لا حرب كبرى الآن بين إسرائيل وإيران
تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT
قامت إسرائيل الأسبوع المنصرم باغتيال فؤاد شكر، المسؤول العسكري البارز وأحد كبار مستشاري حسن نصرالله للشؤون العسكرية، في قلب الضاحية الجنوبية في داخل شقّة بمبنى في المنطقة الأكثر تحصيناً لدى حزب الله، وأكّدت مقتله قبل أن ينتظر حزب الله ساعات من الزمن لتأكيد اغتياله. ثمّ أعقبت إسرائيل هذه العملية بعملية أخرى اغتالت فيها إسماعيل هنيّة، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وذلك خلال تواجده بمقر استضافته المؤمّن من قبل الحرس الثوري، بُعَيدَ مشاركته مباشرة في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد.
مع ضرورة عدم الجمع بين العمليّتين في سلّة واحدة لاختلاف المستهدف، دور كل منهما، دوافع الاستهداف، ونتائجه، طُرحت الكثير من علامات الإستفهام حول البيئة الأمنيّة لدى حزب الله وإيران، فصالح العرعوري وهنيّة لم يُقتلوا في تركيا أو قطر حيث يقيمان، وإنما في الضاحية وطهران. وإذا تركنا موضوع لبنان جانباً وركّزنا على إيران، يصبح الأمر أكثر غرابةً. فمن الناحية النظريّة على الأقل، من المفترض أنّ هنيّة كان متواجداً في أكثر الأماكن أمناً على الإطلاق، مكاناً وزماناً، إذ عادة ما تكون الاستعدادات الأمنيّة والإجراءات الاحترازيّة في مراسم تنصيب الرؤساء في أعلى درجة، وهو ما يطرح تساؤلات عن حجم الإختراق الأمني للحرس الثوري والأجهزة الامنيّة المسؤولة عن هذه المراسم.
في أعقاب الاغتيال، إعتبرت إيران أنّ استهداف "ضيفها" يستلزم الرد، وعدنا مجدداً الى نفس السيناريو الذي كان قائماً في شهر أبريل الماضي، وعاد الحديث كذلك حول ضرورة الرد وشكل الرد وكيفية الرد وما قد يترتب على الرد..الخ. ثم تبع ذلك تصريحات إسرائيلية تقول بأنّ أي "ردّ كبير" من قبل إيران وأذرعها سيستلزم ردّاً إسرائيلياً عبر حرب شاملة على جميع الجبهات، وأنّ إسرائيل مستعدة لذلك.
كل ما هو بين عدم الرد والرد الحقيقي مقبول على ما يبدو من جميع الأطراف وضمن قواعد اللعبة الجديدة. الوقوع في خطأ في الحسابات يبقى قائماً طبعاً في ظل التصعيد المستمر، وفي مثل هذا الجو المشحون والمتوتر، لكنّ الأصل أنّ حسابات الأطراف الإستراتيجيّة تقول أنّ ذلك لن يحصل.وبين هذا التصريح وذاك، جاء بيان البيت الأبيض ليؤكّد انّ الولايات المتّحدة ستقف في السرّاء والضرّاء مع إسرائيل بغض النظر عمّا يفعله نتنياهو، وأنّها ستدافع عنها بكل الوسائل. وبموازاة ذلك، أعلنّ البنتاغون تمركز مدمرات أميركية في منطقة الخليج وشرق البحر المتوسط، بما في ذلك حاملة الطائرات "يو إس إس ثيودور روزفلت"، وفرق الهجوم البرمائي، وأكثر من 4 آلاف جندي من مشاة البحرية والبحارة.
وإذا ما أخذنا خطوة إلى الوراء ونظرنا الى الوضع ليس من زاوية الضربة والرد المضاد لحفظ ماء الوجه، وإنما من الزاوية الأوسع، ومن المنظور الإستراتيجي، فانّ السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه في مثل هذا الوضع هو: "اذا كانت إسرائيل مستعدة لحرب شاملة، فهل إيران ووكلاؤها في لبنان مستعدون هم كذلك لحرب شاملة"؟ الجواب باختصار هو "لا". لكن لماذا؟ بالنسبة إلى إسرائيل، ليس هناك مصلحة شخصية لرئيس الوزراء نتنياهو في التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح المعتقلين، أو إيقاف حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، أو تحقيق الاستقرار في المنطقة. إيقاف الحرب بالتحديد يعني أنّ مستقبله السياسي سينتهي، وأنّه سيتم محاسبته وربما زجّه في السجن أيضاً. ما يفيد نتنياهو هو الاستمرار في الحرب، وتوسيع نطاقها لتشمل أطرافاً أخرى لا سيما إيران على أمل أن يخلّصه ذلك من الأزمة الداخلية، وأن يجّر الولايات المتّحدة الى معركة مع طهران يستفيد هو منها.
في المقابل، فإنّ أولويّة النظام الإيراني منذ الثورة الإيرانية وحتى اليوم هي حماية نفسه في وجه حملة تغيير الأنظمة التي تقودها واشنطن بين الحين والآخر، وهذا يقتضي بالضرورة عدم خوض حرب مباشرة او شاملة مع أمريكا أو إسرائيل. ولهذا السبب بالتحديد – من بين أسباب آخرى-، عكفت إيران على صناعة أذرعها في المنطقة كخط دفاعي متقدّم وكعامل إسناد وإشغال أملا في أن يتيح لها ذلك توفير الوقت اللازم لإمتلاك القنبلة النووية أو التوصل الى إتفاق مع واشنطن يضمن لها ما تريد. لهذا السبب بالتحديد، فان الكلام عن حرب شاملة أو مواجهة مباشرة تقودها إيران هو كلام أقرب الى الهراء.
إيران تعلم أنّ حرباً من هذا النوع ستكون مكلفة للغاية وربما ستنتهي بدمارها وتغيير نظامها. عدا عن ذلك، لا مصلحة إيرانية في التدخل في وقت يغرق فيه نتنياهو في غزّة، كما لا مصلحة لها في الدخول بمواجهة مع أمريكا في الوقت الذي يتم فيه ترتيب الطاولة مجدداً للتفاوض على الملف النووي وترتيب أوراقها في المنطقة، وأخيراً فهي تحضّر لسيناريو عودة ترامب إلى البيت الأبيض مجدداً، وهذا يقتضي منها عدم الزج بحزب الله في محرقة الآن تؤدي إلى تدميره ولبنان معاً في هذه المرحلة وفي توقيت لا يخدم أجندتها، لأنّها تحتاج إليه في السيناريو المذكور أعلاه اذا ما عاد ترامب مجدّداً.
لذلك، حسابات إيران لا ترتبط بفلسطين أو غزّة أو حماس، وإنما هو موضوع ثانوي يتم توظيفه كما غيره من الأوراق لمحاولة تعزيز مكانتها الإقليمية، وموقعها التفاوضي، وشعبيتها بعد عقد من المجازر المستمرة في حق الشعب السوري وغيره من الشعوب العربية. لا شك أنّ لمثل هذا الأمر تكاليف أيضاً، ولكنها قليلة ومقبولة بالنظر الى النتائج التي تحصدها طهران. ولذلك، فعندما أرادت الأخيرة حفظ ماء وجهها في شهر أبريل الماضي، قامت بإبلاغ كل المعنيين بما في ذلك الأمريكيين بحجم ونوع ومكان وزمان الهجمات المفترضة ضد إسرائيل.
نتنياهو تمادى في إحراج إيران من خلال عمليات استخباراتية تستهدف قلبها، ولذلك ترى الأخيرة بأنّ عليها أن ترد ولكن ذلك يشكّل معضلة لها. عدم الرد يشجّع نتنياهو على غيّه واغتيالاته وضرباته للداخل الإيراني في محاولة لإستدراجها إلى معركة لا قبل لها بها. وفي المقابل، فإنّ الرد الحقيقي يعني استدراجها إلى المعركة التي يريدها نتنياهو وجر الولايات المتّحدة إليها وهو ما سينتهي على الأرجح بدمار إيران وتغيير نظامها. كل ما هو بين عدم الرد والرد الحقيقي مقبول على ما يبدو من جميع الأطراف وضمن قواعد اللعبة الجديدة. الوقوع في خطأ في الحسابات يبقى قائماً طبعاً في ظل التصعيد المستمر، وفي مثل هذا الجو المشحون والمتوتر، لكنّ الأصل أنّ حسابات الأطراف الإستراتيجيّة تقول أنّ ذلك لن يحصل.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل الإيراني إيران إسرائيل علاقات رأي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی المنطقة حرب شاملة
إقرأ أيضاً:
مبعوث نتنياهو بين موسكو وواشنطن: هل تتخلّى روسيا عن إيران؟
لم تعلن القنوات الرسميّة في روسيا عن زيارة وزير الشؤون الاستراتيجيّة الإسرائيلي رون ديرمر إلى موسكو، ولم تعلّق على رواية الإعلام الإسرائيلي حيال طلبٍ حمله كبير أمناء نتنياهو إلى موسكو "للمساعدة في قطع طرق الإمداد العسكريّة لصالح حزب الله انطلاقاً من الأراضي السورية". قبل زيارة ديرمر بأيام،كان المتحدّث باسم الرئاسة الروسيّة ديمتري بيسكوف يؤكّد أنّ بلاده تواصل بذل كلّ ما في وسعها للمساعدة في حلّ الصراع بين إسرائيل ولبنان، ليبقى الأهم ما طرحه الرئيس بوتين في 18 تشرين الأول الماضي، حيال استعداده للتقدّم بوساطة بين إيران وإسرائيل لمنع التدهور إلى حرب، قائلًا "لروسيا علاقات ثقة مع الدولتين، إسرائيل وإيران، ونعتقد بأنّه يجب وضع حدّ لتبادل القصف بينهما، والتوصّل إلى تفاهمات ترضي الطرفين". بعد موسكو، طار ديرمر اليميني الإيديولوجي المتشدّد والمقّرب من نتنياهو إلى واشنطن، والتقى الرئيس المنتخب دونالد ترامب في منتجع "مار لاغو" في ولاية فلوريدا، قبل أن يبدأ الأخير لقاءاته الرسميّة لاحقا في واشنطن. لماذا تنقّل الوزير الاسرائيلي بين موسكو وواشنطن؟ ما حقيقة الدور الروسي في أيّ تسوية لوقف الحرب على لبنان؟ هل تقبل روسيا بالاصطفاف ضدّ حليفها الإيراني؟ وهل يسمح ترامب لنظيره الروسي أن يكون شريكًا في صياغة المشهديّة الجيوسياسيّة التي تحيكها بالنار إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة؟
نتنياهو يلتقط تحولًا في العلاقات الروسيّة الأميركيّة
كثيرة هي الأسباب التي تدفع الإسرائيلي لاستقطاب القيصر، فروسيا ليست قوّة عظمى تملك حقّ النقض في مجلس الأمن فحسب، بل هي دولة موجودة عسكريًّا في سوريا وتحت تصرّفها ميناء ومطار، وهناك جهاز أمني بين موسكو وتل أبيب ينسّق عملهما العسكري في سوريا، تجنّبًا للتصادم بين قواتهما. بعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسيّة، سارع الإسرائيلي للتحرك بين موسكو وواشنطن، نظرًا للتغيير الذي سيطرأ على العلاقات الروسيّة الإميركيّة، وفق مقاربة الخبير في الشؤون العسكرية والقانون الدولي أكرم سريوي في اتصال مع "لبنان 24" لافتًا إلى أنّ التفاوض بين الأميركي والروسي كان شبه مقطوع في عهد بايدن، واقتصر على خطّ عسكري ساخن، كي تبقى الحرب الأوكرانيّة مضبوطة دون سقف حرب شاملة. وبوصول ترامب فُتح الباب أمام آفاق جديدة في العلاقات الروسيّة الأميركيّة، من ضمنها ترتيبات الشرق الأوسط، انطلاقًا من المصالح المشتركة التي تجمعهما، كالحدّ من النفوذ الإيراني في سوريا، وهذا ما يبرر التغاضي الروسي المطلق عن الضربات الإسرائيليّة التي تستهدف مواقع إيرانيّة في سوريا.
الفرق بين بايدن وترامب في مقاربتها للدور الروسي فق سريوي"أنّ الأول راوده حلم استنساخ تجربة تفكيك الاتحاد السوفياتي عبر تفكيك روسيا وإضعافها. أمّا ترامب فليس لديه هذا التوجه، وهو يرى أنّ مشكلته الأساسيّة مع الصين، وأنّ دفعَ روسيا إلى الحضن الصيني لا يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة. لكن هذا لا يعني أنّ إدارة ترامب ستشرك موسكو بدور فاعل في أيّ اتفاقيّة سلام بين الاسرائيلي والفلسطيني واللبناني، بل ستعمل على حصر الدور الروسي في جغرافيّة سوريا فقط".
اسرائيل تطلب من روسيا قطع خط إمداد السلاح
أمّا بالنسبة للجانب الإسرائيلي، فالروسي مؤثر لعدّة اعتبارات، منها وجود ما يزيد عن المليون اسرائيلي من أصل روسي، وهو عدد كبير، وهؤلاء على تواصل مع أقارب لهم في روسيا. كما تجمع كلًا من موسكو وتل أبيب اتفاقياتٌ أمنيّة وتفاهمات حول الضربات في سوريا، ومصالحُ مشتركة، يلفت سريوي "من هنا نرى العلاقة متينة بينهما، رغم التقارب العربي الروسي. كما أنّ الوجود العسكري الروسي في سوريا منح موسكو دورًا في المنطقة لا يمكن لأيّ لاعب دولي تجاهله. أما زيارة ديرمر فكانت للحصول على ضمانة روسية بقطع خطّ إمداد السلاح من إيران إلى بيروت عبر سوريا، وأن يكون هناك تعاون بذلك من قبل النظام السوري. والأخير فعّل مؤخّرًا إجراءاته الأمنيّة، مقييّدًا من حرّية حركة الحزب في سوريا، لجهة إخراجه من الشام. لكن هذا لا يعني أنّ المصالح انتفت بينهما، على العكس من ذلك، كما أنّ النظام السوري لن يتخلّى عن هذه الورقة بلا مقابل".
بين طهران وموسكو مصالح وتضارب والـ "إس-400"
بالتوازي مع العلاقة التي تربط موسكو بتل أبيب، هناك علاقة تربطها بطهران كذلك، عمرها ثلاثة عقود، على رغم التباين حيال بعض الملفات الإقليميّة والدوليّة. في الشق العسكري، يطالب الإيرانيون روسيا بالمساهمة في رفع مستوى الردع العسكري لمواجهة التهديدات الإسرائيليّة، أبرزها مقاتلات سوخوي-35 ، ومنظومة "إس-400" للدفاع الجوي، التي سبق أن أتمّت إيران صفقة شرائهما. وكانت بعض المواقع الإخباريّة الناطقة بالفارسية قد نشرت تقارير عن وصول دفعة من المقاتلات الروسيّة المتطورة ومنظومة إس-400 للدفاع الجوي إلى إيران، وسط صمت رسمي حيال هذه التسريبات. في السياق يرى سريوي أنّ إسرائيل ستتدخل وتستخدم نفوذها لمنع وصول هذه الطائرات إلى إيران، لأنّ امتلاكها يتسبب بمشكلة للطيران الإسرائيلي والأميركي في حال دخولهما الأجواء الإيرانية.
بالخلاصة، قد تلعب روسيا دورًا في وقف إطلاق النار في لبنان، ولكن ضمن جغرافيّة سوريا. أمّا لاحقًا، وفي حال تمت بلورة رؤية أميركية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي في ولاية ترامب، يمكن لروسيا أن تساهم بدور أكبر، انطلاقًا من علاقتها مع حماس والدول العربيّة، ولكن ذلك رهن بالحلّ المستقبلي للقضية الفلسطينية.
المصدر: لبنان 24