرا أن "حماس تهدف إلى زرع الفرقة في داخلنا وشنّ حرب نفسية على أهالي المختطفين وممارسة ضغوط داخلية".

ويرى الشوبكي أن هذه الحادثة قد تزيد من الخلافات الداخلية في إسرائيل بين المستوى السياسي والأمني، مضيفا أن هناك تباينا في الرؤى حول كيفية التعامل مع الفلسطينيين، حيث تتبنّى بعض الجهات إدارة الصراع وتحقيق مكاسب على الأرض، بينما تدعو جهات أخرى إلى استدعاء الصراع لتسريعه وحسمه.

دوافع العملية ومحدداتها

بدوره، أوضح المحلل السياسي والخبير في الشؤون الإسرائيلية سليمان بشارات أن عملية معبر اللنبي كانت نتاج عدد من العوامل، أولها الحرب المستمرة على قطاع غزة التي تقترب من الذكرى الأولى لها، مضيفا أن استمرار الحرب قد يفضي إلى مزيد من التدخلات التي قد تؤثر على القضية الفلسطينية.

وأشار بشارات إلى أن الفشل الدولي في منع المجازر الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية والانتهاكات التي يرتكبها المستوطنون يمثلان عنصرين أساسيين في فهم دواعي الحادثة، وأن هذا الفشل عكس عجز المنظومة الدولية عن فرض الضغوط على إسرائيل.

أما المحدد الثالث -حسب بشارات- فهو الخطاب التحريضي الذي يقدمه قادة اليمين المتطرف في إسرائيل، ومواصلة بعضهم اقتحام المسجد الأقصى في ظل حديث عن إمكانية إقامة كنيس على أنقاض المسجد.

وأكد بشارات أن الصمود الأسطوري للفلسطينيين في غزة والضفة يشكل أيضا عاملا محفزا، ليس فقط للفلسطينيين، ولكن لكل من يتضامن مع القضية الفلسطينية، حسب قوله.

ولا يستبعد بشارات إمكانية ارتفاع منسوب هذه العمليات، رغم إقراره بأنها ذات دافع فردي، إذ من الممكن أن تتحول إلى نماذج أوسع في ظل استمرار حالة الضعف والعجز الدولي، مؤكدا أن الحرب خلقت وعيًا مجتمعيا لدى الشارع العربي لم يكن موجودا.

مقالات مشابهة

  • حين يكون المسؤول فوق مستوى الطموحات
  • رسائل الحرب والحرف
  • ما رسائل عملية اللنبي ومآلاتها المتوقعة؟ محللان يجيبان
  • خرافة أن يكون المرء عراقيا
  • رئيس الكتلة البرلمانية لحزب (قوة يهودية) الذي يتزعمه بن غفير يقتحم المسجد الأقصى
  • ترامب من ويسكونسن: إسرائيل لن يكون لها وجود إذا انتخبت هاريس
  • اللواء نصر سالم: زيارة رئيس الأركان للحدود مع غزة رسائل ردع وطمأنة للمصريين
  • مختبر ووهان الصيني قد يكون وراء انتشار شلل الأطفال
  • أحمد موسى يكشف رسائل زيارة رئيس الأركان لحدود مصر مع غزة (فيديو)
  • رسائل مزعجة ومشهد دراماتيكى فى إسرائيل