الوطن:
2024-12-18@18:45:09 GMT

النائب الدكتور يوسف عامر يكتب: فاعفوا واصفحوا

تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT

النائب الدكتور يوسف عامر يكتب: فاعفوا واصفحوا

العفوُ والصفحُ وصفانِ جميلانِ، وردا فى كتابِ الله تعالى متلازمينِ فى غيرِ موضع، منها قولُه تعالى: «فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِى اللَّهُ بِأَمْرهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ» [البقرة: 109]، ومنها قولُه سبحانه: «وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» [النور: 22]، وقولُه عز وجل: «وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» [التغابن: 14].

ويُلحظُ فى هذه المواضعِ تقدُّم العفو على الصفح، وذلك لأن الصفح عفو وزيادة، فالعفو هو ترك عقوبة المذنب، وهذا يحتاج قدراً كبيراً من التسامح يملأ النفس بحيث تتجاوزُ عن عقوبة مَن آذاها.

أما الصفح فهو مِن صَفْحِ الوجهِ أى جانبِهِ وعرضِه، وهذا -كما قال السادةُ العلماء-: مجازٌ عن عدم مواجهة المذنب بذكرِ ذنبه؛ أى: عدم لومِه عليه وتذكيره به، فهو أبلغ من العفو.

ولهذا تقدَّمَ العفوُ على الصفح تعويداً للنفس على التدرجِ فى الرقى، فهى تعفو عن عقوبة المذنب فى حقِّها أولاً، ثم هى ترتقى فتصفح عنه ولا تُذكره بذنبه، ولا تلومه عليه، فذِكْرُ الجفاءِ وقتَ الصفاءِ جفاءٌ.

ويستطيعُ الإنسان أنْ يحمل نفسه على العفو والصفح بأن يتذكر ما كان من مواقفَ طيبةٍ سابقة لهذا المعتدى، وكما يقولُ الإمامُ الشافعى رضى الله عنه: الحُرُّ مَن يَرْعَى وِدَادَ لَحظَة، ويَنتِمى لمن أفاده لَفْظَة. إنه رضى الله عنه جعل مراعاة الناسِ لِمَا كان بينهم من وُدٍّ استمرَّ لحظاتٍ قليلةً هو حقيقةُ الحرية التى تعنى كرَمَ النفس وخلوصَها من سيئِ الطباع، فضده إذن -وهو عدم مراعاةِ سابقِ الود والصفاء- دليل على أن النفس مُستعبَدَة لسيئ طباعها، فهى ليست كريمة.

ولأن الصفح شديد على النفوس قال الله تعالى: «فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ» وعبارة (حَتَّى يَأْتِىَ اللَّهُ بِأَمْره) تشير إلى أن الله تعالى سوف يشفى غليل النفوس التى ظُلمَت، فهى طمأنة لخواطر المأمورين بالعفو والصفح. والله سبحانه وتعالى قدير على كل شىء وهو سبحانه مع قدرته يعفو ويصفح.

والآية الثانية «وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» نزلت فى سيدنا أبى بكر الصديق رضى الله عنه حين حلف أَلا يُنفق على مِسطَح ابنِ خالتِه لترديده كلام المنافقين فى السيدة عائشة رضى الله عنها، وكان مسكيناً، ولما قرأها سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم على أبى بكر قال: بلى أُحبُّ أن يغفرَ اللهُ لى. ورَدَّ إلى مسطح نَفقتَه.

والآية الثالثة «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُواً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»، أى قد يجد الإنسان عداوة من أقرب الناس إليه، كالأزواج والأولاد، وهو مأمور بالحذر، والله تعالى ندبَ له أن يعفو عنهم فلا يقابل العدواةَ بمثلها، وأن يصفحَ فلا يوبخهم، وأن يغفر بأن يستر عيوبهم تلك، فإن فعل هذا {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

والعفو والصفح إحسان يحب الله تعالى صاحبه «فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» [المائدة: 13]، وقد أمر حبيبه صلى الله عليه وسلم ليس بمجرد الصفح، وإنما أمره بالصفح الجميل مع أولئك المكذبين له! «وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ» [الحجر: 85].

* رئيس لجنة الشئون الدينية والأوقاف بـ«الشيوخ» ورئيس قناة «الناس»

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: العفو الصفح المحبة المغفرة رضى الله عنه الله تعالى ه تعالى ص ف ح وا ه علیه

إقرأ أيضاً:

علي جمعة: تقوى الله وحسن الخلق أكثر ما يدخل الجنة

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الله عز وجل جعل التقوى هي معيار التفاضل المعتبر عنده، ونفى وجود تفاضل وتمايز بين خلقه إلا وفقا لذلك المعيار ألا وهو معيار التقوى فقال تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواص الإجتماعي فيسبوك، أن الله عز وجل أخبرنا أن التقوى هي الوصية التي يوصي بها عباده على مر الزمان، فقال تعالى  : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِياًّ حَمِيداً ).

وقد أخبر النبي ﷺ بفضل التقوى في كثير من أحاديثه الشريفة، فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : «أكثر ما يدخل الجنة تقوى الله وحسن الخلق»[أخرجه الترمذي]. وعن سعد بن أبي وقاص قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : «إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي» [أخرجه مسلم] .

وقد خطب سيدنا النبي ﷺ في فتح مكة فقال : «أيها الناس ، إن الله قد وضع عنكم عبية الجاهلية وتعظمها بآبائها، الناس رجلان،  فبر تقي كريم على الله ، وكافر شقي هين على الله، أيها الناس ، إن الله يقول : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ، أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم}. [المصنف لأبي شيبة].

وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت : «ما أعجب رسول الله ﷺ بشيء من الدنيا ولا أعجبه أحد قط إلا ذو تقى» [رواه أحمد].

وبين النبي ﷺ أن ملازمة التقوى تصل بالعبد إلى منزله الورع، التي يترك فيها العبد بعض الحلال خشية الوقوع في الحرام، فقال ﷺ أنه قال : «لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين، حتى يدع ما لا بأس به، حذرا مما به بأس»  [الحاكم في المستدرك]. وأوضح النبي ﷺ أن تقوى الله هي أصل الأمور كلها فقال ﷺ : «أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله»  [الجامع الصغير للسيوطي]. 

فعباد الرحمن أصحاب همة عالية وعزيمة صادقة، فهم لا يسألون الله مجرد التقوى بل إنهم يسألونه أن يكونوا أئمة للمتقين، يقول القرطبي في معنى قوله تعالى : (واجعلنا للمتقين إماما) أي قدوة يقتدى بنا في الخير وهذا لا يكون إلا أن يكون الداعي متقيا قدوة وهذا هو قصد الداعي. [تفسير القرطبي]. وقال ابن كثير : «قال ابن عباس والحسن والسدي وقتادة والربيع بن أنس : أئمة يقتدى بنا في الخير. وقال غيرهم : هداة مهتدين، دعاة إلى الخير، فأحبوا أن تكون عبادتهم متصلة بعبادة أولادهم وذرياتهم، وأن يكون هداهم متعديا إلى غيرهم بالنفع؛ وذلك أكثر ثوابا، وأحسن مآبا» [تفسير ابن كثير].  

فبسؤال الله الإمامة في التقوى يتحصل تمام التقوى وزيادة، ويمن الله على عباده بدرجة الإمامة بالتقوى والإمامة في الدين بعد أن يمن عليهم بالصبر واليقين، قال تعالى : (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ).

فكانت هذه هي صفات عباد الرحمن، وكان جزاؤهم بهذه الصفات الجنات الدائمة والسعادة الأبدية في الآخرة، قال تعالى : (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًا وَمُقَامًا). جعلنا الله منهم.

مقالات مشابهة

  • د.حماد عبدالله يكتب: وما نيلُ المطالب بالتمنى !!
  • خالد عامر يكتب: مصر والتحديات الإقليمية
  • الإفتاء: الإسلام يحرم الإسراف في استهلاك المياه
  • علي جمعة: تقوى الله وحسن الخلق أكثر ما يدخل الجنة
  • كل كلام يقوله الإنسان محسوب عليه إلا 3 أمور فما هي؟.. علي جمعة يوضح
  • كيف تحصن نفسك من الفتن والإقلاع عن المعاصي.. علي جمعة يوضح
  • اعدام أردني في السعودية
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • د.حماد عبدالله يكتب: لماذا سميت "مصر" بالمحروسة !!
  • الدكتور سلطان القاسمي يكتب: اكتشاف آثار برتغالية جنوب رأس الحدّ في بحر عُمان