فؤاد شكر.. قصة قيادي من الرعيل الأول في حزب الله
تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT
بيروت- بعد نحو 4 عقود من شغله مواقع عسكرية كبيرة في حزب الله اللبناني، تمكنت إسرائيل من اغتيال فؤاد شكر، أحد أبرز وجوه "الرعيل الأول" المؤسس للحزب في الثمانينيات، والمعروف بلقب "الحاج محسن".
ولد شكر في بلدة النبي شيت في سهل البقاع عام 1961، واستشهد بغارة جوية في 30 يوليو/تموز الماضي عبر طائرات مسيرة استهدفت مبنى كان يزوره، في حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله السياسي والشعبي والأمني.
المفارقة في قصة اغتيال شكر هي فقدان "عنصر المفاجأة" للعملية؛ إذ أعلنت إسرائيل مسبقًا أنها استعدت لتوجيه ضربة وصفتها "بالمحددة والمؤلمة" لحزب الله، ردا على مزاعمها باتهام الحزب بإطلاق صاروخ على بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، وسقط ضحيته 12 طفلًا، الأمر الذي نفاه حزب الله في بيان رسمي عقب الحادث.
ونشر إعلام حزب الله الحربي سيرة ذاتية مقتضبة عن فؤاد علي شكر، ووصفه "بالشهيد القائد الجهادي الكبير"، وجاء فيها أنه "من الجيل المؤسس لحزب الله".
وبحسب السيرة المقتضبة، فإن شكر صاحب دور قيادي في تأسيس المجموعات الأولى للمقاومة الإسلامية في لبنان وتنظيمها، وقد شارك في التصدي للاجتياح الإسرائيلي في مطلع الثمانينيات وأصيب في مواجهة خلدة البطولية عام 1982، واضطلع بدور أساسي في التخطيط للعمليات وإدارتها، وخصوصا النوعية، ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في لبنان.
وأكد إعلام الحزب أن فؤاد شكر كان "المسؤول العسكري المركزي الأول" لحزب الله في حقبة التأسيس وفي النصف الأول من التسعينيات، كما أدار ونظّم عملية إرسال كوادر عسكرية من حزب الله لنصرة المسلمين المستضعفين في البوسنة والهرسك بين عامي 1992 و1995.
وكشفت السيرة الرسمية أن شكر كان القائد المسؤول عن وضع الخطط العسكرية خصوصا في حرب يوليو/تموز 2006 وما بعدها، "سواء على الجبهة الشرقية ضد الجماعات التكفيرية أو الجبهة الجنوبية ضد العدو الإسرائيلي". وقاد مهام عسكرية وأمنية نوعية خلال مراحل مختلفة من تاريخ المقاومة.
كذلك شغل "عضوية الشورى المركزية لحزب الله خلال مراحل من مسيرته الجهادية"، وشغل "عضوية المجلس الجهادي للمقاومة الإسلامية منذ تأسيسه". وبحسب السيرة التي نشرها إعلام الحزب، فقد قاد العمليات العسكرية على جبهة الإسناد اللبنانية منذ بداية معركة طوفان الأقصى.
ويُعدّ فؤاد شكر أرفع مسؤول عسكري تغتاله إسرائيل في حزب الله، بعد انخراطه في حرب المساندة دعمًا للمقاومة في غزة، في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ولم تتوان إسرائيل عن تتبع واغتيال شخصيات عسكرية بارزة في حزب الله تلعب دورًا محوريا في المواجهة الحالية خاصة، ويعد شكر أرفع مسؤول عسكري تغتاله في الحزب، بعد 6 قادة عسكريين آخرين.
ففي 8 يناير/كانون الثاني اغتالت إسرائيل القيادي في قوة النخبة التابعة لحزب الله "قوة الرضوان" وسام الطويل، وفي 15 فبراير/شباط اغتالت القيادي العسكري علي دبس، وفي 16 أبريل/نيسان اغتالت القيادي إسماعيل باز قائد منطقة الناقورة في حزب الله.
وفي 15 مايو/أيار اغتالت إسرائيل القيادي حسين إبراهيم مكي الذي كان مسؤولا مباشرا عن تنفيذ عمليات في الجبهة الداخلية لإسرائيل، وفي 12 يونيو/حزيران اغتالت طالب سامي عبد الله المعروف بـ"أبو طالب" وهو قيادي عسكري رفيع في الحزب أيضًا، وفي 3 يوليو/تموز اغتالت المسؤول العسكري محمد نعمة ناصر المعروف بـ"الحاج أبو نعمة".
نصر الله وشكر
مثّل اغتيال فؤاد شكر ضربة موجعة لحزب الله، إذ وصفته إسرائيل باليد اليمنى للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله. وارتقت العملية، وفق مراقبين، إلى مرتبة التهديد الشخصي لنصر الله، بعدما كان مستشاره العسكري المباشر.
وكشف نصر الله، في خطاب بعد عملية الاغتيال، أنه كان على تواصل يومي ولقاءات وجاهية دائمة مع فؤاد شكر، وكان صلة الوصل المباشرة له مع الميدان، حيث يضعه بكل تفاصيل العمليات العسكرية في جبهة الإسناد التي يديرها وينسقها معه.
وفي خطابه، أعلن نصر الله حتمية رد المقاومة على استهداف إسرائيل للضاحية واغتيال شكر. ونشر الإعلام الحربي في حزب الله صورة جمعت نصر الله وشكر، وبدت حديثة جدا من ملامح وجهيهما اللذين يغزوهما الشيب.
وكان فؤاد شكر يعرّف بنفسه في الثمانينيات، مع رفاقه المقاتلين، بعبارة "نحن الخمينيون"، للدلالة على تأثره الكبير بالثورة الإسلامية في إيران وقائدها آية الله الخميني، بحسب جريدة الأخبار اللبنانية الموالية لحزب الله.
وفي إحدى الصور التي نشرها الإعلام الحربي، يظهر شكر برفقة القيادي الراحل مصطفى بدر الدين الذي واكبه في مختلف مراحل حياته وتجربته المتنامية مع الحزب، كما واكب عماد مغنية القيادي السابق الذي اغتالته إسرائيل في سوريا عام 2008، ويعد فؤاد شكر خليفة الرجلين.
بدأت القصة الفعلية لفؤاد شكر عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وقبل تأسيس حزب الله. وكان من سكان الأوزاعي، وهي من المناطق الفقيرة في بيروت، وكان يتردد على أحد جوامعها حيث تعرّف على مجموعة من الشبان، صاروا لاحقا من "الرعيل الأول" المؤسس لحزب الله.
ففي عام 1982، إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وحين كان يبلغ شكر 21 عامًا، شارك مع مجموعة من 12 مقاتلا بمعركة خلدة الشهيرة، ضد جنود إسرائيليين كانوا يتقدمون نحو بيروت.
ويبدو أن شكر هو من مؤسسي فكرة أسر الجنود الإسرائيليين؛ إذ تقول جريدة الأخبار إن شكر كان من أوائل من بدؤوا التفكير والتخطيط لأسر جنود إسرائيليين بهدف مبادلتهم بمقاومين وقعوا في الأسر. وحاول بنفسه تنفيذ عملية أسر في منطقة الجية، أثناء حصار بيروت، إلا أن العملية فشلت، إذ قُتل الجندي الأسير ولم يكن ممكنا نقل جثته إلى بيروت.
وبحسب المصدر ذاته، فقد أشرف شكر بنفسه على عملية أسر جنديين إسرائيليين في بلدة كونين عام 1986، "قادها الشهيد سمير مطوط، أحد أفراد مجموعة السيد محسن الأولى".
تلامذة شكروكان شكر هدفًا دائمًا ليس لإسرائيل فحسب، بل للولايات المتحدة أيضًا التي أقلقها نشاطه المتعدد الجبهات، ومنذ عام 2017 أدرجته على قائمة العقوبات الأميركية، وصار مطلوبًا من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي عقب اتهامه بتفجير ثكنات مشاة البحرية في بيروت عام 1983، الذي أسفر حينئذ عن مقتل 241 من أفراد قوات المارينز الأميركية.
ورصدت بعدئذ الولايات المتحدة مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه، وفي 10 سبتمبر/أيلول 2019 صنفته وزارة الخارجية الأميركية "إرهابيا عالميا" وفرضت عليه عقوبات، لعمله لمصلحة حزب الله في سوريا.
وطوال رحلته الحافلة عسكريا، داخل لبنان وخارجه، انطبعت تجربة شكر بسمتي التخطيط والتنفيذ، سواء بعمليات الأسر واقتحام مواقع إسرائيلية، أو لجهة بناء القدرات العسكرية، أو بالتمدد خارج لبنان. واشتهر بالعمل الدؤوب على فهم العقل الإسرائيلي ودراسة مختلف نقاط قوته وضعفه وفهم خريطته الجغرافية.
وجمعت فؤاد شكر علاقة عملية وعسكرية وصداقة استثنائية مع القيادي حسان اللقيس الذي اغتالته إسرائيل بضربة مؤلمة لحزب الله في يناير/كانون الثاني 2013، أمام منزله في بيروت، في عملية نفذتها مجموعة أطلقت النار نحوه بكاتم صوت.
وكان القياديان العسكريان، شكر واللقيس، رفيقا درب بالإشراف على بناء قدرات الحزب بالمسيّرات والصواريخ الدقيقة ومختلف البرامج التدريبية العسكرية لحزب الله.
وقال حسن نصر الله إن جميع المقاتلين بالجبهة هم من تلامذة "السيد شكر" الذين تربّوا عسكريا على يده.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الإعلام الحربی فی حزب الله حزب الله فی لحزب الله فی الحزب نصر الله فؤاد شکر الله ا
إقرأ أيضاً:
لماذا لا يُقرّ حزب الله بالهزيمة؟
استعاد كثيرون في الآونة الأخيرة ما فعله آية الله الخميني، عام 1988، حين "تجرّع السمّ"، وهو التعبير الذي استخدمه وصفاً لقبوله قرار مجلس الأمن الرقم 598 لإنهاء الحرب مع العراق. فإيران، رغم الجموح الإيديولوجيّ المعهود فيها، تصرّفت يومذاك تصرّف دولة استنفدت قدراتها وطاقاتها على مدى ما يقرب من عقد. ذاك أنّها أحسّت، اقتصاديّاً وعسكريّاً ومعنويّاً سواء بسواء، أنّ طريق حربها باتت موصدة تماماً. وبينما كانت علاقتها مع الولايات المتّحدة تزداد توتّراً، تبعاً لاحتجاز موظّفي السفارة الأميركيّة بطهران، دافعةً بعض المراقبين إلى عدم استبعاد حرب ما، بدا أنّ العالم لن يعاقب بغداد على استخدام القوّات العراقيّة أسلحة دمار شامل.
والخمينيّ ليس من كارهي الحروب. وكانت تلك الحرب، التي بدأها صدّام حسين، قد وفّرت له تصليب نظامه الإسلاميّ الناشئ الذي تعصف به تناقضات كثيرة. مع ذلك، وحين رجحت كفّة الخسائر على كفّة المكاسب، كما راحت قاعدة النظام الشعبيّة تكتوي بتأثيرات الحرب فيما يتقلّص استعدادها للتحمّل، قرّر الموافقة على وقف النار، ولو رأى الأمر كريهاً مثل تجرّع السمّ.
طرف راديكاليّ آخر، ولو اختلف مضمون الراديكاليّتين ووجهتهما، سبق أن أقدمَ، قبل سبعين عاماً بالتمام، على تجرّع سمّ من نوع آخر.
فبعد أشهر قليلة على ثورة أكتوبر البلشفيّة في 1917، وقّعت روسيا و"القوى المركزيّة" بقيادة ألمانيا معاهدة برِست ليتوفسك التي أوقفت الحرب بين الطرفين. لكنّ المعاهدة كانت مؤلمة جدّاً للحكّام الجدد من البلاشفة: فهي قضت بتخلّي بلادهم عن كامل أراضيها في مناطق البلطيق، وأوكرانيا، وبولندا، تاركةً لألمانيا أن تُلحق الكثير من تلك الأراضي "الروسيّة" بها.
وفوق هذا تنازلت موسكو، في الجنوب الشرقي، عن أراضٍ للدولة العثمانيّة، حليفة ألمانيا في الحرب. أي أنّ اتّفاقيّة السلام بدت عقابيّة جدّاً للروس، أذلّتهم وحرمتهم مدناً صناعيّة ومساحات زراعيّة جبّارة، فضلاً عن انتزاع مناطق ذات كثافة سكانيّة مرتفعة منهم. أما حلفاء روسيا في الحرب العالميّة، بريطانيا، وفرنسا، والولايات المتّحدة، وإيطاليا، واليابان، فاعتبروا سلامها مع ألمانيا خيانة ونكثاً بتعهّد التحالف الروسيّ معهم، كما قطعه العهد القيصريّ، لمواجهة الألمان. وكانت للموقف هذا تبعات حربيّة واقتصاديّة مؤلمة، فتشدّدَ الحلفاء أولئك في دعمهم الجيش الأبيض خلال الحرب الأهليّة الدائرة، وفي سحب استثماراتهم الضخمة من روسيا. ووُجّهت للقيادة البلشفيّة اتّهامات شتّى بالتفريط والتخلّي الوطنيّين، وكانت الاتّهامات تصدر عن اليمين القوميّ كما عن اليسار الأشدّ راديكاليّة. وحتّى قادة الحزب الحاكم أنفسهم لم يكونوا مُجمعين على الاتّفاقيّة المذكورة، بحيث هدّد زعيمهم فلاديمير لينين بالاستقالة في حال رفضها.
والحال أنّ روسيا البلشفيّة أقدمت على توقيع برِست ليتوفسك لأسباب كثيرة يتصدّرها اثنان:
الأوّل، الهزائم العسكريّة ورفض الجنود الروس البقاء في الخنادق. وكان الحزب البلشفيّ قد قدّم نفسه، منذ 1914، حزب الانسحاب الفوريّ والمباشر من تلك الحرب الدائرة بين إمبرياليّين، وبدعايته هذه خاطب الجنودَ الذين انحازوا إليه وقاتل بعضهم في صفوفه.
أمّا السبب الثاني، وهو ربّما كان الأهمّ، فأن لينين ورفاقه كانوا يحملون مشروعاً يستدعي كامل التفرّغ له، هو بناء نظامهم الاشتراكيّ في روسيا، والذي يخدمه السلام ويوفّر له البيئة المطلوبة بقدر ما يؤذيه استمرار التورّط في الحرب.
وقد يقال بحق إن الدقّة تخون مقارنة تلك التجارب بما يحصل راهناً في لبنان، ما يجعلها مقارنة فضفاضة وقليلة النفع. مع هذا، يبقى مفيداً التذكير بالمناخين الذهنيّ والسياسيّ اللذين يحيطان بتقديم تنازلات تترجم واقع الهزيمة والإقرار به، سيّما حين يصدر الإقرار عن طرف راديكاليّ ينطق بوعي صراعيّ ما.
فحزب الله لم يصفْ موافقته على وقف إطلاق النار بـ "تجرّع السمّ"، بل جاءت أوصافه أقرب إلى الادّعاء بأنّه هو مَن يجرّع إسرائيل السمّ. وتزويرٌ كهذا يقول إنّ ثمّة علاقة غريبة بين الحزب وجمهوره، أساسها افتراض الحزب وجود تسليم أعمى وتفويض مطلق من جمهوره لن تليهما محاسبة أو مساءلة، وهذا علماً بأنّ النتائج الكارثيّة المُرّة على الجمهور كانت وتبقى صعبة الإخفاء أو التمويه. وإلى هذا، فإنّ الحزب لا يريد أن يبني شيئاً يستدعي الحرص عليه وتقديم التنازلات الكبرى من أجله. فهو، بطبيعة الحال، لا يملك دولة كدولة الخمينيّ، بل يتحكّم بدولة من دون أي مسؤوليّة عنها. لكنّه، إلى ذلك، لا يملك مشروعاً كمشروع لينين. ذاك أنّ الدولة التي يقاتل لأجلها، وينضبط بمصالحها، ليست دولته هو، بينما المشروع الوحيد الذي يحرص عليه هو السلاح للسلاح، أي السلاح بذاته والسلاح فحسب.
هكذا نراه يستمرّ في سياسة ورواية ترفضان أن تقرّا بالهزيمة، وأن تبنيا على إقرار كهذا موقفاً كالذي وقفه الخمينيّ حين تجرّع السمّ، أو لينين حين كلّف ليون تروتسكي التوقيع على برست ليتوفسك.