تحتفل الكنيسة القبطية بتذكار نياحة القدّيس يوسف النجّار، هذا الرجل العجيب الذي رافق السيدة العذراء في كلّ تفاصيل تحرّكاتها، منذ ما قبل ميلادها للسيد المسيح وحتّى بداية شبابه، فهو كان ربّ الأسرة الذي اهتمّ بإعالتها، وقيادتها، ورعايتها من كلّ جهة، وقد اختاره الله بعناية فائقة للقيام بهذه المهمّة الصعبة، والتي نجح فيها بامتياز.

  وقال القمص يوحنا نصيف فى تصريح له،  لعلنا نرى خمسة ملامح واضحة في شخصيّة هذا الرجل البار، تَكشِف لنا لماذا اختاره الله من وسط كلّ شعب إسرائيل ليكون بمثابة والده بالجسد أمام الناس؟

   أوّلًا: هو عاش بالإيمان والتسليم الكامل لله.. فلم يعرِف أبدًا خريطة كاملة لما سيحدث معه، ولكنّه تعلّق بالله وسار معه خطوة بخطوة، ويومًا بيومٍ.. كان ينتظر التوجيه الإلهي قبل كلّ خطوة، لكي يسير طبقًا له.. كانت اللغة التي يتكلّم بها الله معه هي لغة الأحلام، فكان يُرسِل له الرسائل مع ملاك في حلم الليل، وكان القديس يوسف بدوره مُطيعًا تمامًا وبشكل فوري لما يقوله الله، حتّى لو كانت تلك الطاعة مُكلِّفة وبها مشقّة كبيرة.. ولكنّ ثقته في رعاية الله كانت بلا حدود..!

   ثانيًا: شهد له الوحي الإلهي أنّه كان بارًا (مت1: 19).. ومهذّبًا جدًّا.. فاستحقّ أن يؤتمَن على سِرّ التجسُّد الإلهي.. التصق بالله وبخدمته، فصار اسمه خالدًا.. لم نرَ منه انفعالًا متكبّرًا أو تصرّفًا خشنًا.. ولم نسمعه يعترض على شيء، بل تقبّل كلّ التدابير الإلهيّة بخضوع ووداعة وصبر، على الرغمّ مِمّا كان فيها من أمورٍ صعبة وغير معتادة..!

   ثالثًا: تميّز بالهدوء والحكمة والبساطة، وعدم التدخُل في خصوصيّات الغير.. فكان صامتًا أكثر من السيّدة العذراء، ولم يسألها عن أسرارها مع الله، ولا طلب منها تأكيدات معيّنة أو أيّة تفاصيل.. بل أنّ الأناجيل كلّها لم تذكُر له أيّة كلمة قالها، لقد كان يُعبِّر فقط بأعماله المملوءة حُبًّا..!

   رابعًا: كان يتمتّع بروح الجنديّة في احتمال المشقّات بصبر ودون شكوى، على الرغم من تقدّمه في السنّ.. فصار جنديًّا صالحًا ليسوع المسيح (2تي2: 3).. لم تكُن التحرُّكات والأسفار سهلةً أبدًا في ذلك الوقت، ولكنّه تحلّى بالمثابرة واحتمل المشقّات العظيمة، لكي يتمّم الرسالة والخدمة التي كلّفه بها الله.

   خامسًا: تميّز بتحمُّله للمسؤوليّة، مُعتبِرًا أنّها بركة من الله له.. قد تكون المسؤوليّة صعبة، ولكنّها تُفيد في نضج الإنسان، وتؤهّله للإكليل.. وقد لا يفهم الإنسان تدابير الله في البداية، ولكن مع مرور الوقت يكتشف مقاصِد الله. لقد بدأ القدّيس يوسف بمرور الوقت يفهم رسالته، وأهمّية وجوده كزوجٍ (ظاهريًا) للقدّيسة مريم، التي حرص الربّ يسوع أن يحفظ لها كرامتها في المجتمع، بعد ولادته العذراويّة المعجزيّة منها.. فكان لا بد من وجود شخص كربٍّ للأسرة.. وقد قام القديس يوسف بهذه المهمّة خير قيام..!

   الحقيقة أنّ القديس يوسف النجار هو نموذج للخادم الذي يفرح الله بالعمل معه.. يفرح بإيمانه وجدّيته.. بتواضعه وصبره.. بطاعته واستعداده لحمل المسؤوليّة دون شكوى أو تذمُّر.. لذلك سيظلّ قدوةً ونموذجًا عملاقًا للخُدّام، عبر كلّ الأجيال.

 

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: الكنيسة القبطية يوسف النجار العائلة المقدسة القدیس یوسف

إقرأ أيضاً:

بمناسبة المولد النبوي.. شرح الشفاعة النبوية في ضوء البشارات الإلهية

قدم الدكتور علي شمس الدين، الباحث الشرعي بالأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، شرحًا مفصلًا حول فضيلة الشفاعة النبوية، تزامننًا مع اقتراب ذكرى المولد النبوي الشريف، مستندًا إلى البشارات الإلهية الواردة في الكتاب والسنة. 

تناول الدكتور شمس الدين في حديثه أهمية الشفاعة النبوية وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم سيكون شفيعًا لأمته يوم القيامة، مما يعزز إيمان المؤمنين ويقينهم برحمة الله.

الشفاعة النبوية

أوضح الدكتور شمس الدين أن الشفاعة النبوية هي إحدى النعم الكبرى التي خص بها الله سبحانه وتعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، وهي تعبير عن محبة الله ورحمته بعباده المؤمنين. 

فقد وعد الله المؤمنين بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وهو ما يزيد من يقينهم برحمة الله ويدفعهم إلى مزيد من الإيمان والعمل الصالح.

البشارات الإلهية للمؤمنين

في حديثه، أشار الدكتور شمس الدين إلى بشارات الله للمؤمنين كما وردت في كتابه الكريم، حيث قال: "وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ"، مما يعني أن المؤمنين الذين قدموا عملًا صالحًا لهم منزلة رفيعة عند الله. 

قدم الصدق يشير إلى المكانة الرفيعة التي سيحظى بها المؤمنون في يوم القيامة، حيث سيتم تقديمهم في الحشر ويدخلون الجنة بفضل الله ورحمته.

النبي صلى الله عليه وسلم كشفيع للأمة

وأشار الدكتور شمس الدين إلى بعض الأحاديث النبوية التي تؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم سيكون شفيعًا لأمته يوم القيامة. 

ففي حديثه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَومَ القِيَامَةِ". 

وهذا يعكس فضل النبي صلى الله عليه وسلم ومكانته الكبيرة عند الله، حيث سيكون هو الشفيع الذي يسأل الله أن يغفر لأمته ويدخلهم الجنة.

تفسير العلماء للشفاعة النبوية

تناول الدكتور شمس الدين أيضًا بعض أقوال العلماء في تفسير الشفاعة النبوية. فقد قال سهل بن عبدالله: "هي سابقة رحمة أودعها الله في محمد صلى الله عليه وسلم"، مما يعني أن الشفاعة هي نعمة خاصة منحها الله للنبي صلى الله عليه وسلم كرحمة لأمته. وقال قتادة والحسن وزيد رضي الله عنهم: "قدم الصدق سيدنا محمد يشفع لهم"، مشيرين إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم سيشفع لأمته يوم القيامة بفضل الله ورحمته. 

كما أشار الحكيم الترمذي رضي الله عنه إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم هو "إمام الصادقين والصديقين، الشفيع المطاع والسائل المجاب"، مؤكدًا على مكانته الخاصة وعظمته في الشفاعة.

مقالات مشابهة

  • بمناسبة المولد النبوي.. شرح الشفاعة النبوية في ضوء البشارات الإلهية
  • بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف.. أدعية تنهي الأحزان
  • بطريرك الأقباط الكاثوليك يشارك في قداس تطويب "الدويهي" بكاتدرائية القديس يوسف بالقاهرة
  • برقيات تهنئة بمناسبة المولد النبوي الشريف 2024
  • الشاعر يوسف جمعة النجار.. عمل كلّما نادته فلسطين وحيثما أرادته
  • منصات كانت جاهزة لإطلاق الصواريخ.. إسرائيل تُعلن قصف بنى عسكرية لحزب الله في الجنوب
  • الجيش الإسرائيلي: استهداف منصات صاروخية كانت جاهزة للإطلاق جنوب لبنان
  • استقبال حافل للبروفيسور يوسف عبد الله العائد من غزة حيث تطوع لرعاية ضحايا الحرب
  • الأنبا توما يترأس القداس الإلهي لمجموعات الكشافة لراحة نفس المنتقلة مريم ميشيل
  • الأنبا توما حبيب يترأس القداس الإلهي لمجموعات الكشافة