سودانايل:
2024-12-23@01:26:27 GMT
أصداء من تعب: الشهيد بشير محمد ود زينة
تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT
بقلم عادل سيد أحمد
التقيتُ بشيرا، اول ما التقيته، في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية حوالي العام 2016م.، وكان ذلك عن طريق ابن عمي محمد حسبو فقد كان صديقا مقربا منه، وكانا يتبادلان مساعدة بعضهما البعض، فكان محمدٌ يكلفه باستقبالي معتذرا هو بسبب عمله ومشغوليته الكثيرة، كل ما دعتني الظروف للذهاب إلى الرياض.
َوتواصلت علاقتي مع بشير، ذلك النحيف الأسمر، بعد أن عدنا أنا وهو تباعا من السعودية لأرض الوطن الحبيب، وقويت علاقتي به شيئا فشيئا بسبب التواصل الكبير الذي تم بيننا، وبسبب التقارب الذي جمع بيننا متينا: روحيا، ونفسيا، وفكريا فقد كان تقدميا لا يشق له غبار، حتى استقلت علاقتي به عن علاقته بمحمد حسبو، وصرنا انا وهو صديقين حميمين تجاوزت علاقتنا ما كانت عليه علاقته بمحمد حسبو.
كان بشير يسكن (الحاج يوسف) التي هي قريبة من مكان سكني (كافوري)، وسهل ذلك عليه حضوره لي بشكل متواتر في زيارات مسائية أنيقة ورشيقة، وكم تبادلنا الضحكات والطرائف والقفشات ونحن نحتسي أكواب القهوة أو الشاي أو مشروبه المُفضَّل الحلبة.
وفي بعض الأحيان كنت اتصل به خلال اليوم، وأطلب منه راجيا أن يأتيني، كلما شعرت بالضيق، واحتجت للرفقة والصحبة والأنس الجميل.
وكان هو يلبي تلك الدعوات عن طيب خاطر.
كان بشير مهتما بكتاباتي وبكتبي، وقد قرأ الكثير منها، وأهديت لبعض أصدقائه، بإيعاز منه، بعض الكتب.
وكعادته في التصدي للأمور الكبيرة، والقضايا العظيمة، فقد كان يفكر في كيفية نشر أعمالي وسط أصدقائه وزملائه في الحاج يوسف التي طالما أحب، ممن يحبون القراءة والأدب والمعرفة.
ومن بين الكتب التي أهديتها لهم، أقترح علي بشير أن تضع بعض النسخ منها في مكتبة النادي، وقد كان!
الشهيد بشير يصغرني بحوالي عشرين عاما، ومع ان هذا الفرق في العمر كبير فعلا فإنه لم يقف حاجزا في التعاون بيننا أنا وهو في مجال الهم العام. وإبان الثورة كان يأتيني وهو محمل بالأسئلة الملحة والقضايا الشائكة ويطلب رأيي ونصحي بتواضع جم، ودون ترفع. وكنت أنا ازوده بكل ما عندي، ولا أبخل عليه براي أو مشورة.
ومع ذلك فقد شغلت أنا مواقع نظرية وفكرية في لجان المقاومة، أما هو فقد كان كادرا قياديا وتنفيذيا في تلك اللجان، فتكاملت أدوارنا وصرت أخا أكبرا له، ومن خلاله لجميع الرفاق في لجان الحاج يوسف (شارع واحد)، ومن ثم في لجان أحياء الحاج يوسف.
وكان بشير يمتلك عربة يعمل بها في القليل جدا من الأحيان، أما في الأحيان الأخرى الكثيرة فقد كان ينذرها لقضاء حوائج الناس بالكتمان، وانا كنت من بين الناس الذين تولى بشير ترحيلهم في واجباتهم المختلفة في الأحزان، وفي الأفراح، وفي المشاوير العادية، وفي توزيع الكتب.
وفي أزمة غاز الطهي، تولى بشيرٌ أمرنا، فكان يملأ أسطواناتنا قبل أن يقطع الغاز في البيت.
وكنا نستلم التمور القادمة من الشمالية لنا سنويا من بيت عمتي علوية في الصحافة، ونقوم بإيصالها لمنزل الوالد بأبو آدم.
وكان يقول لي ضاحكا:
- التمر دا بكسر الشاصي بتاع العربية، والله العظيم لو ما انت انا ما برفع تمر في العربية دي كلو، كلو!
إبان الثورة، وبعدها، تفانى بشير في خدمة قضايا الحرية والسلام والعدالة، وتفانى في العمل في منظمات المقاومة وفي غاضبون وفي ملوك الاشتباك، وكان لا يهاب الموت، ويتحدث عنه دائما كاحتمال وارد، بل قل كأمر واقع، ولم يمنعه خوف أو يعيقه وجلٌ عن الانتظام في جميع مهام العمل المقاوم مع زملائه في الحاج يوسف وغيرها من أحياء الخرطوم.
تحدثت معه بعد وقوع الحرب، ونصحته، بل رجوته، ان يغادر إلى الشمالية مع أسرته، ولكنه كان يجيبني كمن يهدهد طفلا، ويطمئنني بانه سيخرج عاجلا دون أن يعني ما يقول، ودون أن يعمل له.
وفي فترة وجوده في البيت أثناء الحرب قام بأنشطة خيرية عديدة يصعب المجال هنا لحصرها، فقد كان حريصا على تواصل الأسر المشتتة في أصقاع السودان، وأشرف على مشروع قدرة الفول، وعندما ضاق بهم الحال أكثر اختاروا أرضا مسورة في الجوار وزرعوا فيها أصناف الخضروات من رجلة وباذنجان وطماطم وخلافه، هو ومعه مجموعة فريدة من شباب الحاج يوسف (شارع واحد) المستنير، كيف لا؟ والطيور على أشكالها تقع.
يشق على أن أنعى بشير، فمثله عائش في الخاطر ويعمر الوجدان، وستظل ذكراه حية كما ضميره الحي، ومتقدة كما ذهنه اللماح، ولكني أبث شوقي إليه، فقد فقدت بموته صديقا عزيزا، وأخا أصغرا، وزميلا مصادما لا يهاب.
30 يوليو 2024م.
amsidahmed@outlook.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحاج یوسف فقد کان
إقرأ أيضاً: