سواليف:
2025-01-29@20:33:01 GMT

نور على نور

تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT

#نور_على_نور

د. #هاشم_غرايبه

كثير من المعرضين عن منهج الله تكاسلا وقلة همة، أو من الذين وجدوا أنفسهم مسلمين بالوراثة لكن لما يدخل الإيمان في قلوبهم، كثير من هؤلاء يتشككون في مصداقية وعد الله بنصر عباده المؤمنين، بغض النظر عن قوة من يعادونهم أو تفوقهم، لسبب بسيط وهو أن الله هو موجد قوانين الطبيعة وسننها الكونية، وهو الوحيد الذي بيده تعديلها أو تعطيلها متى شاء.


بالطبع هم يستندون على الواقع، ويقيسون وفق سير الأحداث، لكن عيب معيارهم أنه متسرع هلوع، لأنهم يحسبون الزمن بمعيار البشر النسبي، الذي يرى زمن الأحداث السعيدة يمر كلمح البصر، وزمن المصاعب والكروب يمر بطيئا وكأن اليوم سنة.
مقياس الله الأزلي مختلف، ولا قيمة لديه لعدد الأيام والشهوروالسنين في حساب طول المدة أو قصرها، بل بتوفر العوامل التي يُجري السنن بموجبها من غير اهتمام، قصر الزمن أو طال، لكن السنة الكونية المتعلقة بذلك مؤكدة الحدوث، ولا تتأثر بأي عامل آخر سوى الشروط التي أثبتها مبدع الكون وخالق المخلوقات والتي أسماها كلمات الله (السنن التي وضعها حاكمة لأحداث الكون ومعيشة المخلوقات)، ولم يسمها قوانين الطبيعة، لأن القوانين محكومة بثابت أعلى يجريها، بينما الكلمات أوامر لا يحكمها شيء غير الذات الإلهية، والتي لا يعلوها شيء ولا قبل لأي ظرف أو مصادفة بتعديلها أو التأثير فيها.
من هنا نفهم أن وعد الله حق مطلق، سيحدث حتما، ولا يمكن إخلافه، لأن الإنسان إذا وعد وعدا، قد ينفذه وقد يخلفه حتى لو كان صادق النية فيه، ويعتذر بظروف قاهرة منعته، لكن الخالق القدير فوق كل المعذّرات، فلا شيء يمكن أن يحول دون تنفيذ وعده، فهو الذي يخلق الظروف ويلغيها.
وقد أكد هذا الوعد في أكثر من موضع في كتابه العزيز، مثل قوله تعالى: “كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي” [المجادلة: 21]، كما قال: “وَإنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون” [الصافات: 173]، وقال: “إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَاد” [غافر: 51]، فضمن الله لهم النصر في الدنيا والآخرة.
كما بين لنا تعالى أن وعده هذا ليس وقفا على نصره رسله والذين آمنوا معهم زمن الدعوة فقط، بل كل من اتبعهم الى يوم الدين، شريطة الصدق في الإيمان: “وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا” [المائدة:12].
وفي قوله تعالى: “إنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15] حدد شروط الصدق في الإيمان بثلاثة:
1 – الإيمان بالله إلها واحدا لا شريك له.
2 – الإيمان بخاتم رسل الله واتباع الدين الذي دعا له، وثباتهم على ذلك من غير أن يخاط إيمانهم أي شك.
3 – الجهاد بالمال وبالنفس دفاعا عن عقيدتهم وحماية للدعاة الداعين لا تباعها.
كما أكد أن وعده نصر هؤلاء الصادقين في إيمانهم إن كان ديدنهم عمل الصالحات أيضا، فيمكن لهم في الأرض من بعد نصرهم بإقامة دولة إسلامية عزيزة الجانب، لكي يطبقوا منهج الله، وعندها يستتب لهم الأمن فلا يخشون عدوا باغيا، ويحققون الاكتفاء ويعم عليهم الرخاء: “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا [النور:55]، وقد ثبت تحقق ذلك تاريخيا بقيام الدولة الراشدة التي حققت الأمن والرخاء فعلا، واستمر ذلك ما استمر ايفاء المؤمنين بالشروك الآنفة.
النقطة الهامة أن الله تعالى لا يتعامل مع البشر كأفراد فقط، بل يتعامل مع المجتمعات كوحدة واحدة، فلو وجد أفراد محققون للشروط بذاتهم، لكنهم لا يؤثرون في المسار العام للمجتمع، والمحصلة العامة فاسدة، فيعتبره الله فاسدا.
من هنا لا ينفع الصلاح الفردي في مجتمع مؤمن، لكن يحكمه نظام سياسي معرض عن منهج الله ومتبع لغيره، فلا يمكن أن ينصره الله مهما كانت نسبة العابدين الطائعين، لذلك رأينا الدول العربية تنهزم هزائم منكرة، رغم أنها كانت أكثر عددا وعدة من مجاهدي القطاع، فيما نصر الله المجتمع الصغير المحاصر، الذي يحكمه مؤمنون صادقون ومتبعون لمنهج الله.

مقالات ذات صلة كلماتٌ في وداع إسماعيل هنية “أبو العبد” 2024/08/03

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: نور على نور

إقرأ أيضاً:

لماذا خلق الله البعض فقراء والآخر أغنياء؟.. الأطفال يسألون الإمام بمعرض الكتاب

يقدِّم جناح الأزهر الشريف بـمعرِض القاهرة الدولي للكتاب، في دورته الـ 56 لزوَّاره كتاب "الأطفال يسألون الإمام.. الجزء الثاني"، يشتمل على إجابات لـ ٣١ سؤالًا للأطفال، يجيب عنها فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، من إصدارات سلسة كتاب "نور".

وفي الجزء الثاني من الكتاب، يسأل أحد الأطفال: أحزن كثيرًا لأن أبي فقير ولا يستطيع أن يشتري لي أشياء أتمناها مثل الأطفال الآخرين؛ لذا أتساءل دائمًا: لماذا خلق الله بعضنا فقراء وبعضنا أغنياء؟

ويُجيبُ شيخ الأزهر بالقول: ابني العزيز التفاوت بين البشر أمر طبيعي، وهذا التَّفاوت قد يتخذ أشكالًا متنوعة، فهناك تفاوت في الأعمار والأرزاق وتفاوت في الفهم والعلم وغير ذلك، والله عزَّ وجلَّ له حكمة بالغة في هذا التفاوت؛ وهي أن يشعر الإنسان باحتياجه إلى الله تعالى وكذلك إلى من حوله من البشر مهما كان مستواه الاجتماعي، وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك تعبيرًا بيانيًّا عظيمًا فقال عز وجل: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف : ٣٢].

ويضيف فضيلة الإمام أنَّ التفاوت بين الناس في الأموال مهم جدًّا لتسير عجلة الحياة ويستمر العمران البشري، ولا تظن أن الفقير هو الذي يحتاج إلى الغني فقط، بل الغني أيضًا يحتاج إلى الفقير، على أنَّ مفهوم الفقر والغنى يحتاج إلى إعادة نظر، فليس الغنى مجرد كثرة المال فقط، كما أن الفقر ليس مجرد قلة المال فقط، يقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: "ليس الغنى عن كثرة العرض، ولَكِنَّ الغنى غنى النفس"، فالغنى الحقيقي هو غنى النفس، فكم من غني هو من أفقر الناس نفسًا، وكم من فقير هو من أغنى الناس بقناعته ورضاه، كما أن الله تعالى وصف كل الناس بالفقر إليه سبحانه، قال عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر : ١٥].

ويقدِّم شيخ الأزهر النصيحة للطفل بالقول: "أنصحك يا بني بالقناعة وعدم النظر إلى ما في يد غيرك، واعلم أن الأب والأم ينفقون ما هو أغلى من المال؛ فهم ينفقون أعمارهم ليوفروا لأولادهم ما ترجونه ولا يبخلون عليهم بشيء، وأذكرك بقوله تعالى: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ) [ طه : ۱۳۱]."

يُذكر أنَّ أسئلة كثيرة تدور في ذهن الأطفال الصغار لا يستطيع الكبار الإجابة عنها أحيانا ظنًّا منهم أنَّ تلك الأسئلة مسيئة للعقيدة ويطلبون من أطفالهم التوقف عن ذلك؛ لهذا جاءت فكرة هذا الكتاب الذي جمع أسئلة مهمة للأطفال ليجيب عنها فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر بنفسه، ليرشدهم ويعلمهم صحيح دينهم، وتكون رسالة تربويَّة لأولياء الأمور توجههم إلى أهمية الانتباه إلى أسئلة أبنائهم الصغار والإجابة عنها بعقل متفتح بل وتشجيعهم على التفكير والتدبر في أمور العقيدة وغيرها من الأمور الحياتية.

مقالات مشابهة

  • آيات قرآنية عن شكر الله عز وجل
  • الفرق بين سجود الشكر وصلاة الشكر
  • ما هي أنواع الملائكة وحكم الإيمان بهم؟ علي جمعة يكشف
  • الأزهر يطلق مبادرة لتكريم كبار محفظي القرآن الكريم
  • لماذا خلق الله البعض فقراء والآخر أغنياء؟.. الأطفال يسألون الإمام بمعرض الكتاب
  • الإسراء والمعراج
  • شعب الإيمان والحكمة.. يشبهون غزة وتشبههم في العظمة والكبرياء “استطلاع”
  • صفات الملائكة وأعمالهم في حياة الإنسان
  • بعد واقعة المذيعة آلاء عبدالعزيز.. نصائح من دار الإفتاء للمصابين بالسحر
  • هل غدًا صيام؟.. فضل ليلة الإسراء والمعراج