قصة الوادي الصغير (5)
تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT
حمد الناصري
وصَل خبر رفض شيخ سيح المالح المُتّحِد السماح للغُرباء بإقامة جديدة بأطراف سيح المالح أو حتى تغيير مُسمى الطرف إلى حيّ أو حارة إليهم مِمّا يعني أنّ فعلهم ذلك يُعَدّ مَساساً بجزء من تُراب سيح المالح المُتحد.
ثار غضب الغُرباء واستاءوا وأجمعوا على إقامة الحيّ غصباً عن المُتحد، و جاء الرد الغاضب على لسان كبيرهم :
ـ إنّا نعدل عن الاتفاق مع حيّكم المالح ، فبيننا وبينكم عهد أبْرَمْناه ولكنكم تنقضوه وتعدلون عمّا اتفقنا عليه ، ولذلك فنحن نعدل عمّا غفلنا عنه .
ومن هذه اللحظة نُعلن بأننا نتخلىّ عن حمايتكم، وعلى تجاركم أنْ يردّوا إلينا أموالنا من تجارة شراء العسل والتمر والملح، وقيمة جميع النفقات وتوريدات لقرى أخرى على مشارف بحر قرية الأعلى.. وسنسترد كل ذلك إلى جانب تكاليف سَعْينا لخدمتكم.
نحن نعلم أنكم وعلى مرّ تلك السنين ،تسعون لإذكاء البُغض والحِقْد في الوادي الصغير وتتخذون مَسلك الكراهية لقرية الأعلى البحرية وتتآمرون على قرية التُراث ، وقد أضَرّ ذلك ضرراً جسيماً وخطراً على أمن واستقرار الوادي ونُحمِّلكم إشكالية ما قد يحدث من فتنة وقلاقل في أمكنة الوادي الصغير.
كما نُحذركم من التآمر على القريتين، الأعلى البحرية وقرية التراث في عُمق أراضي الوادي ، لأنّ ذلك يُشكل تهديد صريح لجيرانكم الذين هُم أساس صُلبكم ، وأصل مَنبتكم ، وتصعيد لهجتكم تعني عدم استقرار الوادي ونرى بأنها نهاية اتحادكم الحَتْمِيّة.؛
استنكر زعيم "مُتحد سيح المالح " رسالة الغُرباء وتشاور مع الرجال، فكان جواب قومه، فيه لغة تهديد قوية، وتَحَدٍ للغرباء:
ـ إنّ ردكم كفعلكم لا مكسب فيه ولا رجاء، وليس غريبٌ عليكم، فقد تعوَدّتم على خُذلان من يتقرّب منكم، تراؤوننا بأنكم أخوف الناس علينا وأفكاركم سوداء، أجللتُم أنفسكم وتركتمونا ننظر إلى نُدوب أجسادكم ونخوض في وحْلكم ، تستغلون حاجتنا وتنهبون ثروتنا وتتصيدون أخطائنا ، وتُثيرون الفِتَن بين مُجتمعاتنا المُستقرة.
ونصيحتنا لكم .. ابْتَعِدوا عن أطرافنا، وغادروا سيح المالح وأخرجوا من الوادي الصغير ولا تعودوا أبداً ونُحَذّركم أن تتدخلون في شؤون القريتين، وعليكم أن تدفعوا جزية بقائكم إلى حين موعد جلائكم بغير رجعة.. واعتبروا من الآن، كل اتفاق مُبرم معكم قد ألْغِي، وكأنه لم يكنْ.؛
وأما قولكم عن مَنبتنا وأصُولنا ومَرجعيتها ، فتلك رسالة فاسدة لا قيمة لها وهو قول حقٌ يُراد به باطل، فنحن خُلِقْنا لأن نكون أحراراً وأسْياداً في أرضنا ولن نكون عبيداً لأحد من البشر.؛
واعلموا أنّ قبولنا بكم وبإقامتكم بيننا كان خطأً مِنّا ، وسيح المالح المُتحد لنْ يتحمل تجاوزاتكم ، فاخرجوا من الوادي وقرية البحر وأنتم صاغرون.؛
**
بعد أسبوع من الأخذ والرد والتهديد والوعيد بين زعيم حيّ المالح والغُرباء تقدّم رجل طويل القامة، أبيض البشرة، ذي عينين زرقاوين ومَثل بين يدي "فلّوع" زعيم سيح المالح المُتحد وقال:
ـ نحن غُرباء في هذه الأرض ونحن من الذي يُقَدّرون ويُقِيمون وزناً لِقيمكم وعاداتكم الاصيلة، وأؤلئك الاقوام اللذين اختلفتم معهم ونقضوا عهدكم ليسوا مِنّا ، فهم من الغرب ونحن من الشرق، فشرقنا أكبر وأقدم أصالة من غربهم، وهم عُرفوا بغرورهم وتبجحهم لا يَهُمّهم إلا منافعهم وثقافة التقرّب المُزيفة التي يَدّعونها مُبطّنة بالفرقة والتشتت ، يُجيدون زرع الفتن والاقتتال بين الضُعفاء من الناس ، يفتحون أبواب الشرّ بمكرهم، مصلحتهم تأتي أولاً ، أفكارهم خبيثة ، وغايتهم خزائن الطرف الآخر، ولنْ يُفْلِتوها حتى تَنْضَب وإذا ما شعروا بنضوبها تحوّلوا إلى أخرى ، ولم يُبْقوا خلفهم غير نزرٍ يسير من صِراعات وسَقطات ، أؤلئك الأغراب، ذي الوجوه الحُمر، لا ثقافة لهم ولا موروث إلاّ خليط من الخديعة والتحايل على البشر ، لتحقيق مكاسب لهم ومنافع من سُحت، يُنكرون كل جميل ويَنْسَون أفضال الغير .. ويَتعارضون مع عقائد التنوير.. أما نحن فعلى النقيض منهم نؤمن بالخير والفضيلة والمنفعة للجميع.
وأؤلئك الأغراب ، لا ريب أنهم يَبتدعون الرّهبنة والصّلف بأدوار مُختلفة ، أنشأوا العُنف والكبرياء والصّلف والتطرّف وعَتَوْا عُتُواً كبيراً على المُجتمعات الصغيرة، وامتدّت أيديهم تبطش بكل من هو ضِدّ تواجدهم أو يُناهض آراءهم وأفكارهم السوداء أو يقول شيئاً عن مُحاولاتهم التّغيير في مجتمع سيح المالح المُتحد والوادي والقريتين.
نحن نَعلم جيداً بأنّ ثقافتهم وأعرافهم تتعارض مع ثقافتنا وأعرافنا ويتجنّبون مُواجهتنا ، هم مصدر الخُبث والشرّ أينما يكونوا.. ورُؤيتنا في مُحيطكم الآمن وفي مُجتمعكم الصغير، فيما يُمَكّن المُجتمع بأنْ يلعبَ دوراً فعّالاً في تحقيق رغباته ويُؤمّن تطلّعات شُعوبه.. وأنّ سيح المالح ، مُتّحد ويجب أنْ يبقى في توادّه وتعاضده وفي تراحمه بين أهله.. ونرى أنّ مُستقبل سيح المالح المُتحد يكون بسيادته واستقلاليته المكانية عن الوادي الصغير وشَرقنا الكبير يَتضامن معكم في كل أمر يخصكم.
قال زعيم " السيح المُتحد " مُرَحّباً بالغُرباء ذي العيون الزرقاء:
ـ نحن أيضاً نتفق معكم ونتشارك معكم في كثير من مُفردات القِيَم وتقارب العادات والتُراث القديم، كالفنون والحكايات الشعبية والتاريخ العريق والموروث الثقافي.
نحن نحتاج إلى تعاونكم للكشف عن تفاصيل الهويّة الثقافية المُشتركة عبر الازمان وتفاعلات الإرث الثقافي والحضاري بين مُجتمعنا الأصيل ومجتمعكم القديم.
وكلانا يهتم بهذا الجانب ولدينا رغبة في الحفاظ على موروثنا في سيح المالح المُتحد، وما يجمعنا كثير من قواسم إيجابية مع الوادي الصغير والقريتين والأحياء المجاورة ومُتداخل ويَنقصنا تحديد تشكيل الهويّة الاصيلة في مُجتمعنا ، وإظهار متانة وقوة سيح المالح وتميزهُ في مُتّحد واحد ، انتماءً وفخراً.؛
وبعد ساعات بعد اعلان زعيم سيح المالح المُتحد التقارب مع الغُرباء الشرقيين ذو العيون الزرقاء ، اختفى " فلّوع" في ظرف غامض ولم يُعرف عنه شيئا أبداً.. كان اختفاءهُ مُفاجئاً أزعج رجال سيح المالح.
فهبّ أهالي سيح المالح المُتحد رجالاً ونساءً وصِبْية بحثاً عن الزعيم "فلوع" مُتهمين الغُرباء ذي الوجوه الحُمر المُكتنزة ورجال وادي الصغير، بإثارة الفتنة في سيح المالح والأطراف المُجاورة.
صاح الأخ غير الشقيق لـ فلّوع في جمهرة من الرجال :
ـ لن نسكت أبداً وسنعاقب من ارتكبها .
وتوافد الكثير من الرجال المُسلحين إلى مجلسه يُطالبون بالثأر من الغُرباء ذي الوجوه الحُمر المُكتنزة ، الذي ارتكبوا جريمة اخْفاء زعيمهم "فلّوع".
قال الأخ غير الشقيق للزعيم فلّوع بحزن :
ـ هكذا هُم الغُرباء ذو الوجوه الحُمر لا خير فيهم، يُثيرون الفِتن ويبحثون عن النعرات القومية لتشتيت وحدتنا وتفريق كلمتنا ، كذابون دأبوا على الدّس في نقاء مُتّحدنا يُشاركونهم بعض من حُثالة مُجتمعنا من الأفاكين المُرتزقة.
قال رجل من الجمع المُلتف حول "فالع" الأخ غير الشقيق للزعيم فلوع:
ـ أنا من البداية توجسّت شراً ولم أكن راضٍ عن اتفاق "فلوع" مع الغُرباء ذي الوجوه الحُمر المُكتنزة، أؤلئك أقوام مُختلطة لا عهد لهم ولا ذمّة، يُشعرونك بالمودة والاطمئنان، لكنهم يُمكن أنْ يَطعنوك في ظهرك ما أنْ تُديره لهم ولأتفه أسْباب الخِلاف معهم.
ولذلك فأنا أرى أنْ نخلع " فلوع" من زعامة سيح المالح ونُعلن اتفاقاً جديداً على وحدة سيح المالح المُتحد، ونُنَصّب " فالع" زعيماً جديداً للمتحد.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
جامعة جنوب الوادي تقدم ندوة "مكافحة الإرهاب" بكلية الحقوق
قدم قطاع خدمة المجتمع وتنمية البيئة بجامعة جنوب الوادي، ندوة "مكافحة الإرهاب"، تحت رعاية الدكتور أحمد عكاوي رئيس الجامعة والدكتور محمد سعيد نائب رئيس الجامعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة وإشراف الدكتور محمد رشدي عميد كلية الحقوق، والدكتور عباس مصطفى عباس منسق الأنشطة الطلابية بالكلية.
حيث تحدث الدكتور محمد رشدي عن مفهوم الإرهاب، وآثاره السلبية اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا ونفسيا، كما تحدث عن أشكال الإرهاب، مؤكدا على أهمية وعي الشباب ودورهم في مكافحته.
في حين تناولت الدكتورة هالة خير سناري أستاذ الصحة النفسية ومدير وحدة مناهضة العنف ضد المرأة ومدير وحدة حقوق الإنسان بجامعة جنوب الوادي الأسباب الفكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والنفسية والتربوية للإرهاب، مع عرض للوسائط المختلفة المساعدة على الإرهاب، مع تقديم مجموعة من استراتيجيات الوقاية وكذلك الحلول لمكافحة الإرهاب.
وجاءت الدكتورة شريهان منصور مدرس المرافعات بكلية الحقوق متناولة الإرهاب الإلكتروني من حيث مفهومه ومخاطره مع عرض لوسائل الإرهاب الإلكتروني، وأنواع جرائم الإرهاب الإلكتروني. كما تمت الإجابة على أسئلة الطلاب.
جاءت الندوة من تنظيم الاستاذ أحمد بسام محمد ف أو ي مدير إدارة المؤتمرات، والاستاذ أحمد محمد بكير الاخصائي الاجتماعي، وإدارة رعاية الشباب بكلية الحقوق الاستاذ أحمد صلاح مدير رعاية الشباب بالكلية والأستاذة ولاء محمد والأستاذة فاتن جابر والاستاذ ابو بكر عبد العزيز، وأسرة طلاب من أجل مصر.