عربي21:
2025-03-11@11:52:16 GMT

لا حرب كبرى الآن بين إسرائيل وإيران

تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT

قامت إسرائيل الأسبوع المنصرم باغتيال فؤاد شكر، المسؤول العسكري البارز وأحد كبار مستشاري حسن نصرالله للشؤون العسكرية، في قلب الضاحية الجنوبية في داخل شقّة بمبنى في المنطقة الأكثر تحصيناً لدى حزب الله، وأكّدت مقتله قبل أن ينتظر حزب الله ساعات من الزمن لتأكيد اغتياله. ثمّ أعقبت إسرائيل هذه العملية بعملية أخرى اغتالت فيها إسماعيل هنيّة، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وذلك خلال تواجده بمقر استضافته المؤمّن من قبل الحرس الثوري، بُعَيدَ مشاركته مباشرة في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد.



مع ضرورة عدم الجمع بين العمليّتين في سلّة واحدة لاختلاف المستهدف، دور كل منهما، دوافع الاستهداف، ونتائجه، طُرحت الكثير من علامات الإستفهام حول البيئة الأمنيّة لدى حزب الله وإيران، فصالح العرعوري وهنيّة لم يُقتلوا في تركيا أو قطر حيث يقيمان، وإنما في الضاحية وطهران. وإذا تركنا موضوع لبنان جانباً وركّزنا على إيران، يصبح الأمر أكثر غرابةً. فمن الناحية النظريّة على الأقل، من المفترض أنّ هنيّة كان متواجداً في أكثر الأماكن أمناً على الإطلاق، مكاناً وزماناً، إذ عادة ما تكون الاستعدادات الأمنيّة والإجراءات الاحترازيّة في مراسم تنصيب الرؤساء في أعلى درجة، وهو ما يطرح تساؤلات عن حجم الإختراق الأمني للحرس الثوري والأجهزة الامنيّة المسؤولة عن هذه المراسم.

في أعقاب الاغتيال، إعتبرت إيران أنّ استهداف "ضيفها" يستلزم الرد، وعدنا مجدداً الى نفس السيناريو الذي كان قائماً في شهر أبريل الماضي، وعاد الحديث كذلك حول ضرورة الرد وشكل الرد وكيفية الرد وما قد يترتب على الرد..الخ. ثم تبع ذلك تصريحات إسرائيلية تقول بأنّ أي "ردّ كبير" من قبل إيران وأذرعها سيستلزم ردّاً إسرائيلياً عبر حرب شاملة على جميع الجبهات، وأنّ إسرائيل مستعدة لذلك.

كل ما هو بين عدم الرد والرد الحقيقي مقبول على ما يبدو من جميع الأطراف وضمن قواعد اللعبة الجديدة. الوقوع في خطأ في الحسابات يبقى قائماً طبعاً في ظل التصعيد المستمر، وفي مثل هذا الجو المشحون والمتوتر، لكنّ الأصل أنّ حسابات الأطراف الإستراتيجيّة تقول أنّ ذلك لن يحصل.وبين هذا التصريح وذاك، جاء بيان البيت الأبيض ليؤكّد انّ الولايات المتّحدة ستقف في السرّاء والضرّاء مع إسرائيل بغض النظر عمّا يفعله نتنياهو، وأنّها ستدافع عنها بكل الوسائل. وبموازاة ذلك، أعلنّ البنتاغون تمركز مدمرات أميركية في منطقة الخليج وشرق البحر المتوسط، بما في ذلك حاملة الطائرات "يو إس إس ثيودور روزفلت"، وفرق الهجوم البرمائي، وأكثر من 4 آلاف جندي من مشاة البحرية والبحارة.

وإذا ما أخذنا خطوة إلى الوراء ونظرنا الى الوضع ليس من زاوية الضربة والرد المضاد لحفظ ماء الوجه، وإنما من الزاوية الأوسع، ومن المنظور الإستراتيجي، فانّ السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه في مثل هذا الوضع هو: "اذا كانت إسرائيل مستعدة لحرب شاملة، فهل إيران ووكلاؤها في لبنان مستعدون هم كذلك لحرب شاملة"؟ الجواب باختصار هو "لا". لكن لماذا؟ بالنسبة إلى إسرائيل، ليس هناك مصلحة شخصية لرئيس الوزراء نتنياهو في التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح المعتقلين، أو إيقاف حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، أو تحقيق الاستقرار في المنطقة. إيقاف الحرب بالتحديد يعني أنّ مستقبله السياسي سينتهي، وأنّه سيتم محاسبته وربما زجّه في السجن أيضاً. ما يفيد نتنياهو هو الاستمرار في الحرب، وتوسيع نطاقها لتشمل أطرافاً أخرى لا سيما إيران على أمل أن يخلّصه ذلك من الأزمة الداخلية، وأن يجّر الولايات المتّحدة الى معركة مع طهران يستفيد هو منها.

في المقابل، فإنّ أولويّة النظام الإيراني منذ الثورة الإيرانية وحتى اليوم هي حماية نفسه في وجه حملة تغيير الأنظمة التي تقودها واشنطن بين الحين والآخر، وهذا يقتضي بالضرورة عدم خوض حرب مباشرة او شاملة مع أمريكا أو إسرائيل. ولهذا السبب بالتحديد – من بين أسباب آخرى-، عكفت إيران على صناعة أذرعها في المنطقة كخط دفاعي متقدّم وكعامل إسناد وإشغال أملا في أن يتيح لها ذلك توفير الوقت اللازم لإمتلاك القنبلة النووية أو التوصل الى إتفاق مع واشنطن يضمن لها ما تريد. لهذا السبب بالتحديد، فان الكلام عن حرب شاملة أو مواجهة مباشرة تقودها إيران هو كلام أقرب الى الهراء.

 إيران تعلم أنّ حرباً من هذا النوع ستكون مكلفة للغاية وربما ستنتهي بدمارها وتغيير نظامها. عدا عن ذلك، لا مصلحة إيرانية في التدخل في وقت يغرق فيه نتنياهو في غزّة، كما لا مصلحة لها في الدخول بمواجهة مع أمريكا في الوقت الذي يتم فيه ترتيب الطاولة مجدداً للتفاوض على الملف النووي وترتيب أوراقها في المنطقة، وأخيراً فهي تحضّر لسيناريو عودة ترامب إلى البيت الأبيض مجدداً، وهذا يقتضي منها عدم الزج بحزب الله في محرقة الآن تؤدي إلى تدميره ولبنان معاً في هذه المرحلة وفي توقيت لا يخدم أجندتها، لأنّها تحتاج إليه في السيناريو المذكور أعلاه اذا ما عاد ترامب مجدّداً.

لذلك، حسابات إيران لا ترتبط بفلسطين أو غزّة أو حماس، وإنما هو موضوع ثانوي يتم توظيفه كما غيره من الأوراق لمحاولة تعزيز مكانتها الإقليمية، وموقعها التفاوضي، وشعبيتها بعد عقد من المجازر المستمرة في حق الشعب السوري وغيره من الشعوب العربية. لا شك أنّ لمثل هذا الأمر تكاليف أيضاً، ولكنها قليلة ومقبولة بالنظر الى النتائج التي تحصدها طهران. ولذلك، فعندما أرادت الأخيرة حفظ ماء وجهها في شهر أبريل الماضي، قامت بإبلاغ كل المعنيين بما في ذلك الأمريكيين بحجم ونوع ومكان وزمان الهجمات المفترضة ضد إسرائيل.

نتنياهو تمادى في إحراج إيران من خلال عمليات استخباراتية تستهدف قلبها، ولذلك ترى الأخيرة بأنّ عليها أن ترد ولكن ذلك يشكّل معضلة لها. عدم الرد يشجّع نتنياهو على غيّه واغتيالاته وضرباته للداخل الإيراني في محاولة لإستدراجها إلى معركة لا قبل لها بها. وفي المقابل، فإنّ الرد الحقيقي يعني استدراجها إلى المعركة التي يريدها نتنياهو وجر الولايات المتّحدة إليها وهو ما سينتهي على الأرجح بدمار إيران وتغيير نظامها. كل ما هو بين عدم الرد والرد الحقيقي مقبول على ما يبدو من جميع الأطراف وضمن قواعد اللعبة الجديدة. الوقوع في خطأ في الحسابات يبقى قائماً طبعاً في ظل التصعيد المستمر، وفي مثل هذا الجو المشحون والمتوتر، لكنّ الأصل أنّ حسابات الأطراف الإستراتيجيّة تقول أنّ ذلك لن يحصل.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل الإيراني إيران إسرائيل علاقات رأي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی المنطقة حرب شاملة

إقرأ أيضاً:

الرد على الوليد آدم مادبو- بين أزمة الخطاب وامتحان العقل

في لحظات المفصل التاريخي، حين تتبدل المصائر ويُعاد تشكيل الوعي الجماعي، يكون للعقلاء والتاريخ كلمتهم، وهي كلمة قد تأتي متأخرة، لكنها تحمل قسوتها التي لا ترحم. غير أن هذه الكلمة ليست بالضرورة صرخةً في الميادين أو خطبةً على منابر الجدل، فقد تكون صمتًا مدويًا في وجه الخطاب الشعبوي، أو تأملًا باردًا في مسرح العواطف الملتهبة. والعقل، في صورته الأصيلة، ليس نزاعًا بين الذوات، بل سيرورةٌ لفهمٍ أعمق، حيث لا يكون العقل مجرد سلطةٍ إجرائية تحكم المواقف، بل معيارًا يزن المقولات في ميزان الحقيقة.

كتب الدكتور الوليد مادبو مقاله الأخير في نقد الأستاذ شوقي بدري، مستخدمًا لغةً مشحونةً بالتقريع، تتداخل فيها الذاتية مع الموضوعية، والنقد مع الاستعداء. غير أن الأزمة هنا ليست في حدّة اللغة فحسب، بل في الطبيعة الاستدلالية التي أسس عليها مقاله، والتي تستدعي وقفةً نقدية تتجاوز الشخصي إلى الكلي، من حيث طبيعة التفكير ومنهجية التحليل.

المغالطة المنهجية الخطاب بين الشخصي والتاريخي
ليس من الحكمة أن يُقرأ الواقع بمسطرة الذات، فتُختزل التناقضات المركّبة في ازدواجية "المهرّج والعالم"، أو "المؤدلج والمستقل". فالفكر في جوهره ليس مجرد تراكم أسماء أو انتماء أكاديمي، بل هو ميدانٌ مفتوحٌ للجدل الحر والتفاعل المعرفي. حين يجعل الكاتب من ذاته معيارًا للفرز بين "المتطفلين" و"الجادين"، فإنه يقع في مأزق فلسفي عميق: كيف يمكن للعقل أن يكون حكمًا وهو طرفٌ في الخصومة؟

يتخذ مادبو في طرحه موقفًا يتأرجح بين المدافع عن القيم والمحلل البارد، لكنه في جوهر خطابه يستخدم لغةً معياريةً أخلاقية تحاكم الآخر من منطلق ذاتي. وهنا يظهر التناقض: كيف يمكن استدعاء معايير الفكر النقدي، بينما يُمارس الإقصاء والتهكم في ذات اللحظة؟ إن النقد الفلسفي، كما صاغه فلاسفة مثل هابرماس أو ألتوسير، ليس خطابًا يعتمد على الشخصنة، بل هو تفكيكٌ لبنى التفكير وإعادة بناء المفاهيم وفق منطقٍ متماسك، لا وفق انفعالات اللحظة.

إشكالية السلطة المعرفية والاستعراض الخطابي
حين يلجأ الكاتب إلى تعداد الشخصيات التي تتلمذ على أيديها – من طه عبد الرحمن إلى الجابري – فإنه يسعى إلى تأسيس سلطةٍ معرفية قائمة على الانتماء أكثر من البرهان. لكن العلم، كما أشار إليه غاستون باشلار، لا يُكتسب بالانتساب إلى الأسماء، بل بالقدرة على مساءلة الأفكار دون تحصينها بهالةٍ من القداسة. فالسؤال الفلسفي الحقيقي ليس "مع من درست؟"، بل "كيف تفكر؟"، وهذا ما لم يقدمه المقال.

إن استدعاء المرجعيات الفكرية لا يصنع معرفة، بل قد يكون مجرد تمرينٍ خطابي لإضفاء الشرعية على موقفٍ مسبق. ولذلك، فإن الوعي الفلسفي يقتضي تفكيك المسلّمات بدلًا من إعادة إنتاجها في قوالبَ جديدةٍ لا تخرج عن النسق نفسه.

قراءة التاريخ: بين السردية الخطية والتعقيد البنيوي
يتحدث مادبو عن التهميش كمسارٍ امتد لقرنين من الزمان، مصورًا التاريخ بوصفه خطًّا مستقيمًا من القهر والاستعلاء العرقي. غير أن قراءة التاريخ من هذا المنظور تعكس اختزالًا شديدًا لجدلية السلطة والمجتمع، حيث تُختصر الصراعات السياسية والاقتصادية في ثنائية "مضطهِد ومضطهَد".

إن تحليل التاريخ لا يمكن أن يكون فعلًا انتقائيًا يستدعي فقط ما يخدم موقفًا آنيًا، بل هو عملٌ بنيوي يُعيد تشكيل الوعي وفق تعقيد العلاقات الاجتماعية والسياسية. وكما أشار ميشيل فوكو، فإن السلطة لا تعمل ككيانٍ أحادي، بل تتجلى في أنماطٍ متغيرةٍ من الهيمنة والتفاوض والمقاومة، مما يجعل من أي تفسيرٍ أحادي للتاريخ نوعًا من التبسيط الأيديولوجي الذي يفقده قيمته التحليلية.

ازدواجية الخطاب ومشكلة المعيارية الانتقائية
إن وصف الجيش السوداني بأنه "غير قومي وغير مهني" مع الدعوة لمقاومته، في الوقت الذي يُنتقد فيه الدعم السريع باعتباره فاقدًا للمشروعية، يكشف عن مشكلةٍ معيارية في الخطاب. فإذا كان الجيش يعاني من أزمةٍ بنيوية، فإن الدعم السريع لا يخرج عن كونه تجلّيًا أكثر فجاجةً لنفس الإشكاليات، مما يجعل من غير المنطقي انتقاد أحدهما باعتباره "إرثًا يجب مقاومته"، بينما يُعامل الآخر بوصفه "خطأً تكتيكيًا يجب تصحيحه".

هنا تبرز إشكاليةٌ فلسفية تتعلق بازدواجية المعايير في الخطاب السياسي: كيف يمكن رفض منظومةٍ كاملة، ثم التعامل مع أحد منتجاتها على أنه "حالة استثنائية" تستحق المراجعة بدلًا من الإدانة المطلقة؟ إن النقد المتماسك لا يكون بالانتقاء، بل بالقدرة على الاحتفاظ بثبات المعايير بغض النظر عن الظرف السياسي.

في البدء كان العقل حاجة السودان إلى خطابٍ متزن
إن الأزمة السودانية اليوم ليست أزمة أشخاص، بل أزمة وعي، حيث يُستبدل النقد العقلاني بالهجوم الشخصي، ويُستبدل التحليل العميق بالسرديات التبسيطية. فحين يتنادى البعض بالألقاب، متناسين جوهر القيم التي يدّعون الدفاع عنها، يكون التاريخ في موقف الحكم، حتى وإن تأخر في النطق بكلمته.

لكن السؤال الذي يظل معلقًا في الهواء- هل ننتظر أن يحكم التاريخ أم نحاول أن نحكم عقولنا قبل أن تصدر الأحكام؟ إن وعي اللحظة يقتضي الخروج من دائرة الشخصنة إلى فضاء النقد الفلسفي، حيث تُختبر الأفكار لا الأشخاص، وتُناقش الخطابات لا الذوات. فالتاريخ قد يكون قاسيًا، لكن العقل أحيانًا يكون أشد قسوة، حين يُطالبنا بأن نكون على مستوى ما ندّعيه من قيمٍ ومبادئ

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • استطلاع رأي: تراجع نسبة تأييد إسرائيل بين الأمريكيين (أرقام)
  • غموض الرسالة الأمريكية.. هل يناور "ترامب" بتكتيك جديد أم تواجه إيران معضلة الرد الاستراتيجي؟
  • الرد على الوليد آدم مادبو- بين أزمة الخطاب وامتحان العقل
  • 4 مخاطر كبرى تهدد سوريا الآن.. ما هي؟
  • هل تغيّر موقف إسرائيل من إيران بعد عودة ترامب؟
  • بعد فشل إسرائيل في تدميرها.. خبير بريطاني: ما مدى قوة حماس الآن؟
  • مكتب نتنياهو: إسرائيل سترسل وفدا للدوحة الاثنين لدفع مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة
  • مكتب نتنياهو: إسرائيل سترسل وفدا للدوحة الإثنين لدفع مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة
  • هل تخلت إسرائيل عن ضرب منشآت إيران النووية بسبب ترامب؟
  • هل يحوّل نتنياهو وحلفاؤه إسرائيل لدولة ثيوقراطية يحكمها دكتاتور؟