منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، صعّدت إسرائيل بشكل غير مسبوق من وتيرة الانتهاكات بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجونها، وكشفت تقارير حقوقية وشهادات مختلفة عن ظروف مأساوية يعاني منها المعتقلون الفلسطينيون منذ بدء هذه الحرب.

وبينما تشير التقارير المختلفة إلى ارتفاع مستوى الانتهاكات بحق المعتقلين في السجون الإسرائيلية، فإن الحرب في غزة لم تكن وحدها التي تقف خلف التطرف الإسرائيلي في معاقبة المحتجزين الفلسطينيين ومحاولة كسر إرادتهم، ولم تكن الانتهاكات التي جرى توثيقها خلال الحرب سوى إطار أوسع لما بدا عليه الواقع قبل إعلان المقاومة الفلسطينية عن معركة طوفان الأقصى التي كان واحدا من أهدافها تحرير هؤلاء الأسرى.

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، تحولت إجراءات جيش الاحتلال المتخذة ضد الأسرى إلى جزء من معركة إسرائيلية شاملة على المجتمع الفلسطيني.

معتقل سدي تيمان وجه جديد للوحشية الإسرائيلية

إلى جانب مفاعيل الانقسام المجتمعي في إسرائيل على خلفية الموقف من الحرب في غزة ومفاوضات وقف إطلاق النار، وفي ظل استمرار الحراك المطالب بإبرام صفقة تبادل للأسرى، برزت حالة جديدة من الاستقطاب السياسي والشعبي عقب التحقيقات التي فتحها الجيش الإسرائيلي بحق عدد من جنوده على خلفية تعذيب معتقلين فلسطينيين.

وتتعلق التحقيقات بـ "إساءة كبيرة" لمعتقل فلسطيني في معسكر "سدي تيمان" الإسرائيلي سيئ السمعة الواقع في صحراء النقب، إذ أشارت التقارير إلى تعرضه لإساءة جسدية وجنسية شديدة أدت إلى نقله للمستشفى في حالة خطيرة، بينما احتجزت الشرطة العسكرية الإسرائيلية 9 جنود شاركوا في هذه الإساءة، مما أثار غضباً كبيراً واحتجاجات بين الأحزاب اليمينية المتطرفة.

ووفقاً للمدير التنفيذي للجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل تال شتاينر، فإن الجيش يحتجز المعتقلين من غزة في 3 مواقع اعتقال رئيسية هي: عناتوت وعوفر بالإضافة إلى سدي تيمان الذي كشفت بشأنه تقارير صحفية مختلفة عن وقائع صادمة لعمليات التعذيب وإساءة المعاملة للمحتجزين الفلسطينيين داخله.

قوات القمع الإسرائيلية تقتحم أقسام الأسرى في سجن عوفر 2019 (مواقع التواصل)

وفي تحقيق استمر 3 أشهر، شمل مقابلات مع جنود إسرائيليين وأسرى فلسطينيين داخل معتقل سدي تيمان، وثّقت صحيفة نيويورك تايمز السياسة الممنهجة لعمليات التعذيب وإساءة المعاملة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، ووصف أحد صحافييها ما شاهده خلال زيارته للمعتقل، حيث صفوف المعتقلين يجلسون مكبلي الأيدي ومعصوبي الأعين وقد منعوا من التحدث بصوت أعلى من الهمس فضلاً عن منعهم من الوقوف أو النوم إلا بإذن.

وأشار التحقيق إلى طائفة متنوعة من أساليب التعذيب بينها الضرب المبرح باستخدام الهراوات وأعقاب البنادق، والصعق بالكهرباء أثناء عمليات الاستجواب، والاعتداء الجنسي على عدد من المعتقلين، والصعق المتكرر بالكهرباء، وتعريض المعتقلين لموسيقى صاخبة لمنعهم من النوم، كما أٌجبر المعتقلون على ارتداء الحفاضات فقط أثناء التحقيق معهم.

وشملت الانتهاكات حرمان المعتقلين من حقوقهم القانونية الأخرى في العرض على القاضي لمدد تصل إلى 75 يوماً، علاوة على منعهم من الوصول إلى محاميهم لمدة تصل إلى 90 يوما.

في تقرير مماثل لشبكة "سي إن إن" كشف محتجزون فلسطينيون سابقون وجنود إسرائيليون يعملون في معتقل سدي تيمان عن شهادات مروعة لظروف الاحتجاز هناك بمن فيهم المرضى.

وقد أورد التقرير أيضاً الوسائل العقابية التي يستخدمها جنود الجيش الإسرائيلي بحق المعتقلين عند مخالفتهم لتعليمات الحظر على الحركة أو الكلام، حيث يقتاد المعتقلون إلى منطقة خارج السجن ليتم الاعتداء عليهم بقسوة بلغت في بعض الحالات حد كسر عظامهم وأسنانهم.

وينقل التقرير -عن شهود وأطباء- إلى وجود حالات أقدم فيها الأطباء على بتر أطراف بعض المعتقلين بسبب الإصابات الناجمة عن التقييد المستمر بالأصفاد، إضافة إلى "عمليات طبية يقوم بها أحيانًا أطباء غير مؤهلين، مما أكسبه سمعة بأنه "جنة للمتدربين" حيث يمتلئ الهواء برائحة الجروح المهملة التي تركت لتتعفن بينما تجري العديد من العمليات الجراحية بدون تخدير".

وأما الشهادات المتعلقة بسوء المعاملة الطبية للمعتقلين، فتعرضها رسالة نشرتها صحيفة هآرتس لطبيب إسرائيلي يعمل في المستشفى الميداني التابع لمعتقل سدي تيمان، وصف فيها الظروف التي تحيط بالمرضى بـ "المزرية" مشيراً إلى عمليات "بتر روتينية" بسبب الإصابات التي خلفتها الأصفاد، بالإضافة إلى غياب الرعاية الملائمة في مرافق الاحتجاز والتي أدت إلى مضاعفات صحية بين المرضى وصولاً إلى الوفاة في بعض الأحيان.

كما يشير الطبيب في شهادته إلى أن جميع المرضى يتم تكبيلهم بالأصفاد من أطرافهم الأربعة طيلة اليوم مع تغطية أعينهم بغض النظر عن خطورة حالتهم الصحية، بينما يجبر العديد منهم على قضاء الحاجة وهم يرتدون الحفاضات.

ولا ينحصر التعذيب على هذا المعتقل فحسب، بل إلى مراكز الاعتقال والسجون المختلفة، حيث قالت المفوضية السامية لحقوق الإنسان إن هناك 9400 معتقل فلسطيني في السجون الإسرائيلية المختلفة، قضى منهم تحت التعذيب 53 معتقلاً في مراكز الاعتقال والسجون المختلفة والتي كان أبرزها سدي تيمان.

وتشير المفوضية إلى طرق التعذيب في تلك السجون والتي شملت حرمان المعتقلين من الطعام والماء وتعرضهم للحرق بالسجائر والإيهام بالغرق واستخدام الكلاب، فضلاً عن وسائل التعذيب الأخرى التي تستخدم في معتقل سدي تيمان.

وعلى وقع ضغوط المنظمات الحقوقية، اضطر الجيش الإسرائيلي إلى الاعتراف بقتل 36 فلسطينيا من غزة في سجن سدي تيمان من بين 53 معتقلاً استشهدوا جراء التعذيب منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول وإعلان إسرائيل الحرب على القطاع المحاصر، في وقت تقول بيانات الأمم المتحدة إن الرقم أعلى مما تكشف عنه وثائق جيش الاحتلال.

انتهاكات السجون لم تبدأ من 7 أكتوبر

خلال عقود الاحتلال، دأبت السلطات الإسرائيلية على اتباع سياسة الاعتقال بشكل منهجي وواسع النطاق بحق الفلسطينيين. وبحسب تقرير أممي، بلغ عدد الذين اعتقلتهم إسرائيل منذ عام 1967 وحتى 2006 قرابة 800 ألف شخص، بينما وصل عدد المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية نهاية أغسطس/آب 2023 (أي قبل معركة طوفان الأقصى بشهر واحد) حوالي 5 آلاف فلسطيني، بينهم أكثر من ألف معتقل إداري بدون محاكمة.

وذكرت تقارير دولية عدة صادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية محلية ودولية أن السلطات الإسرائيلية تستخدم التعذيب الجسدي والنفسي بحق المعتقلين الفلسطينيين، والتي تشمل احتجازهم في غرف مكتظة وغير صحية، وكذلك الاعتداءات الجنسية وتغطية الرأس وتعصيب العينين، وإجبارهم على الوقوف لساعات طويلة، وربطهم في كرسي بأوضاع مؤلمة، فضلاً عن حرمانهم من النوم والعقاب بالحبس الانفرادي، وكذلك الشبح بطرق مختلفة وغيرها من أشكال التعذيب والمعاملة القاسية والمهينة، مما أدى إلى استشهاد 73 معتقلاً بين العامين 1967 و2020.

ومنذ عام 2001 حتى نهاية 2023 تلقت وزارة العدل الإسرائيلية أكثر من 1400 شكوى بشأن التعذيب وإساءة المعاملة للمعتقلين الفلسطينيين من قبل جهاز الشاباك، ولم تسفر إلا عن فتح 3 تحقيقات وعدم توجيه أي اتهام.

كما اتهمت جهات حقوقية إسرائيل باستخدام سياسة الإهمال الطبي كأداة تعذيب عبر حرمان المعتقلين من الفحوصات والعلاجات الطبية وحجب المعلومات الطبية الحيوية، كما تطرقت منظمة الصحة العالمية -في تقرير لها نشر في مايو/أيار 2023- إلى السياسات التي تتبعها إسرائيل بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، ابتداء من غياب البروتوكولات الموحدة المتعلقة بالتحقيقات الطبية والعلاج في مرافق السجون، وصولاً إلى سياسة الإهمال الطبي خاصة مرضى السرطان وأصحاب الأمراض المزمنة الذين لا يحصلون على العلاجات والأدوية اللازمة.

وأشارت منظمة الصحة أيضاً إلى ما وصفتها ممارسات غير أخلاقية بما فيها تكبيل المعتقلين المرضى في أسرة المستشفيات، وعدم وجود متابعة طبية مناسبة عند خروجهم، إضافة إلى عدم حصول الأسرى المضربين عن الطعام على الرعاية المناسبة.

إسرائيل تستخدم التعذيب الجسدي والنفسي بحق المعتقلين الفلسطينيين (الصحافة الإسرائيلية) تصاعد انتهاكات السجون.. أسباب متعددة

بينما لا يمكن تجاهل الأحداث التي تلت بدء معركة طوفان الأقصى كأحد أسباب تصاعد الانتهاكات في السجون الإسرائيلية، فإن هناك أسبابا كامنة هيأت الأرضية لأكبر قدر من سوء المعاملة بحق المعتقلين، ومن بين تلك الأسباب:

الحكومة اليمينية الإسرائيلية

مع تصويت الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) لصالح حكومة اليمين المتطرف في ديسمبر/كانون الأول 2022، أعلن وزير الأمن إيتمار بن غفير عن نيته القيام بسلسلة من الخطوات التي تهدف إلى:

التضييق على المعتقلين الفلسطينيين في السجون. عدم منحهم ظروف اعتقال جيدة، ومنها تكثيف عمليات النقل القسري للمعتقلين وتحديد مدة الاستحمام بـ4 دقائق لكل فرد أو ساعة واحدة من المياه الجارية لكل جناح سجن. العمل على سن قانون يهدف إلى حرمان المعتقلين من العلاج الطبي الذي من شأنه أن "يحسن نوعية الحياة". فرض قيود على الزيارات العائلية للمعتقلين. مناقشة إقرار تشريع عقوبة الإعدام للمعتقلين المتهمين بـ"الإرهاب".

وغيرها من الخطوات التي أسهمت خلال العام الماضي في تصاعد التوتر داخل السجون الإسرائيلية.

بن غفير أعرب عن نيته القيام بسلسلة من الخطوات بهدف التضييق على المعتقلين الفلسطينيين (مواقع التواصل) التعذيب غير محظور قانوناً

على الرغم من توقيع إسرائيل على معاهدات حقوق الإنسان التي تحظر التعذيب ومنها الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، فإن القانون الإسرائيلي لا يحظر التعذيب فضلاً عن تجريمه، كما أنه لا يضع تعريفا محددا لجريمة التعذيب رغم المطالبات الدولية.

وعلى الرغم من إصدار محكمة العدل العليا الإسرائيلية حكماً قضائياً عام 1999 يقضي بحظر "استخدام أساليب وحشية" بشكل مطلق، فإنها أبقت على بعض الاستثناءات كمبدأ "القنابل الموقوتة" أي الذين يشتبه بمعرفتهم بعمليات "إرهابية" محتملة.

وعبرت لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة عن قلقها إزاء إمكانية استخدام محققي الشاباك هذا المبدأ لتبرير عمليات التعذيب بحق المعتقلين، خاصة أن قانون هذا الجهاز يمنح الحصانة لعناصره عن أي عمل يقومون به في حدود عملهم.

التعامل مع الفلسطيني كتهديد

في تقريرها بشأن الاعتقالات التعسفية، أشارت المقررة الخاصة لحقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيز إلى السياسة الإسرائيلية طويلة الأمد ضد الفلسطينيين، والتي تسببت في حرمانهم لأجيال من حريتهم علاوة على عدم تمتعهم بأبسط حقوقهم التي يمنحها لهم القانون الدولي.

وأشارت إلى أن الإجراءات الإسرائيلية الممتدة على مدار عقود من الاحتلال الفلسطينيين بالأراضي المحتلة حولت الفلسطينيين إلى "سكان جُردوا من صفة المدنيين" وبالتالي حرمانهم من أي حماية قانونية، ومن ثم يصبح الفلسطيني دائماً عرضة للاعتقال لأنه مصدر تهديد للنظام القائم المبني على الهيمنة، ليتحول الحرمان التعسفي من الحرية والمعاملة القاسية والمهينة إلى سياسة إسرائيلية عامة موجهة ضدهم لإحكام السيطرة عليهم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات المعتقلین الفلسطینیین فی السجون الإسرائیلیة أکتوبر تشرین الأول معتقل سدی تیمان بحق المعتقلین

إقرأ أيضاً:

بعد التهنئة برمضان.. ما أبرز الفتاوى اليهودية التي تشجيع على قتل الفلسطينيين والعرب؟

تزدحم الصفحات الإسرائيلية الرسمية الناطقة بالعربية بالعديد من "التهاني" بحلول شهر رمضان المبارك، في محاولة لتحسين صورة الاحتلال عربيا وإسلاميا، ضمن جهود الدعاية المنظمة.

وتتبع أغلب هذه الصفحات إما لجيش الاحتلال الإسرائيلي مباشرة أو إلى جهات رسمية أخرى مثل وزارة الخارجية أو وزارة الإعلام والشتات.

عشية حلول شهر رمضان الكريم نتقدم بالتهاني لعموم المسلمين في اسرائيل والعالم قاطبة داعين من الله عز وجل ان تتنامى فيه الألفة بين القلوب وترفرف روح التعايش في المنطقة بأسرها.

نحن لسنا باولاد عمومة فحسب، انما جيران ايضا والله اوصى بسابع جار .
صياما مقبولا وذنبا مغفورا#رمضان_كريم pic.twitter.com/olutgS1fHe — إسرائيل بالعربية (@IsraelArabic) February 28, 2025
وتأتي هذه الدعوات رغم التحريض المباشر في "إسرائيل" منذ سنوات على قتل الفلسطينيين بمختلف أعمارهم، مع اعتبار أن كل غير اليهود من الممكن قتلهم.

بعد ثبوت رؤية هلال #شهر_رمضان نهنئ المسلمين بمناسبة الشهر الفضيل. اللهم صفّد شياطين ودواعش التنظيمات الإرهابية من حماس وحزب الله ووكلاء إيران وغيرهم من الارهابيين وابعد عن اهل الشرق الأوسط دعاة الخير والسلام الارهاب البغيض pic.twitter.com/CLno7coHas — افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) February 28, 2025
"عدالة إلهية"
في شباط/ فبراير 2023 قارن الحاخام الإسرائيلي، شموئيل إلياهو، زلزال تركيا وسوريا بـ "غرق المصريين في البحر" وفق القصة التوراتية، قائلا إن الكارثة "عدالة إلهية".

وإلياهو رجل دين مشهور في "إسرائيل"، وهو مقرب من إيتمار بن غفير، وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي المستقيل، واعتبر في ذلك الوقت الكارثة الإنسانية التي لحقت بسوريا وتركيا بعد الزلزال بأنها "تطهر العالم وتجعله أفضل".

ونشر إلياهو تفسيراته للزلزال ضمن مقال في صحيفة "أولام كاتان"، وهي نشرة أسبوعية يمينية دينية ذات شعبية بين صفوف المتطرفين الإسرائيليين.


ونقل موقع "تايمز أوف إسرائيل" مقال الحاخام الذي تضمن قوله: "ليس هناك شك في أن أولئك الذين رأوا المصريين يغرقون في البحر والذين لم يتذكروا الحدث بأكمله من البداية إلى النهاية كانوا سيمتلئون بشفقة كبيرة عليهم وسيحاولون إنقاذهم من الغرق".

وأضاف "لكن بني إسرائيل غنوا الأغاني لأنهم يعرفون المصريين، وفهموا أن هؤلاء الغرقى أرادوا قتل بعضهم والاستمرار في استعباد البقية، لقد غنوا الأغاني لأنهم فهموا أن هناك عدالة إلهية هنا تهدف إلى معاقبة المصريين الذين أغرقوا بني شعب إسرائيل في النيل، حتى يرى جميع الأشرار في العالم ويخافون".

وقال إلياهو: "الله يحكم على جميع الدول من حولنا التي أرادت غزو أرضنا عدة مرات ورمينا في البحر"، مهاجما سوريا وتركيا بالقول: "كل ما يحدث، يحدث من أجل تطهير العالم وجعله أفضل".

"اليهودي مقدس"
في آذار/ مارس 2023، قال الحاخام اليعازر ميلاميد، في كلمة تأبين لمستوطنين شقيقين قتلا في عملية نفذها مقاوم فلسطيني في بلدة حوارة بالضفة الغربية في 26 شباط/ فبراير من العام ذاته: إن "كل يهودي يُقتل لمجرد كونه يهوديا فهو مقدس".

ووسّع ميلاميد صفة القداسة لتشمل جميع المستوطنين، حيث قال "إذا كان هذا هو ما يقال عن كل يهودي، فمن المؤكد أنه ينبغي أن يقال عن المستوطنين الذين يعيشون في الخط الأمامي للاستيطان في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)".

وأضاف خلال كلمة التأبين "لم نعد إلى بلادنا لنطرد العرب من ديارهم، بل لجلب الخير والبركة للعالم، ويمكن للعرب أيضا الاستفادة من ذلك"، على حد زعمه.

وفي كلمة أخرى لميلاميد مع عدد من طلابه قال: "طالما أنه لا يوجد عدد كافٍ من اليهود في أرض إسرائيل، فإن أعداءنا مستمرون في الوجود هناك ويقتلوننا"، زاعما أن "حدود إسرائيل هي من نهر النيل في مصر حتى الفرات بالعراق، وأنه لم يتم الاستحواذ سوى على المنطقة المحيطة بنهر الأردن"، في إشارة إلى أرض فلسطين.

وقال ميلاميد: "أحيانا يسأل الأولاد الصغار أسئلة كبيرة بصدق ويفتحون الباب للتفكير العميق، فعندما التقيت مؤخرا بأولاد لإجراء محادثة، سأل أحدهم بجدية وألم: لماذا توجد هجمات إرهابية؟ لماذا يقتل اليهود الصالحون؟"، فأجابهم: "لأنه لا يوجد عدد كاف من اليهود في إسرائيل"، بحسب ما نقلت "القناة السابعة" حينها.

وأضاف: "لا يوجد عدد كافٍ من اليهود في أرض إسرائيل عموما وفي يهودا والسامرة (التسمية الإسرائيلية للضفة الغربية) بشكل خاص، فكما قيل في التوراة: وإذا لم تترك سكان الأرض أمامك، فليكن أن تتركهم عبيدا في عينيك حتى لا يحاصرونك في الأرض التي تسكن فيها".

وتابع: "يعتقد البعض أن المشكلة خارجية، إذا لم يكن هناك أعداء في الأرض، فستنتهي المشاكل، ومع ذلك، فقد تعلمنا من التوراة أن الواقع هو عكس ذلك فإذا لم يكن هناك أعداء، فقد تنشأ مشاكل أكبر من البرية، فمن غير السار الاعتراف بأن القتال ضد العدو يصوغ إسرائيل ويوحدها، ومن يدري ما هي الأزمات والحروب الأهلية التي كنا سنخوضها بدونها. وبمعنى آخر، طالما أنه لا يوجد عدد كافٍ من اليهود للاستيطان في الأرض بأكملها بالطول والعرض، حتى لا تبقى أماكن مقفرة، فإن الله يرى في طريق الطبيعة أن الأعداء سيبقون في الأرض".

وأضاف أنه بعد أن يتكاثر اليهود سيكونون قادرين على التوسع تدريجياً نحو شرق الأردن وجميع أراضي "أرض الميعاد" في إشارة إلى كيان الاحتلال.

تمجيد غولدشتاين 
وفي ذكرى مجزرة الحرم الإبراهيمي، أشاد الحاخام البارز في أوساط "الحريديم"، مئير مازوز، بالإرهابي باروخ غولدشتاين الذي قتل 27 مصليا فلسطينيًا عام 1994 في الحرم الإبراهيمي، معتبرا أن جريمته منعت "خطرًا كبيرًا".

وقال الحاخام مازوز: "في مغارة المكفيلة (الحرم الإبراهيمي) وضع العرب فؤوسا وبنادق وسكاكين تحت السجاد الذي يصلون عليه- وكان هناك خطر كبير جدا. وبفضل هذا اليهودي تم تجنب الخطر".
وهذا الموقف تكرر من قبل بن غفير التي وصف أيضا منفذ المجزرة بـ "الدكتور غولدشتاين"وأنه "البطل والقديس والطبيب الذي أنقذ حياة اليهود".

"شريعة الملك"
وفي مطلع عام 2023، أحدث الوزير الإسرائيلي السابق، عامي أيالون، ضجة عقب توثيقه السلبي في أحد كتبه، للقاء جمعه بالحاخام الهشير يتسحاق شابيرا، صاحب فتوى "قتل الأطفال العرب، لأنهم قد يكبرون ويصبحون أشرارا".


وفي ذلك اللقاء، الذي لم يُوضع تاريخ حدوثه، برر شابيرا فتواه بأنه "حسب التوراة والإجماع بين حكمائنا اليهود، فإن التحريم المطلق للقتل ينطبق على اليهود فقط، وليس على الوثنيين".

وجاءت هذه الفتوى ضمن "شريعة الملك" أو "توراة الملك" أو هو مصنف فقهي يهودي من تأليف الحاخامين شابيرا ويوسيف اليتسيور، اللذان أدارا في مستوطنة "يتسهار" في الضفة الغربية، ومدرسة دينية تدعى "مازال يوسف حيا".

ويضم الكتاب المنطلقات والقواعد الفكرية والأيديولوجية التي تدعو لاستباحة وسفك دماء الأغيار (الغوييم وتعني غير اليهود بشكل عام) على أيدي اليهود في أوقات السلم والحرب.

وحرر الكتاب بلغة عبرية قديمة، هو مزيج من أحكام منتقاة وفقا لمجموعة نصوص دينية، معتمدا على تفسيرات وأقوال فلاسفة وعلماء يهود متطرفين من عدة عصور، ويقدم أرضية عقائدية لجنود الاحتلال والمستوطنين تبيح قتل الفلسطينيين.

ويعتبر مؤلفو الكتاب أن "الله خلق هذا الكون من أجل اليهود فقط، وخلق باقي العالم الذي له منزلة البهائم لخدمة اليهود"، ويدعو الكتاب بوضوح إلى قتل وإبادة الفلسطينيين ويقدم أرضية دينية عقائدية تبيح سياسات وأعمال جيش الاحتلال ومستوطنيه تجاه الفلسطينيين.

ويستخلص المؤلّفان أنّ "اليهود يُسمح لهم بقتل الآخرين أكثر مما يسمح للأغيار بقتل أناس من الأغيار الآخرين"، ويتم التركيز في الفصل الرابع على استباحة دماء غير اليهود.

ويتناول الفصل الخامس من الكتاب احكام قتل غير اليهود في الحروب، ويشير إلى "وجوب قتل أيِّ مواطن في المنطقة المعادية يشجع المقاتلين أو يعبر عن رضاه عن أعماله، وجواز قتل مواطني الدولة أو المنطقة المعادية وإن كانوا لا يشجعون دولتهم في أعمال الحرب".

ويبرر الكتاب جواز القتل بأن "الشريعة اليهودية تعتقد أنهم يرغبون في أوقات السلم بسفك دماء اليهود، فيما ويتعاظم هذا الاعتقاد برغبتهم في سفك دماء اليهود في حالة الحرب".

قتل الجميع
في آذار/ مارس 2024، وخلال حرب الإبادة ضد قطاع غزة، دعا حاخام في مدينة يافا إلياهو مالي، إلى "إبادة كل سكان قطاع غزة، بمن في ذلك الأطفال والنساء والمسنين".

وقال الحاخام إلياهو مالي مدير المدرسة الدينية في يافا، التي يخدم طلابها في جيش الاحتلال إنه "يجب اتباع مبدأ (لا تدع نفسا على قيد الحياة) و(إذا لم تقتلهم سيقتلونك)".

وفي اجتماع للمدارس الدينية، اعتبر أن "مخربي اليوم هم الأطفال الذين تركتهم على قيد الحياة في المعركة السابقة"، عندما سئل عن قتل أطفال غزة.

أما عن النساء فقال الحاخام: "هن من ينتجن المخربين"، مضيفا أن "من يشكل خطرا عليك ليس فقط الفتيان في عمر 14 أو 16 ومن يرفع السلاح بوجهك، بل جيل المستقبل ومن ينتجن جيل المستقبل، فالحقيقة لا يوجد فرق بينهم".

وعن المسنين أضاف: "أحكام المدنيين في غزة تختلف عن أحكام المدنيين في مناطق أخرى، ففي غزة وفق التقديرات ما بين 95 إلى 98 بالمئة يؤيدون إبادتنا".

الإبادة بالصواريخ
رغم أن كل هذه الدعوات جاءت في السنوات الأخيرة مع تصاعد المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن الفتاوى والدعوات التحريضة على القتل جاءت من الحاخام الأشهر في "إسرائيل" وهو عوفاديا يوسف.

ويعد يوسف الزعيم الروحي لحزب "شاس" لليهود الشرقيين ومؤسسه، وهو الحاخام الذي عرف بمواقفه العنصرية المتشددة نحو الفلسطينيين والعرب، فضلا عن معارضته الشديدة للمس بالقضايا المحورية في الصراع مع العرب وأهمها القدس والمستوطنات وعودة اللاجئين.

وعرف عن عوفاديا كرهه الشديد للعرب الذي بلغ حد دعوته إلى إبادتهم جميعا بالصواريخ، ففيتموز/ يوليو 2001 دعا إلى "إبادة العرب بالصواريخ"، وأضاف في "عظة" السبت في كنيس بالقدس بمناسبة عيد الفصح اليهودي أن العرب "يجب ألا نرأف بهم، ولا بد من قصفهم بالصواريخ وإبادة هؤلاء الأشرار والملعونين".

وقال لأتباعه إن "العرب يتكاثرون في المدينة المقدسة كالنمل.. عليهم أن يذهبوا إلى الجحيم".


وبعد ذلك في عام 2004، قال يوسف في خطبة بثتها الفضائيات الإسرائيلية إن "اليهودي عندما يقتل مسلما فكأنما قتل ثعبانا أو دودة، ولا أحد يستطيع أن ينكر أن كلا من الثعبان أو الدودة خطر على البشر، لهذا فإن التخلص من المسلمين مثل التخلص من الديدان أمر طبيعي أن يحدث".

وكان يوسف قد أثار عام 2005 عاصفة من الانتقادات في "إسرائيل" عندما "دعا الله في خطبة دينية أن يقضي على رئيس الوزراء السابق أرييل شارون بسبب خطته للانسحاب من قطاع غزة".

مقالات مشابهة

  • استشهاد الأسير الإداري خالد عبد الله من جنين جراء التعذيب
  • استشهاد أسير فلسطيني داخل سجون الاحتلال جراء التعذيب
  • إسرائيل تكشف تفاصيل مقترح تمديد الهدنة وتخطط للتصعيد
  • بعد التهنئة برمضان.. ما أبرز الفتاوى اليهودية التي تشجع على قتل الفلسطينيين والعرب؟
  • بعد التهنئة برمضان.. ما أبرز الفتاوى اليهودية التي تشجيع على قتل الفلسطينيين والعرب؟
  • معاريف: حماس رفعت الثمن بهدف إفراغ كافة السجون الإسرائيلية
  • محللون: المقاومة لن ترضخ لمحاولات نتنياهو ابتزاز الفلسطينيين
  • هيئة حقوقية: المئات من أسرى غزة لا يزالون تحت الإخفاء القسري
  • نائل البرغوثي.. عميد الأسرى الفلسطينيين حراً بعد 45 عاماً
  • لماذا أجلت إسرائيل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين؟