لجريدة عمان:
2024-09-16@17:15:18 GMT

النظرية النقدية الإلكترونية.. معطيات وتساؤلات

تاريخ النشر: 8th, August 2023 GMT

نقول في أمثلتنا العربية الشعبية المشهورة: فسَّر الماءَ بعد الجهدِ بالماءِ.

أو نقول في اجتماعاتنا المتكررة التي لا تؤتي ثمارها: لا تضع العربة أمام الحصان.

لا أعلم ما الذي أتى بهذين المثلين السابقين وأنا أضع عنوان هذا المقال.

إذ يفترضان على سبيل الإيضاح أن الفنون الأدبية الورقيَّة (كالسرد بنوعيه الرواية والقصة) وقبلهما (الشعر)، وأعلاها (المسرح) في استقرارهما التاريخي والحضاري لم تعد بحاجة إلى التشكيك في قواعدها التي أرستها النظرية الأدبية بشأن النوع الأدبي، والدراسة النقدية للأدب.

يقول (رينيه وليك وآوستن وارن) في كتابهما (نظرية الأدب، ترجمة الدكتور عادل سلامة / الفصل الرابع) إنه لتوضيح الفرق بين النظرية الأدبية، والنقدية وتاريخ الأدب «أن نطلق عبارة النظرية الأدبية على دراسة أسس الأدب، وأقسامه، وموازينه وما أشبه [...] وعبارة نظرية الأدب ينبغي لها أن تشمل، نظرية النقد الأدبي، ونظرية تاريخ الأدب اللازمتين لها» وتأتي لفظة «اللازمتين» بمعنى الاتصال إذ من الصعب فصل أحدهما عن الآخر، وأُشبّه هذا المعنى كحال التوأمين، فلا يعيشان بعيدا عن بعضهما لوشيجة الاتصال البيولوجي بينهما. وهذا ما أستنتجُه من قول (وليك ووارن) بأن «النُظم التي أعطيت هذه المسميات لا يمكن استخدامها في عزلة عن بعضها. فهي متداخلة تماما إحداها في الأخرى، لدرجة لا نستطيع معها أن نتصور النظرية الأدبية دون النقد أو التاريخ الأدبي، أو أن نتصور النقد دون التنظير والتاريخ، وكذلك لا يوجد التاريخ دون التنظير أو النقد».

فإذا انتقلنا إلى عنوان المقالة (النظرية النقدية الإلكترونية) واستبعدنا المثلين الشعبيين السابقين، فينبغي توضيح أسباب هذا العنوان. ومرد ذلك، يرجع إلى أسباب خاصة وأخرى عامة. وسأكتفي بذكر الأسباب العامة؛ إن استخدامنا اليومي للكمبيوتر وشبكة الإنترنت والتواصل الافتراضي عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع العالم أفرز مصنفات كتابية جديدة مناسبة للتكنولوجيا، فظهر ما يُسمى بالأدب الإلكتروني، فصرنا نقرأ مثلا عن القصيدة التفاعلية، والمسرحية التفاعلية، والرواية التفاعلية. وسعى العديد من المنظرّين الباحثين العرب أمثال الدكتور إدريس بلمليح في كتابه «القراءة التفاعلية: دراسات لنصوص شعرية حديثة»، والدكتور حسام الخطيب في كتابه «الأدب والتكنولوجيا وجسر النص المتفرع»، والدكتور سعيد يقطين في كتابه «النص المترابط ومستقبل الثقافة العربية نحو كتابة عربية رقمية»، والدكتورة فاطمة البريكي في كتبها «مدخل إلى الأدب التفاعلي»، و«الكتابة والتكنولوجيا»، و«فضاءات الإبداع الأدبي في عصر التكنولوجيا الرقمية»، والدكتورة زهور كرّام في كتابها: «الأدب الرقمي: أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية»، جاهدين إلى تبيان أهم الأفكار التي يمكن تحقيقها والرؤى المستقبلية البعيدة لتطوير الكتابة الإبداعية إذا ما التفت الكتّاب العرب (مبدعين ونقادا) إلى استخدام الثروة الهائلة للتقنية ووسائطها المتعددة.

ولا يخفى على أحد أيضا أن تأثير التقنية الواسع قد لامس حياتنا وتفاصيلها الدقيقة؛ فالمحاضن التقليدية لرعاية الأدب وتدارس أنواعه وتناولها بالنقد والتحليل أو التفسير والتأويل، سواء بالمناهج التقليدية أو الحداثية، في ظل العالم التقني المتطور باتجاه التفاعلية والذكاء الاصطناعي أخذت تفقد ميزاتها، لأسباب كثيرة يطول تعدادها، لكن أظهرها لدينا يتمثّل في تراجع دور النقد الجّاد وضمور وظيفة الناقد وفشل المشاريع الثقافية الجماعية أو الثنائية منذ ستينيات القرن الماضي تحت ضغوط الواقعين السياسي والاجتماعي العربي. ولكن، حول اتصال جزئية التكنولوجيا وتأثير الوسائطيات إلى جانب ما سبق، فيمكن العودة إلى كتاب «نظام التفاهة» لمؤلفه (ألان دونو) للوقوف على بعض تلك الأسباب.

ففي ظل التطور التقني الهائل، كان ظهور ما يُصطلح عليه بالأدب التكنولوجي، أو الرقمي، مدعاة للتساؤل: هل هناك نظرية نقدية أدبية إلكترونية؟ وإذا كانت هذه النظرية موجودة، فما أسسها الفلسفية وقضاياها المعرفية المشتغلة بها؟ والسؤال الأهم من وجهة نظري: هل نستطيع اليوم التحدث عن نظرية نقدية أدبية إلكترونية منطلقة من وجود تراكم إبداعي زاخر، أو ممارسة إبداعية إلكترونية متطوّرة؟ مؤلفا (نظرية الأدب) حول أهمية وجود التراكم المساند لنشأة النظرية والإبداع يكتبان التالي: «من الواضح أن النظرية الأدبية تستحيل إلا إذا كان لها أساس من دراسة الأعمال الأدبية، وكذلك الموازين، والتصنيفات والخطط لا يُمكن التوصل إليها من فراغ». فهل نسير على الطريق الصحيح؟

يناقش الشاعر الفلسطيني علي البتيري في مقالته (النقد الأدبي والأدب الإلكتروني) ما يجري نشره على الفيسبوك من نتاج يصفه بالغث المتزايد والقليل السُمن؛ حيث يُنشر هذا النتاج الغزير -كما يقول- دون أدنى تقويم له، ودون تحديد لصلاحية نشره من منظور الجودة أو عدمها. ويرى الشاعر أن أخطر ما في الأدب الإلكتروني، أنه يطرح نفسه من تلقاء نفسه دون ضوابط نقدية ودون مواصفات ومقاييس إبداعية كبديل عن الأدب الورقي المطبوع.

يتيح لي الطرح السابق الاستنتاج بوجود كم واسع من النتاج الأدبي الإلكتروني «العابث والمنتشر عبر وسائل الإعلام الإلكترونية» بتعبير البتيري. فإذا سلّمنا بذلك الطرح، أليس الحاصل اليوم نتيجة منطقية للانتشار الواسع للإنترنت ولنظام التفاهة؟ وبغض النظر عن ذلك، ألا يشير الانتشار الواسع لأدبيات ضحلة إلى وجود تحوّل كبير في توجيه النظرية الأدبية التقليدية إلى أخرى إلكترونية جديدة، انطلاقا من إعطاء المتلقي/ المستخدم للنت الأولوية بعد تراجع مفهوم النصّ التقليدي، ومفهوم المؤلف إلى الوراء؟ بل إن النظرية تصدر في الأساس عن بعدين فلسفي ومعرفي متلازمين في النظر إلى الكون والعالم والإله. فلماذا لا يؤدي ذلك إلى وجود تغير في الأدب نفسه؟ وقد أشار سعيد يقطين إلى هذا الأمر في كتابه آنف الذكر بشأن ظهور أجناس أدبية جديدة مستفيدة من توظيف الكمبيوتر كالكتابة التفاعلية.

وفي استطلاع أجرته نوّارة لحرش بعنوان (النقد الأدبي في الفضاء الرقمي.. أية خصوصية) متسائلة هذا السؤال المباشر: «بدأ الحديث منذ مدة عما يُسمى بالنقد الأدبي الإلكتروني. فهل يمكن القول إننا سنشهد ظاهرة أو واقعا نقديا إلكترونيا أو رقميا كما شهدنا ظاهرة الأدب الرقمي؟ وهل يمكن القول إن الأدب الإلكتروني سيكون له نقده الإلكتروني الّذي سيرافقه ويُخضعه للأدوات والمساءلات والمقاربات النقدية الرقمية أو الإلكترونية؟».

شدّني في ذلك الاستطلاع ما ذهب إليه الكاتب والناقد عبدالحفيظ بن جلولي عندما وضع يده على لُّب القضية كاتبا: «على العموم أن نقول بالنقد الأدبي الإلكتروني -لكن ليس على مصراعي القول- لأنّ هناك ما يمنع المفهوم من انطباقه الواسع على الظاهرة [...] فما صدر في حينه إلكترونيا فهو نقد أدبي إلكتروني، حتى إذا تحوّل إلى الورقي صار ورقيا».

وفي تقديري أن ما ذهب إليه الناقد أحد الإشكالات الواضحة، فليس كُّل ما جرى كتابته من نصوص «شبكية ترابطية» يمكن تحويله إلى نص ورقي! ولماذا التحوّل إلى الورقية؟ وإذا استطاع القائمون تحويله، ألا تنتفي الصفة التفاعلية عنه في المطلق وصار أدبا ورقيا محضا؟ ونظرًا إلى أن علاقة الأدب بالتكنولوجيا قد وسعت من مساحة المستخدمين للشبكة، فإن الهوية الجديدة كما يكتب جلولي «إن ما يُثبت مفهوميته الهويّاتية هو المقروئية، فإن اتسعت مقروئيته الإلكترونية، تثبتت تلك الهوية الجديدة ويصبح النقد الأدبي الجديد إلكترونيا بامتياز. وحسب العناصر والمعطيات المتجدّدة فإنّ الاتجاه ليس فقط في النقد بل في الأدب وحقول معرفية كثيرة».

أجد أن استراتيجيات القراءة و«المقروئية» والوسائطيات الآن، أصبحت مع المنعطف التكنولوجي الجديد تؤكد أن الأدب ظاهرة ثقافية وتواصلية معًا، بينما يظل النقد اشتغالا أكاديميا صَرفا. وإنّ مَارسَ وجوده النقاد عبر الدراسات الأكاديمية فإنّ تأثيره يظل محدودا على عكس الأدب والفنون. وفي هذا السياق النقدي الأكاديمي الورقي المُنجز في كتابة الرسائل العلمية وتحضير الأطروحات، ظهر سريعا من يسمون (بالإنترنتيون العرب) بتعبير الدكتور حسن مدن، وبالنقاد (التكنوأدبيون) بتعبير الدكتورة فاطمة البريكي؛ لأنّ كل ما يحدث من حولنا في العالم يَدفعنا دفعًا قسريا لا هوادة فيه إلى قبوله والإذعان له، كحال موجات البحر قوية التدافع، فهل نكتفي بالصراخ كما يفعل بعضهم، أو البكاء على الأطلال والتراث كما ينادي بعضهم الآخر؟ أم بات على المثقفين والمبدعين العرب والمشتغلين بالنقد الإسراع بالبحث عن صيغة إلكترونية تستخلص القوانين الفنية الجديدة من نصوص وأعمال إبداعية إلكترونية متحققة. إن جُّل الأسئلة والقراءات التي تناولت الأدب وعلاقته بالتكنولوجيا تبحث منطلقة من أعمال محدودة جدا لا يَكاد يعرفها إلا المهتمون بعلاقة التكنولوجيا والوسائط بالأدب، ولذلك كانت الأسئلة تنطلق من معطيات خارج عالمنا العربي، باحثة بلهاث كبير حول انتسابنا إلى عالم رقمي بمعزل عن البحث في أسس نظرية فلسفية ومعرفية، قوامها الإنترنت والبرمجيات والعالم الجديد حتى لا نظل ندور في دائرة مغلقة تبدأ بخطابات مكررة حول جلد الذات وتراجع المشاريع، لأن هناك من وضع العربة أمام الحصان وظل واقفا يبحث عن النتيجة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی کتابه

إقرأ أيضاً:

وُلد الهدى.. سيرة الرسول فى الأدب العربي

شعر المديح النبوى وقصائد المولودياتتناول أشهر الكتب لشخصية النبيالجماعة الشعبية والمولد النبوى.. ثقافة خاصة بالمصريين

وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ/ وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ/ الـروحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ/ لِـلـديـنِ وَالـدُنـيـا بِهِ بُشَراءُ

هو خير الدنيا ومنقذها من ظلمات الجهل والضياع، وشفيع الأنام ومنقذهم من جحيم المآل...

سيد ولد آدم، الرحمة المهداة من رب العالمين، محمد بن عبدالله، خاتم الأنبياء واللبنة المكملة لبناء الله فى أرضه..

ولأنه أعظم من مُنيت به البشرية على مر التاريخ، بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء؛ لذا يزخر الأدب العربى عامة بسيرة وشخصية النبى محمد، مدحًا ووصفًا واحتفاء، نثرًا وشعرًا، فكتب عنه وفيه أشهر المفكرين والشعراء، منذ تجلى على الدنيا وحتى تقوم الساعة..

ففى كتابه «المدائح النبوية فى الأدب العربي» يذكر الدكتور زكى مبارك «أن المديح النبوي هو فن «من فنون الشعر التى أذاعها التصوف، فهى لون من التعبير عن العواطف الدينية، وباب من الأدب الرفيع؛ لأنها لا تصدر إلا عن قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص»، وهو بذلك لا يشبه المدح العادى الذى قد يقترن كثيرًا بالتملق للسلاطين والأمراء، فهو مدح اختص به الرسول الكريم ويقوم فى الأساس على العشق المصطفوى والانغماس فيه.

* ظهور شعر المديح النبوي

ولم يظهر شعر المديح النبوى أثناء فترة الرسالة الشريفة، بل ظهر حتى قبل مولد الرسول وأثناء طفولته، فنرى أن جده عبد المطلب وعمه أبو طالب لهما قصائد شهيرة يمدحان فيها الرسول، إلا أن المديح النبوى لم يكتسب الصفة المتعارف عليها الآن إلا فى عصر النبوة المتأخر مع ظهور شعراء فطاحل وهم من الصحابة وعلى رأسهم ابن عم الرسول الإمام على بن أبى طالب وحسان بن ثابت وكعب بن زهير وعبد الله بن رواحة. ثم سرعان ما اشتهر هذا النوع من الشعر متأخرًا مع شعراء المديح النبوي، وهم متأخرون، البوصيرى وابن الفارض والشريف الرضا وعبد الله الحموى وابن نباتة المصرى وأحمد شوقى.

* بانت سعاد

وتعد أشهر قصيدة مدح نظمت فى التاريخ الإسلامى بل وقيلت فى زمن النبوة وألقيت على سمع الرسول وأعجب بها، هى قصيدة «بانت سعاد» للصحابى والشاعر الكبير كعب بن زهير، وهو ابن زهير بن أبى سلمى صاحب المعلقة الشهيرة.

وألقيت القصيدة عام 8 هجريا على مسامع الرسول، وقد اشتهرت باسم البردة لأن النبى أعجب بها وخلع بردته وأعطاها لكعب بن زهير مكافأة له على هذه القصيدة. لكن قبل ذلك لم تنظم القصيدة أصلًا إلا فى سبيل النجاة من القتل، حيث إن كعبًا خرج هو وأخوه بُجَير إلى رسول الله حتى بلغا مكانا بين البصرة والمدينة المنورة فقال كعب لبُجَير «الْحَقِ الرجل (يعنى رسول الله) وأنا مقيم ها هنا، فانظر ما يقول لك. فقدِمَ بجير على رسول الله فسمع منه وأسلم، وبلغ ذلك كعبًا فقال:

مَنْ مُبْلِغٌ عَنِّى بُجَيْرًا رِسَالَةً فَهَلْ لَكَ فِيمَا قُلْتَ بِالْخَيْفِ هَلْ لَكَا

شَرِبْتَ مَعَ الْمَأْمُونِ كَأْسًا رَوِيَّةً فَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا

وَخَالَفْتَ أَسْبَابَ الْهُدَى وَاتَّبَعْتَهُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ وَيْبَ غَيْرِكَ دَلَّكَا

عَلَى خُلُقٍ لَمْ تُلْفِ أُمًّا وَلَا أَبًا عَلَيْهِ وَلَمْ تُدْرِكْ عَلَيْهِ أَخًا لَكَا

فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَلَسْتُ بِآسِفٍ وَلَا قَائِلٍ إِمَّا عَثَرْتَ لَعًا لَكَا

وبعث بها إلى بجير، فكره أن يكتمها رسول الله، فأنشده إياها، ثم قال بجير لكعب:

مَنْ مُبْلِغٌ كَعْبًا فَهَلْ لَكَ فِى الَّتِى تَلُومُ عَلَيْهَا بَاطِلًا وَهْيَ أَحْزَمُ

إِلَى اللهِ — لَا الْعُزَّى وَلَا اللَّاتِ — وَحْدَهُ فَتَنْجُو إِذَا كَانَ النَّجَاةُ وَتَسْلَمُ

لَدَى يَوْمِ لَا يَنْجُو وَلَيْسَ بِمُفْلِتٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا طَاهِرُ الْقَلْبِ مُسْلِمُ

فَدِينُ زُهَيْرٍ وَهْوَ لَا شَيْءَ دِينُهُ وَدِينُ أَبِى سُلْمَى عَلَيَّ مُحَرَّمُ

فلما بلغ كعبًا الكتاب ضاقت به الأرض، وأشفق على نفسه، وأرجف به من كان فى حاضره من عدوِّه، فقالوا: هو مقتول. فلما لم يجد من شيء بدًّا قال قصيدته التى يمدح فيها الرسول، ثم خرج حتى قدم المدينة، فنزل على رجل من جهينة، فغدا به إلى رسول الله حين صلى الصبح، فصلى معه، ثم أشار له إلى رسول الله فقال: «هذا رسول الله، قم إليه فاستأمنه». فقام حتى جلس إليه فوضع يده فى يده، وكان رسول الله لا يعرفه، فقال: «يا رسول الله، إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائبًا مسلمًا، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به؟» فقال رسول الله: «نعم!» فقال: «أنا، يا رسول الله، كعب بن زهير!» ثم أنشده القصيدة التى يبدأ مطلعها بـ:

بانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِى الْيَوْمَ مَتْبُولُ مُتَيَّمٌ إِثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ

ويقول بعد أبيات:

إِنَّ الرَّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ وَصَارِمٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ مَسْلُولُ

فِى عُصْبَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَا أَسْلَمُوا زُولُوا

زَالُوا فَمَا زَالَ أَنْكَاسٌ وَلَا كُشُفٌ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَا مِيلٌ مَعَازِيلُ

شُمُّ الْعَرَانِينِ أَبْطَالٌ لَبُوسُهُمُ مِنْ نَسْجِ دَاوُدَ فِى الْهَيْجَا سَرَابِيلُ

لَا يَفْرَحُونَ إِذَا نَالَتْ رِمَاحُهُمُ قَوْمًا وَلَيْسُوا مَجَازِيعًا إِذَا نِيلُوا

يَمْشُونَ مَشْيَ الْجِمَالِ الزُّهْرِ يَعْصِمُهُمْ ضَرْبٌ إِذَا عَرَّدَ السُّودُ التَّنَابِيلُ

لَا يَقَعُ الطَّعْنُ إِلَّا فِى نُحُورِهِمُ وَمَا لَهُمْ عَنْ حِيَاضِ الْمَوْتِ تَهْلِيلُ

* المولوديات:

وقد اتسعت دائرة الأدب، وأقبل أرباب الأقلام شعراء وكتابا على كتابة قصائد ذات طابع دينى أهمها: “المولوديات”: وهى قصائد فى مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، نذكر منها:

* “الدر المنظم فى المولد النبوى المعظم” للعزفي: كتاب مخطوط يوجد بقسم المخطوطات تحت رقم: 8748 / الرباط.

* مولد نبوي” من تأليف أبى عمران موسى بن أبى على الزناتى الزمورى.

*  “تصليات نبوية” لمالك بن المرحل، وهى قصيدة واردة بتمامها عن المقرى فى كتابه “نفح الطيب”:4 / 450 – 453.

* “القطع المخمسة فى مدح النعال المقدسة” لمحمد ابن الفرج السبتى المتوفى سنة 757 هـ الموافق 1162 م، وهى مجموعة قطع من الطويل، خماسية الأبيات على حروف المعجم، ذكرها المقرى فى كتابه: “أزهار الرياض”: 3 / 228 – 237.

وظلت “المولوديات” أو “العيديات”، فنا شائعا ومرتعا خصبا لمعظم الشعراء، ومن أهم القصائد التى حظيت بالاهتمام الكبير من بعض العلماء وخاصة المغاربة منهم قصيدة “البردة” للبوصيري، وذلك بشرحها وتذييلها، وتقع البردة فى اثنين وثمانين ومائة بيت، فهى من القصائد الطوال، ومطلعها:

آمن تذكر جيران بذرى سلم/ مزجت دمعا جرى من مقلة بدم/ أم هبت الريح من تلقاء كاظمة/ وأومض البرق فى الظلمات من إضم/ فما لعينيك إن قلت اكففا همتا/ وما لقلبك إن قلت استفق يهم/ أيحسب الصب أن الحب منكتم/ ما بين منسجم منه ومضطرم.

وعلى نهجها كتب أحمد شوقى قصيدته الأشهر «نهج البردة»،  وقد استخدم فيها نفس القافية التى استخدمها البوصيري، وجاء مطلعها:

ريمٌ على القاع بين البان والعلمِ/ أحل سفك دمى فى الأشهر الحرمِ

* شخصية الرسول فى النثر العربي

وقد تبدت أيضا شخصية النبى فى النثر العربى الحديث جلية فى عدة أعمال أدبية، مثل: «عبقرية محمد» للعقاد و»فى منزل الوحي»، وحياة محمد» لمحمد حسين هيكل، و»محمد» لتوفيق الحكيم، «محمد» لمصطفى محمود، كما اهتم المسرح أيضا بسيرة وشخصية النبى من خلال عدة مسرحيات منها: «ميلاد النبي» لمحمد محمود زيتون، و»الطائف» لمحمد عبدالغنى حسن، وغيرها.

* المولد النبوى عند الجماعة الشعبية

ويمثل مولد النبى حدثا عظيما فى يقين الجماعة الشعبية، لذا فهى تحتفل به وتبتهج بقدومه بوصفه بركة وخيرا فتقيم الأذكار والمدائح، ويمكن رصد مجموعة من عناصر التراث والمأثور الشعبى التى ترتبط بهذه الذكرى العطرة، حيث تتجلى مظاهرها الشعبية فى مصر، فنجد فى الأدب الشعبي: المديح النبوى المتعلق بميلاده والمعجزات المتعلقة به، وتتنوع هذه الابداعات فى أشكال متعددة منها الموال والمربع والأغنية، كما تتراوح بين الأداء العامى والفصيح، والإنشاد الدينى ونصوص الذكر الصوفى.

ومن أمثلة إبداع الجماعة غناءها فى مولده قول:

وولدته أمينة أمينة تحت ضل التينة.. وسمته النبى محمد أبوعيون كحيلة، وولدته أمينة أمينة وقت الفجرية.. وسمته النبى محمد أبو عيون عسلية.

كما ينتشر سماع الحكايا القصصية الشعبية الخاصة بمعجزات الرسول خاصة فى بعض الاحتفالات التى يقيمها البعض بجوار أضرحة الأولياء أو فى الساحات ابتهاجا بمولد النبى أو كنوع من النذر الذى يقام سنويا، كما يحلو للبعض رسم الحوائط قبل الذهاب لعمرة المولد النبوي، وهناك بعض الحرف والمهن التى تعبر عن فرحة المصريين مثل صناعة الحلوى، كما يرتبط به مجموعة من العادات والتقاليد والمعتقدات والممارسات الشعبية، فالاحتفال بالمولد النبوى يمثل ثقافة خاصة بالمصريين، لا يشبهها أى احتفال فى أى بلد عربى آخر.

هكذا سيظل شهر ربيع الأول من كل عام بشرى سطوع الخير على العالمين، ونورا ينثر ضوءه فى النفوس...

(هو الذى بعث فى الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين).

 

مقالات مشابهة

  • كتابٌ حول المناهج النقدية للباحث أبو بكر عبد الكبير
  • تنسيق المرحلة الثالثة 2024.. رابط التقديم والكليات المتاحة للشعبة الأدبي
  • وُلد الهدى.. سيرة الرسول فى الأدب العربي
  • القراءة مع صديقٍ من الدرجة الثانية.. البابا فرنسيس متحدثاً عن الأدب
  • الخريطة التفاعلية لمسار الصاروخ الموجه من اليمن إلى تل أبيب
  • حزب الجرار بالشمال على صفيح ساخن بعد تمديد الحراسة النظرية لمستشار عمدة طنجة
  • المدائح النبوية في حب رسول الله
  • تنسيق المرحلة الثالثة 2024.. الكليات المتاحة لطلاب الشعبة الأدبية الدور الثاني
  • ترامب يتبرأ من "سيدة نظرية المؤامرة".. ويدافع عنها
  • مسؤول بوزارة الصحة يوضح لـأخبارنا معطيات دقيقة عن أول حالة مصابة بـجدري القردة بالمغرب